أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
النجوم تختفي بصمت فادح

مرثية متأخرة

د. عبد الإله الصائغ
- مشيغن المحروسة -

(...... أما حدثتك المدينة عن رجل ذاب من وجده فاعترته السنون؟ أسائلكم أهل ودي: لماذا يموت الأولى الطيبون؟ لماذا الزهور تساقط في العصف الا العواسج لابثة بالجنون ؟ لماذا نودع في كل منعطف صاحبا لا يهون ؟ هي ذي حكمة الرب يا أهل ودي!! أقل القليل الذهب! وترب الصحارى من الهم أكثر!! أن نتناجى على الأرض أن نتعب من عشقنا .نلتقي في السماء . قلوبا موشمة بالضياء!! السماء ملبدة بالعصافير وكوفتنا الآن مرثية الأصدفاء !فقم أيها النائم المستفيق وقل بيننا أي شيء فمقعدك الآن مختلج بين هذي الدموع الهتون!! سلام عليك منازل أهلي.. على نخلة أعذقت بالشجون... )
اذن رحل ( محمد كاظم الطريحي )على فراش الغربة والحلم العصي وشيخوخة الورد وتركنا في وحشة البرية!!! ولأن رحيله (أو رحيل أي عزيز على روحي وذكرياتي وحلمي ) يعني بالنسبة لي موت جزء من روحي وكينونتي فقد قررت شطب فكرة موته في أجندتي ولسوف أتحدث اليه أواليكم على أنه حي يرزق!! وفي الأثر الديني ما يفيد أن كل غربة من أجل كلمة الله وكرامة الوطن فهي شهادةعند الله.
كنت اقول لنفسي أن الشيخ الطريحي لن يموت بعيدا عن وطنه وبيته الهاجع على شاطيء فرات الكوفة! وقد وعدنا رحمه الله ( العلامة البروفسور الدكتور زهير غازي زاهد وأنا ) قبيل مغادرته العراق أنه عائد لا محالة بعد أن تشرق شمس الله على العراق ! ( أخي وعزيزي عبدالأله الصائغ.... سافرت في الشهر الثامن الى دمشق والتقيت الصديق القديم الشيخ مجمد كاظم الطريحي وهو داهية في التعامل مع الغربة ويوجعه أن أولاده موزعون بين هولندة ولبنان والدنمارك وليبيا وهو يزورهم بين الحين والآخر كلما سمح له وضعه الصحي والتزاماته وقد انقضى الوقت معه بالذكريات ! وكان حين أذكر اسمك أمامه يقوم ويرقص طربا فهو لم يتغير روحا وظرفا!!.
د. زهير زاهد . طرابلس / ليبيا 25 ديسمبر 2000 )
( صديق عمري د. عبدالاله الصائغ ... وصل الي خبر حزين جدا بالنسبة لك ولي وهو رحيل صديقنا الشيخ محمد كاظم الطريحي رحمه الله في النرويج وكان آخر لقاء به قبل سنتين في دمشق وقد أخذت الشيخوخة منه مأخذا لكنه محتفظ بروحه ومرحه فحدثني عن الجمال في النرويج وأخذته النشوة وكان ابنه الباقي في ليبيا الأستاذ محمد رضا الطريحي قد ذكر لي أن أباه ذهب للعلاج في النرويج .
د. زهير زاهد . طرابلس / ليبيا 25 جون 2002
وحين هاتفني نجله الأستاذ محمد سعيد الطريحي رئيس تحرير مجلة الموسم وصحيفة الديوان من هولندا بعد ان حصل على رقم هاتفي من الشاعر عدنان الصائغ أنهى الي ان والده رحمه الله آثر الاحتفاظ بديواني الأخير سنابل بابل ولبث معه الى أن توفاه الله وكان معجبا بقصائدي في رثاء النخلة العراقية! التي نفذ فيها صدام حسين حكم الإعدام!! وها انني استعيد في ذاكرتي مهاتفة ولدي الأستاذ محمد سعيد وأقول في نفسي : هل كان الشيخ الطريحي مكتشفا وجه الشبه بينه وبين النخلة العراقية وهي السامقة المعذقة الدائمة الخضرة والظل! النخلة المظلومة تلك التي تنكســـر ولا تنحني أمام العواصف!! كما استعيد في ذاكرتي أيضا زيارة الأستاذ محمد سعيد الطريحي الى الولايات الأمريكية تلبية لدعوة كريمة نهدت بها الجالية العراقية في ولاية مشيغن ليحاضر في ماضي الكوفة وحاضرها وسمع بطريق الصدفة ان صديق أبيه (عبدالأله الصائغ ) مقيم في أمريكا! فصمم على زيارتي في منزلي بمدينة ديربورن صحبة صديقين من أعلام الجالية هما سماحةالأستاذ محمد نعمة السماوي رئيس تحرير موسوعة الثورة الحسينية والأستاذ ابو مسلم الحيدر وكان اللقاء حميما مع ان كلا منا لم ير صاحبه من قبل!! وتبادلنا الأسئلة والعناوين والصور وشعرت أن الأستاذ الطريحي الأبن يعرف الكثير المدهش عني وعن أصدقاء أبيه فأكبرت فيه وفاءه وخلقه وعلمه الغزير فاجتهدت أن أهدي اليه المتوفر من أعمالي المطبوعة.......
