أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
ثنائيات

ثنائية الشاعر / النص، وشيء عن الحرية

زعيم النصار
- بغداد -

نص

نسيتُ نفسي على طاولةِ مكتبتي
ومضيتُ
وحين فتحتُ خطوتي في الطريق
اكتشفتُ انني لا شيء غير ظلٍّ لنصٍّ
أراهُ يمشي أمامي بمشقةٍ
ويصافحُ الناسَ كأنَهُ أنا

(1)

إن عدنان الصائغ هو انسان طبيعي بشكل أن الحياة، عندما تجبره على التكلف، فأنه يتصنع بصورة مرتبكة ومتلعثمة، وغير متقنة، ليست إلاّ لتزيد براءته وعفويته سطوعاً لأن مزاجه لا يظهر بوضوح إلاّ عندما ترغمه الظروف على التصرف بما يتناقض مع فطرتهِ. وهو يشدّدُ على انتمائهِ إلى مسقط رأسه ويتغنى به.

(2)

يضيء لنا الشاعر عدنان الصائغ في هذا النص الشعري الذي ينزل إلى الطريق بلا علامات تنقيط حيث لا توجد فيه فواصل ونقاط، كلَّ أبعاد ودلالات تجربته الحياتية التي تسير بمشقةٍ شديدة بين الناس لتصافحهم. الناس الذين اعتبروه من شعراء الحرب الذين كتبوا عن أجوائها بحساسية عالية. والناس الذين اعتبروه من الشعراء المعارضين والمضادين للسلطة بكلِّ تفرعاتها. وهويين هذا وذاك يسير بنصه ولايريد سوى أن تُقرأ النصوص بنزاهةٍ وعمق.

(3)

في هذه القصيدة أن النص هو الذي يتحرك في الحياة شاخص وحقيقي يظهر على الشاشة في المكان الذي هو فيه ليبلغَ دفء الاحتضان. النص بعد ظهوره يوجد خارج حرية الشاعر.

(4)

الشاعر بعد ان تأبّط منفاه نرى أناه غائبةً في النص ومندمجةً معه هو يلغي ذاته ليترك الحيز بقصائده لأنا النص المخلوق منه يتجلى على بياض العالم. من هنا يكون نسيان الذات على الطاولة نفياً لها داخل النص. النسيان الذي يحركُ طاقةَ الخلقِ فيه، بهذا يصبح النسيان – خلقاً مستمراً للنصوص.

(5)

شؤال يواجهنا: هل ارادة الخلق هي التي تحرك الشاعر في هذا الوجود الغامض. وسؤال آخر يقول: اذا كانت هناك ارادة الخلق هي الفاعلة فلماذا لا يتطابق الشاعر مع نصه وينسجمُ فعلاً وقولاً، لماذا ينشطر الشاعر نصفين، يفكر بـ (لا) ويقول (نعم) أو يفكر بـ (نعم) ويقول (لا) هذا ما يجعل الذات العربية ذات مقموعة ومستلبة تحاصرها السلطات المتعددة من كلِّ صوب، فتحصل العمليات القيصرية لتوليد النصوص قسراً ويحصل الحذف والتشذيب والقطع والقمع.

(6)

إن وضع الشاعر الصائغ يذكرنا بوضع ريلكة الذي يصوره لنا في قصيدتهِ "الليلة العظيمة" حيث ينبئنا أنه مغلق ووحيد مع ذاته وقصيدته (وحتى الأشياء الأقرب لم تقم بأدنى محاولة لتصير معقولة) ينبئنا أنه هو القصيدة بحدِّ ذاتها. تُقرأ وتغلق.

(7)

الشاعر بزمنه وحياته سوف يغادرنا ولا يبقى منه سوى القصائد التي نحتكم إليها والنصوص التي نتداولها ونفتح معها أفقاً أعمق وأوسع لنكمل ما دوّنه لنا. هكذا تفعل الأجيال القادمة مع القصائد التي هي تاريخ الشاعر وسيرته.

