أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
     
القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع

انكسارات حرف العين

- فصل أول -

ماذا جنيتَ يا حرفَ العينِ. أعرفُ أنكَ خسرتَ كثيراً حتى الحقول، وأن القصائدَ المخبّأةَ في أدراجكَ سيقرضها الفأرُ، فلا يبقى منها سوى أرقامِ الباصاتِ. وحيداً تصعدُ سلّمَ المجلةِ إلى المحاسبِ، يتبعكَ حشدُ الدائنين… المؤجرُ الشرهُ ذو الكرشِ التاريخيِّ يفصّلُ شهرتَكَ الأدبيةَ على مقاساتِهِ أو شيكاتِهِ فيموتُ من الضحكِ. لماذا أيتها القصيدةُ الصافيةُ يحدثُ هذا؟ لماذا يا أمي نسيتِ أن تخيطي قميصي المفتوقَ من أولِ الرصيفِ حتى لوركا... قميصي سخريةُ التلاميذِ، والمعبرُ إلى الغاباتِ المحشورةِ في بنطالي. وفيما بعدُ سأدركُ أنني خسرتُ كثيراً بسببِ حماقاتي وصدقي لا بسببِ التبذيرِ أو الكتبِ، كما تقول أمي، وسأخسرُ الوظيفةَ (هكذا تضيفُ أيضاً).. أما النوافيرُ، أما أنتِ، أما مسبحةُ أبي، أما البلهارزيا، أما الطائراتُ، أما اللافتاتُ، أما نون وفضل خلف جبر، أما عريفُ الإعاشةِ، أما أحلامي التي خسرتها بالتقسيط، أما كذبُ الشَعرِ الطويلِ على سريري، أما قرصُ الأسبرين، أما آخر المحطاتِ، أما أجمل عينين على الإطلاق، أما دكّانُ شعبون، أما مأذنةُ النبي يونس، أما سنواتُ اليتمِ والكراجاتِ والحبِّ، أما الشقةُ رقم (1)..، أما أمطارُكِ ومصابيحُ الجسرِ، أما المصطباتُ الوحيدةُ والبقُّ، أما الأميرة، الأميرةُ الفاتنةُ، الأميرةُ الفاتنةُ الحبيسةُ بين جدرانِ اللهاثِ والبصلِ وبرامجِ التلفزيونِ، أما بوريس باسترناك، أما لوحاتُ رابحة، أما جداريةُ فائق حسن، أما البالون، أما الفلافلُ، أما مركبُ رامبو السكران، أما صديقي بهجوري، أما ما سيحدثُ بعد عشر دقائق أو عشر سنوات، فلا مناصَ لي من الندمِ، لا مناصَ لي من كتابةِ الشعرِ حتى الفجيعةِ، لا مناصَ وإلا سأجفُّ كسمكةٍ فاسدةٍ في بحيرةِ التذكّرِ الآسنةِ، لا مناصَ لي من السعالِ والضجرِ وحبكِ...
من أجلِ ماذا - إذن - أنكَ مضيتَ إلى الخرابِ؟ أمن أجلِ حفنةِ قصائدٍ سيقرضها الفأرُ والمؤجرُ، أم من أجلِ شَعركِ الطويلِ الذي يملأُ الآنَ سريرَهُ… يا لحياتي من تاريخِ بكاءٍ سريٍّ، يا لحياتي من جبلٍ شاهقٍ يتسلّقهُ رجلٌ وحيدٌ مجنونٌ… يا لحياتي من ادمانِ امرأةٍ واحدةٍ…
يا لحياتي - أذاً - من حياةٍ مضاعةٍ... خذوا أيامي كلَّها، قسّموها بينكم أيها الدائنون:
قسطاً للشقّةِ، قسطاً للزوجةِ والأطفالِ، قسطاً للكتبِ، قسطاً للوظيفةِ، قسطاً للأصدقاءِ، قسطاً للذكرياتِ، قسطاً للتسكّعِ، قسطاً للمخاوف، قسطاً لبائعِ الخضراواتِ، قسطاً...، قسطاً...، قسطا،ً قسّموها بينكم - أرجوكم - واتركوا لي حصةَ الشوارعِ. الشوارع وحدها ملكي. الشوارع لي وحدي. لي وحدي أن أحصي طوابقَ ناطحاتِ الأفقِ، وأختارُ واحدةً لسقوطِ أحلامي وتمزقها على الرصيفِ أمام منبهِ السيارةِ العابرةِ... ياه (ما لرجل المرور يضحكُ أيضاً)... تلك السيارةُ دهستْ أحلامي. ها هو نثارُ اللحمِ والدمِ يغطّي الإسفلتَ... أنحني لألملمَ الأشلاءَ المتناثرةَ وسطَ دهشةِ المارةِ وشتائمِ أصحابِ السيارةِ... (رجلُ المرورِ يكّفُّ عن الضحكِ فجأةً... يتقدمُ مني ملوّحاً بدفترِ الغراماتِ).. الشوارعُ الغبيةُ. الشوارعُ التي تفرّقُ بين دهسِ طفلٍ ودهسِ حلمٍ. الشوارعُ التي تسلّلتْ كالنساءِ من جيبي المثقوبِ ولمْ تتركْ لي حتى عنوانها. الشوارعُ التي... يا لغبائي كيفَ لمْ أدركْ أنها تغيّرتِ الآن، كيفَ لمْ أُحِسَّ برودةَ أصابعها عبرَ أسلاكِ الهاتفِ، كيفَ لمْ أدركْ أنها فضّلتْ قرصَ الأسبرينِ على قصائدي، كيف لمْ أنتبهْ إلى منديل ذكرياتنا وهي تمسحُ به زجاجَ الشقّةِ الجديدةِ بعد أن جفّفتهُ من دموعي...، كيف لمْ أنتبهْ إلى كلِّ هذا قبلَ العاشرةِ صباحاً، فأقول لها: لا بأسَ عليَّ، فلي غربةُ الفنادق والخيبات وملامة الأصدقاء... لي ألبومُ صورها ومرايا شعرها الطويل والندم... وهذا يكفي رجلاً شاعراً مثلي..


القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع
 

البحث Google Custom Search