أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
عابرا أسلاك الحرب وشظاياها

الشاعر عدنان الصائغ : المبدع مستهدف دائما من قبل قوى عديدة تريد تكريس خطابها

عبدالرزاق الربيعي
- الدوحة -

عدنان الصائغ، أنه ابن الفرات العذب والكتب والإنكسارات الكبيرة. مرتحلاً مع جراحاته المفتوحة. حالماً بربيع الإنسان وفجر الكلمة..
فعبر ارتحالا ته الدائمة بعد خروجه من العراق صيف 1993 الملتهب، تنقل بين العواصم، حيث أقام في عمان، ثم أنتقل إلى بيروت عام 1996، حتى استقراره في مالمو السويدية، حيث يقيم حالياً.
شارك في العديد من المهرجانات الشعرية في السويد ولندن وهولندا وألمانيا والنرويج والدانمارك وبغداد ودمشق والقاهرة وصنعاء وعدن والخرطوم وعمان وبيروت والدوحة.
صدرت له المجاميع الشعرية:
انتظريني تحت نصب الحرية 1984بغداد/ أغنيات على جسر الكوفة 1986 بغداد/ العصافير لا تحب الرصاص 1986 بغداد/ سماء في خوذة  ط1 1988 بغداد- ط21996القاهرة/ مرايا لشعرها الطويل 1992بغداد/ غيمة الصمغ ط1 1993بغداد- ط21994دمشق/ تحت سماء غريبة1994لندن/ خرجتٌ من الحرب سهواً (مختارات شعرية) 1994 القاهرة/ تكوينات1996بيروت/ نشيد أوروك (قصيدة طويلة) 1996 بيروت/ صراخ بحجم وطن (مختارات شعرية) 1998 السويد. وأخيراً ديوانه الذي صدر حديثاً "تأبط منفى"                          
تُرجم الكثير من شعره إلى لغات عديدة. وصدرت بعضها في كتب منها: مختارات شعرية (بالهولندية) ترجمة ياكو شونهوفن Jaco Schoonhoven 1997/ تحت سماء غريبة (بالإسبانية) ترجمة دار ألواح 1997مدريد/ الكتابة بالأظافر (بالسويدية) ترجمة ستافان ويسلاندر Staffan Wieslander ومراجعة الشاعرة بوديل جريك Bodil Greek
كما حصل على جائزة هيلمان هاميت العالمية HELLMAN  HAMMETT للإبداع وحرية التعبير عام 1996 في نيويورك. وحصل على جائزة مهرجان الشعر العالمي POETRY  INTERNATIONAL  AWARDعام 1997 في روتردام
خلال مشاركته في مهرجان الدوحة الثقافي التقيناه وسألناه:  

  • طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة ,هلا حدثتنا عن النشأة والتكوين؟

  • - ولدتُ في مدينة عريقة، تتنفس شعراً، ومواويل وعلى أرضها ولد أعظم شعراء العربية أبو الطيب المتنبي ،  ورائد قصيدة النثر الأول النفّري، ، وشيخ اللغة الكسائي، وغيرهم المئات. وسالت على أديمها أنهار الدم والثورات.
    هذه المدينة العجائبية – الكوفة، بدواوينها وتأريخها وأساطيرها وحكاياتها قد تركت بصماتها في روحي وشعري منذ طفولتي. وكان صراعها الطويل والمرير مع الطغاة صبغ سماءها بالسواد والحمرة القانية معاً. هذا السواد الذي يصبغ شوارعها وثياب سكانها أغلب فصول السنة وخاصة شهر عاشوراء المحرم. وتلك الحمرة التي  تركها غروب شمس الحضارة ودم الحسين الشهيد على صفحة نهرها الهاديء وأنا أتأمله من فوق الجسر, هذا الجسر الذي ولد معي في السنة نفسها  1955
    نهر الكوفة كان بطلي وصديقي الأول. كان يشق المدينة نصفين حيث يزدحم الطرف الذي نسكنه بجلبة المدينة، بينما يمتد الطرف الآخر ببساتين النخيل والعنب. وكنا نسبح إليه لنقطف التمر والتين والعنب ونعود سباحة حاملين تلك العناقيد على رؤوسنا.
    تلبسني الشعر منذ الطفولة دون اخوتي وأترابي ولا ادري لماذا ووجدت نفسي مأخوذا به مشدودا إلى سحره وأجراسه

  • هذا الانشداد إلى سحر عالم الشعر يقودنا الى المنابع الاولى؟ القراءات الأولى ؟ من أي محطة بدأت؟

  • - بدأتُ بقراءة شعر دعبل بن على الخزاعي  أول ديوان اشتريته ، ثم المتنبي، ونزار فباني، وقصص أرسين لوبين والمنفلوطي الذي سرق الكثير من دموعي. ثم رحت ألتهم ما يقع بين يدي من كتب في المكتبات العامة والمكتبات الدينية والنوادي الأدبية، وما أقتنيه منها بما أوفره من نقود بسيطة من عملي المتنوع: عامل مقهى, عامل طابوق, بائع بطيخ, بائع سجائر ثم بائع كتب.
    لا أدري كيف مرت تلك السنوات على عجل كأني عشت بلا طفولة ولا صبا ولا شباب. فجأة رأيتُ نفسي أمام المرايا وقد خط الشيب فوق رأسي، عابراً أسلاك الحرب وتلك الشظايا الغزيرة التي ملأت ثيابي وروحي. قادت  بخرابي إلى المنفى، متأبطاً قصائدي وشظاياي التي ازدادت هنا وتكاثرت.

