أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
صعاليك بغداد مرة أخرى

عبد الخالق كيطان*

  ثمة نظرة فيها الكثير من التجني للصعاليك ، وأخص في حديثي سلفاً هنا : صعاليك الثقافة العراقية المعاصرة ، ذلك أن هذه النظرة صورتهم باعتبارهم مجموعة من السكارى الذين يهيمون في الطرقات دون أن يكون لديهم أية مشاعر إنسانية أو هموم إبداعية ، بل أن همومهم الصرف هي في كيفية الحصول على كأس من الخمر المجاني !
في العام 1993 شغلت كثيراً في التفكر بحياتي وحياة مجموعة من أصدقائي لا لسبب سوى البؤس الذي بات يستحكم بقوة وصلابة ، فلقد كنت أعيش في فندق أسمه ( فندق عدنان الحديث ) أتقاسم غرفة ، هي زنزانة في سجن ، مع المخرج المسرحي اللامع ناجي عبد الأمير ..وعلى مقربة من هذا الفندق يسكن في غرف أو فنادق مشابهة عدد كبير من المثقفين العراقيين أذكر منهم : حكمت الحاج ، محمد تركي النصار ، كاظم غيلان ، حسن ناظم ، صلاح حسن ، جان دمو ، عقيل علي ، زعيم نصار ، عبد الحميد الصائح ، منذر عبد الحر ، باسم قهار ، كاظم الحلاق وآخرون .. والمفارقة أن عدداً آخر من المثقفين العراقيين ممن لهم بيوت في بغداد كانوا يتقاسمون الأماكن الصدئة ذاتها التي نتقاسمها نحن الذين بلا بيوت ، وأذكر من هؤلاء : نصيف الناصري ، محمد مظلوم ، حسين حسن ، عبد الستار ناصر ، حسين علي يونس ، فرج الحطاب ، عبد الرزاق الربيعي ، خزعل الماجدي ، زاهر الجيزاني ، رعد عبد القادر ، وسام هاشم ، عدنان الصائغ ، فاضل الخياط ، قاسم محمد عباس ، أحمد الشيخ علي ، جواد الحطاب ، فضل خلف جبر ، حميد المختار ، شوقي كريم حسن ، علي عبد الأمير ، كاظم النصار ، اسماعيل عيسى بكر ، حيدر سعيد ، خالد مطلك ،علي السوداني ، ضياء سالم ،  عبد الزهرة زكي ، حميد قاسم ، عبد الأمير جرص ، عبد الستار البيضاني… أما المجموعة الثالثة فكانت تضم المثقفين العراقيين الذين لا يسكنون في بغداد ولا يسكنون أيضاً في مدنهم الأصلية ، ولهذا تراهم يوماً هنا ويوماً هناك ، ومن هؤلاء : كزار حنتوش ، سعد جاسم ، حسن النواب ، يحيى البطاط ، صلاح زنكنة ومجاميع من أدباء البصرة والعمارة والناصرية والموصل والحلة والديوانية والكوت وكربلاء وغيرها .
ما الذي يجمع بين هؤلاء كلهم : باختصار أقول : انتماؤهم الرفيع للأدب  … بعضهم يوغل ويسرف حقاً في حياة عدمية يظنها المراقب حياةً تافهة ، وبعضهم يمعن في التأنق بالرغم من خواء الجيوب ..تفكرت في ذلك كله ، ووجدت أن ثمة من يكمل صورة هؤلاء : مالك المطلبي ، الناقد الكبير والجامعي الذي يدمن لعبة الدومينو ، صلاح القصب الذي يلتف حوله المجانين أينما حل ، نجوم تلفزيونيون : مقداد عبد الرضا وعبد الخالق المختار وحكيم جاسم ورائد محسن ، لا يأبهون بنجومية الشارع فتراهم في مقاهي وبارات الصعاليك أيضاً ، كتاب على شاكلة علي حسين ، الصحفي والمسرحي الذي ينفق ما يملك من أجل سهرة مثقفة ، أو مترجمين مثل الراحل غانم جواد ، أو من أهل الفنون التشكيلية مثل : ستار كاووش وعباس جاور وجبار أحمد وعباس مخرب وفاضل نعمة وأحمد نصيف ومحمد قريش وهادي السيد ، فلاسفة يحلمون مثل خضير ميري ونقاد بارعون مثل محمد مبارك ، سامي محمد وحيدر سعيد ومسرحيون بلا مسارح مثل ناصر طه وأياد راضي وشفيق المهدي وناجي كاشي وجبار محيبس وعزيز عبد الصاحب  … موهومون كثر أستحي من ذكر أسماءهم … حشود من أهل الثقافة العراقية الذين يشكلون بلاطاً لها غير البلاط الرسمي الذي يتقاذفه متأنقون كبار وأثرياء أيضاً …
وبعد هذه التفكرات خلصت إلى النص الذي أعده مفتاحاً لتجربتي المتواضعة ، وأقصد نص : صعاليك بغداد .. كان منطلق النص يبدأ من نص للشاعر سامي مهدي نشره أنذاك في مجلة الأقلام بعنوان : عيارو بغداد ، فقلت في سري : ولم لا يكونوا صعاليكها ؟ وفجأة وجدتني أنهمك بالنص وأدفعه إلى ثقافية جريدة الثورة ، التي كان يشرف عليها الشاعر جواد الحطاب .. نشر النص وفرحت به ، ثم كتبته ثانية حتى ظهر بشكله الأخير في مجموعتي الثانية صعاليك بغداد ( 2000 المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان ) ..
وأعود إلى مركز الخلاف ، والذي كان ظاهراً بقوة في النص المشار إليه أعلاه : فالصعاليك في الثقافة العراقية كما أزعم هم وحدهم من كان يقاوم إغراءات المديح الفج ، كانوا يقاومون بشرف الموت الذي يفتح فكيه هنا وهناك ، صحيح أن بعضهم قد أسقطته الضربات المتتالية التي تعرض لها ، ولكن الصحيح أيضاً أن الذين سقطوا في الفخ لم يكونوا سوى قلة قليلة ونادرة وهم معروفون بشكل خاص ، على أن الأغلب من هؤلاء فضلوا البقاء على طهرهم ونبلهم ..
أجدني اليوم أكرر ذات الكلمات التي رددتها سابقاً ، صعاليك بغداد عشاق رائعون ، مغامرون كبار ، ومتأنقون أيضاً ، صعاليك يفهمون في الرسم والموسيقى والمسرح ، يعشقون الشعر والخمر ، يدمنون المقاهي ولا ينسون السينما .. عشاق أكلت الحروب من أعمارهم الغضة ومع ذلك ظلوا يواظبون على الحلم ، يأخذون حمامات شمسية فوق دباباتهم وعندما يحصلون على اجازات من وحداتهم العسكرية يقضون أيامها في حسن عجمي أو نادي الأدباء أو في مكتبة عامة ، صعاليك حولوا المؤسسات التي يديرونها أو يعملون فيها إلى مقاه للضحك ، صعاليك بغداد ………..

* شاعر عراقي مقيم في أديلايد


(*) موقع "أبسو" - 2004
 
البحث Google Custom Search