أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
صراخ عدنان الصائغ
بحجم أوطان وشعوب

يحيى أبو زكريا
كاتب جزائري مقيم في السويد

في أول حوار أجريته مع الشاعر العراقي في بيروت قبل سنتين اكتشفت أن هذا الشاعر هاجسه القلق من جهة والقصيدة من جهة أخرى! وهو يحاول أن يسكّن قلقه بالقصيدة ويُسكن القصيدة قلقه. ولذلك كانت قصيدة عدنان الصائغ سواء تلك التي صاغها في الخرطوم أو في صنعاء أو في عمان أو في بيروت أو في شوارع السويد شمالها وجنوبها, كلها قلقة، فيها همٌّ, فيها قضية، فيها مأساة.
ولا أريد أن أقول هنا أن شعر عدنان الصائغ شعر بكائي درامي – وليس شعراً إنسانياً – بل هو في كل أبعاده شعر إنساني، والمأساة كانت على امتداد حركة التاريخ سمة إنسانية.
وعندما تقرأ قصائد عدنان الصائغ في "تحت سماء غريبة" و " غيمة الصمغ" و "سماء في خوذة" و "العصافير لا تحب الرصاص" إلى "نشيد أوروك" و "صراخ بحجم وطن" تكتشف أنك أمام شاعر مقاوم، سيفه الكلمة وسهمه القصيدة.
ولعل ترعرعه في النجف الأشرف حيث مرقد إمام الحكمة وشيخ الكلام علي بن أبي طالب, وقد جعله على تماس بالحكم الصادرة عن إمام البلغاء علي بن أبي طالب, وتحديداً القول المأثور عنه : "لو كان الفقر رجلاً لقتلته". وتلاحظ في شعر عدنان الصائغ انتصاراً للفقراء وتهكماً بالطغاة الذين تسببوا بحكمهم الجائر في التمكين للبؤس والهوان والذلة.
ولأن عليّاً نشأ مظلوماً ومات مظلوماً, فأن الصائغ الذي تشرب مظلومية عليّ في ديار النجف, يشعر – باستمرار- بالظلم ولذلك راح يفضح الظلم والطغاة. وذات مرة سألت عدنان الصائغ عن تأثره بالحسين بن علي صاحب مأساة الطف فأجاب : لا شك أن للحسين بصمة كبيرة في توجهاتي الشعرية.
وهذا ما يفسر أكثر سرّ البكائية الموجودة في شعر عدنان الصائغ, كما يفسر سر ثورته على السلاطين.
"..... يبدأ من خطاب الرئيس, وينتهي بخطاب الرئيس, مروراً بشوارع الرئيس وأغاني الرئيس ومتاحف الرئيس ومكارم الرئيس وأشجار الرئيس وصحف الرئيس واسطبل الرئيس....." إلى آخر قصيدته الواردة في ديوانه الأخير "صراخ بحجم وطن".
والصائغ من خلال تعرية السلاطين يصنّف نفسه بأنه في خانة الشعراء الصعاليك الذين خلقوا لكي يعارضوا لا لكي يصفقوا وهذا ما يجعل شعره قريباً إلى الذات المعذبة المهمشة المنهكة المثقلة بخطابات الرئيس!
والشعور بالمظلومية والبؤس جعلا عدنان الصائغ لا يقدر على نظم قصائد على إيقاع الرومانسية وزمان الوصل في الأندلس, وهو بمجرد أن يبادر إلى الثانية تنقض الأولى عليها فتصبح الصورة كما يريد عدنان قهراً وبؤساً.

