أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
عدنان الصائغ أو القصيدة وحيدة الخلية

ماجد السامرائي

(1)

حين نتكلم على شاعر – معاصر لنا – ينبغي أن يكون كلامنا متصلاً بميدان التجربة الشعرية في سياقها الراهن – بما لهذه التجربة من تحقق، وما فيها من إنجاز. وكل كلام على هذا الشاعر ينبغي أن يأخذ نفسه بواقع هذه التجربة: مفهوماً متحققاً، ومصطلحاً. في "مقياس" في النظر إليه، و"معيار" في التعامل معه شعرياً.
- لقد تغيّر الشعر اليوم، رؤىً وأشكالاً.. إلاّ أن الكلام عليه، وتقويمه ظلّ في إطار ما اصطلحنا عليه: "الابداعية العربية"، بما تتحدّد به من إطار نظري/ نقدي لم يحدّ من وجود القصيدة وحركتها، وإنما جعل منها إمكاناً مفتوحاً، باستمرار، على تجديد "معنى" الوجود والأشياء (والذات أيضاً في علاقتها بالوجود والأشيتاء).
- وإذا كنا نجد عديداً من شعرائنا اليوم يعملون في إطار "فن القول"، على تجاوز إنتاج الشبيه.. فذلك دليل عافية في هذه التجربة، وبداية خروج من "الجواب" إلى "السؤال" والذي يتحدد به مسار البحث الشعري، ومن خلاله ينفتح فضاء آخر للتجربة الشعرية الجديدة.
فكما أن كلّ شاعر، مهما بلغ في مدى القول، مشروع لا يكتمل.. كذلك هي "التجربة": في إبداعيتها، وفيما لها من شمول إنساني.

(2)

من حقّ كل شاعر المطالبة بتأسيس نظرة جديدة، والاصرار – في تجربته – عن موقف مغاير لما وقفه أسلافه – والنقد الجذري نفسه يطالب الشاعر بذلك – إلاّ أن هذا التوجّه كما يحقق التقاطع، لا يلغي التداخل والتلاقي، ولا ينفيهما. ولكن المهم، في الحالتين، هو أن نفجّر قوانا الذاتية، بكل مالنا من حلم ورغبة، لننجز ما ننجزه بمزيد من استقلال الذات – وهذا هو مايجعل شاعراً ينهض بعالمه.. وآخر يتداعى به هذا العالم لهشاشة فيه.

(3)

.. ولكن،
- أين تجد "ذات الشاعر" ما تتميز به، أو يحقق إمتيازها؟
هذا هو "سؤال التجربة" و"سؤال التعبير" عن هذه التجربة في ما يكون لها من أفق إبداعي.

(4)

في شعر عدنان الصائغ هناك "تجربة"، وتجربته هذه هي، دائماً، في نطاق قدراته اللغوية، وفي مداره التعبيري. ولأن اللغة عنده عنصر متميز في بناء قصيدته، فأن "رموزه" فيها تظل، في الغالب، رموزاً لغوية – أي أن اللغة، في قصيدته، تنتج "رموزها" من خلال عملية احتكاك بين هذه اللغة والذات. ومن هنا يكون الرمز عنه رمز كشف عن عاطفة أكثر منه رمز موقف، وجودي أو كوني. فما يشغله/ أو يحققه، في مستوى تكوين القصيدة، هو هذا البحث عن "شكل تعبيري" في موازاة ما يسردها من "بنية عاطفية"، قد تدفعه ألى "المباشرة" في القول، في بعض الحالات، مما يجعل "الوعي بالذات" هو أساس "الوعي" بالعالم" عنده..
- ومن خلال هذا/ وبفعله، يبدو أن ما يهم عدنان الصائغ، الشاعر، هو "التعبير" عن نفسه – عن "ذاته" في مواجهة الأشياء. لذلك نجده يمارس "حريته الذاتية"، باطلاقيتها، في "لغة التعبير" هذه، دون أن يصدّ "نواياه" عن أن تمضي في ما يريد لها من "إحداث التأثير" أو "عدمه" في الآخر.
- غير أن ما يتضح عنده، على حذر، هو "تجريبيته" التي تظل، عنده تجريبية محافظة على ما يمكن تسميته بـ "تعادل المعنى"، مفهوماً للعلاقة بين الذات/ الواقع، واللغة/ التعبير. فهي "نجريبية" تتحكم إلى "منطق" الموجِّهات اللغوية عنده، والى ما لا يبعده عن إطار "حقيقة الشيء" أو يضعه خارجه.
- إنّ لغة عدنان الصائغ وثيقة الصلة بالذاكرة اللغوية. وإذا كنا نجده في بعض من قصائده الأخيرة يحاول أن يجد فيها/ ولها منعطفاً آخر، بالتحرر من هذه الذاكرة، والارتباط بالمباشر واليومي – محاولاً اكتشاف نبض اليومي ولغته – فأنه لا يمضي في "مغامرته" هذه إلى الآخر – وهذا هو ما يصنع الفواصل والحدود بينه وبين التحقّق الفعلي لمثل ذلك.

