أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
غريب على الطريق - 8

شواراع خاليه في منتصف الليل والالم

ماخلفه الجندي المجهول

عبد اللطيف الحرز

8

كلما كتب رسالة
الى الوطن
اعادها اليه ساعي
البريد
لخطأ في العنوان - عدنان الصائغ

..كنت طفلا , اشاهد ((محروس )) ابن عشيرة امي ..محتارا مخذولا , كيف انه يقود كتيبة مدرعات ضد دولة ((شيعية مسلمه )) ...كيف يناصر الشيطان الذي يغويه بالموت والجهل والطرد من جنة التقوى  , فيقتل الملاك المبارك لصلاته , المكوثر لحسانته الى عشرات ومئات المرات ..؟!! ...كان ((محروس )) طيبا ، ودودا جدا ...كان يوشوش لأمي (( انا احب ايران ..الايرانيون  شيعة طيبون )) ...قال له احد الصغار بعدما تفاجأة امي ومحروس بوجودنا وانصاتنا الى هذا الحديث الخطر (( عمو ايران حلوه ...!؟....هي هم اتحبنه ؟!)) ...هكذا تساءلت براءة ذلك الطفل  , اجابه محروس بصورة قطعية لكنها لاتخلو من رجفة في الصوت الخفيظ : (( طبعا ..طبعا , اسمعهم بالراديو اشلون يوذنون مثلنا )) ....بعد ايام اخذ ذلك الطفل يتخيل صورة الاطفال الذين يتكلمون الفارسية وكيف يمرح معهم ...بيد ان حلم اليقظة انقطع ..بتراب واغبرة سيارة عسكرية تقف ...لتمدد ((محروس )) ميت امامنا ...قال زميله ان قناص ايرانيا قتله وهو يتوضأ مستعدا للصلاة ...اذ ان الايراني لم يكترث لوحدة الاذان التي كان يتغزل  بها محروس ...
ذات القنوط سوف ارقب سحنته في الجنود العراقيين الذين زحفوا على ركبهم  من على رمل الكويت , وحتى رمال الزبير في البصره ...كان مظهر الجندي العراقي , وهو يجرجر بندقيته المهزومة المنكسه , مثيرة للوجدان البشري برمته ...صورة اعتذر عنها الخالق والعبد معا قبل تحقيقها في رذيلة الوجود ...لقد كان مشهد جلجامش باسمله وذيال خيبته تلك , مشهد يستفز الوجود باكمله , بان يعيد صياغة قوانينه وسننه الطبيعية والوضعيه ...نعم هو ذات المأزق ...((محروس )) ثانية ...ذات الورطة ونفس المحنه , اشكالية التناقض العراقي الخالد  : كيف اهرب انا العربي الشجاع , وادع هؤلاء الامريكان يحتلون الوطن , بيد اني كيف يمكن ان اعتدي على هؤلاء الكويتيين العزل , الذين لايجيدون الكلام فضلا عن العراك والحرب ...كان الجندي يخطخط بذاته , وبسلاحه , يكتب يقينه في التحيز لاحدى الجبهتين بيد ان رمال الكويت والزبير تمحوان كل شيء ...كان الجندي جائعا , لايعرف , هل هو منتصر بخذلانه لصدام حسين ..ام منهزم وخاسر بدخول الامريكان ارضه ...؟! ...انفصام الشخصية اذن هي اهم سمات المواطن العراقي ..الذي لم يعرف فكرة ومفهوم (( المواطنة)) يوما ...العراقي تخلا عن ((الشماغ)) بيد ان الخوذة كانت اوسع من رأسه ..تدحرجت امامه , فاصابت دبابة الحضارة رأسه ...هذه الحيرة ستكون اولا الاشياء التي سابغضها بعد عدوي الاول الفقر ...صورة الجندي العراقي هذه ولدت في نوع من ((فياغرا )) تمردية نقدية للنص الثقافي والعادات الاجتماعية والتنظيم السياسي والديني , نعم سلطة ومعارضة على سواء ...صورة الجندي وهو يبدل بندقيته بقرص من الخبز , هي رصاصة استقرت بفكرة الاستقرار نفسها بالنسبة لي , ..في عقلي ومخيلتي ..