أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
وقفة متأنية:

عدنان الصائغ في "مرايا لشعرها الطويل"
شاعر خرج من الحرب صدفة

عبد الرحمن مجيد الربيعي

(1)

أنجب عقد السبعينات والثمانينات في العراق عدداً من الشعراء الذين يتجاوزون العشرات إن لم أقل المئات ولكن جل هؤلاء يتشابهون لكونهم واقعين تحت هيمنة مؤثرات واحدة ولم يسلم إلا القلة، وخاصة أولئك الذين استضاؤوا بالتجربة الستينية وكل ما فيها من جديد أصيل.
وبين هؤلاء الشعراء الذين تميزوا أذكر الشاعر عدنان الصائغ الذي تشكل قصائده اضافة وتفرداً في التجربة الشعرية العراقية والعربية التي بدأ أسمه يصل إليها.

(2)

.. وعدنان الصائغ شاعر حب من الطراز الأول، حتى أنني كثيرا ما تساءلت وأنا اقرأ قصائده عن سر هذه العلاقة الحميمة مع المرأة التي استطاع ايجادها في نصوصه وهو القادم من مدينة دينية محافظة هي "الكوفة" لا ترى فيها النساء إلا ملفعات بالعباءات السوداء والنقاب (البوشي كما يسمى باللهجة العراقية) يغطي وجودهن ويكبر الاستغراب عندما نجد أن المرأة عند عدنان الصائغ ليست امرأة متخيلة أو (استمنائية) بل هي امرأة قوية، متواجدة، جميلة، تجيد الحوار، تعرف الحب.
كتابه "مرايا لشعرها الطويل" الذي ضم مجموعة من نصوصه النثرية دليلي على هذا.

(3)

لكن "مرايا لشعرها الطويل" وان كان حتى في اسمه كتاباً للمرأة فأن هذه المرأة غير معزولة عن احتراق الزمن العراقي في حروب متلاحقة.
لذا كان الفتى الشاعر كما كان أقرانه من شعراء وقصاصين مجندين في محرقة أطول حرب تقاتل فيها بلدان جاران العراق وايران حيث دامت ثماني سنوات.
جراح الحرب موشومة في نص عدنان الصائغ، تطارده مثل كابوس، لأن هذه الحرب كان من الممكن أن تنهي حياته كما أنهت حياة الألوف الآخرين، لذا كانت له صرخة رددها ذات قصيدة: (صدفة خرجت من الحرب حياً).
كما أن نصوصه كما هي قصائده الأولى التي كتبها وهو في وطنه فيها ذلك "الانبهار" بما يصادفه في العاصمة وما يدور فيها فلا الصداقات صداقات، ولا الإبداع يحمل دلالته، كل شيء مبدد، الأعمار، العلائق، الأحلام ولا حصاد غير الخيبة.
حتى في (الإبداع) هنالك من (أبدع) في القفز وسرقة (الدور) وتحول (الإبداع) نفسه إلى عملية (ارتزاق) وبحث عن (وهم) وجاهة أو استجداء هبة.
هي الخيبة الكاملة التي لم يعشها جيل عدنان الصائغ بل جيلنا أيضا الذي يرى كل شيء يتهدم وهو مقصى وأن حكى لن يسمعه أحد، فتيار الرداءة ماض وفي عنفوانه فما عليك إلا أن تصمت وتنضم إلى الجوقة أو تسكت وتصبح مثاراً لأكثر من سؤال.
فوق حبال السيرك العجيب هذا كنا نكتب، وكان هذا الفتى الكوفي المشدوه ينفث ما في قلبه على الورق.
يقول:

(اتركيني – لدقائق –
ففي داخلي سنوات من الوحل والهلع والرصاص
لن تمسحها يافطة النادل الأجنبي
وهو ينحني بأدب جم
ليزيل قطرات القهوة التي أسقطها ارتباكي).

