أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
عندما يتكلم ضرغام هاشم

بقلم: حاتم عبد الواحد
Oct 30, 2004

اريد حاتم قبل ان يتلوث....، هكذا طلب ضرغام هاشم من امير الحلو سكرتير تحرير جريدة القادسية ومجلة حراس الوطن عندما نقلت اليها في اواخر عام 1986، لم تكن بيني وبين ضرغام اية معرفة شخصية مسبقة، وانما كنا تقرأ لبعضنا ما نكتبه على صفحات جريدة العراق والمطبوعات الاخرى، كان له ذوق في الصحافة والادب، يعرف الغث من السمين بتلقائية ناصعة. وفي مجلة حراس الوطن، كان ضرغام سكرتيرا للتحرير، اما رؤوساء الاقسام فيها فكانوا عرضة للتغيير من حين لاخر بسبب مزاج اصحاب القرار العسكريين. كانت مهمتي الاساسية في حراس الوطن هي الاشراف الكامل على قسم التصحيح الذي يضم عددا من الشعراء والاختصاصين اللغويين ومنهم الشاعر رباح نوري، وعادل الشرقي، وباسم صالح، اما القسم الفني فكان تحت اشراف الفنان الراحل ليث سامي، بمشاركة الفنان المبدع علي المندلاوي، ومجموعة منفذين.
اما الشاعر عدنان الصائغ فكان يشرف ويدير القسم الثقافي، واساعده انا احيانا، ويشارك في تحرير صفحات ثقافة كل من المبدع ياسين النصير والراحل رعد عبد القادر وماجد السامرائي الناقد المعروف والقاص محمند حياوي والقاص احمد عباس صالح، اضافة الى عمله الاساسي في قسم التحقيقات الذي كنا نشارك فيه جميعنا وتساعدنا في اعداد مواده الزميلة فردوس العبادي ويشرف عليه المبدع معد فياض واحيانا يشرف عليه ضرغام بنفسه.
اما القسم السياسي فكان باشراف محمد السبعاوي والصحفي البارع صباح اللامي ويساعد فيه صاحب شركة البركة للاعلان الزميل عماد آل جلال والشاعر عبد المطلب محمود.
لم يكن ضرغام سوى زوبعة من الافكار المتجددة، والاشتعال الخلاق، يرفض حتى نفسه ان خذلته ويحضن مناوئيه ان جابهوه بحقيقة هو غافل عنها، كان كتابا ناصع الاوراق، مفتوحا لكل فكرة جديدة، كريما، شجاعا، مثابرا، واضحا وحزينا. لا يمر يوم عليه الا وهو يكرر ( العن ابو احسن رائد بالجيش العراقي ) في اشارة الى رتبة امير الحلو الذي كان يحملها انذاك، واذا توتر اكثر فلا يتردد في ابدال الشتيمة الى ( العن ابو احسن بغل بالجيش ) ولا ادري أي بغل كان يقصد، يمرعلى مكتبي صباح كل يوم مستفسرا عما يعيق العمل وسائلا عن أي فكرة ربما ولدت في الليلة الماضية، ثم يغادر ليعود بعد قليل وهو يحمل في يده فنجاني قهوة لي وله وضحكة غائمة تغطي وجهه، وطالما مازحت ذلك الاسمر النحيل بسؤاله عن اخبار اقاربه في ميليشيا نمور التاميل لانه كان يشبه الخمير الحمر، وغالبا ما يكون جوابه بواسطة مسطرة طولها متر، كان يستعملها عندما يشعر انه فرح او حزين، وان كان خصصها من اجل تأديب المرحوم شاكر منصور مدير الاذاعة الكردية في اذاعة بغداد والذي دحرجته الايام ليكون جنديا معنا بعد ما غادر خانقين ملتحفا بحزن عائلي لا اود ذكره هنا.
كان ضرغام هاشم طفلا في روحه وثائرا كبيرا في همومه، يحاول تسريب ذاته الى كل من يظنه قريبا من الحقيقة، لا يحب مصادرة الاخر، بسيط وواضح في كل شيء، وطيلة ثلاث سنوات عشتها معه لم اره يائسا، ولا متقوقعا، بل يتدفق املا ورغبة في التقدم، يسرد حياته بكل تفاصيلها، ولا يخجل من اخطائه، كنا قريبين من بعضنا جدا، وان كان يستبقي هامشا سريا لا يبوح به الي لاسباب هو يحددها، واظن ان هذا الهامش كان بداية الفخ الذي سيق اليه، فعبر روايات كثسرة سمعتها سرا، لان الحديث عن قصة ضرغام كان من المحرمات خصوصا وان حقل الادب والصحافة في العراق كان اقرب الى حقل الغام منه الى حقل ابداع. استطعت ان ادون قصته الاقرب الى الحقيقة.
