أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
مسرحية عراقية جديدة عن الحصار والحرب
كاظم النصار: من قصيدة النثر الي المسرح!

القدس العربي ـ من محمد مزيد
- بغداد -

الحرب والحصار هما الثيمتان اللتان شغلتا تفكير المخرج المسرحي العراقي الفنان كاظم النصار طوال عقد التسعينات، ومفتتح العقد الجديد، ولعل انشغاله تموضع بصيغ تعبيرية منحت خطابه الفرادة والتميز اللذين عرف بهما الفنان أيام الثمانينات حين كانت القصيدة النثرية تشغله قبل المسرح ليشكل مع مجموعة الشعراء من أبناء جيله توزعوا الآن في البلدان، ما سمي آنذاك بشعراء قصيدة النثر، ووقتها لم يكن المجال يسمح لتخصيب ثقافة هذه القصيدة التي وقف منها البعض ممن عني بالنشر موقفا متحفظا وهي لا تزال الوليد الجميل الذي غرف من منهله شعراء السبعينات ـ خزعل الماجدي، زاهر الجيزاني، سلام كاظم، جواد الحطاب، فاروق يوسف، رعد عبد القادر، عدنان الصائغ، كمال سبتي واخرون، ليصوغوا بياناتهم كثيرة الضجة، كثيرة الأضواء، سريعة الانطفاء، فكان والأمر هكذا من إن يستورثها الجيل الذي تلاهم، وهم الثمانينيون، من بينهم، محمد كاظم النصار، وسعد جاسم، ومحمد جاسم مظلوم، ونصيف الناصري،( هذا الشاعر كان أكثرهم صعلكة وحربا ضد الأجيال التي سبقته ) ويكون مخرجنا كاظم النصار أحدهم، ممن عاش الحرب الطويلة، الحرب العراقية الإيرانية ويعيش تفاصيل حرب الخليج الثانية وتداعيات الحصار طوال هذه المدة، ليتجه فيما بعد إلي المسرح تاركا قصيدة النثر،إلي أهلها الذين سافروا بها إلي غياهبها الواسعة، ويبقي هو يجود في المسرح بعد تخرجه في أكاديمية الفنون الجميلة قادما إليها من معهد الفنون، فكان لابد له من ان يكون هاجسه قضية الحرب، لأنها قضية بلده أولا واخرا، وها هو يخرج مبتكرات تعبيرية في المسرح، وصفها البعض بأنها عبارة عن قصائد نثر علي شكل حركات يتمخض فيها ألوان الأداء البحثي عن الأسئلة الجوهرية، معتمدا الرؤية الأكثر عنفا وشفافية في معادلة الحرب، تلك هي الرؤية ـ التشكل بحثا عن الحلول والتي طرحها عبر مسرحياته التسعينية كافة بجرأة معروفة عنه. فالحرب عند الفنان النصار، تمثل عنده المفهوم الذي يقول بان لابد من إيجاد البديل، أي بديل عن وجود الحرب، حتي لو اقتضي ذلك اللجوء إلي الفن. وأساليب التعبير الجمالية بكل أشكالها غالبا ما تلجأ إلي تفريغ العذاب الإنساني إلي مديات تفتح أفق الحياة نحو الالتصاق بها وليس كرهها والانتقام فيها، فالحرب تعني الدخان والموت والدمار، وان الحرب بين أي طرفين، هي في الواقع بحث عن الحقيقة، وكل طرف فيها يدعي بأحقيته في قضية الدفاع عن نفسه وقيامه بتجيهز آلية العنف لكي يمارس حقه المشروع في الدفاع عن السيادة والكرامة، ولقد كانت جل أعمال هذا الفنان، ابتداء من مسرحية جزرة وسطية التي كتبها كنص شعري، ثم صورها نثريا، شاعر النثر المبدع خالد مطلك ـ يقيم حاليا في الإمارات العربية ـ وانتهاء بآخر عمل مسرحي يعد له التدريبات حاليا ويعتبره ـ النصار ـ حدثا مسرحيا مهما، منشغلا بإيصال فكرة ليست محددة، وهي ما قيمة الإنسان وهو يحيا حياته بدون ان يجد لنفسه قضية، يتمسك بمبادئها ويدافع عنها!!
معظم المسرحيين العراقيين تناولوا ثيمة الحرب والحصار، ولكن لكل واحد منهم رؤيته الخاصة بها، وكان من مرتادي عوالمها مؤلفا ومخرجا فلاح شاكر، الذي تطرق إلي فجاعيتها، من جوانبها المتنوعة، وحسب رأي الفنان النصار والذي ذكره لي قبل اعداد هذا التقرير إن الحرب مازالت مستمرة وان الحصار لا يمكنه ان يكف عن استخراج العديد من المآسي الحياتية التي يعانيها أبناء الرافدين.