  • وما الذي قادك الى صقيع المنفى وعذاباته التي اصطليت بها  فاصطبغت قصائدك بألوانها؟

  • - إن الكاتب المبدع والصادق هو مُستهدفٌ دائماً ومُحارب من قبل قوى عديدة تحاول تكريس خطابها وكراسيها وسلطتها لذا فهي تتصدى وتجابه أي تغيير وثوره على هذا الخطاب بأشكال شتى وطرق متعددة. لهذا تجد هذا  الكاتب المغاير يحمل غربته معه حتى وهو في وطنه وبين أترابه. لكن السلطة لا تكتفي بذلك فتضيق الخناق عليه حد تصفيته أو نفيه خارج حدودها. فشهد المبدعون على مر تأريخهم هذا النفي القسري، ونرى ذلك المشهد جليا، على صعيد الواقع العراقي حيث شهد العقدين الأخيرين نزوحاً كبيراً في الوسط الثقافي إلى أصقاع بلدان الشتات والغربة قل نظيره.
    وقد حمل ديواني الأخير" تأبط منفى" هذا الهاجس تلخيصاً لتلك العذابات الإنسانية حملتها معي من رصيف إلى رصيف ومن وطن إلى وطن وهي تحكي رحلة الشتات التي مرّ بها وطني منذ زمن سحيق حتى حربيه الكارثيتين.  

  • يقول جاك بريفير " إني اكتب كي أمتع الكثيرين وكي أضايق البعض " وأنت لماذا تكتب؟

  • - الوجود الشعري شيء مهم يسعى الشاعر لتحقيقه، لكنه يستلزم الكثير من الكد والانصهار لصهر الوجود الإنساني والفلسفي داخل البيت الشعري وتحويله إلى نبض ونسيج. الشاعر يضيّع أحياناً كل حياته لاكتشاف تلك العوالم السحرية من حوله. إنه سندباد العصر ويوليسيس التجربة وبروموثيوس الكشف. فهو حركة جدلية داخل قبة العالم. بلاده هي الأرض، والأفق هو نظره.

  • ازاء هذا فمهمة الشاعر الحديث تبدو عصيبة أليس كذلك؟

  • - الشاعر الجديد يواجه إرثاً شعرياً (ضاغطاً) وثقافياً واسعاً يجعله أمام امتحان عصي من المغايرة والتخطي. هذا من جانب ومن جانب آخر  يجد نفسه أحياناً تحت سطوة الخطاب وما يفرضه من مباشرة، فالبعض يتصور أنه بمجرد الكتابة عن الثورة أو الشعب بلغة فجة وأسلوب شاحب يضمن له الحماية النقدية. ويعطيه المبرر لكي تضعه بالصدارة. يقول تشيخوف مثلاً: أنني لا أكتب عن شخصيات محزنة لتسيل دموعكم وأنما لكي تقاوموا.
    هناك حزن عميق. هذا صحيح، لكن تعالوا انظروا ماذا كتب، وبأية أساليب فنية عالية ولغة مدهشة غلّف موضوعاته الإنسانية الملفتة.

  • تنتمي الى جيل الثمانينات الجيل الأكثر إثارة للجدل الفكري والفني في العراق ,ماهي برأيك ابرز سمات هذا الجيل؟

  • - في انطلوجيا الشعر الثمانيني في العراق تجد هناك أكثر من مائة شاعر، ما ظل منهم اليوم على أعتاب القرن الواحد والعشرين لم يتجاوز عدد أصابع اليدين. وبعد مئة عام قد لا يبقى منهم سوى واحد أو اثنين وقد لا يبقى أحد.  
    في العراق كما هو في الوطن العربي والعالم تتواتر أجيال إبداعية وراء أجيال، ولكل جيل أدبي سماته الخاصة وإشكالياته ومفترقاته.
    ومعروف أن جيلنا الثمانيني عاش مرارة أقسى التجارب الإنسانية: الحرب,
    الاعتقال أو التهميش.
    المنفى
    هذه الثلاثية المريرة شكلت ملمحاً مميزاً بالقسوة والتفرد على صعيد الكتابة والحياة، لأغلب شعراء الجيل، وبمختلف تياراته وأسمائه في الخارج والداخل على حد سواء ذلك إن الإهمال الذي لاقيناه في وطننا هو منفى أخر. غير أن هذه الأصوات – وبالمعاندة والإصرار- استطاعت أن تؤسس مشروعها، لافتة إليها أنظار النقاد، وأن ترسخ تجاربها. وقد أطلق عليهم الناقد د. حاتم الصكر بـ " شعراء الظل "
    وتناول العديد من النقاد تجاربهم بالدراسة أذكر منهم: ياسين النصير، د. عبد الإله الصائغ، فاضل ثامر، سعيد الغانمي، يوسف نمر ذياب، عبد الجبار داود البصري، والخ.

