ما الذي يميز شاعر عن شاعر آخر؟ اللغة؟ الوزن؟ الجمال؟ المشاعر؟ الثقافة؟ الريادة؟ الأفق؟ الإبداع؟ الجمهور؟
كلها واردة. وكلها مميزات تصلح للمفاضلة بين شاعر وآخر.
غير أني أضيف إليها – إذا سمح الشعراء – ميزة الصدق. الصدق مع النفس أولاً وثانياً ومع الآخرين ثالثاً. صدق التعبير عن الأحاسيس والمشاعر والضمائر ودقات القلب.
وقد وجدت هذا الصدق في ديوان الشاعر الشاب الواعد عدنان الصائغ، "سماء في خوذة" الذي صدر مؤخرا عن داء الشؤون الثقافية العامة.
وأتذكر أنه كان يقدم قصائده لنا على استحياء حين كنت مديراً لتحرير جريدة "الجمهورية" قبل سنوات. ولفتت انتباهي إلى شعره زميلتنا السيدة ابتسام عبد الله التي كانت تتحدث بحماس طفولي عن الفتنة في قصائده والصدق في مشاعره. وكانت أشعار عدنان الصائغ تجد طريقها دائما إلى النشر.. على الرغم من أنه يكتب شعراً حراً.. وأنا لا أميل إلى هذا اللون من الأدب بسبب كثرة المتطفلين على ساحة الشعر تحت هذه المظلة.
وديوانه الأخير. وهو الرابع، ولد في عملية قيصرية صعبة. وكاد أن لا يرى النور بسبب الصدق النازف دماً في بعض قصائده.
واقرأوا معي هذا الاعتراف الأمين:

"ارتبكت أمام الرصاصة. كنا معا في العراء المسجى على وجهه، خائفين من الموت. جمعت عمري في جعبتي،.. ثم قسمته بين طفلي..، ومكتبتي.، والخنادق.."

وتابعوا معي:

"قال العريف: هو الموت لا يقبل الطرح والجمع. فأختر لرأسك ثقباً بحجم أمانيك. هذا زمان الثقوب... أو.. فاهرب الآن.. من موتك المستحيل".

وأيضا نقرأ معا:

"الصحاب مضوا للرصاص. الصحاب...الصحاب.. سقطت.. فلملمني وطني... أينا سيخبئ – يا وطني – رأسه... ولنا خوذة.. واحدة".

من غير عدنان الصائغ يقول "أن القنابل تقتسم الأصدقاء"؟
من غيره يستغيث بالوطن في خنادق الموت الطائش: "ياسماء العراق... أما من هواء؟"..؟
.......
يا صديقي الصادق عدنان: .. خوذة قصائدك تحمي رؤوسنا من تجار الكلمة الكسيحة.