إن التنوع في تناول ثيمة الحصار والحرب جعلت بعض المسرحيين يفكرون كثيرا في المتلقي العراقي، إذ من المعروف ان المشاهد العراقي ليس شغوفا بمعرفة الآثار التي تركها الحصار في البنية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وعدم شغفه وفضوله بل ولامبالاته، يعود إلي انه هو بالذات بطل المأساة التي جاء بها الحصاريون، بل إن هكذا امور ما عادت تهمه لا من قريب ولا من بعيد، لإتخامه بحالة الحصار ذاتها، وان كل ما يمكن ان تقوله ـ مسرحيا ـ سوف يثير سخريته ويضحك عليه كثيرا وليس منه، لتبشعه حتي أذنيه بتداعيات الحصار ولا يمكن أن تثير تأمله أية مسرحية مهما بلغت من التجويد والرفعة. صحيح إن مسرحية الجنة تفتح أبوابها متأخرة والتي قدمتها الفرقة القومية للتمثيل في عاصمة المهرجانات المسرحية تونس نالت جوائز الإخراج والنص والتمثيل والعرض المتكامل، وصحيح انها عندما عرضت في بغداد احتشد الجمهور المثقف يصفق لها كثيرا، لكن الصحيح أيضا انها لم تستمر طويلا، كان يكفي أسبوع واحد لها لكي يملها الناس، ولا علاقة لجودة المسرحية أو رداءتها بزمن العرض، بل لان الناس هنا لا تود مشاهدة المآسي بالشكل الذي عرضت به الجنة بأداء فنانين كبار مثل جواد الشكرجي ومقداد عبد الرضا وشذي سالم ورائد محسن، وربما كانت مسرحية اكتب باسم ربك لنفس ثنائي التأليف فلاح شاكر والإخراج محسن العلي التي تجولت في مناطق بحث للحصار اكثر مباشرة وتركيزا في تكوين أسئلتها، ونالت هذه المسرحية حظوة من الاهتمام الرسمي بسبب جرأة التناول لمسألة الحصار، الا ان السؤال الذي يبقي دائما وأبدا، هل يمكن للمتلقي العراقي ان يهضم مشاهدة الألم ذاته الذي يعيشه بنفسه؟
من هنا كانت مهمة المسرحي المثابر كاظم النصار في البحث عن إشكال جديدة في التعبير عن قضيته الفنية والإنسانية بعيدا عن اقانيم المباشرة والجنوح بها إلي القول التشخيصي لمسببات الألم والجرح العراقي الغائر، ذلك الجرح الذي أمعن كثيرا أصحاب الحصار في تأثيثه في الذاكرة الجمعية للمتلقي العراقي، الذي يريد كاظم مفاجأته بهذا العمل الجديد.
ها هو يستأنف مشروعه الإخراجي في المسرح عبر عمل يقوم بالتدريب عليه هذه الأيام مع الممثل الفنان الكبير سامي قفطان والممثلة الجميلة المجتهدة آلاء حسين والفنان الشاب مهند هادي، كتب النص الكاتب كريم السوداني ـ له أعمال مسرحية عديدة عرضتها الفرق الأهلية والمحافظات في مهرجانات منتدي المسرح وحظي بتقدير لابأس به في المحافل النقدية ـ ليقوم بإخراجها النصار.
قال المخرج كاظم النصار لـ القدس العربي مسرحية للحب بقية هي محاولة جديدة في العزف علي نغمة الحرب، أنت تعلم إنني بدأت في بواكير التسعينات بمسرحية تتحدث عن سمفونية الحصار التي عشناها أثناء حرب الخليج الثانية وحتي هذه الساعة، ابتدأت ذلك بمسرحية حياة مدجنة 1993 ثم أمام الباب 1994 عائلة توت 1995 و بستان الكرز 1997 و جزرة وسطية 1996 و السحب ترنو اليّ 1997 و عرس الدم 1999 و ارض ـ جو 2000 .. اما للحب بقية فهي ختام هذه السلسلة ـ السمفونية المثيرة للألم، وربما بعدها قد أتوقف شهورا أو سنة أو عشرة أعوام، لا ادري !! كل ما أدريه،إنني وصلت إلي الوقت الذي يجب فيه استرداد أنفاسي، والانطلاق إلي إبحار آخر في منعطفات تعبيرية اخري، ما هي تلك المنعطفات ـ المسائل، ما هو ذلك الإبحار، لا اعلم، لقد عبرنا مسرحيا وأدبيا عن الصراخ والنحيب والأنين والجوع والإمراض التي تفتك بأطفالنا، واثار اليورانيوم الذي تركته القنابل يحوم فوق رؤوسنا ولا أحد يجد له حلا، أجد نفسي ملزما بنفض الغبار عن يدي محاولا الترحيب باستقبال بما تتركه الأشكال الجديدة من غزو رأسي وروحي كي اعزف عليها مستقبلا، لذلك قلت يجب ان اكتفي بهذا القدر بشأن سلسلة الحرب والحصار، ربما لأنني أريد ان أوجد لي مساحة اخري كي تمارس فيها بحوثي فاعليتها لاجل الاكتشافات الجديدة.