(4)

عدنان الصائغ في أكثر من نص له في هذا الكتاب منهمك في اضاءة الزوايا الصغيرة سواء تعلقت بالقلب أو إيقاع الحياة التي قد يصل انشداهنا بها حد أن لا نرى ما فيها، أو كل ما فيها.
يقول:

(يسمونها: أخطائي
وأسميها: حماقات شاعر)
ويقول:
(أعرف أن ما من قتل في العالم، يعادل قتل قلب
وأعرف أيضاً أنني بتصديق الآخرين ضيعت صدقي).

أما (المدينة) فمن خطابه لها يقول:

(وداعاً أيتها المدينة، هل ينبغي أن نضيف شارعاً آخر كي تطول أحلامنا أو خطواتنا؟ هل ينبغي أن نبكي كثيراً كي تنفجر نوافيرك في الساحات؟ هل ينبغي أن نقرأ كثيراً وندخن كثيراً وتظهر صورنا في الجرائد كثيرا كي نكون شعراء مشهورين؟).

ويختم خطابه الطويل لهذه (المدينة) بقوله:

(وداعاً أيتها المدينة، لن نضيف شارعاً آخر ولا حزناً جديداً، ولا حباً ولا مجداً ولا عمارات ولا حافلات، ولا موظفين ولا أشجاراً ولا ذباباً ولا أحلاماً ولا بنوك ولا.. ولا.. يكفي أننا زرعنا شوارعك بحماقاتنا ورجعنا إلى قرى الطفولة منكسرين كأشجار الصفصاف التي سحقتها السرفات الثقيلة وهي تعبرنا إلى الحرب).

المدينة – العاصمة متهمة وهذا أمر مشترك عند كل أدباء المدن الأخرى الذي أغراهم بريقها فوفدوا عليها فمنهم من حقق شيئا، صارع حتى وقف، ومنهم من تحول إلى مدمن أكلت الكحول كبده أو التهمته عجلات سيارة حديث نعمة من أنصاف البدو والرعاة، ومنهم من انكفأ عائداً يصفق بيديه.

(5)

ذكرت في البدء عن علاقة نص عدنان الصائغ بالمرأة، وكتابه هذا مليء بما يمكن تأشيره عن هذا الموضوع، وهذا مثال:

(حمى تتصاعد كالحمى
وأنت في تلافيف الذاكرة أيضاً
تجلسين في صالة الألم
متصالبة الساقين، تجسين عروقي المتنافرة
كطبيب ارستقاطي مبتدئ
تنبض شرايين تاريخ خيباتي كلها، بين أصابعك الرقيقة، كالحلوى فترتعشين من الحمى، تذعرين..
لا العقاقير ولا العذال ولا النوم قبل الواحدة يطفئ هذه الكرة الملتهبة التي يسمونها رأسي).

تتميز قصائد الصائغ وكذلك نصوصه بغنائية عالية ندر أن نجد لها شبيها في كتابات مجايليه، غنائية لا بد منها للقصيدة كما لابد منها لأية كتابة أخرى حتى تكون طائراً بجناحين.
في هذا الكتاب نرى الشاعر يورد نصوصاً من آخرين يستهل بها كتابه أو قصائده والملاحظ أن أغلبها أجنبية وأعتقد أن في هذا كثيراً من الافاضة التي لا يحتاجها.
وبعد.. فكتاب مثل "مرايا لشعرها الطويل" هو كتاب بعد أن ننتهي منه نحس بأن لنا موعداً آخر معه لنعيد قراءاته فيه.

مرايا لشعرها الطويل – نصوص لعدنان الصائغ – منشورات دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد ويقع في 158 صفحة، كتب مفتتحاً له في صفحة واحدة الشاعر الرائد عبد الوهاب البياتي.


(*) صحيفة "القدس العربي"  - لندن - ع 2095  2 شباط 1996 ص أدب وفن
(*) صحيفة "الصحافة" - تونس - 12/10/1999 ص ثقافية
 
البحث Google Custom Search