ففي يوم ما اختلفنا انا وابي هاني رحمه الله، ووصل بي الانفعال الى حد اني رفعت سماعة الهاتف الذي على مكتبي وضربت بها رأسي، وبدأ نزيف دم يغطي وجهي، لولا ان نقلني الفنان الرائع علي المندلاوي الى المشفى العسكري، وفي اليوم التالي لهذه الحادثة كان هناك استدعاء سري لي من احد ضباط مدرسة الاستخبارات العسكرية الواقعة خلف المسرح الوطني في الكرادة، فذهبت، واذا بضابط برتبة رائد اظن اسمه علاء كامل العاني يستقبلني ويشرح لي ان حادثة الخلاف بيني وبين ضرغام هاشم قد نقلت اليه عن طريق احدى الموظفات في الدائرة، وعرفت فيما بعد انها ساهرة نايف اخت رسام الكاركاتير وليد نايف، وعن اسباب استدعائي قال : اريد منك كل اخبار ضرغام وعدنان الصائغ، وبعد ان غادرت البناية اتجهت الى مقر عملي في مجلة حراس الوطن وكان ضرغام وعدنان الصائغ اول من علما بالامر، حيث اخبرتهما بما حدث، واظن الشاعر عدنان الصائغ ما يزال يتذكر هذه الواقعة، وطلبت على الفور مقابلة رئيس الدائرة وكان عبد الجبار محسن، وفعلا شرحت له انني ارفض هذا الاسلوب لانني لست جاسوسا لاحد، ولانني في المجلة من اجل صناعة الحياة وليس من اجل صناعة الموت، وطمرت القضية ولا ادري الى الان كيف تم التامل معها.
اريد من ذكر هذه الحادثة ان اقول ان ضرغام هاشم كان تحت سمع وبصر جهاز الاستخبارات العسكرية، وربما اجهزة امنية اخرى، سيما وانه يرحمه الله قد اخبرني في جلسات خاصة معه، كيف تعرض للاعتقال مرات عديدة اثر تركه العمل مع منظمة التحرير الفلسطينية عبر مكاتبها في الكويت، حيث كان يعمل في صحافة المقاومة الفلسطينية.
فارقت ضرغام بعد بعد حرب الكويت، وبالتحديد يوم 21 – 4 1991، حيث تسرحت من الجيش بعد خدمة استمرت من 2 -1 1979 الى 22 -4 – 1991، لاعود مدنيا ومدينا لكل من يعرفني، عائلتي بلا مأوى، وافواهها بلا خبز، لا املك الا الخيبة، فطلب مني – رحمه الله – ان اعمل معه في مكتب للاعلان كان قد اسسه، ويقع في البناية التي يشغلها الان مكتب البركة للاعلان والذي يديره الصحافي السابق عماد آل جلال، فرفضت لانني لا املك مقومات هذا العمل، فلجأت الى زاوية في شارع الرشيد عند منطقة رأس القرية ابيع فيها السكائر والكبريت، واتوارى عن وجوه زملائي الذين يمرون مصادفة من امام زاويتي المنفى، ليس لي علاقة بالصحافة، لا اقرأ، ولا اكتب، فوراء جدران الغرفة التي كنت اسكنها وعائلتي الفتية اربعة افواه تنتظر خبزها لتنام، اعود ليلا وفي جيب قميصي 7 او 8 دنانيرهي كل كنوز الدنيا عندي، لان خبز يوم غد قد صار مضمونا.
زارني مرة بسيارته البرازيلي ذات اللون القهوائي محاولا اخراجي من قوقعتي، وقال يا حاتم ستعرض علي يوما ما ملايين الدنانير كي اعيد لك نسخة ديوانك الذي اهديتنيها، لان هذا الديوان سيكون وسيلة لادانتك، وان كنت مجبرا على كتابته، فانت تعلم انني مؤيد في الحزب، وتعرف ان مسؤولي هو الخطاط والصحفي الموصلي ادهام محمد حنش، ولكننا انا وانت واخرون من زملائنا لا سبيل لنا الا ان نداهن بالكتابة لتمجيد اشخاص، اما الكتابة للعراق فانها شفاعتنا التي نتشفع بها امام الله والتاريخ.
