أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
عدنان الصائغ في نشيد أوروك
يقرع أجراس الحنين وينام في الشوارع

زينب حمود
- بيروت -

من الشاعر العراقي عدنان الصائغ الذي "شد رحاله من بغداد صيف 1993 إلى عمان، ومنها إلى دمشق فبيروت مرورا بالخرطوم وصنعاء وعدن".
فمجموعته الشعرية الجديدة "نشيد أوروك". عن دار أمواج في بيروت. في 232 صفحة من الحجم الوسط وهي كناية عن قصيدة مطولة تشبه الملحمة، لا مثيل لها في مناخنا الشعري السائد...
يختصر فيها الشاعر كل ما مر على هذه الأرض من حروب وحضارات وطغاة. يمتزج في سطورها التاريخ بالأساطير والفلسفات والسحر والسير والتراث الفكري الإنساني والعقائد والجنس والأشخاص والأحداث حيث الهذيان المسعور أقرب إلى الصرخة الاحتجاجية أمام كل ما سيحدث.
صوّر الشاعر عبر "عبود" بطل القصيدة الإنسانَ العربي المكدود والمحدود بين اللقمة والطلقة. فكان هذا النشيد أطول قصيدة كُتبت في تأريخ الشعر العربي على الإطلاق. وقد أحجمت على نشره العديد من دور النشر في عواصم عربية عدة، لجرأته وسبب الكثير من المتاعب لمؤلفه، فتنقل من بلد إلى آخر، وطاردته الأنظمة والأحزاب والأصوليون والسلفيون.
إلى ذلك حاز الصائغ على جائزة هيلمان هاميت العالمية للإبداع، وهي جائزة الاحترام التي تُمنح سنوياً للأدباء والكتاب في أنحاء العالم الذين يتعرضون للاضطهاد بسبب كتاباتهم المعادية للديكتاتورية والتعسف. وهي المرة الأولى التي ينالها شاعر من العراق...
حاول الشاعر في نشيده ـ الصراخ ـ الرفض ـ الاحتجاج ـ أن يختصر تأريخ الإنسانية في كلامٍ يروي تجارب مرت، وحضارات اندثرت وحروباً ومآسي وحباً وكوارث... كانت محاولته صعبة ومرهفة وشفافة لأنها استطاعت أن تجمع كل كبت العالم في كتاب واحد أسمه "أوروك". كُتبت حروفه بدموع العين وتعب الجسد وساعات الرحيل. وأمام نواح الشاعر الكربلائي المتصاعد من باطن الأرض استطاع إيجاد لغته الشعرية التي كانت في مستوى الأنين مستعيراً من اكتوفيو باث قوله "كلما ارتفع مستوى الأنين ارتفع مستوى الشعر" لكنه بالمقابل استطاع إيجاد أمكنة للزهرة وأمكنة للوطن. ولأبناء الوطن.
عدنان الصائغ في نشيد "أوروك" يكتب حنينه والدموع. يصغي لوجع الروح. للفساتين المرهفة. للشتات الضائع. لهسهسة الأنهار والأشجار. ويستذكر أيام القرى والمدن ودجلة... ويقول:

"هل كان لي أن أشير إلى شجر السيسبان... هل كان لي أن أمر على جرس الباب. أقرع هذا الحنين الذي كنت أخفيه بين القميص ونبضي فيهرع سرب الكراكي إلى نبع قلبي..
أنا جدولٌ يابسٌ غادرتهُ الضفاف إلى عتمة الدغل.
شققني عطشي في بلاد المياه التي تترقرق ما بين جفني وكفي ولكنها
الروح حين ترى النهر ألصق من دمعة الغرباء إلى وطني... النهر
أقرب مما تظن الكراكي القتيلة".

وفي مكان آخر يقول الشاعر، مصوراً واقعه ومحيطه وحاله:

" وأنا نائم في الشوارع. أبحث في الواجهات عن اللاأحد.
والوجوه التي غادرت للأبد.
جسدي علكته الصناديق والنسوة - اللافتات. سأتركه الآن منحشراً خلف طابور خبز الاعاشة،  يمتد.. ويمتد ( في مدن الثلج كنا نحنُّ لشمس البلاد ونرجف إن مر تحت نوافذنا شرطي) فمن سيهدئ قلب الولد...
أرهقتني رحى المدن الحجرية، منهرساً بين أسنانها والعمارات.
نخرج ـ جيل الغباء المعلب ـ في شارع العصر لافتة:
من طحين ودم.
نحاججه بالبلاد التي دفنت نصف أبنائها.
في بطون الخنادق
فيحاججها بالبنادق
ويصففنا ـ فوق رقعته ـ كالبيادق.."

الشاعر علق معطف عمره وراح إلى الحرب منكمشاً
كاليتيم على ظهر ناقلة ويقول هنا:

"آه يا وطنا شطبت ظهرك السرفات
ستحني لهم قلبك المر
كي يعبروك إلى الأوسمة.
لنا كل ما في الشكوك
ولهم كل ما في البنوك.
من النفط واللغط والأنظمة...."

الشاعر ترك لنشيده أن يأخذ مستوياته في التعبير عن واقع الحال. عن المأساة والوجع والرؤى والأنين. وقد جاءت أشكاله الإنسانية والفنية متداخلة بين الغنائية العالمية والرمز. بين الدراما والمونولوج الداخلي. وبين السرد والتكيف بالإضافة إلى التلاقي بين اللغة الشعرية التراثية واللغة الشعرية الشعبية الموهية المكتنزة، بتفجيرات الحياة. وبهذا شكل تنوعاً جديداً ومتفرداً من تنويعات القصيدة العربية المعاصرة. إلى ذلك جاءت مجموعة "نشيد أوروك" من ضمن الشعر العالمي المعاصر نظراً لتفردها وشكلها وأسلوبها ولغتها المختلفة وقوانينها الإنسانية الخاصة التي ولدت معها بمواصفات عصرها ومهارات شاعرها، أي أنها لم تأخذ أو تستعير شكلها أو منهجها من أحد وهي تنسرح على مداها الوجداني في إضاءات داخلية وخارجية مرهفة ومرهقة في آن.
عدنان الصائغ الشاعر الذي ضاق به الوطن فقرر حزم حقائبه والرحيل، أودعنا اعترافاته وأوجاعه وكنا كمثله نعيش في زمن الوجع والثورة المكبوتة ننتظر غودو الذي لم يأت وربما لن يأتي في الزمن المرتد على نفسه.


(*) نشرت في صحيفة " الأنوار"  بيروت ع 12721 في 17 أيلول 1996
(*) نشرت في مجلة "ضفاف" ع 9 شباط/ فبراير 2002 النمسا ( عدد خاص- الصائغ في مرايا الإبداع والنقد)
 
البحث Google Custom Search