أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
قصيدة "نشيد أوروك" للشاعر العراقي عدنان الصائغ
نبوءة الشاعر

عبد الحق ميفراني
- المغرب -

• "نشيد أوروك" اختصار لكل ما مر على هذه الأرض من حروب وحضارات وطغاة ، يمتزج فيه التاريخ والأساطير والفلسفات والسحر والسير والتراث الفكر والإنساني والعقائد والجنس والأشخاص والأحداث ليشكل هذيانا مسعورا أقرب الى صرخة احتجاج أمام ما حدث" –  من كلمة الناشر.
• "هذا النشيد شهادة مرة كل ما مر بنا" إهداء الشاعر لكاتب هذه السطور.
• "نشيد أوروك أو هذيانات داخل جمجمة زرقاء لا علاقة لعدنان الصائغ بها" ص 1.
• "لا شيء... سيردم الفراغ الفظيع الذي خلفه الدم" - نيرودا ص 3.


اخترنا تقديم دراستنا بهذه العتبات والتي هي مؤشرات دلالية هامة قدمت نص نشيد أورك، الإشارة للهذيان تجلي نفسي لما ترغب الذات تشكيل جسد الشعري، والتأكيد على هذا المنحى رغبة خارج نصية ينحو من خلاله نص نشيد أوروك أن ينكشف ويتجلى كالجحيم. الجحيم هنا يملأ نهاية المعنى المقدم سلفا كمؤشرات لفظية دالة عند الرغبة في قراءة نص "أفسدته على ما يبدو" العتبات.
هل احتاج نشيد أوروك لهذه المداخل؟
ألم يعمق عنوان النص: نشيد + أوروك هذه الدلالة؟
ألا يمثل النشيد وجها تراجيدياً أخاذا كفيلا باختصار عمق شعرية الخراب والجحيم؟
ألا تكفي أوروك حين يصيغ الشاعر تركيبتها العجيبة؟

"خسرنا البلاد
خسرنا الأغاني
ورحنا نجرب المنافي البعيدة
نستجدي العابرين" ص 6.

الغياب هنا، يماثله حضور اللغة كوسيط لهوية النص ، هوية الشاعر التي تكتب فقدانها:

"لا وطن غير هذا الحنين" ص 7.

ولأنه وطن يختفي كجغرافيا، فقد أصبغ النشيد جغرافيته الخاصة لهذا الوطن الذي "تكنسه عاملة البار" فأمسى فكرة ، تبتعد بعيدا لتحضر كسيرة مزدوجة الوجه والمعنى: الشاعر والوطن ، هما ذهاب وإياب الطقس الروحي والذي كثيرا ما تحول لأسطورة..
إن النشيد خيمة الشاعر، لدا يتحرر كليا من الضوابط ويؤسس سننه النصية الخاصة داخله ، فعندما نصل لمقولة:

"هل علقوا في الفنادق خارطة الوطن العربي بأضلاعنا الناتئات ليبتسم السائح الأجنبي" ص 14.

تذهلنا هذه اللغة الجافة والتي تدخل في سياق تداولي عادي، لكننا أمام نص نشيد أوروك تتخلص هذه التراكيب من سياقاتها العادية لتتكبل داخل سياق جسد النص، نص كامل هو نشيد للمنافي.
ولا تمثل المقولة السابقة فرادة داخل النشيد، فثمة توظيفات لتركيبات جملية أخرى شبيهة:

"نفر الى الثورة الاشتراكية في مطعم الفول حيث المعلم يقلي لينين ويأكله قبل أن يدخل الصف" ص 15.
ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد فالشاعر عدنان الصائغ يعيد ترتيب العالم والوجود في نص مفتوح، لدا يوظف الشاعر نصه لإعادة هذا التركيب، ثمة منزع وقصدية ليس في أسطرة التفاصيل، بل في إعادة كتابة وجود يبدأ وينتهي في اللغة:

"لنزعم إنا ابتكرنا الوجود؟" ص 19.

ثمة توصيف قدري لنبوءة الشاعر، وبقدر ما يقدم نص النشيد معالمها الدقيقة، بقدر ما تلبس حلة الأسطورة وتتجلى:

"أعرف ليل الطغاة طويل كما سيقول الرواة وعمري قصير كما أخبرتني الحياة فكيف أرى الفجر، من أين يطلع فجر العراق وحرسنا كل يوم يعلون أسوارنا؟" ص 20.

تتجلى في انذغام شعري شفاف "وجوه الدكتاتور"، الوطن، الخيبة، الحرب، المنفى......لكنها أوجه لذات "لم تجد وطنا صالحا للبكاء". لذلك يصر الشاعر على جعل نص النشيد خيمة كونية / عالم نهائي، يملأ زواياه بوصايا شبيهة بالحفر، فمن حفر أنتروبولوجي إلى السيمولوجي إلى اللاهوت..
الجميع يلتئم في نشيد الشاعر الأول والأخير، ولأن النقد العربي لم يلتفت لهذا العمل الشعري بما يستحقه، ولأن طبيعة التوزيع تخضع لأمزجة خاصة، فنص نشيد أوروك لا زال مفتوحا للمقاربة والتأويل نظراً للغنى الدلالي الذي يحمله النص.
نص يحرص الشاعر أن يقذف في ثناياه جميع الطلقات، ورغب أن يعيد النصوص القديمة ألقها، بل ثمة إصرار على إحياء هذا النص / النشيد الذي "يكتمل".. نشيد يكتب جراحات الوطن، سجونه، عذاباته، طغاته، حروبه الحمقى، عيونه الساهرة التي لا تنام، مشاريعه المجهضة... وطن يجعل الشاعر يتساءل جازما:

"احرق أوراقك يا ابن الصائغ لن تجني من هذا العالم غير القهر" ص 56.

هذا ارتباطا بنقد ذاتي شعري:

"لماذا يا ابن الصائغ تكتب أشعارا واضحة يفهمها عمال الطابوق، البسطاء، القرويات، لماذا أنزلت الشعر من الأبراج العاجية نحو الحارات الشعبية" ص 64.

يواجه نشيد أوروك إشكالية البناء، فتركيبة نص النشيد تنفتح على قراءات متعددة، النص قصيدة واحدة بنفس واحد لا ينتهي + تتخلله نصوص أخرى إما شعرية، تراثية، أو من الحقل الميتولوجي.. ثمة وعي يؤرق نص نشيد أوروك هو سؤال الكتابة، لكنه يأخذ أوجه وإشارات سياقية شعرية متضمنة داخل نفس البناء العام.
12 سنة ، هي الفترة الزمنية التي جعلت نص نشيد أوروك يبدو مكتملا، نص يوميات شعرية يؤرخ لمرحلة شعرية كاملة ، نص يحتفي بجفاء بالمرارة.
مرارة التراجيدية بسحر النص الشعري ، شعرية المأساة بقدر تراجيدي مرير، يعيد الشاعر عدنان الصائغ نبوءة القصيدة، نبوءة الوطن.. الذي اختفى..  


(*) نشرت في موقع "كتابات" على الأنترنيت 11 ايـــار 2004
 
البحث Google Custom Search