(5)

- فاذا كان الابداع سؤالاً..
ما هو، السؤال/ الاسئلة التي تطرحها قصيدة هذا الشاعر؟
- أول هذه الأسئلة يتصل بـ "التفسير" الذي تقدمه هذه القصيدة للعالم، بما ترسم من رؤية له، أو تجسد من موقف فيه.
- ثم هناك محاولة الدخول في "فجوات الواقع"، لا بقصد ملئها،  وأنما بهدف تأكيد الوجود في هذا الواقع.
- وهناك محاولة لأقامة علاقة نوعية باللغة، ومن خلالها بالأشياء. أما الاسئلة التي يطرحها النقد على نصوص كهذه فهي اسئلة بمفهومات أساسية عن الإنسان، وديناميكية حركة وجوده، أو حركته في هذا الوجود، والتصور الذي يحمله إلى هذا الوجود – باعتبار النص تجربة تاريخية تتمثل في عالم موضوعي. (فإلى اي حدّ عبر عن "قضيته"، أو تمثل من إشكالات وجوده فيه؟)
فهل تجاوز الشاعر، في هذا كله، "الثابت" في التجربة الشعرية، في مستوى ماهو إبداعي، بين الحاضر والماضي – في مستوى الموقف الشعري، واللغة، كعلاقة بالعالم؟

(6)

- إن قصيدة عدنان الصائغ هي نمط القصيدة البسيطة البناء.. فهناك اللغة، والصورة، والإيقاع لما لها من حضور شامل، ووجود تآلفي متميز ببساطة نسبية، ولكن هذا ما يجعل من قصيدته تبدو وكأنها "وحيدة الخلية" على حد تعبير كمال خير بك – "أو نهر لا يتمتع، مع استجابته لقوانين الولادة والتطور والاكتمال، إلاّ بحركة ذات اتجاع واحد..

*      *

قصائد:

أخطاء

أيها الخطأُ المتكرّرُ
- يا عمرُ -
يا ندمَ الأصدقاءِ الجميلَ
سأفتحُ مشجبَ قلبي..
لكلِّ حماقاتكم
علّقوا ما تشاؤون:
              من سمكٍ ميتٍ
              وكحولٍ
              ولا……
كلُّ شيءٍ تبرّرهُ الرغبةُ العابرةْ
عابراً مرجَ قمصانِكمْ
للشوارعِ……
أنسلُّ بين العناوين…
نحو المدينةِ
أصفِرُ في الريحِ
خلفَ خطى العشبِ والفتياتِ
أنا خطأٌ في القصيدةِ
يشطبهُ النحويُّ على لوحةِ الصفِّ
ينسلُّ خيطُ دمي - شاحباً -
يتعثرُ بين ذهولِ تلاميذهِ
والرقيبِ المشدّدِ باللامِ
أبصرُ....
    - في الليلِ -
    بين أصابعهِ الصفرِ
ما حذفتهُ المناهجُ مني
يرتّبهُ جملةً، جملةً
      في فراغِ السرير
وينامُ على جنبهِ المرِّ
               ملتصقاً بشخيرِ عجوزتهِ
      أو عجيزتها.....

في الصباحِ
المطلِّ
على مكتبٍ فاخرٍ
سيدلقُ ما قصَّ من حلمهِ
في سلالِ الوظيفة
ثم يشطبني.......
               هكذا......

عابرة

إلى... ج

أكونُ لكِ الجسرَ
هل كنتِ لي نزهةً في أقاصي القصيدة…؟
أكنتِ ترين الأصابعَ – إذْ تتشابكُ –
سلّمَكِ الحجريَّ… إلى المجدِ
أحني دمي، كي تمرَّ أغانيكِ، من ثقبِ قلبي
إلى مصعدِ الشقّةِ الفارهةْ
وأختارُ لي ركنَ بارٍ
لأرقبَ في طفحِ الكأسِ،
                 ضحكتَكِ العسليةَ
في الحفلِ،…
         في آخرِ الذكرياتِ
تسيلُ على الطاولاتِ
فتشربها الأعينُ القاحلةْ
فأقنعُ نفسي:
بأن المسافاتِ، كذبُ خطى
والصداقاتِ، كذبٌ أنيقٌ
  والنساءَ الجميلاتِ،…
                       ...... تكرارُ آهْ

عزلة

أخيراً
سأختارُ لي كتباً
وأقولُُ: هي الأصدقاءْ
ورصيفاً أقسّمهُ بخطاي - كما أشتهي –
              وطناً
                   ركنَ حانٍ
                             سماءْ
سأرسمُ نافذةً في الجدارِ
وسربَ طيورٍ تحطُّ على غصنِ قلبي،
                         تشاغلني بالغناءْ
أخبّيءُ في شرشفي، حلماً للمساءْ
أتوهمهُ امرأةً لا تخونْ……
…………
.......
هكذا أنتقي عزلتي
وسأعتادها……
…………
غير أنّي إذا اشتقتُ للآخرين
سأجلسُ قلبي إلى الطاولةْ
وأحصي له
الطعناتْ


(*) نشرت في مجلة "آفاق عربية" بغداد س17- تشرين الأول 1992
 
البحث Google Custom Search