جعلتني  اعشق شخصا واحدا  في  المعارضة العراقية فقط ...هو اصغرها سنا ..وافقرها مالا ..نعم هو بطل الاهوار الشاب الذي اخذت انظر اليه بكونه هو فقط من يستحق لقب الشهيد ,(( محمد هني  الياسري )) الفتى الذي كان يقاتل رتل الدروع لجيش صدام حسين  , غير مكترث بالمنهزمين من قوات المعارضة العراقية ...بطل حقيقي تتجاوز شجاعته جميع الافلام الهندية والامريكية ...احببت ثبات هذا الفتى وتحديه ..كان يهرول للموت , لايتردد او يتقهقر ..انها بطولة فعل لا انشاء وزوبعة اناشيد الحماسه ...الموت بهذه الطريقة , نقد عاصف ..نقد متوحش يفترس  القذيفه يروض دروع العدو...الموت هنا فاصلة , نقطة انتهاء جملة خبرية , اما الانهزام , الحيرة والشك والتردد والخوف من نقد رموز الماضي والذات ,فهو انشاء اخرق , لذا كرهت ثقافة الانشاء لكونها ثقافة هزيمه ...ان تكون ساكت تبتغي مراضاة الوسط الاجتماعي او السياسي او الثقافي ...ان تهرب من النقد ..من مواجهة تحديد اوكار الخطأ , معناه انك تبدل الذهب بالرماد , تبدل التراب بالدولار الامريكي , والعلم العراقي بعلم يشبه علم اسرئيل ....نعم هو لاغيره ..النقد هو الحياة ...هو غاية الثقافة ...هو وحده الموصل لنهاية الجملة الاخبارية ..التي توضح لك مقدار نصرك او هزيمتك ...اما الانشاء ...الشعر والقصة (بحسب الانتاج الجديد لها ) , ..الادب غير المفضي و ثرثرة حكايات المقاهي , والاعلام الصحفي والتلفزيوني ...فهو هروب ...هزيمة من الواقع ..تحايل وخداع للقارئ ...حيرة مع الالفاظ , نختم بها ديوان الحماسة , كي نعمل بعدها سائقي اجرة للأمريكين المتجولين في البصرة وبغداد ببزتهم العسكرية وعلمهم المرفرف فوق تمثال السياب وساحة الحرية ..
الحياة كلها بالنسبة لي خندق ((موضع )) تتطاير من حوله وفوقه الرصاص والقذائف ...انا لااستطيع اذا مشيت في السوق , او المسجد او الجامعة , الاان اشاهد الناس مجموعة من العقائد والافكار تتعارك كل يحاول ان يخترق عقلك , كما الرصاص في الحرب مع ايران وايام الجهاد العسكري في الاهوار ...لذا بت افزع من جميع انواع المواربة والمفاجأة ...انا افزع ان يدخل علي احد في مكتبي او غرفتي الخاصة بدون ان يقرع على الباب ويطلب الاذن , وكم من صديق حصل ن على لكمة في الوجه او الصدر بسبب دخوله المفاجيء ...ولازالت ((ميكن )) -عشيقتي الانيوزلنديه - تذكر كيف اشبعتها ضربا وركلا في بداية علاقتي معها , لكونها دخلت الى غرفتي وكنت نائما , خلعت ملابسها وستلقت كي تنام بقربي , ذعرت , فكان الضرب مني موجعا ومبرحا ....(( الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك)) , هكذا لما كبرت وقرأت نهج البلاغة , ضحكت ...قهقهت عاليا , كيف ان عبقري الدهر سبك حالتي النفسية بهذا الشك ..قطع متبادل ...تهميش وتهشيم ...هاون ضد هاون ...نعم انا رجل مبتل بالحروب ...الحرب شوهت في الاحساس بالاطمأنينه , لذا لو اني اردت ان اتبع شرط الفقهاء في الصلاة لما صليت ركعة واحدة , ...كنت ولازلت لااستطيع ان امسك كتابا بدون ان حمل القلم واسود حاشيته البيضاء بملاحظاتي ...اقول : يجب ان اهمشه والافانه سوف يهشمني .


(*) كتابات 12 حــزيــران 2004
 
البحث Google Custom Search