أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
أشياء وأشياء:

ولا تجالس إلا بابلو نيرودا
في مقهى بلدية مدريد..

مدني صالح

كان لا يماشي إلا ناظم حكمت في اصطمبول.. وكان لا يجالس إلا حمزاتوف في داغستان.. وكان لا يلعب الدومينو إلا مع بسترناك في مقهى بلدية موسكو.. ولا يلعب النرد إلا مع بابلو نيرودا في مقهى برلمان مدريد.
وما كان ليظهر منه إلا هذا والذي أرقى منه مليون مرة حتى لو كان في حقيقة الأمر لا يجالس إلا عبد الملك نوري في مقهى حسن عجمي ولا يماشي إلا فؤاد التكرلي بين باب الشيخ إلى باب المعظم, وبين باب المعظم إلى ساحة الميدان.
وكان لا يذكر الآخرين إلا على سبيل أنهم من الأتباع, ومن الأنصار, ومن الحواريين, ومن المريدين الذين لولا أشعاره لقطعوا المسابح وكسروا الأسوكة وحلقوا اللحى والشوارب والحواجب التي فوق العيون, ولأخرست النايات والصناجات والدفوف ولأنقلب عالي تكية ديوان الشعر العربي المعاصر سفلاً ولما قام الباحث الدقيق الناقد المدقق الأستاذ القدير إحسان عباس إلى نصرة التجديد في الشعر العربي الحديث..
وكان لا يسأله السائلون شيئاً عن البداية وعن النشأة وعن الحال إلا وأفاض عليهم من نعم التأليف بين قصص منها قصة مولد ونشأة سرجون الأكدي, ومنها قصة مولد ونشأة نبي الله موسى, ومنها قصة مولد ونشأة حي بن يقظان ومنها قصة البداية والنشأة في أعالي الصحارى, وفي أعالي السهول وفي أعالي الجبال, وفي أعالي الجداول والأنهار والوديان والخلجان والبحار والخ.. والخ.. ومن الأعالي لا من غيرها كان المجيء الأسطوري العبقري المعجز إلى أقطار الإبداع في آفاق الذي يأتي ولا يأتي والذي لا يكتب إلا على الماء إذا أراد لكلماته المكث والنقاء والصفاء والخلود والبقاء بين الأباريق المهشمة إلى الخوف على الورد من زارعيه, وبين الملائكة إلى الشياطين.
تلكم هي أهبة عبد الوهاب البياتي منذ أول قصيدة قبلها منه الناشرون.
وكل هذا من بعض المتن الذي لو شئت تدوينه كله لاحتجت مجلداً كاملاً ولو شئت الشرح عليه لتكاثرت مجلدات من قصص كأنها من أساطير الأولين.
ولم أصرف قط شيئاً من أشياء البياتي هذه إلا إلى علو همة إدارة الموهبة وتحصين الإبداع بالكبرياء التي ما كانت لتسمح لعبد الوهاب البياتي بالمحاورة الثقافية والحوار الأدبي إلا مع الطليعة الطالعة من حملة جائزة نوبل وفي الآداب وفي العلوم وفي الفنون وفي الدعوة إلى السلم وإلى الحرية وإلى تحرير الشعوب لا يماشي إلا تولستوي ولا يجالس إلا شكسبير ولا يلعب الدومينو إلا مع صديقه ناظم حكمت في مقاهي اصطنبول ولئن رأى بعض منهم إسرافاً في خوف البياتي على الإبداع من محاورة الذين هم أقل درجة في الثقافة من حملة جائزة نوبل والامكانات الكبرى, فأنني لم أر الإسراف في هذا الباب من أبواب حسن إدارة الموهبة وحسن حماية الإبداع إلا في قلة خوف عدنان الصائغ على مواقعه الشعرية من الجلوس صحفياً في المحاورة ليحاور خلقاً من شعراء هو أشعر منهم ألف ألف مرة مما كان البياتي أشعر من شعراء ما كان ليجلس صحفياً بين أيديهم في المحاورة مهما كانت الدوافع ومهما كانت الغايات هذا وأني لست براجع عن شئ بتبشيري بعدنان الصائغ تمهيداً لتجديد في الشعر أو بداية لمرحلة شعرية جديدة ليس بينها وبين عبد الوهاب البياتي إلا محاولات لم يكن لأي منهما بلوغ مرتبة الإنجاز التي رأيت أن عدنان الصائغ قد بلغها وأفاتها بالتضييع أضاع تسعة أعشارها بالجلوس صحفياً بين يدي أناس هو أشعر منهم بكثير وبكثير.. لكني قد رأيت أن عدنان الصائغ لم يقم إلى نصرتي في مسعاي مثلما قام عبد الوهاب البياتي إلى نصرة إحسان عباس في مسعاه الذي كان من أرقى مساعي المبشرين..
ولا تجالس إلا ناظم حكمت في مقهى بلدية اصطنبول يا عدنان الصائغ.
ولا تجلس صحفياً إلا بين يدي شعراء الدرجة الأولى والطراز الأول في ديوان أشعار العرب وإلا فأنك قد خذلت المبشرين في التبشير.


(*) نشرت في صحيفة "القادسية" – بغداد -  17/1/1988
 
البحث Google Custom Search