أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
بحثا عن بقايا الأحبة الحميمين

الدكتور عبد العزيز المقالح يرسم:
سبعاً وسبعين لوحة شعرية في (كتاب الأصدقاء)

اسم الإصدار : كتاب الأصدقاء
الشاعر: د . عبد العزيز المقالح
الناشر: دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت
الطبعة : الأولى 2002م


عبدالرزاق الربيعي

للصداقة في حياة الشاعر الكبير عبدا لعزيز المقالح معنى كبير في حياته , يشكل هذا المعنى ثقلا روحيا وفكريا واجتماعيا يجعل المقالح محاطا بمحبة الأصدقاء الذي يحيطهم بمثلها لذلك يرى زائر صنعاء مجلسه الأدبي يمتليء بالأصدقاء , شعراء واكاديمين ونقاد وفنانين , ومثقفين من مختلف الشرائح ,و كذلك مكتبه في جامعة صنعاء – أيام كان رئيسا لها- ومركز الدراسات والبحوث اليمني  , و بيته , لدرجة إنني كنت كثيرا مااتساءل : متى يسرق المقالح نفسه من الأصدقاء ليكتب  الشعر وأعمدته الصحفية , ودراساته وبحوثه الأكاديمية ؟؟؟ وغالبا ما يكون سعيدا بوجودهم , يوزع ابتساماته الشفيفة بينهم بالتساوي , ينهض لمعانقتهم , والترحيب بهم برشاقة, وفرح طفولي , بوجه بشوش وروح مليئة بالمحبة , هذه اللهفة للأصدقاء كان لابد لها أن تجد انعكاسا على كتاباته الشعرية وهذا ما وجدناه في جميع دواوينه  التي بدأها بديوان مشترك مع صديقه الشاعر عبده عثمان , في إجراء له دلالته , ويكاد لا يخلو ديوان من دواوينه من نص  يخص به صديقا ,أو يهديه إليه,
وفي واحد من أهم دواوينه الشعرية ( أبجدية الروح )  يقول بمرارة :
"الصديق الذي كان لي مات
خلف عنوانه ومضى راكضا
يتسكع تحت القبور الأليفة
بحثا عن الأصدقاء الحميمين
يااصدقائي الكثيرين , ياايها الطيبون:
اتركوني وحيدا
أفتش بين القبور الأليفة
عن صور لبقايا الأحبة والأصدقاء"
هكذا كان يرى العالم مقفرا كلما  سرق الموت منه صديقا أو غادره لسفر أو ...فيقيم حدادا شعريا  منسحبا إلى الداخل.
إن تجربته الواسعة في الأدب و الحياة , ومواقفه الإنسانية , ودفأه الروحي  , وحميميته : صفات جعلته يرتبط بعلاقات واسعة جدا لاحصر لها و في حوار أجريته في صنعاء مع الصديق الكبير المقالح سألته عن اثر الصداقة في حياته فأجاب "الزمالات والصداقات الكبيرة  تتجاوز التأثير الآني وأهميتها تظهر بمرور الأيام وهي تزداد رهافة وشفافية كلما تقدم بنا العمر , وحتى تلك الصداقات والزمالات التي غادرت عامنا بالموت أو الهجرة إلى الأماكن البعيدة تظل حاضرة في الوجدان متجذرة في الروح وبكل الإيمان والصدق لااستطيع أن أتصور عامنا أو عالمي الخاص خاليا من صلاح عبدا لصبور وأمل دنقل وزكي بركات وعبد اللطيف الربيع , ومن الصعب بل من المستحيل تحديد الملامح والظلال التي تركها الأحياء والأموات من الأصدقاء في الروح أو التجربة "
إذن الصداقة  ملمح  جمالي مهم في تجربة المقالح , وقد توجها بديوانه الجديد الذي حمل اسم ( كتاب الأصدقاء ) الذي صدر مؤخرا عن دار رياض الريس  في بيروت ليكون سفرا ( في الحب والصداقة )
يتألف هذا السفر الشعري من سبعة وسبعون لوحة شعرية عن سبعة وسبعين صديقا ونماذج من إبداعاتهم الشعرية والنثرية  لأصدقاء ارتبط  بعلاقات معهم عبر الزمان  أحيانا والمكان أحيانا أخرى , وقد دون في كل لوحة انطباعه عن ذلك (الصديق )  على امتداد صفحتين ويورد في  الصفحتين التاليتين للوحته  مقطعا من إبداع ذلك الصديق  , ففي لوحة ادونيس يقول:
شاعر يجمع الأرض والشمس
بين أصابعه
يجمع البحر والنهر في مورق
من فضاء قصائده
إلى قوله :
مهيار
ها أنت في صيغة الجمع
أم أنت جمع على صيغة المفرد المتفرد؟
حيرتني – أتذكر –
انك حيرت كل الذين أحبوك
كل الذين على قلق خاصموك
كأنك نهر يخبيء أسراره خلف موج الكلام
يسير ببطيء ليشرب من مائه العذب كل الأنام