يقينا لقد رحل صديقنا الأسطوري الشيخ الطريحي وسيان في ذلك: اعترفتُ برحيله أو لم أعترف! وقد آن الأوان لكي أردد مقطعا ملتاعا للشاعر الأمريكي المعاصر أرشيبالد مكليش ت 1969م (... بعد رحيلك لا شيء يحدث لا أحد يجيء! ياللهول!!) لماذا تعجلت الرحيل يا سيدي وتركتني أحمل بقايا العمر مثل سيزيف عراقي غادر الوطن معك بعد الخراب ولكن الوطن لابث فيه لا يغادره !! ها قد أشرقت شمس الله على وطني فإذا عدت وزهير زاهد الى الكوفة وزرنا بيت الشيخ كاتب المطل على النهر فمن بحق السماء سوف يفتح لنا ذراعيه ويحتضننا معا ويتمتم حبورا: أهلا بالحبيبين النادرين؟ وكيف سنطيق غرفة الأستقبال دون صوتك المجلجل و الهامس معا!!؟ومن يشرف سواك على ترميم البيت ويمحو عنه آثار الحقد البعثي غب نكبة الإنتفاضة!!؟ ومن سيطلب الى أصغر أولاده أو أكبر أحفاده ان يجلب لنا من محلة السكة كباب حمزة الشهير!!؟ من سواك سيفتح لنا أحد الصناديق ويقرأ لنا ما دونته في الجذاذات منذ نصف قرن؟! ... لا لن أبكيك أو أرثيك أيها الأستاذ الذي ينادي تلاميذه وكأنه تلميذهم ! أنت باق وأعمار القتلة قصار. باق في جهادك العلمي والديني والوطني. باق في نجومية أولادك النابـهين المجتهدين الدؤوبين. باق في أصدقائك الذين تركت بصمتك العميقة في حيواتهم. باق في كلماتك العصية التي يمتزج في دلالاتها عناصر المجاز والحقيقة ’ والتلميح والتصريح. باق في حب أهل الكوفة والفرات الأوسط بعامة الصافي لتاريخ أسرة الشيخ كاتب!! ...............................................وماذا بعد ياسيدي؟؟؟ والجواب هو ثمة الكثير الكثير!! وها انني أسأل نفسي : متى عرفتك يا شيخي؟ وكيف ولماذا وأين؟؟.... أقول: النجفيون يعرفون آل الطريحي كما يعرفون السور والسراي والسوق الكبير!! كما يعرفون آل الجواهري والشرقي والشبيبي واليعقوبي وبحر العلوم والمرعبي والشريفي والخاقاني والصافي والحبوبي..........آل الطريحي: ذكرت كتب الرجال والأعيان عددا غير قليل ممن تلقب بالطريحي منهم على سبيل المثال فخر الدين بن محمد بن علي النجفي صاحب مجمع البحرين ومطلع النيرين وكتاب المنتخب في جمع المراثي والخطب وكتاب غريب الحديث وكتاب كشف غوامض القرآن وجواهر المطالب في خطب علي بن ابي طالب ومراثي الحسين ونزهة الخاطر وسرور الناظر وهو من العلماء الذين أثروا في تقعيد الأصول ويسروا السبيل للباحثين. ولادته 979هـ ووفاته 1085 هـ وقد عاصرت بنفسي العلامة الألمعي (شيخ مولى الطريحي ) صاحب الدراسة المشهورة والرائدة عن الشاعرة المبدعة فدعة الزيرجاوية وله جهود علمية كثيرة ليس هذا مجال تعدادها وصادقت الأستاذ شمسي الطريحي الشخصية الاجتماعية المرموقة الضاغطة والأنيق الوسيم ذا البديهة الحاضرة! وتشرفت بمجالسة سماحة الشيخ كاتب من خلال صداقتي لولده الشيخ محمد كاظم! ومن لا يعرف مقام الشيخ كاتب!!؟ الرجل المتميز بعمة مشرقة وقامة نحيلة صاحب المكتبة الفخمة والمساجلات المشهورة مع أعلام زمانه من نحو شاعري ثورة العشرين: الشيخ الخطيب محمد علي اليعقوبي والشيخ علي البازي وكذلك الشاعر المناضل عبد المنعم الفرطوسي وعبد الغني الخضري والأساتذة الأدباء علي الخاقاني
