أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
بيان الرحيل والمقابر

عصام عياد
- بيروت -

إلى عدنان الصائغ

أتهدي كتابك لتردي...؟
نشيد "اوروك" يثير الجراح والهذيان ويلهب الجذوة والجنان.
فأعجبني بقدر ما فجعني وأوجعني.
كتاب ملحمة ونص جواني يجمع المشهد الشعري إلى المسرح الروائي، فيه تأريخ حقب وحوار أزمان وحكايا أماكن وشكاوى بلدان وصراخ شعوب وحروب أمم وصراع آلهة ومعامع قبائل واحتجاج أبطال ومقاتل أحرار واستبداد سلاطين وظلم طغاة...
انه بيان المقابر والمهاجر والمخافر والمجامر.
يا عدنان نشيدك خيوط سخطي، أنيني وحنيني وقلقي وتمزقي وبؤسي ويأسي.
و"أوروك" – مدينة جلجامش – صنو المدن المعذبة والمشذبة، التقية والشقية، المتألمة والمتألهة في قارة العرب من بغداد إلى تطوان.
يستوطن عبود أوراقك، في كل سطر يحل، وفي الكلمات يطل، وعبود، عبد الله وعابد المعبود، رمز الضحايا منذ قابيل.
هو أنت وأنا.. هو العربي المثخن بالجوع والاخصاء والكبت والاستمناء، حبيس القِدْر والقِدَر والقدَر.
تكتب، يا صديقي، ووصالك بغداد، لأجلها البكاء والحداء والهذاء.
وبغداد المهيرة في القلب والوريد...
يحاصرك شقاق الرفاق ونفاق العشاق....
يحاصرك رصيف اليباس وخصيف الاناس....
يحاصرك الرماد والنساد وجهل السواد...
تغادر حضنك ورهطك وروضك.. تهجر الرواق والمتاع والقرطاس هائما في وجهك، تعبر حدوداً وبراري.
متأبطا حريتك، تقطع مسافات ومساحات، من ثلوج ورمال وصر وقيظ.
ليلك نهار ونهارك ليل، خشية الحراس والكواتم.
وبغداد المليحة هي الروح والنفس والنسمة.
أرادوها جرذة، مذبوبة، مجرودة، مذأبة وثعلبة وابتغوها مدينة خراب وموات: علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع وطاغوت لا يفزع وفقيه لا يجمع وعالم لا يمنع وشاعر لا يبدع.
ها نحن نندب وننوح: كيف للصريدة الطريدة الشريدة ان تدب في وهاد ومهاد المصراد...؟
وبغداد تئن وتنفث: إذا غادر الوراقون والرواقيون فلمن تبقى الرياض؟، من يجمع الشتوت ويلحم الشقوق؟ من يسمع الأنين ويلهم البنين؟
أما آن للرحيل أن يترجل؟
عوام بغداد يصرخون: نريد خبزاً ودواء.
جلاد الهنود الحمر بالمرصاد بعد لم تأكلوا النخالة ولم تداوا بالاسبيرين.
نحلم بالصرعى، بالشطار والعيارين والصعاليك والشحاذين، يخرجون على المربعات والدوائر، ويدكون العم سام وأولي الجاه وأصحاب الشرطة الغرقى في لجج الشناعة والبشاعة والخلاعة.
تدوي الرياح النتنة فتسقط الأحياء في أسار الفتنة: عوام الكرخ في مواجهة باب البصرة وباب الشعير.
هو القتل أينما مست "هدنة الله"، هو السحل والذبح والفقأ والبتر والخصي منذ قابيل.
حمى الله بغداد واخواتها من فاجر يلتهم بكارتها وفاسق يدنس طهارتها.. وهي، الآن، كالموج الاعجم في ليل أسدف، وستعتد ولو بعد حين.
وحتى ذلك الفجر، ستبقى يا صديقي:
غريب الحال، وحيد الجال، أسير الدال, أرق البال، سجين السال، فقير المال.


(*) نشرت في صحيفة "السفير" – بيروت - 28/12/1996
 
البحث Google Custom Search