أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
اضواء

أدباء يمارسون السياسة فكراً والثقافة سلوكاً
متي تنتهي سطوة السياسي على الشاعر؟

أمجد ياسين
هولندا

لم يكن اللقاء الذي جري في مدينة لاهاي وبدعوة من مؤسسة (أكد) للثقافة والفنون لستة شعراء في آن واحد مجرد تجميع أجيال قالوا شعرا ومضوا، بل أن ما جري بقي ولحد اليوم حديثا متصلا كلما سمعنا شاعرا أو قرأنا شعراً فقد أغنت هذه المحاولة التي استمرت ليومين صاخبين في المناخ والشعر والحضور الحياة الثقافية في هولندا خاصة الجالية العربية التي شكل حضورها علامة علي اهتمام كبير. وفي المقال الذي نشر قبل أيام في جريدة (الزمان) عن حوار طويل بين الشعراء كريم كاصد وسركون بولص وصادق الصائغ، تلمسنا أهمية وفاعلية الحداثة الشعرية الثانية التي يمثلها هؤلاء الشعراء وغيرهم. ومثلما للسياسة نافذتها التي تستقبل وتطل بها علي العالم بالسلبي والايجابي من الأحداث فإن للشعر والشعراء نوافذهم المتعددة ومجساتهم الفريدة في التقاط الأحداث وتفجيرها مواقف ولغة وصورة وبناء وحداثة لاحقاً.
علي الرغم من أن جو الأمسية شعريا سرعان ما قفز السياسي إلي الواجهة وكأنه يحاول أن يستعيد قوة نبضة التي خفتت علي إيقاع قصائد الشعراء الجميلة، وفي هذا الحوار نقف علي جملة آراء ومواقف عن العلاقة بين المثقف والسياسي، وهو موضوع يطرب الأذن ويعمق الممارسة ويوسع الفكر.
لا يشكل هذا الحوار إلا القسم الثاني من الأمسية الشعرية التي قرأ فيها الشعراء عدنان محسن وهاتف الجنابي وعدنان الصائغ.
القاعة التي اجتمعوا فيها كانت قاعة (الفلوندر) في مدينة لاهاي في هولندا أما المناخ فقد كان عاصفا وممطرا ومظلما لم تشهد هولندا مثله منذ عشرين سنة. وهو الذي حدا بأحد الشعراء أن يهمس لي مازحاً بأن شعراء الستينات أكثر حظاً منا حتي في الطقس فنحن طول عمرنا كانت العواصف والحروب رفيقنا المميز، ومع ذلك كان الحضور كبيرا واستمر اللقاء إلي ساعة متأخرة من الليل.
أدار الندوة القاص عدنان حسين أحمد.
û العلاقة بين السياسي والثقافي واحدة من المشكلات التي لم تجد حلا؟، هل نستطيع أن نستدرج السياسي إلي غابة الثقافي اذا صح التعبير وهل تعتقد أن هذه العلاقة ستظل ملتبسة وشائكة؟
ــ هاتف الجنابي: العلاقة بين السياسي والثقافي كانت مفخخة وما زالت وستبقي، ومن دون ذلك لن يكون للمثقف شأن، وعلي المثقف أن يعترف بهذه الحقيقة هذا أولاً، ثانياً المثقف ليس بعيداً عن السياسة بغض النظر عن هذه الفخاخ والشراك من قبل السياسة والسياسيين أنفسهم، وعلي هذا الأساس أري أن علي المثقف أن يخلق لنفسه هذه البحبوحة من الاستقلالية أو من الفسحة، وألا يُغرق نفسه في بحر السياسة ويحاول قدر الامكان الابتعاد عن أحابيلها، من جانب آخر لا يمكن لنا كمثقفين أن نبتعد عن السياسة ومشاكلها في جوهرها الحقيقي، خصوصاً وضعنا كعراقيين حيث لا يمكن لأحد منا أن يبعد نفسه عن وطنه رغم تواجدنا في الخارج، وعليه فأن للمثقف علاقة بالأحداث السياسية ولكن ليس بالضرورة إن تكون له علاقة بالسياسي الحزبي.

