أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
دثار الشوق لما تبقى من الوطن والأصدقاء

توفيق التميمي
- بغداد -

إلى الصديق الصائغ عدنان مع الاعتزاز
على هامش وجوده في أحضان الوطن

كيف أُقدمُ شاعراً أحترقت أَصابعهُ في حبرِ القصائدِ ووحشةِ المنافي؟ بأية دبياجة نُقدمُ من "خرج من الوطنِ والحربِ سهواً"(1) .. وعاد بحنين الشعراء وشوق المحبين إلى ضفاف نهر الكوفة و"جسرها" و"مقهى الشعراء" بعد أن غاب الشرطي والمخبرُ والجلادُ. ليفصّل من هذا الشوقِ دثاراً من المحبةِ لما تبقى من خراب وطنه ورماد حرائقه.
لا يمكن لشاعرٍ على هذا المستوى من الاحتراق أن نقدّمه إلاّ برعشةِ قصائده وأسمائها ومنجزه الشعري وَحدهُ دون سواه.
من "جسر الكوفة"(2) تمتم بالقصيدة، وعبث بأبجديةِ المعرفةِ الأولى.. وعند منتصف العمر جَذبته عاصمة الحربِ والقتل والسحل فعاقرها بالشعر والمحبة ودفء الصداقات.
وقبل أن تكتمل فصول محبته لعاشقةٍ "تنتظرُ تحت نصب الحرية" كانت الحربُ قد حَطمت "مراياهُ" على "شَعْرها الطويل".. وتركته مأخوذاً بخرابها وحرائقها:
"ياسماءَ العراق..
أما من هواءٍ..!؟
تلفّتُ.. كانت سماءُ العراقِ، مثقبةً بالشظايا" (3).
وبين سماء مخرمةٍ بالرصاص ووطن بطول الخنادق والحروب التي ستأتي تباعاً خرجَ الشاعرَ سهوا من الحرب إلى تخوم المنافي.
وكَظمَّ ذلك كله بملحمةِ "أوروك" وكأن جُرحَ العراقِ وحرائقَ الأسماءِ والذكريات وعويل الوطن لاستوعبُهُ إلا ملاحم الفحيعةِ..
أدارَ ظهَره لغوايةِ السلطان.. وحرّم على نفسه جوائزَهُ السخية في حميم المحنة وداخلها. أختار أن "يروّض الأفاعي السامة" (4) بمكر القصيدة "هذا العالم أسلاك شائكة حول الكلمات.. فحاول أن تتسلل. رواغ موتك كي تحيا.. زاوع شرطيك كي تكتب" (5)
وبعد ان تسلل من عيون الدرك على الحدود.. وغافلَ الرقيبَ وظِلَّهُ الثقيل وبلغ شواطئ النجاة.. لم يدّعيّ بطولةً ولم يُزايدْ على محنةٍ.. وأكتفى بحياء قصيدته التي بَيّضت وجههُ في الوطن والمنفى.
قصيدتهُ التي ظَلتْ عصيةً على غواية الحداثة وجاذبية الشعر النثري أختارت "الانفلات" عن الحداثة في وقت كان الدمُ يغطي حتى شراشف نومنا" (6)
في هذا الخيار كان الشاعرُ متيقنا من رهانهِ على وضوح الشعر وبساطته واللغة التي تحتوي الواقع وتعبر عنه بجمالياتٍ يتذوقها عمال الطابوق، القرويات "لماذا يا ابن الصائغ تكتب أشعاراً واضحةً يفهمها عمال الطابوق، البسطاء القرويات، لماذا أنزلت الشعرَ من الأبراجِ العاجية نحو الحارات الشعبية" (7) دون سعي منه نالت قصائده "جائزة شعراء المنفى"... ودون أن يفكر بالنجومية حصلَ على "جائزة مهرجان الشعر العالمي في روتردام".. غَيرَ أنه لم يبال كثيراً بذلك.. لكنه أبتهج غاية الإبتهاج لما عَرف بأن قصيدتهُ السرية قد نجحت بالتسللِ من بين مفارز الحدود.. وقُرأت أستنساخاً في شارع المتنبي. فكانت أعظم من جوائز الدنيا كُلّها.
وبعد أن "تأبط منفاهُ" (8) وعاد ووجد الأصدقاء والكوفة وحسن عجمي بالانتظار..
لندعه يُحلّق بنا شعراً.. تُرى ماذا سيقول "ابن الصائغ"، هذي الليلة لأحبتهِ وشوارعه وسمائه التي لم يخدش زهوها  دخان الحروب وأزيز الرصاص.

الهوامش:
(1) عنوان ديوانه الشعري المطبوع 1994 دار الهيئة المصرية العامة للكتاب.
(2) الكوفة مسقط رأس الشاعر، و"جسر الكوفة" ديوان شعره المنشور في بغداد 1986.
(3) مقطع من قصيدة "سماء في خوذة" من ديوان "خرجت من الحرب سهواً"
(4) تعبير أطلقه على الشاعر، الناقد سلام عبود في كتاب ثقافة العنف في العراق.
(5) مقطع من "نشيد أوروك" 1996 دار أمواج – بيروت.
(6) من حوار مع الشاعر لداوود أمين / دار لارسا - السويد ص6
(7) "نشيد أوروك"
(8) عنوان ديوانه الأخير.

بغداد 17/1/2004


(*) الكلمة التي قدمت بها أمسية الشاعر عدنان الصائغ في المركز الثقافي العربي السويسري - بغداد 18/1/2004
 
البحث Google Custom Search