أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
معادلات (اسعد الهلالي) القصصية:
الغام موقوتة في ذاكرة محتضرة

الكتاب : صفحات من ذاكرة محتضرة
المؤلف : اسعد الهلالي
الناشر : مركز عبادي للنشر والدراسات /صنعاء
الطبعة : الأولى 2002م


عبد الرزاق الربيعي

لو فتحت ذاكرة إنسان عاش سنوات طويلة تحت ضوء قنابل التنوير وصفارات الإنذار وسحب الحرب الدخانية فماذا ستجد ؟
من المؤكد إن الفزع سيتملكك لانك سترى  حفرا ومواضع ونحيبا وأشلاء مبعثرة  وقبورا مندرسة  ودموعا غزيرة , وهذا ما وجدته عندما قلبت صفحات ذاكرة  اسعد الهلالي  في مجموعته التي القصصية التي صدرت عن مركز عبادي للدراسات والنشر  في صنعاء وحملت عنوان (صفحات من ذاكرة محتضرة )
وضمت اثنتي عشرة قصة كتبها في اليمن التي يقيم فيها منذ عام1995 م وقد كانت غربته محفزا لفتح هذه الصفحات .
ولان الغربة هي المشغل لتجربته لذلك جاءت قصصه  معبرة  عن معاناته, ليس نتيجة لصدامه مع  الواقع الجديد, بل في صراعاته مع ماضيه المبقع بالدم ومشاهد الموت والإعدام والفزع الليلي , فيمضي  مستدعيا الكثير من الأحداث التي مرت في حياته فارشا صفحات ذاكرته, المليئة بصور من الحرب والموت والمقابر والسجون ومشاهد الاعدامات وجنرالات الحروب ومحققين بحثا عن (ذاكرة أخرى) لان  ذاكرته تخنقه :
- ما الذي جاء بك إلى .. ألم ارحل بعيدا .. ظننتني غادرت كل شيء ..حتى صديد ذاكرتي .. رحلت لانشيء ذاكرة أخرى ..

حينها يتحول المكان إلى شبكة لاصطياد اللحظات  في محاولة للقبض على الزمان المنجلي , مستندا على  لغة شعرية غنية بالدلالات , مزخرفا قصصه بمقاطع شعرية لأدونيس وصلاح عبد الصبور وعدنان الصائغ  تأكيدا لهذه الصلة الحميمة بعالم الشعر , وكما كتب الدكتور عبد العزيز المقالح على الغلاف الأخير من المجموعة   " اسعد الهلالي في كثير من قصصه , شاعر لا ينقصه الخيال ولا القدرة اللغوية على التصوير بالكلمات وكأنما الشعرية هذه تحرره من التوتر الداخلي وتنقذ القصة من رتابة السرد وتساعد على التكثيف والتوهج " وقد  تجسدت هذه القدرة  اللغوية في الحوارات التي تضمنت جملا شعرية , لا تخلو من تحليقات ذهنية ليكون الحوار واحدا من أهم  المرتكزات الفنية لقصة الهلالي:

- هل بمقدور المصائر أن تهجر السماء....تستوطن الأرض ؟
- لو حدث هذا فلن تبقى للحروب جدوى
- ولمَ الحروب ؟
- حين تتهرا معدة الأرض جوعا .. لامفر لها من التهام أبنائها
- كالذئاب ؟
- إنها ذئبة بملايين الأفواه
- والمقابر ؟
- ألم تدرك إن المقابر هي أفواه الذئبة – الأرض؟

شخصيات الهلالي مرهقة , مريضة , تقع دائما فريسة لكوابيس تفسد عليها نومها , ففي( الصفعة ) يستيقظ  بطله (حامد الحامد ) قابضا على بقايا حلم بتهشيم تمثال ( الطوطم ) وعندما ينهض من نومه يكتشف إن حلمه كان هراء لا ( الطوطم لازال منتصبا وسط الساحة والابتسامة الساخرة مصلوبة بين شفتيه ) لكن المفاجأة إن الشرطة تداهم بيته  ,( وتحت فلقة مؤلمة اعترف بأنه حلم بتهشيم الطوطم ) ولم يخلصه اعترافه فالمحقق يسأله :
- من هم شركاؤك ؟
- لا اعرف الوجوه في الأحلام  لا تبدو جلية بما يكفي للتعرف إليها  , فيصرخ المحقق :
- من هم ...ما أسماؤهم ؟
وفي قصته ( طالق ) يمكث البطل أياما مع جثة زوجته في غرفة قافلا الباب بالمفتاح يحدثها بما لم يستطع قوله لها أثناء حياتها , خوفا , وبعد أن يقول لها كل شيء كانت رائحة الجثة قد انتشرت وتفسخت , وهنا أتتساءل : هل يرمز الهلالي للجثة بالذاكرة السوداء التي  فاحت رائحتها من بين صفحات قصصه ؟
ليصبح مثل الرجل في قصته (معادلة لن تكتمل ) الذي مزق الصبية بسكينه  وابتسم بتشف  قائلا
- سأسير براس مرفوعة ..تخلصت من دملة فاسدة
والواضح إن معادلات اسعد الهلالي القصصية كلها لم تكتمل , فهو يترك النهايات سائبة , والشخوص قابضة على قلقها , ويبدو انه يحاول بالكتابة أن يتخلص من ( الدملة ) التي استقرت في ذاكرته , فيفجرها تاركا دما مندلقا على رصيف الكلمات .


(*) نشر في موقع كتابات 3-9-2003
 
البحث Google Custom Search