أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
شعرها الطويل في مرايا عدنان الصائغ

"حياتي شوارع من الريح"

معتز السلطي
عمان

صدر للزميل الشاعر عدنان الصائغ كتاب شعري جديد، بعنوان "مرايا لشعرها الطويل" عن وزارة الثقافة والإعلام في بغداد.
الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي، كتب في تقديمه للكتاب قائلا: "وليس ما أقوله هو رثاء أو تقريظ لصديقي الشاعر عدنان الصائغ. فهو قد شب عن الطوق، ولم يعد الرثاء أو التقريظ يقدمان له وجبه كلمات في حانة!"
وعلى الغلاف الأخير كتب البياتي مشاعره إزاء الكتاب الجديد، في قصيدة يقول فيها:

"أكتشف الأنفاق الحجرية في روحي
والمنفى والنار
ومقابر بغداد
أكتشف اللوح المحفوظ،
والمقبوس المسماري النابضَ في جدل الروحْ
أكتشف، الآن، لماذا كانت
أصوات الموتى، تصعد من بئر شقائي
ولماذا كنتُ أخافْ
من بعض الأصوات الغامضة التعبى
تثقبُ صمتَ الأنفاقْ
أكتشف البعد الخامس في مرآة الأشياء
وفتوحات الأسلاف الشعرية في نار الكلماتْ
لكنّي وأنا أتماهى في داخل روحي
أحرقُ الآنْ"

وفيما يلي نص قصيدة "بالون" من الديوان الذي يضم نصوصاً تحاول قصيدة النثر بأدوات شعرية ناضجة، وتعكس آلام وأحلام شاعر عراقي حمل هم الوطن وأشواق الشعر والجمال والمستقبل، في المعسكرات وخنادق القتال وشقاء الكدح. وظل، بالرغم من كل شيء، متمسكاً بأحلامه الكبرى، أحلام شاعر يتهجى صورة عراق عظيم.

بالون

أنتَ تملكُ الصكوكَ..
وأنا أملكُ القصائدَ..
ورغم ذلك فأنا أكثرُ سعادةً منكَ
حياتُكَ: بنوكٌ، ومسابحٌ من الفسيفساءِ، وسكرتيراتٌ أنيقاتٌ، وكونياك، وملاعقٌ من ذهبٍ، وصفقاتٌ ودم...
وحياتي: شوارعٌ من الريحِ، وكمبيالاتٌ مستحقةٌ، وأصدقاءٌ، ومطرٌ، وخبزٌ منقوعٌ بالباقلاء...
ورغمَ ذلك..
فأنا أستطيعُ أن أضعَ رأسي على الوسادةِ وأحلمُ
أما أنتَ فلا تستطيع أن ترى غيرَ الكوابيسِ

*

أنا الشاعرُ عدنان الصائغ
رأيتُ من الخنادقِ والمساطرِ والأكواخِ والمعسكراتِ
أضعافَ ما رأيتهُ أنتَ.. من الصالوناتِ والسهراتِ والمطاعمِ الفخمةِ..
وبيدي هاتين،.. اللتين كثيراً ما خدشتا أصابعَكَ الناعمةَ
وهما تصافحانكَ...
بيدي هاتين،..
حملتُ عشراتِ الجثثِ من ساحاتِ المعاركِ
وبعتُ السجائرَ والصحفَ على أرصفةِ المدنِ..
ونقلتُ الصناديقَ في مخازنِ الشالجيةِ، والطابوقَ والجصَ لبيوتِ الأثرياءِ..
وغسلتُ الصحونَ في المطاعمِ الرخيصةِ
وعملتُ في المجاري والمقاهي والمكتباتِ
من أجلِّ لفّةِ همبركر...
أستطيعُ أن أمضغها ملتذاً
وأنا أجوبُ الشوارع عائداً إلى البيتِ
أما أنتَ...
فما أكثر ما كنتَ تشكو المللَ والتخمةَ
وأنتَ تنبشُ أسنانَكَ المنخورةَ
بعيدانِ الثقابِ
لتستخرجَ... لحمَ الآخرين

*

أعرفُ أن في شرايينكَ يجري ماءُ الكولونيا
وفي شراييني شوارعٌ من الوحلِ
وأن ثمنَ حذائِكَ
يعادلُ أضعافَ راتبي من المجلة
ورغمَ ذلك..
فأنا أكثر سعادةً منكَ..
أستطيعُ أن أغمضَ عيني
لأرى حشداً من النجوم تحطُّ على سطحِ بيتنا الطيني
وأن بين أصابعي تترقرقُ الآف الينابيع
وهي تنحدرُ إلى القرى
ما الذي نفعلُ
نحن الفقراءَ المنتشرين على أرصفةِ المدن
الفقراء الذين لا نملك سوى التسكعِ والطيبةِ والحبِّ
ما أكثر ما نظرتَ إلينا بازدراء
وأنتَ تمرقُ أمامنا بسيارتكَ الفارهة
لقد قاتلنا بضراوةٍ..
من أجلِّ أن يكون لنا وطنٌ،
وشوارع، وشمسٌ، وأشجارٌ، وكرامةٌ، وخبزٌ، وقصائد
وتاجرتَ بشراهةٍ
من أجل أن يكون لك رصيدٌ،
وصكوكٌ وعمارات
ماذا نفعل ؟
إذا كنا قد انشغلنا بهموم الوطن
وانشغلتَ بهموم الصفقاتِ
إذا كنا قد غصنا في طين الجبهاتِ.. حدَّ الركبِ
وبقيتَ تتفرج على ثيابنا المبقّعةِ بدمِ المعاركِ وغبارِ القنابلِ
                     - من خللِ زجاجِ مكتبك الأنيقِ –
دون أن تجرؤ حتى على لمسها
ورغمَ ذلكَ،
فأنتَ تستطيع أن تشتري القلاعَ والذممَ والشققَ المكيّفةَ
ولكنك لن تستطيعَ أن تشتري حلمَ شاعرٍ
وذلك ما يؤرقكَ طويلاً ..
طويلاً جداً..


(*) صحيفة "آخر خبر" عمان/ الأردن 23/3/1994
 
البحث Google Custom Search