أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
تحت سماء عدنان الصائغ الغريبة

قارب القصب

عبد الرزاق الربيعي
- صنعاء -

وسط موجة الغموض والولع باستعراض المهارات اللغوية وإغراق النص الشعري بالنغمية يعبر الشاعر عدنان الصائغ بقاربه الغض المبني من قصب أوجاعه ورماد جراحه وخيوط دموعه إلى الضفة الأخرى من نهر الشعر حيث إشراقة الفكرة المستلة من لحمة الواقع اليومي والمفردة الأليفة ذات النبرة العميقة التي تلامس شغاف الروح بعزفها على قيثارة الألم الإنساني, فاحتل مكانة متميزة بين شعراء الثمانينات في العراق, هذا الصوت أكد حضوره عبر مجاميعه العديدة (انتظريني تحت نصب الحرية), (أغنيات على جسر الكوفة), (العصافير لا تحب الرصاص), (سماء في خوذة), (مرايا لشعرها الطويل), (غيمة الصمغ), (تحت سماء غريبة) الذي صدر عن دار مواقف عربية وبهذه المجموعة "يفتتح عدنان الصائغ مشروع حريته الشعري – يقول الشاعر سعدي يوسف – بغية الإشارة إلى أن الحرية تكتسب ولا تتاح. وفي الفن تصبح هذه المقولة في منزلة الضرورة, الإحساس نفسه, وسيلة الارتطام الأولى, ينبغي له أن يكون حراً, على العينين أن تتحرك في عدة اتجاهات, إذ مهمتها في الفن ليست البصر وحده، وأنت غير قادر على تحريك العين هكذا، إن لم تكن حراً".
وضمن إطار هذه الحرية التي يتوق لها (الصائغ) يعلن الشاعر تمرده على السائد والجاهز من القوالب اللفظية، لذا ينشيء علاقات جديدة على الصعيد اللغوي ويحاول أن ينطلق سابحا في آفاق جديدة ضرورية للشاعر بعد أن حس أنه حبس تجربته ضمن أفق حددت ملامحه بـ (المرأة، الحرب، المكان) وكان لابد له أن يكسر هذه الشرنقة بافتتاح مشروعه الشعري الجديد.

"تفتح البنت شباكها
أفتح سرقاطه الأفق
ترنو إلي الفتاة
وأرنو إلى البحر
تطلق من صدرها المشمشي الحمام
يحلق بين الغروب وبيني"

إنّه يقدم محاولة لنسيان اشارته للبحر عندما وقف متسائلاً عن الذي يتكل أحلاماً ناسين على كل مرسى مناديل بنلوب ينسجها أهلنا. لم ينس القصيدة لأنها كانت: "محض جنوح إلى عزلة الروح" ولأجل الوصول إليها "تلزمه غابة للصراخ ومحبرة من دم كي يتم القصيدة" التي تعذبه كثيرا وتعانده كثيرا من أجل الإمساك بياقتها وإذابتها بمحبرة من دم فهو يؤمن "بريلكه"، عندما قال "لأجل أن تكتب سطرا واحداً من الشعر عليك أن ترى كثيرا من المدن والناس والأشياء عليك أن تعود إلى أيام الطفولة إلى أيام مضت في غرف نائية هادئة.. آنذاك في تلك الساعة النادرة يمكن أن تظهر من وسطها الكلمة الأولى للقصيدة، ثم تسير ببطء نحوك" لذا يقيم الشاعر من أوجاعه وليمة على شرف جوع أمل دنقل".
القصيدة التي يهديها إلى الشاعر أحمد الدوسري فيتساءل:

"من رأى دنقلاً ناحلاً في القصيدة
منكمشاً بالقميص البليل
على حبل أوجاعه المزمنة
من رأى أحمداً
يلف المطارات
يبحث عن وطن؟"

وهو بهذا يكثر من الأسئلة.. أنه يقف كطفل مشدوها أمام العالم بكل تناقضاته يحصى خساراته بقلب وجل مرتبك ويضع نفسه أمام معادلات صعبة تحت سماء روحه الغريبة لأنه يتوق إلى سموات أكثر حرية لأن:

"السماء القريبة أشهى
السماء البعيدة أبهى
لكن أحذية الحرس
ستحجب عنك فضاء الحنين المعرّش
ما بين أزهار قلبك والنافذة"

وتحت عنوان (تكوينات) ينتقل عدنان الصائغ إلى فضاء آخر.. فضاء النثر الذي ولج بابه في مجموعته (مرايا لشعرها الطويل) لكنه هنا يحاول أن يشحن اللفظة بإيقاع خفي يشرئب من بيت إلى آخر يكتب قصائد قصيرة محاولاً استثمار المديات التعبيرية التي تمنحها له (قصيدة النثر) لكنه يولع برسم المشهد ويحاول أن يدون تفاصيل عوالمه المبنية على المفارقة وهنا تكمن الشعرية:

"أمام النافذة
طفل يلحس البوظا
ملتذا
بلسانه
تسقط (البوظا) على الرصيف
فيبكي الطفل
تسوي الفتاة تنورتها – خلف الآلة الكتابة
فيرتبك الرجل
تعصف الريح بالجريدة
يطير الحمام
لكن النافذة
تبقى مفتوحة"

ويبدو في المقاطع الصغيرة أكثر براعة لأنه يعتمد التكثيف والإيجار.

"أيتها الوردة
في الذبول الأخير
لمن تلوحين الآن"

أو:

"الأرق نسي مفاتيح غرفته
على طاولتي
ترى أين يبيت الليلة؟"

أو:

"على جلد الجواد الرابح
ينحدر عرق الأيام الخاسرة"

وفي محاولة للاستفادة من الميثولوجيا في قصيدته (أجاممنون) وهو ملمح يضاف إلى تجربة الشاعر يقدم قراءته للأسطورة.. هذه القراءة تعكس إسقاطاً ذاتيا يخفي انكسار الشاعر العائد من غبار الحرب بقلب مجرح وذراعين من طبول وذهب إذ أنه كان

"حالما بشفتي كليتمنسترا العسليتين
تذوبان على شفتي عشيقها ايجستوس
ليلة، ليلة"

إنها خيبة الشاعر عندما تضيع من أصابعه خيوط الحقيقة التي يظل يبحث عنها دون جدوى

"فتذكر أنه نسي جثته هناك.."


(*) مجلة "الناقد"- بيروت- ع 78  س7 كانون الأول/ ديسمبر
(*) صحيفة الثورة اليمنية 6/9/1996  - الملحق الثقافي -

 
البحث Google Custom Search