الحرية والسلطة
ــ الشاعر عدنان الصائغ ــ الإطار الذي يعمل به الشاعر والمثقف والسياسي مختلف تماماً عن السياسي كحزب أو كمهنة،الفكرة أن المثقف أو الكاتب يمتلك حرية أوسع بكثير من تلك التي يمكن أن يستوعبها السياسي، لضيقة منها، فالسياسي يضيق بحرية وأتساع أفق المثقف وبالتالي تحدث كثير من المشاكل والمشاحنات، فقد يعاني المثقف من سلطة السياسي في الداخل والخارج، وفي كل الأحول عندما يحمل المثقف فكراً تنويرياً أو استكشافيا يعمل في مساحة أكبر مما يخطط له السياسي فيحدث هذا التصادم.
û الشاعر عدنان محسن: اعتقد أن السؤال يجب أن يطرح بطريقة مختلفة وهي هل المثقف يحتاج إلي موقف سياسي؟
ـــ الشاعر هاتف الجنابي: ليس من حقنا أن نتكلم عن تأريخ كامل أي تأريخ العلاقة بين السياسي والمثقف المبدع، فالعلاقة بين السياسي الحقيقي والمثقف المبدع وطيدة للغاية، ولكننا نتحدث الآن عن تجاربنا الشخصية، أنا كنت في يوم من الأيام ماركسياً،وكانت علاقتي وثيقة بهذا الفكر ولكني أخذت هذه العلاقة من جانبها الميتافيزيقي أيضا، من ناحية الرأفة والحرية والمساواة بين الفقراء، ولكن عندما رأيت أن الأمور تعقدت ووصلت إلي حد لا أطيقه أنا ككاتب، ابتعدت مع احترامي الشديد لهذه العلاقة والفكر، لذلك فالعلاقة بين السياسي والمثقف علاقة وطيدة، فأغلب المثقفين العراقيين لهم علاقة وطيدة بهذا الحزب أو ذاك. وما يجري الآن من خراب بين المثقفين سببه هو الخراب السياسي وهذا تتحمله جميع الأحزاب السياسية العراقية، لكن برغم هذا الخراب أعتقد أن علاقتنا بما هو سياسي قائمة، ولكن إلي أي مدي والي أي أفق، هو بالتأكيد ليس من خلال الأفق السياسي نفسه أو الالتزام الحزبي ولكن من خلال ما يسمي بالثوابت الوطنية والإنسانية، ثوابت أحلامنا غير المحددة، وأنا ككاتب وشاعر أحاول جاهداً لكي أجتهد في الدفاع عن هذه الثوابت وإبرازها، لأني اعتقد أن لا كائن عراقي يستطيع النهوض بدونها، هل نجحت أم لا؟ لا أدري؟ وأعتقد أن القضية ليست ملقاة علي عاتق شخص معين بل هي ملقاة علي عاتق السياسي والمثقف معاً، أثناء الحرب العراقية الإيرانية اذا لم يكن في بدايتها أصبح هناك شقاق واضح المعالم جداً ما بين السياسي كسياسي والمثقف كمثقف.
ــ ياسين النصير: قريباً مما تفضل به الشاعر هاتف، هناك مفردتان يبدو أنهما أداتان غامضتان ولكنهما مفردتان سهلتان، ولكننا ننسي الزمن أو المرحلة التي تربط بين السياسي والمثقف، علي سبيل المثال كانت العلاقة بينهما في الخمسينات والستينات علاقة نضالية وسياسية وإنسانية، يسجن المثقف فيها اذا كان سياسياً ويحاكم اذا كتب قصيدة سياسية... السياسية مرتبطة بمصالح الجماهير والوطن والفكر الإنساني ككل، أي لم تكن هنالك فاصلة بين ما هو سياسي وثقافي في مرحلة الخمسينات والستينات. وعندما تغيرت المرحلة تغيرت العلاقة بين المفردتين، ففي الثمانينات عندما نشأت الحرب لاحظنا انفصالاً حقيقيا بين الثقافي والسياسي وبين المثقف المتجذر بحسه الوطني والمتربي علي قصيدة الخمسينات وثقافتها و السياسي الذي أتي نتيجة سلطة دموية فاسدة فاشية، هنا أختلف دور السياسي لأن أدوات التنفيذ والتعامل مع المجتمع تغيرت، الآن نحن في مرحلة ثالثة، السياسة فيها بعيدة عنا نمارسها فكراً،بينما نمارس الثقافة سلوكا وحياة ونحن بعيدون عن الواقع، هاتان المفردتان مختلفتان جداً الآن عن المراحل السابقة، أي أننا نحتاج لقراءة كل مفردة ضمن مرحلتها.