ومحمد علي البلاغي وجعفر الخليلي ورياض حمزة شير علي
...............................................................اما صديقي الشيخ محمد كاظم الطريحي الذي يكبرني بربع قرن تقريبا ! فقد كانت أخباره متداولة في المجالس الأدبيةوما أكثرها عهد ذاك ’ وبخاصة مساهمته الفاعلة في مؤتمر الكندي الذي عقد في ايران والسرد الظريف لسفره وانتقاء موضوعه!! وكان الحائل بيننا وبين صداقته كامنا في المجايلة وكونه علما وكوننا نحن مغمورين !!وتربيته الدينية الصعبة وقد عرف عن الشيخ كاتب تشدده في الأمور التربوية والدينية! زد على هذه شخصية محمد كاظم الاجتماعية المركبة فليس بمقدور أحد كسب صداقته بيسر! وهو الحذر المحتاط!! أستعيد الآن مطلع ستينات القرن العشرين: ........ تشكلت ندوة الآداب والفنون المعاصرة في النجف الأشرف على اثر لقاءات متصلة وحوارات ساخنة في عدد من المقاهي: عبد مذبوب وأبو المسامير في النجف ومقهى السيد علي والبلدية وقصر الملك في الكوفة وكان أظهر مؤسسيها: الشاعر زهير غازي زاهد والشاعر عبدالأله الصائغ والناقد زهير الجزائري والقاص موفق خضر والقاص جاسم الحجاج والقاص موسى كريدي والشاعر عبدالأمير معلة والصحفي حميد المطبعي... وكنا نقوم بزيارات ودية لعدد من أعلام النجف والكوفة وكربلاء والحلة أذكر منهم الأمام الخوئي قدس الله سره و السيد مصطفى جمال الدين والشيخ محمد علي اليعقوبي والأستاذ عباس الترجمان والشيخ عبدالله الشرقي والأستاذ مرتضى فرج الله والأستاذ مدني صالح والأستاذ محمد علي الخفاجي والأستاذ عبد الجبار عباس ( الذي طردنا من دكانه في الحلة شر طردة معترضا على وجود بعض البعثيين معنا في الندوة ) ثم وجدنا مودة كبيرة من الشعراء اللبنانيين المقيمين في النجف بغية الدراسة في كلية الفقه لبث في الذاكرة منهم السيد هاني الفحص والسيد محمد حسن الأمين والشيخ عبد اللطيف بري ( وسماحة الشيخ عبداللطيف بري الآن مفتي الجالية الأسلامية في مشيغن ومؤسس المجمع الأسلامي الذي يتوفر على مدارس متعددة المراحل ومكتبة فخمة ودار للأفتاء والدراسات الحوزوية وقاعات كبرى ويصدر بالعربية والأنجليزية مجلة العصر الأسلامي ). ونصحنا السيد مصطفى جمال الدين وكان حميما معنا بضرورة ضم عنصر مهم الى عضوية الندوة وهو الشيخ محمد كاظم الطريحي للأنتفاع بتجربته العريضة ونزعته لرعاية الشباب وقد سعدنا بهذه المودة ثم كلفنا على الفور الشاعر والأكاديمي الوحيد بيننا زهير غازي زاهد الذي عرفته المحافل الأدبية النجفية معتدل الهوى منصف النظرة بين التيارين المحتدمين عهد ذاك: التقليدي والتجديدي!! فامتثل على الفور وزار الطريحي في بيته ولم يغادر بيته قبل أن يحصل منه على الموافقة الصعبة ويحدد موعدا ومكاننا للقاء المرتقب! وقد التأم الشمل في حدائق قصر الملك فيصل الثاني رحمه الله الذي تحول الى كازينو باذخ بعد الأطاحة بالعهد الملكي وميزة هذا المكان قربه من بيت الشيخ كاتب الطريحي وأن مديره صديق قديم وقومي غلب عليه لقب جاسم حكومة!! لكثرة علاقاته بأساطين الاجهزة الحكومية! وقد ترأستُ ذلك الأجتماع ورحبت باسم حميع اعضاء الهيئة المؤسسةبالعضو الجديد الشيخ محمد كاظم الطريحي واعتددت انضمامه الينا مكسبا كبيرا للندوة وأثنيت على جهود زهير زاهد. وما أشد دهشتنا حين رفع الطريحي يده طالبا الكلام وقبل ان ينتظر جوابي بادر الى القول: وأنا سعيد فعلا بثقتكم الغالية بيد انني لم اعط موافقتي النهائية!! وأنا رجل بسيط لكنني لا اتخذ قراراتي ببساطة! لنكن صريحين حتى نرى الموضوع عن قرب ونحكم له او عليه! هل أنتم حزب سياسي جديد؟ هل أنتم منظمة لا هم لها غير الأدب ؟ أهناك جهة ما تمولكم او تصطف وراء الكواليس؟ أنا أعرفكم صدقوني وأعرف أيضا عدم وجود قواسم مشتركة بينكم!! فيكم القومي والماركسي والبعثي والمستقل!! بل انني أجد بينكم المتطرفين للحداثة والمغالين في القدامة!!كوكتيل؟ جبهة وطنية أدبية؟ كلكس؟ اعذروني فمركزي الديني والعائلي لا يسمحان لي بوضع قدمي في موضع زلق !.إ . هـ. وقد فهمت مخاوفه وتعاطفت معها فأكدت له ان المنظمة أدبية حداثوية بحتة ولا شأن لنا بأهواء الأعضاء فلكل حقه في اختيار سبيله السياسي اذا كان ذلك لا يسيء الى الاخلاق والوطن وأنت كما أعلمنا مصطفى جمال الدين أديب ومتدين ومؤمن بحرية الاختيار. وثق ان منظمتنا ستكون بلا رئيس أو مدير لأنها ستتبع نظام المائدة المستديرة! وشدد زهير زاهد على حبنا للنجف الأشرف وللتقاليد المشرقة وهنا فقط استراح الشيخ الطريحي وقال: على بركة الله ولكن تذكروا جيدا ان النجف عاصمة دينية ثقافية واحذروا من أن يساء فهمكم فتحترق أوراقكم وتحرقونا معكم.. فقلنا نحن نتفق معك وما اصرارنا على وجودك معنا الا دليل عملي على حرصنا وحذرنا وانفض الأجتماع الودي ونحن أشد ثقة بوعورة الطريق الذي اخترناه وحساسية الزمكان الذي سنشتغل في فضاءاته ثم استجبنا لمقترح العضو الجديد الذي يقضي باجتماعنا الأسبوع القادم في الطابق الثاني من بيت الطريحي ومسوغ الأقتراح كامن في رغبة سماحة الشيخ كاتب للالتقاء بكامل هيئة الندوة المؤسسة وتكوين فكرة واضحة عن طموحات الندوة ومدى أهلية أعضائها للعمل في محيط النجف قبل أن يأذن لولده ابن الخمسين للانضمام الى الندوة والعمل في هيأتها المؤسسة!! وهكذا ضم مجلس الشيخ كاتب رحمه الله فتيان ندوة الآداب والفنون المعاصرة! وكنا نشعر على نحو ما أننا بازاء رجل صعب أو امتحان صعب!! وخفف ارتباكنا الغرفة الكبيرة في الطابق الثاني التي تطل شبابيكها القديمة وشناشيلها الأثرية على نهر الفرات مباشرة بل وتتناهى الى مسامعنا ايقاعات أمواج النهر وهي تجري أو ترتطم بطابوق شريعة الماء ممزوجة برائحة الماء وشميم أشجار الصفصاف! زد على ذلك هيأة الشيخ كاتب بعمته المتميزة وجسده المغرق في النحافة تحف به مكتبة فخمة تتوفر على آلاف المجلدات والمخطوطات النادرة ! ووقف ولده بين يديه مثل تلميذ مرتبك قبالة معلم صارم وقال له: سيدي الوالد ’ هؤلاء الأدباء الشباب الحالمون بتحديث الأدب النجفي! بل العراقي! بل العربي. وبدأ الشيخ الابن يشير بيده المرتعشة الى كل واحد منا مع خلاصة ببليوغرافية عنه والشيخ الأب يهز رأسه ويقول: أهلا وسهلا تشرَّفنا!! وأكدنا لسماحته اننا نحترم النجف عاصمة العلم والثقافةوالنضال ونحلم بأن يتخلص الأدب النجفي مما حاق به من حيف بسبب تسلط اعتبارات