ويختار لادونيس من ديوان( مهيار) مقطعا يضعه بين قوسين :
( امض ابتعد واحتضن الأمواج والهواء
واحمل على أهدابك السحاب والبروق
ولتنكسر وراءك
مرآتنا , ولتنكسر قارورة السنين ....
إلى آخر المقطع , وهكذا بالنسبة لبقية الأصدقاء: المعري , النفري , احمد شوقي ,سليمان العيسى , السياب , البياتي , الملائكة,البر دوني , درويش , حاتم الصكر , كمال أبو ديب , سميح القاسم , إسماعيل الوريث , زيد مطيع دماج , عدنان الصائغ , شوقي بزيع, علي الشلاه , قاسم حداد , الفيتو ري , عباس بيضون , علوي الهاشمي ,حميد سعيد ,شوقي عبدالامير , محمد الغزي , احمد العواضي... الخ
ومن خلال لوحاته الشعرية يدون لواعجه و يبث أسئلته الوجودية , فعندما يخاطب صلاح عبد الصبور الذي يصفه بأنه ( ملاك يطير بأجنحة الشعر )  يتساءل:
"يا صديقي:
لماذا تعجلت موتك
واخترت أن تشرب الكأس
منفردا؟
أنت من كان يؤثر أصحابه
ويقاسمهم – في المودة-
ورد الحياة"
وفي لوحة (عدنان الصائغ) يقول التي يرسمها من خلال تأمله في تجربة الصائغ الذي:
" يتأبط منفاه
في خجل
وانكسار ٍ
ويأوي إلى نفسه كلما أغمضت ْ
أعين الأصدقاء
يسألها ـ نفسه ـ
عن بلاد ٍ وراء الغبار
أحب فناجين َ قهوتها
مشية الفتيات الجميلات
أرغفة النهر عند الظهيرة
ماء الطباشير
صوت المدرس
وحده الآن
عار ٍ سوى من هموم تضيق بها الأرض
تركع تحت تشظي مرارتها
الصخرة القاسية !"

ويورد مقطعا من ديوانه ( تأبط منفى )  تأكيدا للمعنى الذي رسمه في لوحته الشعرية
وبذلك يمكننا أن نعتبر( كتاب الأصدقاء) ليس كتابا واحدا بل كتابين , الأول :  ضم هواجس المقالح ولواعجه واشراقاته , وأشواقه التي يبثها من خلال صور يرسمها للأصدقاء الذين كثيرا ماالف صحبتهم  , والثاني : كتاب مختارات لأصدقائه الشعراء والكتاب الذين  طالما تغنى بإبداعاتهم ليعطينا سرا من أسرار صداقته لهم , حيث هموم  الكتابة هي القاسم المشترك بين المقالح وأصدقائه , فاتحا نصه الشعري  على الأجناس الأدبية  الأخرى مواصلا مابداه في –كتاب صنعاء-  و- كتاب القرية-   من خلال الاشتغال على ثنائيات : الشعري والنثري ,اليومي والفلسفي ,الماضي والحاضر ,الواقعي والخيالي , الذاتي والموضوعي  , اللغوي  والفكري , موسعا من أفق القصيدة لتكون لوحة على جدار تجربة , و الديوان الشعري ليكون كتابا جامعا  , فذابت القصيدة لتحل محلها اللوحة , واختفى العنوان لتكون الأرقام بديلا في – كتاب القرية – وأسماء الأشخاص - في –كتاب الأصدقاء- والاشتغال على بؤرة مركزية واحدة تكون مثل المجرة التي تدور حول فلكها الكواكب , ففي كتاب صنعاء كانت صنعاء بؤرة مركزية بتاريخها وشوارعها وعمارتها وجبالها ووديانها , وفي –كتاب القرية- كانت القرية والطفولة بؤرة شعرية  حرضت مخيلة الشاعر وحفرياته , وفي – كتاب الأصدقاء – كانت الصداقة التي قرنها بالحب – حسب اوكتافيو باث – باعتبارهما عاطفتين متقابلتين ..وكلاهما عبارة عن علاقة شخصية حميمية وجدانية  , ومن هنا فكتاب الأصدقاء مدونة شعرية تزخر بالوجدان , وتحتفي بالجمال الروحي والفني , والأشخاص وصداقة الحرف .


(*) نشر في موقع كتابات 13-7-2003
 
البحث Google Custom Search