أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
عنف الحوار وثقافة العنف
معيارية الأدب العراقي بين سناء مصطفى وسلام عبود

د. حسن السوداني

هالني وأنا أقرأ في العدد 74 من جريدة الإتجاه الآخر الغراء موضوع د. سناء مصطفى، الموسوم (العنف الثقافي في العراق) لما تضمنه المقال من عنف في حواره المبني بطريقة يغلفها الإخلاص و(المعيارية) العلمية وتبطنها الاساءة إلى واحدة من التجارب المثلى في ثقافتنا الوطنية الخالصة، وأقصد بذلك تجربة الشاعر عدنان الصائغ الذي كثر مهاجموه من الذين لا نعرفهم أو الحساد أو أنصاف المواهب أو الذين يفتقرون لصورة واضحة عن مجريات الداخل وأحسب أن الدكتور سناء مصطفى من صنفهم الأخير. ولكي نضع النقاط على حروفها سأبدأ من اعترافه بذلك بعدم امتلاكه لصورة جلية لما كان يجري في العراق إبان الحرب الثمانينية بدليل قوله (حتى أتذكر ما قاله لي أحد الأصدقاء الذي كان في العراق آنذاك بأنه..) وهذا يعني أنه لم يكن في الداخل حينها فأخذ يصف ألم بتر الساق بطريقة العاثر بحصى.
وأني أتساءل أولاً بذات الطريقة المخلصة وبذات "المعيارية" التي امتدح بها كتاب سلام عبود الذي أخذ من بين جميع دواوين عدنان الصائغ قصيدة "موت طلقة" وأعتبرها "الإكتشاف" الأمثل لثقافة العنف في العراق متناسياً ما كتبه الشعراء الكبار والصغار من آلاف القصائد المباشرة التي تمدح النظام علانية وبالأسماء وبالعناوين الصريحة. كما أهمل - عن قصد - كل قصائد ذلك الديوان " العصافير لا تحب الرصاص" المتضمن تلك القصيدة والتي من الأنصاف و"المعيارية" أن يشير ولو بإشارة لجرأتها في نبذ الحرب ولعن القائمين عليها. وهنا أتساءل كما تساءل القاص عبد الستار ناصر: (لماذا ولماذا مرة ثانية وثالثة جاء على غلاف كتاب سلام عبود صورة للطاغية صدام حسين وهو بين أبناء الشعب من نساء وفلاحين وهو يشرب الشاي "بينهم" ويبتسم "معهم" وثمة من يرفع يده بالدعاء لحمايته لاسيما إذا نظرنا تحت الصورة مباشرةً لنقرأ منشورات الجمل!).
وأتساءل بـ "معيارية" تحليلية: إذا كنت تؤمن برأي سلام عبود أن قصيدة "موت طلقة" هي ثقافة عنف في العراق فأن أحداً غيرك لم يؤكد لنا أن سلام عبود نبي النقد المرسل والذي يجب علينا أن نؤمن بآرائه المقدسة كما فعلت أنت!! فضلاً عن أنه قد استخدم منهجاً يفتقر للموضوعية باعتباره أخذ عينة قصدية تمثل 1 % من نتاج الشاعر وهي نسبة لا يرضى به عاقل ولا منطقي. فكيف تحول هذا المنهج إلى (منهج خاص قلما نجده في كتاب ثقافي آخر)!!
وبذات الطريقة "الناعمة" أتساءل عن:
1. أين "التزوير" الذي قام به الصائغ في الرد على تهمة تأييد الحرب في رده على سلام عبود، ألا يكفي الصائغ عنوان قصيدته "موت طلقة" للرد على ادعاءات عبود والتي صدقتها أنت ببراءة بروتس!
علماً انك أيها الفاضل قد " زورت" نص الصائغ باضافتك كلمة " قائد" غير الموجودة اطلاقاً في ذلك المقطع الذي أشرت إليه.
