أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
"نشيد اوروك" للشاعر العراقي عدنان الصائغ:

ملحمية تختصر كل اوجاع العالم

جان م. صدقة

تتمرغ المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر العراقي عدنان الصائغ في القهر والانسحاق ووجع الغربة، وهي مجموعة في قصيدة واحدة، لعلها أطول القصائد التي عرفها الشعر العربي حتى اليوم.
"نشيد أوروك" مجموعة شعرية لا تنفصل مطلقاً عن الوضع العراقي، فالشاعر العراقي الذي اختار المنفى يستمد مناخ قصيدته من العراق، ذلك البلد المحاصر بالجوع والموت والمضرج بالدم، وهي عبارات تتأسس عليها قصيدة الصائغ في جو صارخ لا يجد افضل من الشعر منبراً يبلور عبره تجربته الشعرية من دون أن تتقلص في عينيه مساحة الحرية، من حيث أن الشعر، تاريخيا، الأفضل لترجمة الأحاسيس الإنسانية في مختلف أمزجتها.
"نشيد اوروك" قصيدة أرادها الصائغ أن تترجم أحاسيسه وتعبر عن مشاعره، فصورها على شكل هذيانات مسعورة رافضة تحتج على كل ما يحدث في العراق، فالنشيد يختصر على كل ما مر في هذا البلد من حروب ودماء ومآس، يمتزج فيه التاريخ والأساطير والفلسفات والسحر والتراث الفكري الإنساني والعقائد والجنس والأشكال والأحداث ليشكل صرخة رافضة يطلقها "عبود" الإنسان العراقي المكدود والمحدود بين اللقمة وطلقة الرصاص.
تمتاز قصيدة "نشيد اوروك" بغنائية رفيعة غنية بالرموز يستعيرها الشاعر ليرسم حدود مأساته يسردها باتقان في لغة شعرية مكثفة يسيطر عليها نفس ملحمي طويل قلما عرفه الشعر العربي المعاصر.
لعل الهذيان الذي يملأ معاني القصيدة الملحمية الطويلة ابرز ما يلفت في "نشيد اوروك" ولا شك بأن هذا الهذيان يقف أساساً جوهريا في رسم التجربة المديدة القاسية للشاعر العراقي، وما كانت الأوجاع تبلورت بهذه الطريقة لولا هذا الهذيان اللاواعي الذي لم يخرج بأي حال عن سيطرة الشاعر على الجو العام للقصيدة.
ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة في "نشيد اوروك" يتعلق بالشكل الفني للقصيدة الملحمية الطويلة، فيقال إنها غير قادرة على الصمود في ذاكرة الشعر، إلا أن هذا السؤال لا يبدو هاجسا لدى الشاعر فالهم الرئيسي كتابه الوجع وتقديمه للآخرين:

"كم أنت حزين يا قلب لأنك قلبي تحصي خيباتك قلبي حين تحب، رياح مرّت أوسمة، ورياح ستمر نعوشا،ورياح ستذكرني بالعسل المنسال في الشفة السلفى ألعق في قعر الكأس مرارة، صمت الهاتف جنبي مسكوناً بتفاصيلك، بالعبق الوحشي، بباب المصعد، بالكأس المتروكة للنصف فيكرعها الزوج السكير رياح نسيت بحقيبتها عنوان الأشجار، رياح تسأل عن بيت للايجار، رياح تهبط اسفل تنورتها، ورياح مرت دون رياح"... (ص67).

"نشيد اوروك" قصيدة ملحمية كتبها عدنان الصائغ ربما بشكل متواصل، بطريقة آلية، وهي قصيدة حافلة بالأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحداث والاستذكارات والتواريخ والأساطير، ولعل المصطلحات الميتولوجية من الإشارات الرائعة التي تتداخل في القصيدة يقتبسها الشاعر رموزا غنية ترتبط بالسياق الفني والفكري والدلالي في تكوين النص، وهي رموز استقاها الصائغ من الميتولوجيات العالمية على مختلف ثقافاتها، ولعل الصائغ من ابرز الشعراء العرب الذين نجحوا في خلق صلة وصل أساسية بين الشعر والميتولوجيا، فبرهن أن الشعر قادر على استيعاب مختلف العلوم، وان هذه العلوم يمكن أن تتصل أيضاً بالشعر.
عدنان الصائغ شاعر يخرج القصيدة من قلبه المحروق، ويكتب كلماته بدماء سوداء تتفجر على اسم الحرية، انه وجه مميز لا يشبه أحدا ولا أحد يشبهه في شعره ونضاله وأوجاعه ودموعه وأحاسيسه ومأساته. عدنان الصائغ شاعر يتقن الهذيان في الكتابة، كما يجيد صناعة الشعر بوعي ثاقب في خدمة الرؤية العميقة التي تستكشف الكون.
لا يهم، في النهاية، إن كانت الكتابة الشعرية في "نشيد اوروك" لا تخضع تماما للمعايير الشعرية، في الشكل الفني على الأخص، فالقصيدة الطويلة قد تشذ أحياناً عن النمطية العامة المتبعة، إنما قدم لنا عدنان الصائغ نشيدا يترك بصماته بقوة في ضمير أي عربي حر، فينادي الأصوات الرافضة للقهر والظلم ان تنضم إلى مسيرة الحرية والأحرار.
"نشيد اوروك" مجموعة شعرية حارقة ثائرة في لغة جلاده تثبت أن الشعر أرقى الوسائل للدفاع عن حق الإنسان في الحياة والحرية.


* "نشيد اوروك" للشاعر العراقي عدنان الصائغ، عن دار أمواج، في 238 صفحة من القطع الوسط، الطبعة الأولى بيروت 1996، الغلاف لجسام الكوفي.


(*) نشرت في صحيفة "نداء الوطن" اللبنانية 23 تشرين الثاني 1996
 
البحث Google Custom Search