أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
عدنان الصائغ في ديوانه الجديد " تابط منفى ":

دوران العجلة ... تكرار المكان

عبد الرزاق الربيعي
- مسقط -

عندما كتب الشاعر عدنان الصائغ ديوانه (تحت سماء غريبة) عام 1994كان قد وضع فاصلة بين تجاربه الشعرية التي كتبها داخل الوطن :(انتظريني تحت نصب الحرية)، (أغنيات على جسر الكوفة)، (العصافير لا تحب الرصاص)، (سماء في خوذة)، (مرايا لشعرها الطويل)، (غيمة الصمغ)، وتجاربه الجديدة التي شرع بكتابتها بعد مغادرته الوطن  مفتتحا " مشروع حريته " كما دون الشاعر سعدي يوسف على غلاف ديوانه الذي صدر في عمَان عن منشورات " البزاز" , و بـ (تحت سماء غريبة) خلق الصائغ فضاءات جديدة سبحت في عوالمها كلماته الراقصة في أفق مفتوح مطلقا صرخاته المكبوتة معبرا عن احتفائه بحريته التي شعر انه استعادها كشرط أساسي من شروط الكتابة والتي حرم منها طويلا , خصوصا ان طبيعة نصه تنطوي على الكثير من الاستفزاز لقلم الرقيب الأحمر الذي كثيراً ما شطب العديد من الكلمات والسطور والقصائد , لكن تلك الفضاءات , رغم ما انطوت عليه من جدة وابتكار على صعيد المحتوى , ظلت  ماسورة , من حيث الصياغة , البناءات الفنية والاسلوبية التي اعتاد الصائغ على تكرارها في تجاربه السابقة , حتى جاءت تجربته الهامَة " نشيد أوروك "  قصيدته الطويلة ذات النفس الملحمي لتؤكد ان "عدنان الصائغ "  لا يتوقف عن طرق باب البحث  داخل غابته الشعرية المتشابكة الافرع   من خلال تنقيبه في كتب التاريخ والسير والأساطير والآداب القديمة البابلية والسومرية والملاحم وكتب السحر والتعاويذ والخرافات ليفتح له عن فضاءات  جديدة  يدخل البناء الدرامي والملحمي واللغة الأقرب إلى لغة الهذيان والاستطالات في بناء الجملة الشعري ضمن نسيجها  الفني .
وعندما وصلتني نسختي من ديوانه الجديد " تأط منفى " الصادر عن دار المنفى في السويد التي يديرها القاص ابراهيم احمد  تساءلت : ما الذي يريد أن يضيفه " عدنان الصائغ " بعد ان  رقق مسامعنا ب" نشيده الأوروكي " الملحمي ؟ ألا يخشى الوقوع في مطب التكرار , واجترار القول , لاسيما أن القراء لم يفرغوا بعد من قراءة النشيد  رغم مرور سنوات على صدوره؟
لكنني ما أن قرأت نصه الأول الذي حمل اسم " نص " الذي يقول فيه :

"نسيت نفسي على طاولة مكتبتي
ومضيت
وحين فتحت ُ خطوتي في الطريق
اكتشفت أنني لاشيء غير ظل لنصٍ
أراه يمشي أمامي بمشقةٍ
ويصافح الناس كأنه أنا "

حتى وجدت نفسي أمام تجربة مختلفة عن "نشيد أوروك"  فلقد عاد ليمتص رحيق الشعر من واقع التجربة اليومية  , يمسك بالعابر , والعادي ليشحنه بطاقة شعرية عبر لغة هي اقرب إلى لغة الخطاب اليومي , بسيطة , متدفقة , غنية بالايحاءات والدلالات , تتكيء على بنية المفارقة :

"الحبل الذي مدوه حول عنقه
استطال بالصراخ
ثم
انقطع
من سقط قبل الآخر "

وغالبا ما يلجا إلى أسلوب السرد فنصوصه في" تأبط منفى " تعتمد على مشهد مقتطع من الواقع يتدفق على لسان  الشاعر الذي يتقمص شخصية الراوي ليستعرض من خلال لمحة  خلاصة تجربة مرَة:

"أطرق مدرس التاريخ العجوز ماسحا غبار المعارك
والطباشير عن نظارتيه
ثم ابتسم لتلاميذه الصغار بمرارة :
ما اجحد قلب التاريخ
أكل هذا العمر الجميل الذي سفحته على أوراقه المصفرة
وسوف لا يذكرني بسطر واحد"

وحين يقتنص اللحظة الشعرية الخاطفة ب " سهم " نظرته الثاقبة " لحظة الانعتاق الخاطفة " من اسر الواقع  ليطرح سؤاله المدهش:

"بماذا يفكر السهم
بالفريسة
أم .......
بالحرية"

مسقطا علامة الاستفهام جاعلا من السؤال جواباً لحيرة مطلقة  لكنه يثبتها في " معادلة ":

"أنزل أو أصعد
- لا فرق –
أيان تجوب ؟
القمة ..
بئر مقلوب "

وكما نلاحظ فأن "عدنان الصائغ" يبني  شعريته على الجملة المكثفة, المركزة ,
المقتصدة معالجا ترهل المقطع  وتشعب الأفكار داخل نسيج النص الشعري في نصوصه المركبة  كما رأينا في " خرجتُ من الحرب سهوا " في " غيمة الصمغ " مثلا , فقصيدة في " تأبط منفى " تستند إلى نواة واحدة يخيط على مقاسها قميص نصه لكنه يتركه مفتوح الأزرار لهواء التأويل  , ففي " الاسكافي الكهل " نرى مشهد الاسكافي :

"جالسا
على الرصيف
أمام صندوقه
يرنو
لايامه التي
ينتعلها الناس"

وتبلغ قصيدته أقصى درجات التكثيف في " تنويعاته " التي  جاءت على شكل " توقيعات " تذكرنا بهذا الفن الذي نشط في العصر العباسي عندما كان الخلفاء " يوقعون " على مخاطباتهم لعمالهم في الولايات بجمل مكثفة  , وهذا نراه واضحا في " التنويعات " التي أرى انه اشتق تسميتها من " التوقيعات " :

"الظل
شيخوخة الزمان"

وفي تنويعه أخرى يقول

"الكلام
ركض داخلي"

و

"أقدامنا
أرصفة متحركة"

و

"في الفحم
نار حبيس"

و

"دوران العجلة
تكرار المكان"

هذه " التنويعات " الشعرية هي الشكل الذي يميز تجربة عدنان الصائغ في "تأبط منفى " رغم انه اشتغل على هذه التجربة من قبل في ديوانه " تكوينات " الصادر في بيروت عام 1996 لكنه عمَق التجربة  كثيرا, وهذه سمة من سمات اشتغال الصائغ على تجربته إذ أنه اعتاد ان يجترح طريقا ثم يواصل حفره في تجارب لاحقه تتخللها طرق اخرى في أماكن بعيدة لخصها هذا المقطع الذي جاء على الغلاف الذي حمل صورة فوتغرافية للفنان البارع فؤاد شاكر:

"أطرق باباً
أفتحهُ
لا أبصر إلا نفسي باباً
أفتحهُ
أدخلُ
لاشيء سوى باب آخر
يا ربي
كمْ باباً يفصلني عني"..


(*) نشرت في مجلة " ضفاف" ع 9 شباط/ فبراير 2002   النمسا ( عدد خاص- الصائغ في مرايا الإبداع والنقد)
 
البحث Google Custom Search