          ".... فكر أن يكتب عن ياسمين الحدائق
               فتذكر أعواد المشانق
               فكر أن يكتب عن موسيقى النهر
               فتذكر أشجار الفقراء التي أيبسها الحرمان
               فكر أن يكتب عن قرنفل المرأة العابق في دمه
               فتذكر صفير القطارات التي رحلت بأصدقائه إلى المنافي"
                            - من "صراخ بحجم وطن"   ص23-

وفي ديوانه الأخير أيضاً حملة هوجاء على سالبي الحلم

            "... قال أبي لا تقصص رؤياك على أحد
                   فالشارع ملغوم بالآذان
                   كل أذن يربطها سلك سري بالأخرى
                   حتى تصل السلطان..."      
                               - دمشق 15/3/96-

               "بيدقني السلطان
                جندياً في حرب لا أفقهها
                لأدافع عن رقعة الشطرنج
                أم وطن
           - لا أدري –
                أم حلبة
                ولهذا أعلنت العصيان
                لكن الجند الخصيان
                قادوني معصوب العينين إلى الخشبة
                وأداروا نحوي فوهات بنادقهم
                فصرختُ: قفوا
                ستجرون على هذه الرقعة أيضاً
                كبشاً بعد الآخر
              كي تعلو – فوق سلالم أشلائكم – التيجان"

وعدنان الصائغ لم يطلق صرخات تعرية السلاطين في المنفى حيث هامش كبير من الحرية والطمأنينة, بل أطلق هذه الصرخات في الوطن العربي حيث السجن الكبير،
وتلك الصرخات في ذلك السجن الكبير هي التي أوصلته إلى المنفى.
وانتقاله إلى المنفى لم يرحه على الإطلاق بل زاده الشحنة تلو الشحنة حتى يسترسل في تعرية الذين ظلموه أولاً وبالتالي ظلموا الإنسان بكل أحاسيسه ومشاعره وطموحاته في أن يعيش حراً كريماً. وظلموه ثانياً عندما رموه في المنافي حيث دروب التيه التي لا تنتهي, وكلما ينتهي رصيف تيه يمتد به الرصيف الثاني وهلم جرا.
وفي المنفى تجده يسترسل في تعرية الطغاة وفي تذكار الوطن الذي هندسه هؤلاء الطغاة على مقاساتهم.

               " بكى صاحبي
                 لما رأى الوطن القلب تنهشه الطائرات
                 تنقر في نبضه قطعاً من ضلوع المنزل والشهداء
                 فأدرك أنا انتهينا إلى حجر
                 سوف نحمله في المنافي رصيفاً لأزهارنا الذابلة
                 يضيّق بين السطور وأحلامنا
                 وأن الندوب التي خلفتها الحروب على جلدنا
                سوف تطمسها السافيات…."   ص 34

وهو على خلاف شعراء البلاط وشعراء البترودولار الذين ضمتهم السلطات إلى حظيرتها ليخدموها ويمجدوها, يأبى أن يكون الشعر في خدمة عليَّة القوم.

            "…. دخل الشعراء الرسميون
                    إلى القاعة
                    واكتظ الحفل
                    لكن الشعر غريباً
                    ظلّ أمام الباب
                    بملابسه الرثة
                    يمنعه البواب " ص45

وعندما تقرأ كل القصائد الواردة في ديوان صراخ بحجم وطن وعلى الرغم من أن بعض القصائد نظمت في أوقات سابقة تشعر أنك أمام شاعر جلد يطمح أن يكون كالنخلة الباسقة التي لا تزيدها الرياح إلا صلابة وإنغراساً في الأرض وحتى لو استأصلت هذه النخلة من أرضها, فأن عدنان الصائغ يصر على أن تكون هذه النخلة مغروسة وعميقة الجذور حتى لو كانت الأرض التي ستزرع فيها هذه النخلة جليداً في شمال العالم وهاجسه في كل هذا وذاك أن تحمل أوراق النخلة معالم لطريق الغد الخالي من قهر الطغاة.
وكما أن النخلة هي هي سيان لو كانت مزروعة في العراق أو في السويد, فأن قصيدة عدنان الصائغ هي هي سواء نظمها في طنجة أو في جاكرتا أو في شارع الحمراء أو في شارع روزنغورد.. لا فرق.

* عدنان الصائغ, صراخ بحجم وطن ديوان شعر صادر عن دار المنفى السويد سنة 1998.


(*) نشر في مجلة " الجسر" – السويد - ع 3 / 4 س5 كانون الثاني 1999
 
البحث Google Custom Search