2. ذهبتَ بعيداً في اتهام الصائغ بإستخدامه عبارات قاسية وجارحة مثل (تسمية النقد بالشتم وتسمية خصومه بالأبواق والهلاميين ومروجي الإشاعات) وهذه تسميات شائعة – كما تقول أنت – في ثقافة الحرب وأنا أتفق معك بضرورة رفع الحوار إلى مستواه الحضاري والثقافي الرفيع. فكيف أيها الدكتور الفاضل أخذت تسرف بإستخدام عبارات أكثر بشاعة ودموية مثل (تزوير، الفساد في تصوراته، تضليل القارئ، الصائغ وكتاب الحرب، تعبئة الناس للموت، رسالة إلى ساجدة( وهي غير موجودة أيضاً في نص الصائغ)، الشاعر يراوغ هنا، يتخفى خلف الآخرين، تحزيب الآخرين، سلاح من اسلحة السلطة القامعة، يربأ بنفسه، من هذا نجد أن الصائغ يلجأ إلى أسلوب تعميم الاتهامات الشخصية والخ..) فهل هذه عبارات لطيفة ورقيقة يستخدمها النقد الموضوعي الحضاري الوطني المخلص! ربما هي كذلك ما دام الدكتور يعتمد "المعيارية" التحليلية في رده على الصائغ.
3. وأتساءل هل أن العمل في جريدة القادسية أو حراس الوطن أو منتدى الأدباء الشباب أو اتحاد الأدباء، أو طبع كتاب في العراق جريمة !! وهل هذا يعني أن الجواهري وسعدي يوسف والبياتي وبلند الحيدري وفؤاد التكرلي وفوزي كريم وفاضل العزاوي وهاشم شفيق وابراهيم أحمد وحسب الشيخ جعفر ومئات غيرهم مجرمون لأنهم طبعوا كتبهم في العراق وفقاً لمعيارية سلام وسناء.
4. وهل أن جميع الذين يعملون الآن في الجيش والشرطة والتعليم والإعلام، والأطباء في مستشفيات الدولة والمهندسين في مزارعها والعمال في بناء القصور وغيرها، وأساتذة جامعات صدام الطبية والفنية والهندسية و.. و... وفناني العراق مجرمون لأنهم في الداخل، وفقاً لمعيارية سلام وسناء.
5. وأتساءل عن مئات الضباط وقادة الألوية والفيالق وأركان الجيوش ورؤساء الاستخبارات الذين خرجوا من العراق والذين كانوا يلعبون بالطلقات في رؤوس الجند أو بطون الأرامل أو أحلام الأطفال (والمستثنين) من معيارية سلام وسناء !! هل أصبح عدنان الصائغ أكثر جرماً من كل هؤلاء لكتابته قصيدة تدين الطلقة والحرب ؟.
6. وأتساءل عن عشرات الشعراء والكتاب والصحفيين ورؤساء التحرير ومدراء الإذاعة والتلفزيون والإعلاميين بشتى صنوفهم والذين كتبوا المقالات والقصائد المباشرة وعملوا كمستشارين لرئاسة السلطة في العراق و(المستثنين) أيضاً من معيارية سلام وسناء! هل أصبح عدنان الصائغ أكثر جرماً منهم بكتابته هذه القصيدة ؟
7. وأتساءل عن الذين عملوا مع عدي صدام حسين من الكتاب والشعراء والصحفيين والمطربين والمطربات والذين اعترفوا بكامل قواهم العقلية بعملهم ومساندتهم ومدحهم للنظام و(المستثنين) من معيارية سلام وسناء ! هل أصبح عدنان الصائغ أكثر جرماً منهم بكتابته قصيدة تتحدى الطلقة أمام باب الموضع؟
8. أؤيدك أيها الدكتور الفاضل في نقطتك الثامنة والتي تقول فيها (مما لا شك فيه أن البحث عن الحقيقة مسعى شاق لكنه غير مستحيل وسيغدو مستحيلاً جداً إذا أصر المتحاورون على التمسك بأخطائهم وخطاياهم وإذا أصروا على عدم الاصغاء الى صوت المنطق) فصوت المنطق ايها الفاضل لا يدخل في آذان يملؤها الصديد ولا بقلوب متحجرة وعقول وهبها الله عدم التمييز بين العفة والعنف.
وإذا سلمنا بآرائك أيها الدكتور الفاضل فإن الحل الوحيد في تغيير الواقع هو ضرب العراق بقنابل "معيارية" جديدة باسم قنابل سناء وسلام كي يرجع العراق إلى سابق عهده الحضاري بلا ناس ولا عدنان ولا قصيدة "موت طلقة".


(*) صحيفة "الاتجاه الآخر" ع 76 في 4/8/2002 - دمشق
 
البحث Google Custom Search