بعد ثلاثة اشهر وبينما انا في باص يعبر منطقة علاوي الحلة في بغداد، فاذا احد زملائنا المصححين، يستقل الباص، وبعد كلمات المجاملة سالته عن اخبار ضرغام هاشم، فعض شفته السفلى وهي اشارة لقطع الحديث، وبعد ان ترجلنا، اخبرني ان جهة امنية اعتقلته، بعد ان كتب عمودا صحفيا في احدى الجرائد، ولم يزد بالتفاصيل !
لقد ظلت صورته تملا جمجمتي طويلا، وانا احاول الاتصال باصدقائنا المشتركين للسؤال عنه، ولكن كلما اتيحت لي فرصة كهذه كان الجواب ياتيني مبتورا غامضا ولا يتجاوز الكلمتين او الثلاث، وكان استغرابي ينمو بشكل سرطاني عندما اسأل اللذين التصقوا به حد التطفل، فعرفوا كتاب اسراره كاملا، ولكنني استطيع القول الان ان ضرغام هاشم كان يعلم ان لدى هؤلاء الطفيليين معلومات هو يحتاجها بشدة، وظن ان طريق صداقتهم يمر بالمعدة فاطعمهم ورعاهم، ولكنهم كانوا اكثر ولاء لمن نصبهم – وهم الاميون – مسؤولين ومدراء، في نقابات ووزارات عراقية !!!
كان فخا مضادا لفخاخ ضرغام التي يبدو انها كانت معطلة تماما
ولا استطيع الا ان اقول ان ضرغام يرحمه الله كان ذا علاقات نسائية واسعة، وبعضها غامض ومشوش، وهذه ثغرة ثانية كنت دائم التنبيه لها، ولكنه لم يعرها ادنى اهتمام، لان النساء لا فعالية لديهن الا في الفراش !! والجبان الذي يخافهن، وطيلة كل هذه السنوات استطعت ان الم قصته حبة حبة، وانسج حكايته خيطا خيطا، بتؤدة وسعة بال وتدقيق، وهي حكاية وطن لا اكثر ولا اقل !!
لم يكن ضرغام عميلا لاحد، ولم تقبض يده درهما واحدا من وراء الحدود، انما كان حالما بالخلاص من خلال افكار يطرحها بدراية مدروسة، وكان يمول تحركاته ذاتيا ومكتب الاعلان الذي اشرت اليه كان وسيلة من وسائل التمويل، كانت له علاقات بشباب خليجيين لان والدته كما سمعت منه كويتية اما والده فهو ابن اعظمية بغداد، وابنه هاني من زوجته بشرى ابنة القاضي البغدادي المعروف، والتي انفصل عنها بعد ان ارادته لها، بينما هو اراد ان يكون للعراق !
لا اسرد أي معلومة هنا الا وسمعتها منه، انها امانته عندي، والذين شهدوا عملية اعتقاله نقلوها لي كالاتي ( بعد ان اتصل حامد يوسف حمادي وزير الاعلام انذاك بضرغام هاشم الذي هرب الى الموصل بعد نشر عموده الصحفي الذي تعلق على شماعته قصة القتل برمتها، اتصل ضرغام بالوزير والزير حامد حمادي وطلب توضيح الموقف فما كان من جمادي الا ان قطع عهد شرف بان لا يمس ضرغام أي سوء، ودعاه للقدوم الى وزارة الاعلام لمقابلته، وعندما استجاب ضرغام وحضر في اليوم المخصص ليكون ضمن المنتظرين في استعلامات الوزارة، قال لصديق مشترك لنا نحن الاثنين " اتعلم يا.... اني اكلت الفاكهة التي طالما حلمت بها فجة " وهنا دخل ثلاثة من رجال الامن الى قاعة الانتظار وقالوا للمنتظرين : من هو الصحفي الذي لديه موعد مع الوزير، فنهض رجل ستيني وقال انا، فاجاب رجال الامن لا لست انت، هناك اخر اكثر شبابا واطول لسانا، فنهض ضرغام وقال انا، واسند ظهره الى جدار القاعة كي لا يؤخذ من الخلف ولكن ضربة من اخمص مسدس احدهم طرحته ارضا، فكبلوا يديه الى الخلف، وافرغوا جيوبه من كل ما تحتويه من اوراق وهويات والقوا به في الحوض الخلفي لسيارة نوع نيسان كانت واقفة في باب الوزارة، ولم يره احد منذ تلك اللحظة.