ــ عدنان محسن: ما يهمني الآن هو الموقف السياسي ولا يمكن وخاصة في هذه الأوقات وفي عراق مهدد أن لا أمتلك موقفاً سياسياً من الحرب أو من غيره من الأمور، الأشكال إزاء أسئلة كهذه هي متي تُوقف السياسة الفنان المبدع من أن يكون مبدعاً، هذا هو السؤال ونحن نشهد هذا الكم الهائل من المثقفين في الخارج. وجدت أن كثير من الشعراء وخاصة من هم في لندن أنهم تبنوا طروحات كانوا يدافعون عنها في بداية الستينات، مثلاً الشاعر خالد علي مصطفي كان يتحدث عن قصيدة النثر ويقول اذا كنتم تريدون كتابتها عليكم تعلُم العروض أولاً، ثم يأتي الشاعر فوزي كريم ليؤكد في كتابه الذي صدر عن دار المدي الكلام نفسه، كلام كرر بعد خمس وثلاثون عاماً، الشاعر حرٌ في رأيه، عاش في لندن وفي جو ديمقراطي وقرأ حضارة في جو آخر وثقافة من نوع آخر، صحيح أن هذا رأي نقدي ليس له علاقة بالسياسة ولكن الإشكالية هنا هي هل السياسة تؤثر علي المثقف في أن يكون مبدعاً؟ أما مْن يكون في خدمة مْن فهذه مسألة شخصية حسب رأي، وهنا أتسائل أيضا هل تخلص السياسي من أعباء قمعه الداخلي القديم؟ وهذا ما أشك فيه.
ــ هاتف الجنابي: اسمحوا لي أن أُعطي أمثلة، لشاعرين معروفين علي الصعيد العالمي وهما هربرت و ميوش، كلا الشاعرين لم يكون مسيساً اطلاقاً عين، ميوش في السفارة البولندية في نيويورك في أواخر الأربعينيات وكان الرجل يقول إني كنت مسؤولاً عن الرسائل فقط التي تصل و تخرج من السفارة، أي ليس مسؤولا مسؤولية سياسية، وإنما كنت محرراً لهذه الرسائل،ثم انتقل في بداية الخمسينيات إلي باريس، وما لبث أن عاد إلي بلاده وفي عام 1951 سُحب جواز سفرة، وبفضل تدخل رئيس اتحاد الأدباء البولندي أعيد له جوازه ليهرب منها، ولكن الذي أريد أن أقوله هنا هو انه خدم حركة المعارضة والتغيير في بولندا خدمة لم يخدمها فصيل كامل من السياسيين البولنديين لوطنهم، كيف ؟، بعد أن اخذ جائزة نوبل عام 1980 عاد إلي بلاده،و كانت الأمسيات الشعرية التي تقام له يحضرها جمهور كبير بالآلاف، وكأنك تحضر لحفلة مطرب عالمي مشهور كأيامنا هذه، فكان لقصائده وهو يلقيها وقعٌ أشبه بإطلاقات نارية، وكان لكلماته صداها ووقعها وتأثيرها، فكانت مكبرات الصوت تنقل صوته إلي الجمهور خارج القاعة الذي لم يستطع دخولها،لذلك أثر هذا الرجل بشكل خطير للغاية في الأحداث التي حدثت في بلاده، في وقت كان النظام لم يسقط بعد، لأن النظام الشمولي في بولندا سقط في عام 1989.
أما الشاعر هربرت فهو أيضا لم تكن له علاقة بالسياسة، واضطر في بداية الثمانينيات لترك بلده والعيش في فرنسا، وكتب أروع القصائد التي تدافع عن القيم البولندية وقيم الحرية والديمقراطية وشرف الكلمة، أذن نحن كمثقفين ليس بالضرورة أن تكون علاقتنا بالسياسة بالشكل التقريري المبتذل، بل نستطيع أن نؤثر بالسياسة بطريقتنا الخاصة وذلك بالالتزام بثوابتنا الوطنية والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن.
