أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
سماء في خوذة..

المراهنة على اللحظة.. وتناسي الديمومة

صلاح حسن
- بغداد -

بينما تتزايد المناهج النقدية في الظهور وتترسخ مع مرور الوقت يؤشر المشهد الأدبي الصعوبات التي ترافق القصيدة الحديثة مع كل لحظة تتجدد, بمعنى آخر, انه كلما خطا النقد خطوة إلى الأمام وضع – بالمقابل – حاجزاً في طريق القصيدة مستنجداً بطروحاته الجديدة في تفنيد بنيتها وهيكلها.. وبخلاف النقد الذي يحاول أن يلتمس الأعذار للنهوض بالقصيدة نجد النقد الجديد المؤسس على التقنيات العلمية يبتكر في معظم الأحيان الطرائق التي تقف من القصيدة موقف المحاجج وليس موقف الناظر أو المتأمل, لأن القصيدة لم تكن في وقت ما ذات أبعاد منظورة أو شكل محدد. وهنا تبرز على الدوام مشكلة التناول النقدي الجديد. هل هناك ضرورة لوضع مفاهيم قياسية في نقد الشعر؟ بمعنى آخر هل هناك شروط مسبقة للنظريات التي تهتم بنقد الشعر؟ أن مجرد الإجابة على سؤال كهذا جديرة بأن تؤكد بطلان النظرية وتفوق القصيدة الأصيلة.. أريد من هذا أن أقول أن الإبداع الحقيقي ليس بحاجة إلى (منهجة) تظهره أو طريقة تقدمه للأنظار.
من كل ذلك أحاول هنا على الأقل أن أقف مع القصيدة ضد السليقة النقدية.. رغم طغيانها في المقال.. وسأتناول قصائد الشاعر عدنان الصائغ (سماء في خوذة) لأن عدنان الصائغ شاعر ولا شك في ذلك.. غير أن تمسكه بهذه الأحادية والتي أقصد بها طريقته في الكتابة الشعرية التي تجعل من كل نتاجه ذا زاوية نظر واحدة.. أو لنقل ذات بعد واحد مما يترتب على ذلك تكرار الفكرة الشعرية – المضمون – واستمرار النمط الشكلي – البناء – "بنى بلا سياقات أو على العكس من ذلك سياقات دون بنى – إن الغريب لدى عدنان الصائغ هو في تقديمه صوراً مدهشة لا تفتأ تتلاشى عندما تتكرر في القصيدة الواحدة – مثل اشتعال عود الثقاب – ولو استطاع عدنان أن يتخلص من هذا التكرار لقدم قصيدة كبيرة وجديدة. أن القصيدة عنده – صورة شعرية – وجودتها تكمن بعدد الصور الشعرية وجمالها. أن ضخ هذا الكم من الصور ادعى إلى الترهل والنثرية وتمكن الجمل الشعرية الجاهزة في الهيمنة على مناخ القصيدة.. بينما ينحو الشعر الحديث إلى بلورة – مشهد شعري – بدل الصورة الفنية أو الشعرية أو البلاغية ذلك أن الوعي الحديث لم يعد بحاجة إلى الومضات السريعة بقدر ما هو بحاجة إلى مشعل تنوير يضيء الفكر ويستجلي الحالات التي ما زال يلفها الغموض.
لو دققنا النظر مثلاً في قصيدة (سماء في خوذة) فأننا نجد الإحالات الكثيرة التي تقدمها القصيدة والتي تشير دائماً إلى أشياء خارجة عنها.. أي أننا لا نستطيع مواصلة التلقي لأن الشاعر مفتون بالماضي.

"ارتبكت أمام الرصاصة
كنا معاً في العراء المسجى على وجهه, خائفين من الموت
جمعت عمري في جعبتي.. ثم قسمته
بين طفلي
ومكتبتي والخنادق"

أن الشاعر هنا يعيش الحالة الآنية ولكنه لا يفسرها كما هي بل يرتد إلى الماضي.. أي يرتد إلى شرط مسبق كان قد وضعه سلفاً. أن هذه الحالة تشبه إلى حد كبير التقليد الاجتماعي والعرف الذي لا يقبل التغيير. أن النمطية تنسحب على القصيدة وتطبعاً بطابعها.. فالفعل الماضي (ارتبكت أمام الرصاصة), لا يقدم مشروعاً للتخلص من حالة الارتباك أو تجاوزها, بل يكرس الحالة من خلال استعمال الماضي نفسه لا في تلافيها أيضاً ولكن في ترسيخها مرة أخرى (كنا معاً) والدليل على ذلك هو قيام الشاعر بـ (جمعت عمري في جعبتي وقسمته) – الإعادة – أو الركون إلى الماضي الذي لا يمكن استعادته أو التخلص منه.
وفي موضع آخر تتكرر الإحالات بصيغة الزمن الذي تكشفه الطبيعة النثرية للقصيدة رغم إيقاعها المتصاعد بسبب التراكم الصوري الذي يجد فيه الشاعر التحقق المنطقي للشاعرية..

"للطفولة يتمي
ولامرأتي الشعر والفقر
للحرب هذا النزيف الطويل
وللذكريات الرماد".

إن ما يدعو للاستغراب هو هذا التقرير الملح المقصود في هيمنة النتائج المقررة مسبقاً في القصيدة.. والواقع أن النقد غير معني بما هو مفيد في القصيدة أو غير المفيد.. أو بالصحيح فيها وغير الصحيح.. يقدر ما هو يؤكد على الحيوي وغير الحيوي.. أن عدنان الصائغ رغم شاعريته الطاغية يضيع في استرساله وإيغاله مع القصيدة متناسياً الهوة التي تحصل في ذهن القارئ والتي قد تؤدي في النهاية إلى واد سحيق.
أن تناولي لقصيدة واحدة من الديوان (سماء في خوذة) يؤكد مرة أخرى الانطباع الأول حول الواحدية والنمط الشكلي في الكتابة الشعرية. وسأحاول كما قلت في البداية أن أكون مع القصيدة ضد السليقة النقدية.. وعليه فأن ما يقدمه عدنان الصائغ في هذا الديوان أنضج بكثير من تجاربه السابقة رغم تشابه الأجواء والرؤية الواحدة. ونود أن نلخص اشاراتنا حول ديوانه بهذه النقاط:
1- واحدية النمط – تكرار الشكل –
2- الزمن الثابت – طغيان         - النتائج المقررة سلفاً.
3- الصورة الشعرية – وجه القصيدة – وهمها الأول
4- الإحالات الخارجية – نفي القصيدة –
5- النثرية – الانقطاع – انخذال الوعي
6- المراهنة على اللحظة وتناسي الديمومة
وفي النهاية أقول أن قصائد الصائغ عدنان جواهر ينقصها التشذيب من الأتربة التي تلتصق بها.. ولذا فعليه أن يجلو القصيدة كل مطر لكي تبدو متوهجة في كل حين.


(*) نشرت في صحيفة "القادسية" 18/4/1989
 
البحث Google Custom Search