أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
نغمات متعددة لنشيد سلطة واحد

محمد الربيع محمد صالح

نحن أدرى وقد سألنا بنجد
أطويل طريقنا أم يطول
وكثير من السؤال اشتياق
وكثير من رده تعليل
أبو الطيب المتنبي

خلف الخطى الصاعدة الى العرش‚
ثمة دم منحدر على السلالم
عدنان الصائغ

الخطاب السياسي في السودان‚ ليس رافدا في سلطة معرفة تستمد حضورها من اكتناز وحيوية نابعة من القدرة على تحريك واسع لمفردات الحياة وادراجها في النسق الصاعد الى مقام الإنسان‚ انه ذراع لمعرفة سلطة وناموس تمركز‚ استضاف كامل انهار السلطة الجوفية واسترفد من آليات التناقض في تاريخ السلطة من تنح وسيادة ونفي وعزل وإلغاء واستبعاد‚ وأصبح آلية إدراج هائلة لغوايات الذات في مواجهة الآخر الذي ظل يتدحرج في مهاوي القنانة خلف الخطى الصاعدة الى العرش‚
ان مقام السلطة/ مقام الغواية أشبه ما يكون بهرم يضيق كلما ارتفع تتسنم ذروته التفاحة المعلقة في أفق ضيق‚ يضيق على رأيين فيها‚ دعك من اقتسامها‚ وهكذا تصبح التفاحة هي موضوع المعرفة وغايتها‚ وسرعان ما يستنفد الهرم ضرورته حيث يتابع رمز السلطة غسيل المكان ما يؤرق عزلته‚ مختزلا كامل المشهد الى ثنائية متعارضة مع/ضد‚ ولحظتها ينفتح افق معرفة السلطة على عرش متنقل ليس سوى امتدادات خفية/ ظاهرة تعيش معنا كأطياف سرعان ما تنحل في منشور التطور التاريخي لعلاقات السلطة الى مدن وبنادق ومعسكرات وعلاقات دولية وعواطف وأناشيد تضج بالنوستالجيا والندم‚ ان نشيد السلطة واحد‚ تتعدد نغماته فقط في أفق توليد مستمر‚
وهذه الأطياف وليد شرعي‚ لبنية بطرياركية تستمد قدرتها على تمديد أفق الوصاية على مجتمع «خديج» «لم يبلغ سن استحقاق الحرية» وبالتالي القدرة على الاختيار‚ من عدة روافد هي:

رافد القداسة

فالعرش ليس مسرحا لتجربة انساني تؤكد نفسها عبر بنية وعي انساني مرتبطة بتاريخ الإنسان على الأرض‚ وبتاريخ نزوعه الموضوعي لايجاد الأطر والأشكال المناسبة لتنظيم طاقاته‚ انه وعلى امتداد تاريخ خطاب السلطة مسرح مقدس محفوف بالقرابين والنذر التي يقدمها سدنة أنقياء ايديولوجيا يضربون بجذورهم عميقا في تربة القداسة‚ التي تعبرها الأطياف جيئة وذهابا بين المدن والمعسكرات والعلاقات الدولية والأناشيد‚

رافد القرابة

حيث تتراجع كامل مشاريع التنوير والتثوير والاختلاف امام بنية الذات وعلاقاتها ذات القدرة الهائلة على تسفيه خطابات الذاكرة الجماعية ونزعتها الموضوعية لترتيب المكان على أسس عادلة‚ ان رافد القرابة ينبع في المشهد السياسي السوداني من موقف ايديولوجي يستنفر كامل ذرائعيته حال الإحساس بخطر فقدان مركز السلطة‚ او حال التنحي عنه فيتجه الخطاب الايديولوجي عبر الأطياف الكامنة فيه الى عملية تحريك واسعة لاحتياطيه الاستراتيجي من بني سياسة مماثلة‚ او منتفعة او معادية للخيارات الأخرى‚ فيمتد العرش ويتسع وفق امتدادات حركة الأطياف في المراكز الأخرى‚ في فضاء العرش المتنقل‚

رافد التناقض

وهو الرافد المعني بتحريك «الرغبة» أهم آليات السلطة وتحويلها الى شعار وهنا تتشطى بنية الوعي السياسي الى مجموعة خطابات رغبة‚ يتم وفقها بلورة نوع من التشريع السياسي الذي تتم على أساسه عملية «التصنيف» وهي ايضا من آليات خطاب السلطة المهمة جدا حيث تتم عملية فرز وطني وقومي وإنساني على ضوء عمليات التغذية والتغذية العكسية لرافد التناقض‚

رافد التحديث

ان العقل السياسي السوداني الذي يتمظهر في برامج القوى وحركتها وحدود تأثيرها‚ ينم عن «عقل مغرم بتقليد أفعال نموذجية رسمت أصولها من زمن بعيد ومغرم بالنسيج على منوالها وحياته تكرار لا ينقطع لسلوك استلهمه الآخرون من قبل» لذلك هو عقل مغلق امام المتغيرات البنيوية على صعيد الإنسان والعالم‚ وجاهز لاستنفار جهاز مناعته ضد التحديث في كل الأحوال‚ مما أعطى مفاهيم العزلة والانغلاق ورهاب الآخر طابعا مقدسا وجعلها معزلا من معازل الخطاب السياسي الأساسية‚‚ورافد الحرية: الذي يتنحى لصالح خطاب استعلائي قائم على نفي إرادة الآخر «المجتمع الخديج الذي لم يبلغ بعد سن الحرية» وهكذا تقوم الخطابات السياسية في السودان بتأجيل كامل اسئلة السيرورة الإنسانية لصالح إغراء التفاحة ويصبح معظمها مسكوتا عنه ولا مفكر فيه‚ تحت إكراه كبير يطرح في شكل ارجحيات يصبح معها من غير اللائق وغير المهم ومن السفه والقيمي الكبير الذي انتظم حركة الكون‚‚ومن تأجيل الى تأجيل تذوي أشواقنا في تابوهات/محرمات الخطاب السياسي ونسأل بنجد ونحن أدرى أطويل طريقنا أم يطول!


(*) نشر في صحيفة "الوطن" القطرية 23/5/2003
 
البحث Google Custom Search