تافهة لا صلة لها البتة بالأدب بله الدين فهز الطريحي الكبير رأسه موافقا ولم يسأل أو يعلق فقد تناهى اليه صدق لهجتنا وما أوصله اليه ولده من تطمينات! وشربنا الشاي وانصرفنا وحين صرنا بعيدين عن بيت مضيفنا بدأنا نغني مغتبطين بالنجاحات التي أنجزناها بوقت وجهد مناسبين... بدأت وفود الأدباء تزور بيتي في الكوفة وبيت الطريحي مباركة تشكيل الندوة أتذكر من الزائرين: سركون بولص ويوسف الحيدري وباسم عبد الحميد حمودي وهاشم الطالقاني ومحمد رضا آل صادق وعبد الرحيم محمد علي وعناد غزوان وسامي مهدي وجليل القيسي وحميد سعيد وسامي مهدي والسيد السعبري ومحمد علي الخفاجي............ وبدأ مشوارنا مع الجمهور باقامة مهرجانات أدبية كبرى وجدت لها صدى واسعا لدى أدباء العراق وصحافته وقد استطاع زهير زاهد وعبدالأمير معلة وهما مدرسان بارزان في ثانوية النجف اقناع ادارة الثانوية ومجلس المدرسين بتبني الندوة وتخصيص القاعة الكبرى للأحتفالات الأدبية وكان الشاعر التقدمي الكبير الشهيد مرتضى فرج الله عراب الندوة!! والمهم انني لاحظت عدم ارتياح واضح لدى الشيخ محمد كاظم الطريحي! والأهم ان الشيخ صارحني بشأن استقالته من الندوة وحين لججت في معرفة المسوغ ولم يمض على عمر الندوة بعد الثلاثة أشهر!! فأجابني وهو يهمس أحزانه (كلكس مولانا عبدالإله )ومعنى كلكس بالتركية او الفارسية ( الضحك على الذقون واظهار شيء واخفاء نقيضه ) وأضاف: أنت وزهير لا تعرفان ما يدور في الخفاء وذكر لي الأسماء التي تسعى الى جر الندوة الى تبني فكر سياسي تكرهه المدينة وهم تحديدا: موفق خضر وعبدالأمير معلة وحميد المطبعي وأشار علي أن أنبه زهير زاهد وزهير الجزائري وجاسم الحجاج!! وبعد قبول استقالة الطريحي بفترة وجيزة احتدم الخلاف بين عناصر الندوة فانسحب موفق خضر زاعما ان زوجه المذيعة المعروفة ملك مهدي
(ماجستير أدب انجليزي وميدان اطروحتها أعمال موفق خضر القصصية والروائية ) علمت بطريق الصدفة ان الجنرال عبد الرحمن عارف رأس جمهورية العراق الأسبق الذي ورث الكرسي عن أخيه كلف من يتجسس على موفق خضر لأنه أحد ابرز أصدقاء علي صالح السعدي!! وقال المرحوم موسى كريدي بسخريته المطبوع عليها: يا سبحان الله أقول ليش أمورنا مليوصة تبين الرئاسة تركت شؤون البلد كلها واكتفت برصد حركات المسكين الخواف موفق خضر الذي يخاف من ظله!!وانسحب جاسم الحجاج بل اختفى عن الأنظار بعد أن اكتشفنا ان اخته التي تعيش معه في بيت العزوبية ليست أخته! وانما هي امرأة هربت معه دون ان يعرف زوجها أو أهلها أين تقيم ومع من!! وانسحب حميد المطبعي وهو يشعر بالأهانة بعد أن طرده استاذه وصديقه ورفيقه في حزب البعث عبدالأمير معلة من الفصل وكان المطبعي تلميذا مشاكسا ومغروراً في ثانوية النجف وقد تأخر في الدراسة مع انه أكبرنا سنا! أكبر سنا من عبدالأمير معلة وكان حميد المطبعي زميلي في مدرسة الغري الأهلية المسائية وزميلي وموسى كريدي عبدالأمير الحصيري في متوسطة الخورنق وأصدر فورا مجلة الكلمة التي زايدت في اليسار ووضعت على الغلاف صورة حمراء لتشي غيفارا وتطرفت في الصرعات الأدبية التنويرية التقدمية!! وصدق ادعاءاتها كثير من الأدباء المرموقين : نزار قباني وسعدي يوسف.