أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
نشيد أوروك.. شلال شعري

شيركو بيكه س
- ستوكهولم -

إنها قصيدة الفاجعة الجماعية في العراق. ضحايا ينشدون نشيدهم جماعياً أمام مرايا ملطخة بالدم. إنها قصيدة الكورال. تدفق لغوي، لغة متلاطمة الكلمات والصور على الدوام. كما وأن الشعر هنا يشبه سداً في بعض الصفحات إذ يخزن الماء بهدوء ومن ثم تُفتح البوابات لكي تتدفق خارجاً وبقوة ألف حصان شعري!. وهناك ترصد دائم لقناص الموت في القصيدة كأن الشاعر يريد أن يقول كل شيء قبل أن يقنصه الموت وكأنه متأكد من الموت يأتيه بعد كتابة كل صفحة. إنها كتابات في غرفة الإعدام الكبيرة في العراق. والكتابة في هذه الحالة تصبح كتابة جريئة. كل شيء على شكل موجات متلاحقة. نهر شعري. كما وأنها قصيدة الإنتصار على الموت والصمت والجبن. أنها قصيدة الصراع بين الحياة والموت. صور ذهنية ممتزجة بالواقع المعاش ـ اليومي، وكذلك أي القصيدة هي حفر دائم ـ قصيدة أركيولوجية ـ تحفر وتحفر. وكذلك هي قصيدة "هيمنة الخوف" التي تعيش في الماء والخبز ـ اللقمة اليومية ـ  حيث نعلكها على مدار 24 ساعة يومياً. واللغة هنا تشبه القلعة الأخيرة لمقاومة الشاعر ولكي يحمي الوطن. خندق  شعري طويل بقامة العراق حيث يدافع فيه الشاعر عن كل الموجودات التي حوله. وكذلك هي ذاكرة الأرض وأقصد هنا الذاكرة التي يمتلكها الضحية أينما وجد. وكذلك هي ملحمة الإنسان الذي حشر رأسه في فوهة مدفعية وهو يصرخ صرخاته الأخيرة. إنها ليست قصيدة "غرفة" وإنما هي قصيدة "وطن"، وليست هي قصيدة تنكمش في زاوية من زوايا قلب الشاعر فقط وإنما هي تمتد بعيداً في الأرض وتحلق عالياً في السماء. ما أجمل أن نقرأ شعراً نرى في عيونه الينابيع الصافية وفي قلبه السحب الماطرة وفي رأسه البروق. كما وأن في القصيدة كثيراً من الالتفاتات المهمة للمثيولوجيا والتأريخ والأغاني الشعبية وحتى للأقاويل اليومية للناس العاديين وكل هذا في خدمة النص الشعري.
سفينة شعرية تمخر عباب بحر هائج. لقد استمتعتُ حقاً بقراءتها كما أستمتع بحديث أمي وذكرياتها حين ألتقيها ـ وهي تعيش في أمريكا وعمرها تناهز الثمانين عاماً ـ
أنها قصيدة صليب العراق والمسيح كلنا. كما وأنها قصيدة لها عيون كثيرة وآذان كثيرة حيث ترى خرزة في قعر نهر وتسمع هسيس ورقة ذابلة. إنني متأكد بأن "العذاب" هو خميرتها.
وفي كتابة المطولات الشعرية الجيدة يكون المخاض طويلاً والولادة عسيرة وشاقة. كأن أماً مثلاً تلد 8 توائم وليس وليداً واحداً كما أعتقد. [حيث أنني كتبتُ مطولاتي الشعرية "مضيق الفراشات" و"الصليب والثعبان ويوميات شاعر" والأخيرة حوالي 400 صفحة وطبعت باللغة الكردية] عانيت نفس المعانات، لأن القصيدة القصيرة هي تحمل في طياتها "حالة واحدة"، "مخاض واحد". أما المطولات الشعرية فهي تحمل في قلبها آلاف الحالات. كما هو الحال ما بين "القصة القصيرة" و"الرواية". فالقصة القصيرة هي قصة (موقف وصوت وحالة معينة) أما الرواية فهي (حالات ومواقف وأصوات متعددة)، الأولى تشبه "غرفة أو بيت صغير" والأخرى تشبه "عمارة". طبعاً في كل قصيدة طويلة أي في كل نهر شعري هناك بعض الأماكن التي ينحسر فيها (الماء)، وأماكن فيها الدوامات، وأماكن فيها العمق. وهناك في طريقها نرى الأعشاب والغابات والهدير وفي قسم آخر نرى الهدوء وهكذا...
كما وأن (العذاب) في العراق ليس له "محطة للتنفس والراحة" كذلك هي قصيدتك لا توجد فواصل ولا أرقام ولا إشارات. إنها نهر العذاب المستمر في جريانه.
المهم أن نكتب بالدمع والضحكة في وقت واحد، أي كالحياة نفسها.
وكذلك أجمل ما في القصيدة هي تلك الأغاني الذاتية الممتزجة بالنشيد الجماعي، وكذا هي إنطولولجيا المكان - الأمكنة - التواريخ، الأسماء.

5/5/1998 ستوكهولم


(*) نشرت في مجلة "ضفاف" ع 9 شباط/ فبراير 2002 النمسا (عدد خاص- الصائغ في مرايا الإبداع والنقد)
 
البحث Google Custom Search