(8)

ما نلاحظه في هذا النص الشعري الذي يتكوّن من خمس جمل بثنائيتن.. الثنائية الأولى: "نسيتُ نفسي على طاولةِ مكتبتي ومضيتُ، وحين فتحتُ خطوتي في الطريق" يستعمل الشاعر الفعل الماضي ثلاث مرّات: نسيتُ، مضيتُ، فتحتُ. النسيان، والعودةُ للزمن الماضي، والانفتاحُ على الحياة.
نرى أنا الشاعر تمحّي في الكلمات وتغيب متماهية مع حياة النص. هنا الأنا الخالقة تمحو ذاتها لتصحو على شكل نصٍ يسير بين الطرقات. الخالق يغيب ويختفي في فضاء النص بالرغم من وجوده عبر ضمير الفاعل في الأفعال الماضية الموجودة في الثنائية وهي تتمحور في النسيان الذي يخلقُ الأنا من جديد.

(9)

في الثنائية الثانية التي تتكوّن من ثلاث جمل: "اكتشفتُ أنني لا شيء غير ظلٍ لنص. أراه يمشي أمامي بمشقةِ. ويصافح الناس كأنهُ أنا" يستعمل الشاعر الفعل المضارع ثلاث مرات: "أراه، يمشي، ويصافح" في نوعٍ من لذةِ الاكتشاف ترى الأنا الخالقة أنها لا تساوي نصها أنما هي ظلٌ لهذا النص، هنا ينتقل زمن الماضي بلحظتيهِ المنسيتين إلى زمن الحاضر كاختيار واختبار وجودي وشعري. هي الأفعال المضارعة الفاعلة في الحياة والمتفاعلة مع الناس، إذ نرى أفعالاً مثل: اكتشف، أرى، يمشي، يصافح. الاكتشاف والرؤية والمشي والمصافحة، أعمال عميقة وحقيقية تعود لأنا النص. النص الذي يحاول أن يقرأ الاخرين ويتحد بهم بصدقه وحقيقته كلغةٍ بوجودها المتحرر والمبتعد عن سلطةِ الشاعر. النص المخلوق بزمنه الثري أطولُ عمراً وأكثر بقاءاً من عمر الشاعر وبقائه. هذا ما نراه في ثنايا النص الذي يمشي بمشقةٍ بين القراء وتأويلاتهم المتعددة.
الزمن الحاضر في النص، هو زمن لأنا النص الباقية الأزلية المتصلة في لانهائية الحياة والوجود. وزمن الشاعر، زمن الزوال والمغادرة والغياب هكذا يحاول الشاعر دوماً أن يعمّق توقيعه وأسلوبه وتفرده ويحاول أن يصافح العالم ليخلق ثنائيته الشخصية التي تغيب في يوم ما – الشاعر / العالم. لتبقى ثنائية النص. النص / العالم.
وبين النص وخالقهِ تبقى المرآة عاكسة عمق التطابق أو سطحه لهذا الشاعر يحاول في كتابتهِ أن يغلقَ الهوة بينه وبين نصهِ وهو يتحدث عن معناه ومعنى النص الذي يساويه.
يبقى يتأرجح بين المحو والصحو. بين الصدق والكذب. حتى تبزغ لحظة الحرية المتعالية.
في هذه اللحظة تضيق الفجوة بين الذات والنص وبين العالم والذات والعالم والنص إلى حدِّ التماهي مع بعض وفيها يجوز للشاعر أن يعلن أنه النص.
والعكس صحيح أيضاً.
هنا في هذا التحقق تحصل سعادة التماثل للشفاء من لوعةِ الاغتراب. في نهاية النص الصائغ يصافح الناس وكأنه النص.


(*) الكلمة التي قدمت بها أمسية الشاعر عدنان الصائغ في ملتقى الثلاثاء الإبداعي في مقهى الجماهير - بغداد 20/1/2004
 
البحث Google Custom Search