أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
كتب جديدة:

مرايا.. عدنان الصائغ

حسب الله يحيى
- بغداد -

لو تكسرت كل المرايا.. أكان بإمكان الشاعر عدنان الصائغ أن يرى شعر حبيبته الطويل؟ أكان عليه أن يهديها المرايا حتى يرى شعرها, أم ترى هي بهاء هذا الشعر الذي أثار شجون شاعر؟ أكان لمثل هذه الحبيبة أن تجعلنا نطوف مع عدنان الصائغ في الشوارع, ونتعرف الأصدقاء واحداً.. واحداً.. ونترقب فعل الطلقة وقطرة الجراح في حرب أرادت أن تقتل الحياة.
ونقرأ سطوراً منه وسطوراً من غيره اكتشفها في مسيرة قراءاته؟ عدنان الصائغ, كان يعرف جيداً أنه "يكتب لحل ديونه والقصيدة لزيادة شجونه" ويدرك كذلك أنه قد "ضيع الكثير من سنواته عبثاً" وكان في ذاكرة النقد التي نحمل.. أن ننبه إلى هذا الضياع بين أن يكتب ليعيش, وينشد لكي تحتفل شجونه ومع هذه الشجون يحتفل الكون.
لكن عدنان الصائغ كان يدرك تماماً أنه منقسم على نفسه عقلاً ووجداناً ومسار حياة.. وهو يريد أن يجمع كل التفاح بين أصابعه.. غير أن طموحه ذاك سيجعلنا نخسره شاعراً, ويربحه الدائنون وباعة الكلمات الرخيصة.. الذين لا يريد أن يكون واحداً منهم في قناعات داخل نفسه وذاكرته.. ذلك أنه يعترف بإخلاص ومرارة معاً:

".. بمجرد أن أرمش جفني..
تتساقط صور القنابل بدل الدموع
كفاك تحديقاً في مرايا عيوني
لقد بكيت كثيراً, أكثر مما يجب
أكثر من كمية الدموع المخصصة لحياتي"..

ومثله لا يستهين بقصائده.. فهي "شجونه" فعلام يتساءل:

"ماذا أفعل بكل قصائدي إليك عندما ترحلين"..

ذلك أن الشعر أبقى.. وهو يدرك هذا أكثر من سواه.. ودليلنا قوله:

"اقتربت منها
اقتربت أكثر..
وعندما مددت كفي لأودعها
لم أجد أصابعي
بل عشر شموع – من الحنين – تذوب ببطء"

هذه الشموع المشحونة بالحنين, هي من فعل الشعر, لا من فعل الأشياء التي تشيخ وتبلى, فهي الكفاية:

"تكفيني قنينة حبر واحدة لأضيء العالم
ويكفيني رغيف ساخن من تنور أمي
لأتأكد من حداثتي".

هذا الاكتفاء – لو ألزم الشاعر نفسه به – لكان منسجماً مع شعره – شجونه, ولرفض كلمات عابرة يدبجها لدائنيه..
فمن عرف "كل زيف الحرب" هو الأكثر قدرة على "وصف سلام بلاده" ذلك أنه يدرك تماماً "أنه غير محتاج لكل هذا".
وشاعر يقظ مثل عدنان الصائغ.. لا ينبغي أن يرضى بالقليل بـ "فرح بحجم الفم".. ليحوله بدوره "إلى حقول مطر, ونوافذ ياسمين".
فالفرح لا يوهب للشاعر ولا لسواه.. الفرح يؤخذ.. الفرح يستل من الدم والدمع والكثير الكثير من الأحزان.. حتى يتجلى على الشفاه فرحاً بملء الفم وباتساع الأفق وتوزع الأرجاء فهو يدرك – أيضاً – أنه في الوقت الذي كان "يقاتل بضراوة" كان الآخر "يتاجر بشراهة".
ومن يعلم ويدرك كل هذا عليه أن يمتلك إصرار موقفه:

".. تستطيع أن تشتري القلاع والذمم والشقق المكيفة ولكنك لن تستطيع أن تشتري حلم شاعر".

هذا الموقف هو الذي يجعل من الشاعر إنساناً يمتلك المبادئ والقيم.. وهو الذي يعز ويذل الشاعر والإنسان معاً..
من هنا كان الشاعر.. سراجاً وسواه من تجار الكلمة.. عتمة في دروب لا بد أن نشقها بذاك السراج الذي يبدد العتمة ويحقق حضور الحياة.. ذلك أن حضور الحياة.. يعني حضور الفرح الذي ينبت وجوده من قطرة دم, ودمعة, وقلب شغل بالإنتظار.. الطويل.. الطويل..
فكان إن بددت القصيدة التي قطعت مسافات الوعي والموقف والجراح.. وتخطت كل مسافات البعد.. وأضاءت المرايا.. وجعلت مشهد الحلم – حقيقة, وشعر المحبة يطول.. يطول إلى ما لا نهاية.. حتى يبدد كل الأحزان ويغسلها بزهو المطر وعطر الياسمين.

مرايا الشعر الطويل – نصوص نثرية – عدنان الصائغ/ منشورات دار الشؤون الثقافية / بغداد 1992

(*) صحيفة "القادسية" – بغداد – 6/4/1993 ص ثقافة
 
البحث Google Custom Search