  • من خلال الاطلاع على تجارب هذا الجيل- الذي  يحلو لك أن تسميه جيل الحرب والخراب وقد نشرت بيانا في منتصف الثمانينيات أعلنت فيه ولادة هذا الجيل - نلاحظ  اشتعال حرب على الكتابة السائدة, هل هو نوع من التمرد الفني الذي يعكس رفضا لما يدور في الخارج على ساحات القتال؟

  • - في مواجهة الخواء والموت ومناخات الحرب الكابوسيية كنا نحس بعجز النصوص السائدة من استيعاب كل هذا، في آن، والتعبير عن دواخلنا والواقع الذي نعيشه. كنا نبحث عن لغة بحجم صراخنا، وأشكال تستوعب نثار الشظايا على جلودنا.
    هذه الأشكال المستوردة والأساليب النمطية - وان تسترت بثياب الحداثة- هي شكلانية فارغة يابسة، قاصرة تماماً عن ملامسة واقعنا وخرابنا.
    وهي اتجاه ناتج عن سيطرة "الذهنية الميكانيكة" في كتابة النص. ولكن ما ينطبق على المختبر والكيمياء لا ينطبق أبداً على أفق الشعر.
    وهذا سببه كما يبدو نكوص أدوات الكاتب أمام المضامين الروحية والعصرية والتحديق بالخراب بجرأة وتعريته.

  • هذا الكلام يصفه البعض برفض التجريب , بسبب الخوف من صعود مركب الحداثة, بماذا ترد على من يتهمك بالمحافظة؟

  • - الاتجاهات التجريبية ليست خطأً حين تجترح آفاقاً جديدة وجزائر لم تكتشف بعد. حينما تغامر وتنفرد وتبحث وتكتشف وتشاكس. غير أن ما نلاحظه هنا لدى بعض كتبة الشعر الحديث أن "دعاواهم التجديدية" قد تحولت إلى أنماط تقليدية وأصنام. وبهذا فهي مزلق خطير ناتج عن الاستسهال أولاً وضعف الموهبة والتقليد الأعمى أو الاستنساخ. وقد تشدق البعض طويلاً ببعض الطروحات التنظيرية التي لم تزدنا إلا التباسا حول المفاهيم الجديدة للنص. ناسين أن النص هو الحياة وهو يستمد مفاهيمه الحية منها، ومما يفرزه العصر والتجارب والمخيلة.
    وهكذا شهدنا في زماننا هذا عشرات الطروحات الشعرية الجديدة من قصيدة البياض إلى قصيدة الصورة، ومن قصيدة اللغة المحضة إلى قصيدة الالتزام المباشر، ومن قصيدة اللامعنى إلى قصيدة الكمبيوتر، والخ.

  • وآنت أين تجد نفسك ؟

  • - في القصيدة الحية، النابضة بغرائبيتها ودهشتها البكر، التي تقترح شكلها ولغتها بعيداً عن القصدية والذهنية التجريبية  التي أفسدت روح الشعر وغطتنا بركام من النصوص الميتة.

  • في هذا الوقت العصيب من حياة الأمة, كيف ترى دور المؤسسة الثقافية في دفع عجلة الإبداع إلى الأمام؟

  • - في أزمنة اليباس التي تسود واقعنا العربي أرى أنه من الأجدى إشعال شمعة في ركن مظلم، بدلاً من لعن الظلام المطبق علينا. وفتح مجرى لنهر أو حتى ساقية، أفضل من التحسر أو التباكي على أطلال الماضي وغدرانه وينابيعه.
    لهذا أرى أن أية تظاهرة ثقافية أو جمالية خالصة هي كسر لحالة السكون التي تكسو واقعنا، وبالتالي تأجيج أرواحنا الملتاعة للنور والحرية والإبداع سواء في أوطاننا أو في منافينا كي تتواصل وتتفاعل. وهذه واحدة من أهم إنجازات أي مهرجان ثقافي ناجح.
    وفي مهرجان الدوحة الثقافي، رأيت كيف  كان لهذا التجمع الكبير لخيرة مثقفي الأمة وأدبائها وفنانيها أثره في الإثراء الجمالي والتواصل الإبداعي الذي نحن  بحاجة اليهما بعد أن تقطعت بنا السبل والحدود والأفكار والمنافي.


    (*) موقع كتابات 10  ايلول 2003

     
    البحث Google Custom Search