أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
الفنان التشكيلي مهند العلاق
في لوحتي نوافذ للإطلال عبرها

تقديم وحوار: كريم النجار
الاثنين 10 مايو 2004 05:37

يثير الفنان العراقي مهند العلاق المقيم في هولندا والمغترب عن بلده منذ ربع قرن في رسوماته حواس المتلقي ويستفزها، ليس بكونها رسومات غير مألوفة وغرائبية الشكل، بل بما تثيره من أسئلة وجودية وابداعية لها علاقة بطبيعة الإنسان ومأزقه الحياتي. فهو يعمل على تشذيب مفرداته التشكيلية إلى أبعد حد في مواجهة تغيرات بنيوية هائلة تطرأ على عالمنا المعاصر كل يوم، وكأنه بهذا الفعل يرد اعتبار البراءة المهدورة وحلمه المسفوح على سنين غربته وتغربه..
فنان يحمل صدى الوجع المتأصل في الجذر العراقي ويكاد المرء أن يرى رجع هذا الصدى في تلابيب روحه ولونه ومفرداته الضاجة حينا والمختزلة إلى أبعد حد في أحايين أخر، فهو يبحث عن الجوهر المختفي في السؤال وعن التضاد في المألوف، وعن الطبيعة التي لم تحرث بعد، يشتغل بوعي وأحيانا خارج الوعي ليؤالف بين الحقيقة وتضادها وكأنه يتمثل قول الفنان الايرلندي بيكون "ما قُدّر لأي شئ أن يعمل في حالتي، فسوف يعمل بدءا من تلك اللحظة التي لا أكون فيها واعيا بما كنت أفعله، أنها حقا مسألة القدرة على نصب فخ يستطيع المرء فيه أقتناص الحقيقة في أكثر نقاطها حيوية."
اراد منتصف سبعينات القرن الماضي دراسة الفن في اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، فوجد نفسه في كلية الاقتصاد جامعة الموصل لأنه كان شيوعيا ولم ينتمي لحزب البعث، لكنه وجد ضالته في العون الذي قدمه له أستاذه في الكلية أنذاك الفنان القدير راكان دبدوب، وحين ضاقت مساحة الحرية والرأي وأتسعت سجون البلاد وجد نفسه يرتقي جبال كردستان مع رفاقه الشيوعيين تمردا على واقع سيجر العراق فيما بعد إلى أتون حروب ومآس متواصلة، ومن كردستان حيث سوريا ومن ثم هنغاريا التي واصل دراسة وتدريس الفن في جامعاتها حتى أمتدت به مساحة الغربة إلى الاراضي المنخفضة "هولندا". في بيته الواقع في مدينة "اوترخت" وسط هولندا الذي هو عبارة عن مرسم حاشد بالاعمال في كل زواياه التقيناه هناك وجرى هذا الحوار:

  • هناك بعض الثيمات والرموز تتكرر في اعمالك، في التكوين الذي يقترب من شكل المركب وقرن الثور الذي يتكرر في بعض الأعمال. ما محمول ذلك في عملك؟

  • - أعتقد أن فكرة المركب لها علاقة اساسية بدور العقل، التفكير، الابتكار، بصناعة شئ مفيد يساعد على تواصل واستمرار حياة الإنسان. هذا بتقديري ما جاء بفكرة اكتشاف المركب.. وهو عبور مكاني وزمني من مكان لآخر.

  • أو لنقول أن لها أرتباط مثيولوجي بسفينة نوح كمعبر للتشبث بالحياة؟

  • - هذا أكيد، الميثولوجيا تعرش بين ثنايا الموضوعة، بشكل خاص تلك المتصلة بالعمل، تلك الفكرة المتصلة بالخلاص والبقاء والمستقبل، وأزلية الحركة ولا نهايتها، المركب الذي لا يغرق.