ــ الشاعر سركون بولص ــ أعتقد إن المثالين اللذين طرحهما الشاعر هاتف ينبغي أن يطرحا بعينين مفتوحتين، فأنت قلت إن الشاعر ميوش لم يكن مسيساً وأنا أقول العكس، وهنا أقصد السياسة بمعناها الأوسع، الشاعر ميوش كان سياسياً بشكل معاكس كما كان برودسكي، عندما ذهب هؤلاء من أوروبا الشرقية كهاربين من الشيوعية تلقفتهم الأجهزة الأمريكية السياسية ومنها الـ CIA، كان علي ميوش وهو شاعر كبير وأنا أحترمه أن يكتب كتاباً واحداً علي الأقل يثبت فيه وفاءه للقيم الأمريكية وهي القيم التي تحارب بها أمريكا الاتحاد السوفييتي والقطاع الشرقي سابقاً، إذن كتاب (العقل الأسير) طبع في أمريكا علي حساب الـ(CIA)وعندما جاء برودسكي إلي أمريكا كان عليه أن يدفع الثمن أيضاً للوصول إلي المنصب الكبير الذي وصل إليه، وبدون ذلك لا يصل أليه، كان عليه أن يقول شيئاً لم يقله شاعر أمريكي واحد وهو: انه يساند الرئيس الأمريكي السابق نيكسون في قصفه لفيتنام، حيث هاجمه شعراء كثيرون ومنهم الشاعرة لفرتوف، وعليه لا يمكن لشاعر أن يكون مرتزقا لهذا الحد وهكذا نال جائزة نوبل، وميوش مع انه شاعر كبير لم يكن لينال جائزة نوبل بدون تقديم الولاء للنظام الأمريكي.
أذن هذا تسييس، والشعراء يقعون فيه اذا أرادوا أن يكونوا طموحين وإذا أرادوا أن تتبناهم الجامعات الأمريكية الكبري التي تقرر الأسماء المرشحة لنيل هذه الجائزة ومنها جامعة هارفرد، وهي بالمناسبة مركز لما يسمي بـ Thing Time أو ما يسمي تصنيع الفكر، أي أن المثقفين هناك يعيشون بشكل ممتاز وبرواتب ضخمة لكي يعطوا معلومات وافيه عن الوضع في بلدانهم، كما في العراق الآن هناك كثير من العراقيين في أمريكا وبعضهم أكاديميون معروفون لكم جيداً، يشتغلون في الجامعات الأمريكية ولكن عملهم ليس التدريس، بل لجمع وتقديم أدق المعلومات للأجهزة الأستخباراتية الأمريكية ليتم تحليلها ودراستها ولكي تعرف أمريكا كيفية ضرب العراق أو كيفية السيطرة عليه، أذن هو تسييس في النهاية، وكشاعر أتكلم عن تجربتي واعتقد اننا كعراقيين شعراء كنا أم كتاباً أم مثقفين ينبغي أن نعتبر وجودنا اليومي هو سياسة.
(الشاعر هاتف) أنا تكلمت عن دور هؤلاء الشعراء الايجابي في التأثير علي مجتمعاتهم وطرق محاربتهم للدكتاتورية فيها، ولم أتحدث عن حيثيات أخذهم لجوائز نوبل، وهناك كثير من العراقيين يلعبون هذا الدور ولكني أحببت أن اُبرز تأثيرهم علي المجتمع وعلي السياسة بشكل عام، فسابقاً كان الجميع معروفا لدينا فهناك الشيوعي والبعثي والمستقل.. الخ.. أما اليوم فقد اختلط الحابل بالنابل، فأنا أؤيد إطاحة صدام ولكني أختلف بطريقة الإطاحة به، فأنا كشاعر وكاتب لا أستطيع حمل السلاح ولكني أستطيع أن أُقاتل بكلمتي، ولذلك أنا قلت منذ البداية نحن نتفق مع السياسي بالثوابت الوطنية.
ــ الشاعر صادق الصائغ: ان الطرح الذي طرحة الشاعر سركون هنا يساعدنا للتوصل إلي جزئية والتي تسمي علاقة المثقف بالسياسي، هل هذه الصيغة دقيقة أم لا؟ أكيد أن الصورة التي رسمها لميوش أو غيره هي دليل علي فساد الكون الذي نعيش فيه، فأي شيء يرتبط بما هو نفعي لا يصلح أن تكون له علاقة بالفن إطلاقاً، وعلي غرار الأمثلة التي طرحت عن الخارج أو في العالم،أنا أتكلم عن حياتنا في العراق وعندنا موضوعان صارخان وهما البياتي والسياب، والاثنان أصبحا مواضيع للسياسة ذهبت بنا في بعض الأحيان إلي أبعاد ليس لها علاقة بالفن، فالأحزاب استغلت الاثنين والاثنان استغلوا الأحزاب، وهذا اختيار الفنان الحقيقي الحر الصادق، فالاثنان نجوا من براغماتية السياسة.

AZZAMAN NEWSPAPER --- Issue 1503 --- Date 13/5/2003


(*) نشر في  جريدة (الزمان) العدد 1503  التاريخ 2003 - 5 – 1
(*) نشر في  موقع "كتابات" 13/5/2003
 
البحث Google Custom Search