مثلا ......!! لبثت المودة بين الشيخ محمد كاظم الطريحي وزهير زاهد وعبدالأله الصائغ عميقة وصلبة وكنت أنقل اليه نجاحات الندوة التي كسبت ثقة أدباء مهمين جدد مثل الأعلام الكبار الأساتذة صالح الظالمي وجميل حيدر ومحمد حسين المحتصر وسعيد علي والأدباء في المحافظات وكان يصغي الي بانتباه شديد ويشاطرني السرور وأعلن يوسف الحيدري ان جيل الستينات بدأ من النجف وبمباركة ندوة الآداب وهو اعلان فيه الكثير من الصدق ودحض مزاعم الصديق الدكتور فاضل العزاوي في رؤيته غير الدقيقة لتشكّل جيل الستينات . كنا نزور الشيخ الطريحي باستمرار( زهير وأنا ) فهو يحبنا ويحترم فينا احترامنا للأجيال كافة وكراهيتنا للتطرف وهو ابرز سمات جيل الستينات مع الأسف! وكان الطريحي دائم الثناء على الأخوين زاهد أو الأخوين صائغ في المجالس الأدبية والأجتماعية مما اسهم في كثرة حسادنا وشانئينا ونحن في نظر الطريحي رجل واحد في جسدين!! وكلما زرناه في مكتبته الفخمة وجدنا لديه آلاف الجذاذات ومئات الدفاتر التي تمثل فصولا من كتب ينوي تأليفها وكنا نلومه لأنه لم يباشر بصناعة كتبه المخطوطة أو طباعتها وكان يتعاطف مع لومنا له بيد انه يردد دائما ان الوقت لم يحن بعد!! وها انني استصرخ همم أولاه وجلهم أكاديمي واستصرخ مروءة الباقين من الأدباء والمثقفين في الكوفة والنجف وكربلاء لكي يبحثوا عن الصناديق المفقودة ففيها كنوز الطريحي وروحه وقد حاورت سماحة السيد الدكتور طالب الرفاعي الحسيني رئيس أكاديمية الأمام علي في ولاية أوهايو الأمريكية بشأن طريقته في جمع الجذاذات والملخصات والمخطوطات في صناديق منذ ربع قرن وقلت له اتق الله في جهدك وذكرت له حكاية صناديق الشيخ الطريحي التي ذهبت مع الريح!! .....في بداية الثمانينات من القرن الماضي وكنت موزعا بين العمل التلفزيوني والصحفي والتدريس في جامعة الموصل وكان الدكتور زهير زاهد استاذا في جامعة البصرة وقد حكم عليه رئيس جامعته الدكتور حسن داخل جريو بالعمل المؤبد في البصرة فقد عرف عن هذا الجريو تعاونه مع وزير التعليم العالي!!!!ومقته للعلماء المستقلين!! وفي كل مناسبة أودونها كنا نزور صديقنا الشيخ الطريحي ونضحك بملء اشداقنا أو نحزن بكل جوارحنا حين نتبادل الآراء حول المصير الأسود الذي يسور العراق بعد طغيان العنصرية والطائفية والأحقاد التاريخية التي اضطلعت بها السلطات الظلامية!! بدت لهجة الشيخ مختلفة بعض الشيء فهو يخطط للافلات من قبضة الرعب الى البلاد البعيدة ليتم مشواره العلمي والثقافي ولم نكن نفقه ما يخططه الشيخ في سره!! وبعيد استباحة قوات القصر الجمهوري مدن الفرات الأوسط وبخاصة النجف والكوفة وما فعلته بالناس من هتك للأعراض وسرقة للممتلكات وتدنيس للعتبات المقدسة ودفن للأحياء في مقابر جماعية وحرث مقبرة النجف وووو!!! زرت الطريحي الذي ترك بيته!! فوجدت الشيخ كئيبا وكأن الأحداث هدمته بغتة فبدا وكأنه رجل فان طاعن في السن وصارحني بأن حياته في خطر أكيد وأن لديه الأمكان في تأسيس مشروع ثقافي تجاري شريطة أن يفلت من البلد قبل ضياع الفرصة!! وفي الذاكرة انني سألت ابنة الشيخ وكانت تلميذتي في كلية الفقه: ما الذي طرأ على حياتكم بحق السماء!!؟ فأجابتني فَزِعَةً: ياأستاذ العائلة كلها بخطر!! وأضافت كأنها تستدرك: لماذا تسألني وبمقدورك توجيه السؤال الى الدكتور سعدون الساموك زميلك في كلية الفقه فلديه الكثير ليقوله!! وعندها تذكرت نظرات الريبة التي كانت ترسلهما عيناه الخضراوان حين تريان بعض الطلاب الناشطين والطالبات!! وكان الساموك وهو خريج ألمانيا لا يخفي على عميد الكلية ابن النجف الدكتور عبدالأمير الأعسم ومعاونه الدكتور وعلينا نحن أعضاء هيئة التدريس أنه جنرال مخابرات كبيروأن لديه مهمة أمنية محددة في كلية الفقه التي كانت تدار بصورة مباشرة من مدير امن النجف وكانت عمادة الكلية تجمع مدير امن النجف بنا نحن مدرسي كلية الفقه!! صباح كل سبت على مائدة الأفطار وكان هاجس الموت بسموم الثاليوم يدمر أعصابنا ووقارنا!! وقد وقع هذا العميد بأيدي الثوار وسجنوه مع نائب رئيس جامعة الكوفة الدكتور مالك الدليمي وسجنوهما في غرفة داخل حرم الروضة الحيدرية مع الشاعر الشعبي فلاح عسكر وآخرين ثم افرج عنه قبيل تنفيذ حكم الموت فيه بثلاثين دقيقة بتدخل مني ومن الدكتور زهير زاهد فمعظم الثوار المسؤولين المتمركزين في الصحن الشريف تلامذتنا واصدقاؤنا من مثل السيد مسلم السيد طاهر الحسيني الصائغ ( حفيدي ) وكانت البيانات توقع باسمه ومثل سماحة الشيخ عبد الله الخاقاني, وفي مذكراتي تفاصيل هذه اللوحة وغيرها!! وبعيد انسحاب فتيان شعبان آذار من الكوفة لم يعد أحد يعلم أين ذهبت أسرة الطريحي الكبيرة!! فاظلمت الدنيا في عيني وأدركت أن وراء الأكمة أمرا ما!! ....الدكتور زهير جاءني في ضحى يوم عصيب والعرق يتصبب من جبينه والقلق باد عليه وقال لي هيا نودع الشيخ الطريحي قبل فوات الوقت!! قلت له ما الحكاية دخيلك؟ فقال تعال معي وفي السيارة نتحدث! وعلمت كل شيء ووقفت بنا السيارة قبالة بيت بغدادي قديم في شارع مهمل قريب من شارع أبي نواس ودخلنا البيت عجلين وكان في استقبالنا الشيخ الطريحي وفتح ذراعيه وعانقني وسمعته يبكي بحرقة أبكتني ووجدت حقائب السفر مركونة بشكل غير منتظم ودارت أحاديث متشعبة بيننا فهمت من خلالها أن لدى الشيخ الامكانية اذا غادر العراق في أن يؤسس مشروعا ثقافيا ربحيا معا وأسر الي أشياء أخرى خاصة لا مسوغ لكشفها الآن! كان مشهد الوداع فوق طاقة احتمالي وتمنيت لو انني فرد في أسرة الطريحي لكي يأخذني معه فأنا الآخر انتظر القبض علي بعد ان ورد اسمي على لسان أسير شعباني بث التلفزيون العراقي اعترافاته!! وشعرت بأن الأرض تدور بي فخفت علي لأنني مازلت في عقابيل جلطة قلبية كاربت أن تجهز علي وخرجت على عجل تفاجأ به ألطريحي وزاهد!! فنسيت علىطاولة الطريحي المفاتيح بل نسيت ما هو الأهم خاتم النقابة العلوية الذي ورثه أجدادي عن جدي الكبير الشريف الأمام يحيىبن الحسين النسابة (نقيب النقباء )والمتوفى سنة 251 هـ مكتوب بالخط الكوفي القديم على درته من الأسفل: رقية وتعويذة!!... تذكرت ما نسيته في اليوم الثاني بعد ان سافرت عائلة الطريحي الى المجهول وللآن أحلم أن أعثر على الخاتم في وقت ما!! وغابت عني أخبار الشيخ الطريحي تماما حتى التقيت