  • هناك انشاءات مختلفة على صعيد اللون والمادة، ملمس المادة الخشن، توجد في أغلب الاعمال بؤرة أو ركيزة أساسية تكمن في وسط العمل أو أحدى زواياه، ومن ثم تنشأ منها وحدات أخرى تصل الذروة، هل تقصد بها تكثيف الوحدات إلى أقصى حد؟

  • - الحقيقة أن مفهوم اللوحة يتكثف في المشهد المحدد والواضح المعالم، والتعامل معه يجري في الغالب عبر المدخل.. كيف تشرع بالعمل وتتجول في جميع أسراره وتفاصيله بمنهجية وأحيانا ببساطة متناهية. لذلك تكون هناك أحيانا بؤرة في الوسط أو في إحدى الزوايا.. وأنا اسميها المدخل للعمل أو كلمة السر لتوزيع تفاصيله الأخرى. ولا أعني هنا أن اللوحة سر غامض، بما أنك تستعمل حاسة العقل في اكتشاف المطروح أمامك.

  • قصدت عبر هذا السؤال الحديث عن الفضاء المفتوح في أغلب اعمالك، هناك فضاء واضح المعالم واحادي اللون تتكون منه خلفية اللوحة (البكراون). مفهومك لهذا الفضاء.. هل بقصد التقشف أم لإبراز الكتلة وتحديد بؤرتها؟

  • - عادة اللوحة تحمل الحل معها، أنا لا أطرح المعضلة وأجعل المتلقي في حيرة وفي مأزق وحال نفسي تعيس. في لوحتي ثمة نوافذ للإطلال عبرها.. ليس لدي شئ مغلق، فأنا أنظر أن هناك دائما غد مشرق في المستقبل، لذلك ترى في أعمالي دائما هناك أفق مفتوح على التأويل وهناك رؤيا وأمل ومجال واسع للتأمل في رؤية شئ قادم.

  • توجد مسألة أخرى تتوارد في أغلب أعمالك التي تأتي على شكل سلسلة غير متناهية، حيث يطغي على إنشاءات بنائها اللون الأحمر.. ما دلالات ذلك برأيك؟

  • - كل عمل وكل فكرة تتطلب أخراج الشكل النهائي، الفكرة هي التي تفرض عليك تحديد اللون والحجم، عندما أرسم حقيقة لا أرى الألوان، أنا أتحسس اللوحة فقط.. في إحدى المرات كنت أرسم في الظلام (كان ذلك خارج المرسم في الطبيعة) وبدون استعمال أي ضوء، وقد وجدت نفسي في النهار التالي أن الألون التي استخدمتها كانت حقا تحتاج لها اللوحة. اللوحة هي التي تطلب اللون والشكل بالنتيجة النهائية، اللون داخل العقل ولا يهب أو يرى أثناء العمل، حيث تكتمل في داخلك قبل أن تشيدها على سطح القماشة.

  • جانب آخر يتكرر في أعمالك ذات الحجوم الكبيرة وهو اشتغالك على عملية الاختزال اللوني والاقتصاد إلى أبعد الحدود، حتى في تكوين وحدات العمل، وهي مفارقة إذا قارنا بين أعمالك الصغيرة الحجم والتي تحتوي على حشود وإنشاءات تكاد تأخذ مساحة العمل أجمعه؟

  • - قلت أن كل التفاصيل الصغيرة هي التي تشكل المشهد الأكبر الذي تحتاجه المحصلة النهائية، نفس الشئ بخصوص الأعمال الصغيرة التي هي بالنتيجة تكون عملا كبيرا.. حيث اعمل على نوع من أنواع "الاستنليشن" بجمع مجموعة من الأعمال الصغيرة تتواصل مع بعضها كي تشكل مشهدا أكبر، ولهذا أن أي تفصيل صغير يجب أن يعمل بدقة متناهية، في حين ترى حجمه الأكبر يجب أن يكون غير مثقل ومرهق للعقل والعين.

  • هناك محاولة أثقال العمل بكثرة استعمال المواد الخشنة وإبراز الكتلة باعتبارها محورا اساسيا في البناء.. هل يدخل هذا في محاولة لتجريد تفاصيل العمل وإعطائه بعدا أكثر رمزيا.. أم هو محض تكنيك تلجأ له؟

