أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
الهامش والمتن

قراءة في مجموعة الشاعر عدنان الصائغ "تحت سماء غريبة"

علي السوداني
قاص عراقي يقيم في عمان

غالباً ما تكون القراءات الأولى, قراءات ابتدائية, تتشكل معها انطباعات أولية عن النص المقروء,  بشيء من العجالة اللاهثة خلف الرغبة المحتدمة لاكتشاف النص وهضم وامتصاص مجموعة التراتبات والاندهاشات المولدة لحظوياً, حيث الآخر, المستسلم للنص, الملوث ببكترياه الهجومية, الرازح تحت سطوة بنية جديدة, الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى توليد رأي ابتدائي ناقص.
ويحدث هذا مع النصوص التي تندهش لعبقريتها أو مع النصوص التي تندهش لتفاهتها وانحطاطها على حد واحد.
أعترف أنني في "مطالعتي" الأولى أو الأولية على وجه التحديد, لمجموعة الشاعر عدنان الصائغ "تحت سماء غريبة" والتي صدرت عن منشورات البزاز, كنت ضمن الوصف الذي جاء في السطور السابقة, فلم يكن من العسير علي أنا الآخر  الواقف على جانب المعادلة القصي, أن أكتشف أنني أمام بنية شعرية قائمة تتخذ من الشعر – بتعريفه الأولي – شكلاً لها, ومن الشعرية غطاء شرعياً لها.
وأنا هنا بطبيعة الحال, لست في طريقي لتقييم أو تقويم تجربة الشاعر عدنان الصائغ لأنها في رأيي – أنا الآخر الابتدائي –  تجربة مكتنزة بالشعر والشعر فقط.
إن الذي أود التوقف عنده هنا في مجموعة "تحت سماء غريبة" – قراءة ثانية وربما ثالثة – هو ذلك الهامش الحكائي أو القصصي الذي رسم قصائد المجموعة من خلال أوجه السرد والاستدراك والشرح ووضوح الثيمة ونمو المونولوج الداخلي الخفي نمواً تدريجياً باتجاه نقطة تنفجر عندها القصيدة وتتربع على ذروتها, وهذه كما هو معروف وشائع صفات تنحو منحىً قصصياً أو حكائياً, ساحبة أو منفتحة على منطقة القص أو الحكي الحادث من خلال الخبر والأخبار
              
   ".... والعائدون من البار
                منهمكون بشتم النساء البدينات
                والقط يلحس ذيل الرصيف
                ويقعي أمام المحطة
                حيث صفير القطار
           يقود قطيع الوداع ...."

فلنتمعن قليلاً في هذا المقطع المجتزأ من قصيدة "صورة جانبية" ولندع مؤقتاً الشكل جانباً – شعري أم قصصي – ثم لنرى أي من الجمل امتلكت مقوماتها الشعرية من خلال الإزاحة التي تحصل على مستوى الجملة الكلية والمفردة الواحدة, ما الذي سنراه؟ سنرى بالتأكيد في هذا المشهد الكلي ما يلي:
1.     ثمة أناس يعودون من البار. "خبر قصصي"
2.     منهمكون "الناس" بشتم النساء البدينات. "خبر قصصي"
3.     ويقعي أمام المحطة "القط" . "خبر قصصي"  
4.     حيث - زمان ومكان – صفير القطار "خبر قصصي"
إذن, ما الذي تبقى لدينا من المشهد السابق؟
الذي بقي هو الجملتان الشعريتان التاليتان, وأقول الشعريتان لحدوث الإزاحة وعمل المخيلة وتحقق الشرط الشعري:
1.     القط يلحس "ذيل الرصيف" .
2.     يقود – صفير القطار – قطيع الوداع !
وبمراجعة "حسابية" للمقطع السابق, نرى أن لدينا أربع جمل قصصية – وجود واو العطف رسخ تلك الحقيقة – إزاء جملتين شعريتين.
يعني هذا أن الهامش القصصي – هنا على الأقل – قد تحول إلى متن واسع, والمتن الشعري قد تحول إلى هامش ضيق.
ويبدو أن ثمة مجموعة من الأسباب قد أدت إلى تلك المفارقة, ليس أقلها شأناً أن الشاعر قد يلجأ أحياناً أو يحاول إيصال خطابه بقوة إلى الآخر وعندما تخونه الذاكرة الشعرية فأنه غالباً ما يهاجر إلى ذاكرة أو ذاكرات مجاورة, قصصية, روائية, مسرحية, ... إلخ
وذلك ما يحدث بكثرة عند القاص الذي يوظف البنية الشعرية في إشادة بنية قصصية, وهذا يفسر أيضاً الصعوبات والاشكالات التي يقع فيها الآخر في أولى محاولاته لتجنيس المنجز فيلجأ إلى وضع "كتاباته" تحت مفردة "نص" وهي مفردة تحتمل الكثير من التأويل, وأذكر هنا أن الشاعر خزعل الماجدي  عندما سُئل عن طبيعة جنس نصه الشهير "حية ودرج" أجاب أنه "كتابة على طريق الشعر".
إن الهامش القصصي أو الحكائي الواضح في مجموعة عدنان الصائغ هذه, لم يأكل بالتأكيد من ساحل الشعر المترامي, بل توحد وانصهر أخيراً ليشكل خطاباً – شعرياً – قصصياً – راقياً في كلا الاتجاهين, جعلنا نتوقف ونحدق طويلاً في "سماوات" عدنان الصائغ المبدعة :

             "صرخ في المشيعين
             وهم ينثرون أكداس الورد على ضريحه
         - شكراً لكم على أية حال
              فقد انقضت حياتي بأسرع مما ستذبل به أزهاركم الميتة"
                                           "قصيدة ذبول"


(*) نشرت في مجلة "ضفاف" ع 9 شباط/ فبراير 2002 النمسا (عدد خاص- الصائغ في مرايا الإبداع والنقد)
 
البحث Google Custom Search