عن الرؤية الفنية في مسرحية للحب بقية .. قال النصار: في مسرحياتي افترض دائما، هناك متلق يراد منه المشاركة في صياغة هذا العرض، وهناك وسائل تعبير تنطلق من مساحة العرض يراد بها التعبير عن الأفكار، التي اقتنع المؤلف والمخرج، إنها تستطيع ان تقول الحقيقة، وتضع يدها علي الكارثة التي تحولت بفعل الاعتياد عليها، شيئا عاديا.
واكد: هذه المسرحية تتحدث عن أستوديو لصناعة النجوم تقع فيه بعض الفتيات فريسة لرغبات صاحب الأستوديو ـ اداء الفنان سامي قفطان ـ الذي يكون هدفه اعمق وابشع من القضية المطروحة، بتحويل هذه الفتيات من كونهن خامات إنسانية قابلة للتعاطي الإيجابي مع الحياة، إلي ضحايا إنسانية يستفيد منها في تجاربه النخاسية الرذيلة. صاحب الأستوديو يوضح، في كل مرة، انه يناشد العصر بارتداء ما انتجه، وانه يجد تسهيلات واسعة في المناخ الذي يعيشه، ليكون كما هو شأنه في تجسيد مفهوماته.
يقول النصار: في المقابل من هذه الشخصية نجد الصحافي الذي يحاول ان يكشف الحقيقة ويسعي لإماطة اللثام عن الجو العام لهذا الأستوديو والألاعيب التي يقوم بها صاحبه، فيقابل آخر الفتيات ممن وقعن في شراكه، ليحاول إنقاذها بحثا عن الآفاق الجديدة في الحياة، هموم الشاب الصحافي تدفعه لاحتضان قضية هذه الفتاة والدفاع عنها، ويعدها قضية وجود بالنسبة له، صاحب الأستوديو كان مصرا علي نصب فخاخه، بالمال، وادعاء الشهرة الكاذبة الزائفة، وارضاء النزوات، بينما الشاب الصحافي يعلن لهذه الفتاة، بان الحياة الحقيقية هي الألم، سلسلة من الآلام يجب إن تقع الإنسانية فيها كي تعبر علي كينونتها الحقة، ليس بالمال والشهرة تستقيم الحياة، واكد لها إن حياة النجوم المشاهير عرضة دائما للانقلابات والزلازل وحياتهم زائفة لأنها لا تُعني بالألم.. لكن المرأة الحامل وهي تطلق موجات آلامها لولادة طفلها تستحق الحياة والرجل الذي يصعد الجبل عابرا بأحماله إلي الجهة الأخري من الوادي يستحق الحياة، ذلك لأنهما يعانيان الألم، ومعنيان به، هكذا هو شأن القصائد والرسوم والحكايات التي ينتجها المتألمون، إنها تستحق البقاء، وصاحب الاستوديو يصر علي تعميــم المفهوم الذي يقول إن الحياة تستلزمنا العيش فيــها بدون ألم، لكن المفارقة المهمة في العرض المسرحي برمته، هي إنه ـ صاحب الاستوديو ـ لا يعجز عن مفارقة الألم سوحسب، بل يعيشه حتي نهاية عمره ولا يعرف كيف يقف منه موقفا نديا ليبعده عنه.
الفنان مهند هادي حدثني عن دوره في هذه المسرحية قائلا: دوري هنا يختلف كثيرا عن كل أدواري التي قدمتها علي خشبة المسرح، كانت مساحة الفعل تهيمن في المضمون الإنساني الذي تشتغل عليه المسرحية وقد انطلقت منه سلطة الرذيلة وكان ذلك ما استفز الشخصية ـ شخصية الصحافي ـ لانتشال غرقه هو من براثن الوقت الراهن، مستميتا بقوة الإقناع التي توفرت عنده لوضع حد للغياب الذي يمارسه صاحب استوديو النجوم المزعوم ضد فتاته الجميلة البريئة، مساحة الحركة عندي، وهي مبتكرة بيني وبين المخرج الفنان النصار الذي أوجد لنا ـ أنا وآلاء ـ اتصالية عالية من الفهم المشترك، كانت هذه المساحة تتسع وتضيق حسب اتساع الفكرة، الألم الذي يدافع عنه الصحافي، ليس ألما ذاتيا محضا، بل هو ألم المجموع، منطلقا من فهم شرقي عميق بان الشعوب المتألمة هي الأكثر استعدادا للحياة من غيرها التي تنشد الترف، وكان ذلك سبيلا لتمتين سلطة الإقناع لديه من اجل تحويل الفتاة من مجرد مادة خام مهيأة (للتنخيس ـ التنجيس) لنزوات صاحب الاستديو، إلي شرك خطير سرعان ما سينفجر بوجه الرذيلة بأشكالها المزرية.


(*) صحيفة "القدس العربي" لندن 7-8-2002
 
البحث Google Custom Search