وللتاريخ اقول ان الصحفية الرائعة نرمين المفتي، وبما تمتلكه من علاقات خاصة، قد بذلت المستحيل من اجل انقاذضرغام ولكنها فشلت، حيث كانت تزور مدير الشعبة السياسية في مديرية الامن العامة، ومدير امن بغداد، وتقدم كل ما يسند وضع ضرغام من ادلة ولكن دون جدوى، وكانت كل تحركاتها تلك سرية وشخصية، كما ان امير الحلو وصحفيين اخرين التقوا صدام حسين واشاروا باستحياء الى قضية ضرغام، ووعدهم وعدا مبهما، ولكن مضى بدون جدوى، حيث يبدو ان الجهة التي اعتقلته قد نفذت به حكم الاعدام سريعا.
والسؤال الذي سيبقى يحفر في الذاكرة هو : هل اعدم ضرغام بسبب مقال كتبه ام ان للامور وجها اخر غير مفضوح.؟ وساذكر ثلاثة تفصيلات اظن لعبت دورا في اعتقاله واعدامه
1-بعد النجاح السريع الذي حققته مجلة حراس الوطن في صدورها الاسبوعي، بدأ يتردد على مقر المجلة شاب عسكري من الامن الخاص اسمه نزاروكل الذين عملوا في المجلة يذكرونه، ولا ادري هل هذا اسمه الحقيقي ام لا، وكانت حجة حضور هذا الشخص انه مكلف باصدار مجلة خاصة لدائرته ولكون مجلة حراس الوطن تتبع وزارة الدفاع اداريا، فانه يريد الافادة من خبرة سكرتير التحرير، وفعلا نشأت علاقة بين هذا الرجل وضرغام، كان شكل هذه العلاقة يوحي بالمهنية، ولكنني اظنها ليست خالصة لتكرار الانفراد بضرغام في اماكن لم يكن باستطاعتنا معرفتها، ولكون ضرغام لم يتحدث بها على انها اشياء هو يقدرها.
2- استطاعت بنت لا دخل لها بالصحافة واسمها احلام اللامي الاستحواذ على ضرغام بغنجها، ولدى تحققي من اتصالاتها اتضح لي انها على علاقة باحد حراس علي حسن المجيد ايام كان وزيرا للحكم المحلي، وقد استطعت في احدى المرات ان ارى ذلك الحارس، بعد ان توسلت باحلام اللامي ان تتوسط لي عنده لاحصل على قطعة ارض، وقد حذرت ضرغام من هذه العلاقة ولكنه بقي عند رأيه ( النساء للفراش فقط والجبان من يخافهن ).
3 –كان هناك مجموعة من الاميين الذين يحيطون بضرغام، يعملون معه في المجلة، واثناء انتفاضة اذار عام 1991 كما تقول رواية لرجل ثقة، اراد ضرغام ان يستاجر بيتا في منطقة الغزالية حيث يسكن احد هؤلاء الاميين، المجندين من المخابرات العراقية، ليتخذه وكرا لحركته الحزبية التي لم تر النور، حيث كان الوضع الداخلي للبلد يترنح تحت ضربات القاصفات الامريكية والغضب العارم الذي عصف بمجمل المحافظات العراقية، وكان هذا الوكر معلوما للجهات الامنية العراقية بكل ما يدور فيه، وبعد الانتهاء من انتفاضة الجنوب تم التفرغ لكل يرى الحقيقة بوضوح.الذين حاولوا التعبير عن افكارهم.
لقد كانت حياة ضرغام هاشم التي شهدتها مزيجا من الثورة والرغبة والصدق، فينما كنت احتال على الموت بالذل، كان هو يذل الموت بالحيلة، صادقا حميميا، يحب الحياة بشجاعة، ويحلم بشجاعة، صبورا لماحا، يشكل مع صباح اللامي اروع ثنائي فكري مهني، ويشكل مع نرمين المفتي انقى اخوة داخل بيت اسمه مجلة حراس الوطن، كان مكشوفا لا يستر عيوبه، لا يتقمص دور الواعظ، يعرف اخطاءه تماما، كما يعرف ابنه هاني الذي البسه نظارة وهو ابن خمس سنوات كي يرى الاحداث بوضوح تام.


(*) موقع "صوت العراق" 30-10-2004  
 
البحث Google Custom Search