أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
عندما ينتقي الشاعر صرخاته

قرأه: عبد الرزاق الربيعي
- مسقط -

الكتاب: صراخ بحجم وطن
الشاعر: عدنان الصائغ
الناشر: دار المنفى – السويد
الطبعة: الأولى 1998

قد لا يواجه القارئ أو الباحث صعوبة في وضع (مختارات شعرية) لشاعر ما, لكن الأمر يصبح معقداً لو قام الشاعر بوضع مختاراته الشعرية بنفسه, حيث يدخل الجانب الوجداني, والتصاق لحظة انطلاق شرارة القصيدة بروح الشاعر, ويخلخل برامج الذائقة, وليس من الضرورة أن تنال القصيدة التي يؤثرها الشاعر على سواها إعجاب الناس, وغالباً ما يجد الشاعر نفسه قد وقع في حيرة عند دعوته للقراءة في أمسية شعرية, وأحياناً يفشل في الاختيار فيخيب ظن الحضور.
من هنا وجدت صديقي الشاعر (عدنان الصائغ) قد وضع نفسه في مأزق عندما شمر عن ذراعي ذائقته, ووضع مجاميعه الشعرية على طاولته ليبعد هذا النص, ويقرب ذاك ليجمع مختاراته الشعرية التي اختار لها عنواناً غاضباً هو (صراخ بحجم وطن).
فإلى أي مدى كان الشاعر موفقاً في اختياراته؟
بدءاً قمت باحصائية لعدد القصائد التي تضمنتها المجموعة فوجدتها (47) نصاً موزعاً على المجاميع التالية:
من ديوانه (تحت سماء غريبة) اختار (10) قصائد وهو أعلى رقم تحققه مجموعة تليها مجموعته "تأبط منفى" التي لم تصدر بعد (8) قصائد، وهكذا على التوالي: (أغنيات على جسر الكوفة) (7), غيمة الصمغ, العصافير لا تحب الرصاص, سماء في خوذة (5) قصائد لكل مجموعة, تكوينات (4) قصائد, انتظريني تحت نصب الحرية (3) قصائد فقط, واستثنى قصيدته الملحمية الطويلة (نشيد أوروك) من المختارات.
وهكذا نلاحظ أن المجاميع الأولى للشاعر لم تنل حظاً وافراً من اختياراته, رغم انه كتبها خلال عقد الثمانينات وهي المرحلة الأكثر خصوبة في تجربة الشاعر, بينما ركز في اختياراته على المجاميع التي كتبها بعد مغادرته الأولى عندما ( أفتتح مشروع حريته) كما كتب الشاعر سعدي يوسف, ربما لأنها تتناغم مع إيقاعه الروحي وهو يعيش في منفاه في (السويد), وهو بكل هذه القصائد يكتب نصوصاً تعتمد على المفارقة ورشاقة الصورة الشعرية, وحلاوة اللغة, يرافقها اقتصاد بالغ كما نلاحظ في تجارب الشاعر اللاحقة, خصوصاً في مجموعته (تكوينات):

"أجلس أمام النافذة
أخيط شارعاً بشارع
وأقول متى أصلك"

أو كقوله:

"أكل هذه الثورات
التي قام بها البحر
ولم يعتقله أحد"

وتصل المفارقة حدتها عندما يقول:

"تجلس في المكتبة
فاتحة ساقيها
وأنا أقرأ.. ما بين السطور"

ولأن عدنان الصائغ قارئ جيد لتراثنا الفكري والشعري خصوصاً الشعر العربي القديم الذي تربى بين أحضانه, وكتب في بواكير تجربته العديد من القصائد العمودية التي كانت بالنسبة له تجربة لا بد منها, خصوصاً أنه نشأ في بيئة (النجف) وقد دعيت ذات مرة مع عدنان الصائغ, لحضور مهرجان شعري فيها, وعندما سمعت القصائد العمودية الطوال ذوات اللغة القاموسية الخشنة الملمس, همست في أذنه: كيف استطعت أن تفلت, من هذه المعاجم. وهذا سر تميز (الصائغ), لقد هضم التراث الشعري لمدينته ثم ألقاه في النهر من على (جسر الكوفة) وجاء إلى بغداد ليكتب قصيدته التي (شغلت الناس).
من تجاربه الأولى التي كتبها على الطريقة التقليدية يختار مقطعاً يحمل عنوان (ريح):

"للحزن نافذة – في القلب – سيدتي
وللمساءات أشعار ومصباحُ
معتق خمر أحزاني.. أيشربه
قلبي, وفي كل جرح منه أقداح
تسافر الريح – ويلي – في ضفائرها
ومن يطارد ريحاً كيف يرتاح"

وعندما يقرأ قصة نبينا (يوسف) "ع" في القرآن الكريم فأنه يأخذ منها شظية ليؤسس عليها وجدانه ويعكس أزمته مع الأنظمة البوليسية:

"قال أبي:
لا تقصص رؤياك على أحد
فالشارع ملغومٌ بالآذان
كل أذن يربطها سلك سري بالأخرى
حتى تصل السلطان"    

ويركز (عدنان الصائغ) في تجاربه الجديدة على الإيقاع الداخلي للمفردة الشعرية كما في قصيدته (شهداء الانتفاضة) التي يقول فيها:

"هؤلاء الذين نما على شواهد قبورهم
صبير النسيان
هؤلاء الذين تآكلت أخبارهم
شيئاً.. فشيئاً.. في زحمة المدينة
أنهم يتطلعون بعيون مشدوهة
إلى قدرتنا على نسيانهم بهذه السرعة"

وأعود إلى ما بدأت به مجيباً عن سؤالي الذي كان: هل وفق الشاعر في مختاراته؟ فأقول: لا أعتقد ذلك, فللصائغ نصوص أخرى جميلة لم يدرجها في مختاراته, وربما لضيق المجال, ولأن الشعر بالنسبة له في الوقت الحاضر موقف فيحاول أن يستثمر الفرصة من أجل تعزيز موقفه, فيختار صرخته – احتجاجه ويبقي سواها.


(*) صحيفة "الزمان" لندن ع371 في 10-11/7/1999
 
البحث Google Custom Search