  • - أعتقد أنه سؤال تقني مهم للغاية والجواب عليه غاية في السلاسة والوضوح، نحن في هذه المهنة لدينا مواد للعمل كالصحفي والكاتب أيضا يملك أداته في اللغة والصياغة، نحن أيضا نملك بالاضافة إلى التعابير طبيعة المواد، فهي أحيانا صلبة وسائلة وأحيانا على شكل مساحيق. ووظيفة المادة تساعدك في التعبير عن الفكرة وعن الرؤية وعن إيمان بالشئ المحدد، لذلك تحاول أن تستعمل كل شئ ممكن أن يدخل داخل حدود العمل الفني دون أن يؤثر على النتيجة النهائية ويكون مقبولا.. وكل شئ يتداخل كيميائيا مع بعضه البعض ويخدم اللوحة أعتقد من حقك أن تستخدمه، ولهذا أن استعمال مواد مختلفة البناء مع بعضها البعض في رأي مهم وضروري لأسباب كثيرة تجعلك تستخدمها في تفاصيل العمل الفني كمعبر عن تفاصيل حياتنا المتنوعة.

  • اسمح لي بهذا السؤال البدائي جدا.. ما الذي يدفعك لرسم فكرة معينة على القماشة؟

  • - أولا لأنني رسام، ومهنتي في الحياة أن أكتشف ما لا يكتشف ببساطة، أرى ما لا يرى
    من قبل الآخر، لذلك تجدني لست متطفلا بقدر ما أنا مراقب بحلمية واستشعار لما يحدث
    من خلال متابعة وسماع الاشياء ورؤيتها والاحساس بها.

  • تثيرني موضوعة مهمة لديك وهي اهتمامك وعملك على أصدار مجموعة من الكتب الرسومية، على شكل لوحات متكاملة داخل كتاب، وكأني أرى بعملك هذا محاولة لالغاء الكلمة وابدالها بقوة تعبيرية أخرى وهي الرسم.. ؟

  • - مفهوم الكتاب لدي أنه تسجيل حي وحقيقي لتطور العقل، فهو بالنسبة لي ليس بتسجيل الحدث المجرد وكتابة المشهد، وهو ليس وصف تسجيلي.. الكتاب شئ مقدس وهو سجل حياتي، وهو في الديانات وثيقة لحياتك بكل تفاصيلها، وهو جديتك في الحياة ولا أضن أن الكتاب يرجع فقط لأكتشاف الكتابة، لأنه رؤية وصورة وليس فقط كتابة، وممكن أن نسميه ألبوم صور نفتحه ونتطلع لما يحويه.
    الفعل الأساسي لأنجاز الكتاب والمعنى الأعمق للوصف المثيولوجي له هو المحتوى الذي يضمه، أما كيف تشتغل على الكتاب فنيا هنا النقطة المهمة والأساسية حيث تحدد الشكل وعدد الصفحات وإخراجها بكونها لوحات تقود لبعضها.

  • منذ متى برز لديك هذا الاتجاه في رسم الكتاب؟

  • - تناما لدي هذا الاهتمام بعد مزاولتي رسوم الأطفال وتصميم أغلفة الكتب ومنذ وقت مبكر من تجربتي الفنية.. وعمليا رسمت أول كتاب يهتم بالصورة فقط عام 1991 وضمنته نصوص للشاعر مخلص خليل وطبع ككتاب طبوغرافيا يحوي على 48 صفحة.. ومنذ تلك التجربة ولحد الآن تجاوز عدد الكتب التي رسمتها 25 كتابا.

  • أمامي هنا كتاب مستوحى من نص شعري قصير جدا للشاعر عدنان الصائغ، لكن ما أشاهده فيه أن هناك سلسلة متعددة من الرسومات.. هل جاءت مستوحات من النص فقط، أم أن هناك رجع داخلي جعل من هذا النص محفزا ومثيرا؟

  • - الحقيقة كانت هذه العملية برمتها مفاجئة وغريبة، اتصل بي زميلي وصديقي العزيز قاسم الساعدي وقال أن معي الآن أصدقاء أعزاء أود أن تلتقيهم، وبعد ساعة كان في بيتي قاسم الساعدي وعدنان الصائغ وضيف آخر، وتعارفنا بمودة جميلة واستمر الحوار لأكثر من ساعة، ثم بدأ الشاعر الصائغ قراءة بعض نصوصه بعد أن أطلع على مجموعة لوحاتي في المرسم، وعبر هذه الأمسية كنت واثق إني سأخلق وشيجة بين صوره الشعرية حيث كنت أرى وأتحسس كل ما يقوله وأعيشه. وبعد يومين التقيت مرة أخرى بالشاعر عدنان الصائغ وأبلغته أنني رسمت عملا مستوحى من إحدى قصائده وقد تفاجئ بذلك كثيرا، كما حفزني نص له على هذا الكتاب الذي امامك والذي لم يطلع عليه الصائغ لحد الآن.

