أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
     
القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع

سراب

سرابٌ أم بحرٌ أم مرآةٌ... هذه المرأةُ التي نزفتُ لأجلها أجملَ سنواتِ عمري على الورقِ (ما فائدة أن تحتفظي بأوراقي الآن... ألاجلِ أن تقولي لصديقاتكِ: كان يحبني هذا الشاعرُ حباً مجنوناً؟)... المرأةُ التي بدّدتني كالرملِ في قبضةِ البحرِ، وملامةِ الأصدقاء... لكِ أن تكوني واقعيةً أو منطقيةً، تكيلين عواطفكِ بالملاعقِ... ولي أن أكون مجنوناً أسيحُ في الشوارعِ كماءِ المطرِ... لكِ أن تفكري بملايين الأشياءِ، ولي أن لا أفكّرَ إلاّ بكِ.. لكِ أن ترتبي حياتكِ كقطعِ الأثاث، ولي أن أبعثرَ أيامي على الأرصفةِ والورق والحانات...
أكنتِ تحسبين خطواتكِ معي إلى حدود عتبةِ البيتِ المؤثّثِ، وعندما اكتشفتِ أنْ لا بيتَ لي سوى الشوارع، ولا أثاثَ عندي سوى القصائدِ، ولا كريستالَ سوى الدموعِ... غادرتني إلى أقربِ بيتٍ مؤثثٍ، وقررتِ أن تكوني منطقيةً، أن تنفصلَ خطواتنا: أنتِ إلى دائرةِ الطابو... وأنا إلى دائرةِ الأحلامِ. أنتِ إلى السرير المرتّبِ... وأنا إلى فوضى المقاهي والكتب والغابات... قررتِ لوحدكِ أن تنفصلَ دموعنا وكرياتِ دمنا، أن يكون لك بيتٌ ومطبخٌ وقرصُ أسبرين...
وتركتني لوحدي أواجهُ عواصفَ الذكرياتِ ونصالَ الآخرين بقلبي الأعزلِ... عارياً ويتيماً ووحيداً على ضفةِ البحر، وقد أحرقتُ كلَّ سفني... أتلفّتُ إليكِ تلوّحين لي من الضفةِ الأخرى وقد رجعتِ بسفنكِ العامرة...

أيتها النساءُ، يا مرايا الخديعةِ، أيها السرابُ، يا عرقٌ ومكرٌ وتفاحٌ، ها أنني أفتحُ أزرارَ قميصي لرياحكنَّ المتقلّبةِ غير مبالٍ بالطعناتِ أو الرمادِ، ملتذاً بهذا العبقِ الذي يذكّرني بغاباتِ طفولتي المنسيةِ، حيثُ أمي تغزلُ أغصانَ الصفصافِ والتنويماتِ ارجوحةً لمنامي القلقِ، وحيثُ الناياتُ تفرّقُ الغيومَ في ثقوبها وتسكبها قريباً من شفتي... أنا أنظرُ إلى أبعدِ من شفتيكِ... أبعد من زهرةِ الجلّنارِ... أبعد من الأثاثِ والخريفِ وبائعِ الخضراواتِ وجسدكِ...

أيتها النساءُ، يا وجعاً دائماً، ولذةً عابرةً، يا ضياعاً، يا شكولاتا، يا أرصفةً، يا نعناعاً، يا حبلَ غسيلٍ، وبصلاً، ودلالاً، وشرشفاً، يا قارةً ثامنةً أقرب بأنفاسها إلى خطِ الاستواءِ أو الجحيمِ منها إلى قطبِ قلبكِ المنجمدِ... يا دولابَ ذكرياتٍ وفساتين سهرةٍ ذهبيةٍ مفتوحةِ الصدرِ، يا مرآةً ينسربُ الزئبقُ منها - كلَّ مساءٍ - إلى أطرفِ السريرِ ثم يعودُ شاحباً - كلَّ صباحٍ - إلى داخلِ الزجاجِ الصقيلِ... حيثُ تقفُ لتسوي شَعرَها، وتتزين، قبلَ أن تغادرَ غرفةَ نومها إلى الباصِ.
أيتها النساءُ... أيتها النساءُ... يا أنتِ...


القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع
 

البحث Google Custom Search