أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 

عن موت… لم تكن قبله حياة

عيسى الشيخ حسن

إلى خمسة بغداديين أثثوا حياتي بموتهم:
عبد الوهاب البياتي ـ محمد مظللوم ـ
فاروق يوسف ـ باسم عبود ـ عدنان الصائغ

ب

و على رمله ِ أن ينام قليلا ً
و يحدس أحذية العابرينَ
على نهره أن يثرثر بين انتظار البعيد
وبين الهدوء الذي يصطفي وقته ُ
.. بمهابة ِ سيدة ٍ تنزع الأقنعة ْ
عن وجوه ٍ تزمّـلـه برداء الدعة ْ
و على موته أن يتعرى طويلا ً
أمام احتمالات أنداده
وابتهالات أولاده ِ
و احتمال ِ القميص
الذي يرتديه المساءُ
ليحلم َ عودته الطارئة ْ
باحتمال ِ النساء ِ :
بلا إخوة ٍ عائدين َ
بلا ضحكة كاذبة ْ
وبلا سلة ٍ تحمل التمر َ و الذكرياتْ ....
دون أغنية ٍ في رموش ِ الوتر ْ
كم ترى أمـّـلت أن تنام على صدره ِ
عشبة ً من بلاد المطر ْ
وعلى ليله ِ أن يخبئ حلماً صاعداً مرتقى نومه ِ
وعلى كل أزهاره أن تعود إلى بيتها
و ترتب َ وجها ً تغضّن في نزهة الحرب ِ
ثم ّ بدا في مرايا العتاب ِ البعيد ْ .

غ

وعليه إذا شاهد النخل منقعرا ًً
أن تفر ّ إلى خدّه دمعتان ِ على بلدة ٍ طيبة ْ
كان في قلبها … يستريح ويسرف في شتمِـها
ثم ّ يبكي عليها إذا مرضت ْ
وينوح ُ على الومض في نجمها
عندما غاب في غيمة ٍ من دخان ْ
و له أن يضم إلى يدِها يدَه ُ ….
ويسدّ فجيعتها بالغناء القديم
على كل أيامه أن تتوب عن النشوة ِ الواضحة ْ في عروق التعب ْ
و له حين يذبل في رئتيه الصراخ ُ
بأن يرتمي في بلاد ٍ من الورق ِ
المتطاير بين المجاز ِ

وبين الفضيحة في خوذة ٍ طائرة ْ
و له في فمي آهة ٌ
وله في انحباس المدى فضة ٌ عاثرة
كم تراه يمرُّ على نومها
بلدة ً أثثتها الطبول ُ بما يشبه النشوة الفادحة
كم تراه يزين وقتاً بلا عائدين .

د

كان يصرخ في َّ طويلا ً :
بلادي التي أرهقتها الغيوم ُ
و نام على راحتيها الشتاء ُ الثقيل ُ
بلادي التي قاسمتها الحروب النخيل َ
القصائد َ
خيط الكلام النحيل ِ
مقاماتِها في البكاء ِ الطويل ِ
المقابر َ تفتح ُ أذرعها للضيوف ِ..
الشوارع َ
والمدن َ الغامضة ْ
بلادي التي ملأتها طيور ُ الأبابيل ِ
ترمي على كل ّ " دربونة ٍ " قبلة ً واضحة ْ
و أبوذيّة ً أرّقت ْ ليلة َ البارحة ْ
أرهقتها الغيوم ُ ..بلادي

على نجمتي
أن تضيء َ الغناء َ بإرث ِ انتظاري
على خيبتي أن تبوء بحبر ٍ
قليل ِ الفضول ِ
لأشرب قهوتها كل قصف ٍ جديد ْ
وأنسى تفاصيلها
كلما قال سيّابها :
" حديد ٌ ؟ لمن كلُّ هذا الحديد ْ " .

ا

البلاد التي أطلقته
يفتش في راحة العمر عن أسئلة ْ
البلاد التي علمته السؤال
عن الموج عند السكون ِ
كما علمته انتظار الشوارع
حين تمرّ على بيته
كي يرى حزنه ُ قي يدي أمـِّه ِ
و سرير طفولته ِ …
وهدايا حبيبته ِ الراحلة ْ
هزّه ُ مشهد ُ العابرين َ على بيته ِ
مشهد العائدين إلى موته ِ
والدروب إلى قلبه ِ
وقصيدته ُ …
البلاد التي لبست ثوب أحزانِـها
نهدت عن كظيم ِ الفجيعة ِ
والإخوة ِ الأعدقاءْ
حينما قرؤوا في القميص ِ ذئاباً
ترود ُ جهات ِ السكوت ِ
.. بكوا .. وبكوا ..
ورموا ليلها بالرثاء ْ .

د

و قال :
بلادي وإن جار َ خوفي عليها
..بلادي
و لثغتها في دمي
حين نقــّر سرب ُ الحمام ِ
على حزن ِ أهلي الكرام

وقال :
علي ّ إذا خف ّ عن بردتيها الزحام ُ
سأكتبها …..
سوف َ أكتبُها بالغياب ِ
الذي يأخذ الآن معنى ً نقي ّ الخُطا
وقال :
علي ّ إذا مر ّ خوفي عليها …
سأكتم ُ عنها بكائي
وأشتمها .. كي تعود َ إلي ّ
و أرفع َ حبي إلى أحرف ٍ خمسة ٍ
كن ّ يوما ً دليلي إلى وطني
و أشتمُها ..

ثم ّ أبكي عليها.. ..
وأمضي .


(*) نشرت في موقع "مدينة.. على هدب طفل" على شبكة الانترنيت 10/2/2003


 
البحث Google Custom Search