مطلع عام 1992في مدينة طرابلس بليبيا نجل الشيخ الطريحي الشاعر الدكتور محمد حسين الطريحي الذي يعرفه عامة العراقيين مذيعا تلفزيونيا وسيما وخجولا وكان اللقاء بيننا أكثر من حار ويعود فضل لقائنا المستحيل الى الفيلسوف العربي الكبير البروفسور الدكتور أبو طريف مصطفى الشيبي( مؤلف التصوف والتشيع ) متعنا الله بعلمه وبقائه فهو الذي دعاني للغداء على شاطيء البحر الأبيض المتوسط خارج مدينة طرابلس وفاجأني بوجود الصديق الطريحي معه وعلمت من الطريحي الصغير أن أباه نزيل دمشق وكان هذا الشبل من ذاك الأسد فأسدى الي كثيرا من اللطف والمودة وكان يدعوني (خالو ) فجميع أصدقاء الشاعر عدنان الصائغ من جيل الثمانينات يستسيغون مناداتي (خالو ) وعمل هو على حصول موافقة مبدئية لكي يدرس ( الراء مشددة مكسورة )صديقه عدنان الصائغ في جامعة سبها بوصف عدنان مبدعا كبيرا ومعروفا جدا في ليبيا وعملت انا من جهتي على توفير دعوة للشيخ محمد كاظم الطريحي تنهد بها رابطة الأدباء في ليبيا ممثلة برئيسها الصديق أمين مازن ومديرية الدراسات العليا في جامعة الفاتح ممثلة بالصديق الدكتور الصيد ابو ديب وقد كان لي ما أردت فالشيخ الطريحي بدراسته الحوزوية وثقافته الخاصة موسوعة في علم تحليل النص وقلت لطلبتى في الماجستير والدكتوراه انتظروا محاضرات واحد من ابرز علماء تحليل النص ولكن ظروفا طرأت جعلتني ارجيء المشروع مؤقتا!! وعمل الشاعر الطريحي بالتنسيق مع الأديب السوري أحمد زياد محبك على أن تتبنى جامعة سبها اعادة طبع كتابي: الصورة الفنية معيارا نقديا والزمن عند الشعراء العرب قبل الأسلام لكن معلومات موثقة بلغتني من الأديب السوري الدكتور احمد زياد محبك!! تؤكد سعي بعض العراقيين الى عرقلة طبع كتابيَّ ولديَّ الوثائق!!! وكان عدنان الصائغ لا يمل الحديث امامي عن صديق طفولته وابن مدينته محمد حسين الطريحي وحين عمل الطريحي مذيعا في التلفزيون وزاد عدد المعجبين به والمعجبات أقسم عدنان يمينا امام أصدقائه أنه لن يهدأ له بال حتى يعض محمد حسين الطريحي في خده جهة البروفيل ويترك عليه أثرا يخفف من وسامته وربتما خاف الطريحي من عدنان فهو أعرف مني بجنونه وحرصه على تنفيذ اليمين !!......................................( خالي الحبيب عبدالأله الصائغ......وتحياتي للشاعر الخرافي المجنون محمد حسين الطريحي الذي احبه بوسع ما في هذا العالم من حب وجنون وقسما وأكرر القسم سأعض خده هذه المرة حقيقة من كثر اشتياقي فالقبل بلهاء لا تكفي للتعبير عما في قلبي من حنين وبكاء , تصور يا خالي كلما أمر على بيتهم المطل على الشاطيء أغص بالدمع وانا استعيد ذكرياتي معه فأجلس على المسناية مقابل بيتهم تماما ولك ان تتخيل ماذا يفعل عدنان حين يمر على ديارهم الخالية!! قل لي ماذا أفعل أنا الشاعر المجنون كما وصفني ذات صباح
عدنان الصائغ 14 فبروري 1993 )
............. وبعد يا قلمي فقد تعاملت مع رحيل صديق صباي وكهولتي العلامة الشيخ محمد كاظم الطريحي تعاملي مع الأحياء فمثله لن يغيب ! فأهديت للأيام تاريخا منسيا بيد أنه مهم.


(*) نشرت في موقع الشاعر د. عبد الاله الصائغ
 
البحث Google Custom Search