  • ألاحظ لديك ولع غريب في تكرار رسم أعمال على شكل سلاسل، كل مجموعة تتوزع على فكرة محددة، وهنا أشاهد مجموعة منها على شكل انهيالات وموتيفات يبرز خلالها الثقل النفسي الهائل كونها تتناول الحرب وأثرها على الإنسان والارض والبيئة التي عشناها ونعيش آثارها للآن، كيف يستطيع الفنان معايشة وتوثيق الحرب عن بعد؟

  • - سأحاول أن أكون واضحا كما هو حدوث الحالة، قلت في البداية أنه قبل الحرب كانت كل الأشياء في عقلي متحفزة في أنتظار أي خبر وأي تطور بحيث كانت الصورة تتوضح قبل أن تحدث الحرب وكأنها حدثت في رأسي، حتى أني رأيت الضحايا ومشهد الخراب والدمار وتشظي الانفجارات والخوف والذعر والاستسلام، وأي شئ يخطر ببالك.
    أن ما حدث في العراق والمنطقة بشكل عام، وما جرى لنا وما أدى إلى هذه الهجرة العظيمة كان شئ لا يوصف بمأساويته، رغم أن البعض يدرك حجمها والبعض الآخر لا يدركها، وكان بعضهم يشكونا بالأسى والتعاطف، ويدرك عمق جرحنا.. وكان الشيوعيون بشكل خاص أكثر من مارس سياسة عملية تنظيمية من بقية القوى السياسية الأخرى بتحديهم الصريح للنظام العراقي وسلطته القمعية بحملهم السلاح وصعود الجبال ومحاربة النظام في الداخل.. وكنت أحد الأنصار مع مجموعة من الأدباء والفنانين وشرائح واسعة من المثقفين والعمال الذين انخرطوا في هذا الصراع حيث أختلط الجو الرفاقي وطبيعة التحدي والظروف القاسية. فكان صراعا بين الطبيعة والموت المتربص وبين هاجسك الابداعي.
    ليست الحرب هي الصورة النهائية لما حدث وما يحدث، أنا غير متفائل.. ولكني أطمح أن يكون صباح العراق القادم مضيئا منارا وواضح للجميع، حيث يجب علينا أن نعيش حياة معاصرة بعقلية ذوقية علمية حضارية ومتطورة، وبالنتيجة ديمقراطية وليست فقط تقبل الآخر، وانما تقبل الافكار الجديدة، والديمقراطية أن تلغي الخطأ وأن لا تستبد برأيك.

  • دائما يحضرني سؤال بلقائي مع الفنانين العراقيين في المهجر والذين أنقطعوا مجبرين عن التواصل مع الداخل الابداعي.. وهو كيف ترى وتقيم المنجز التشكيلي العراقي بعد هذه السنين الطوال؟

  • - إذا سألتني عن أجيالنا ماذا فعلت.. أتمنى أن نكون قد وصلنا لشئ. لكن باعتقادي أن هناك جيل جاهز ومستعد ومهيأ عقليا وروحيا في الداخل والخارج أن يقدم الكثير لأنه قد رأى المشهد بوضوح وبالألوان، ورآه بالأسود والأبيض.. سيفتح عينيه وسيرينا ما لم نتوقعه.

    تخرج من كلية الاقتصاد جامعة الموصل وتتلمذ على يد استاذه في الكلية الفنان راكان دبدوب.
    • هرب من العراق عام 1979 إلى كردستان العراق ومن ثم سوريا.
    • أكمل دراسة الفن في اكاديمية الفنون في بودابست-هنغاريا وعمل في تدريس الفن هناك.
    • أقام العديد من المعارض الشخصية في سوريا وهنغاريا وهولندا وبعض البلدان
    الاوروبية.
    • مقيم في هولندا منذ أكثر من عشر سنوات.


    (*) موقع "إيلاف" الاثنين 10 /5/ 2004
     
    البحث Google Custom Search