أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
قراءة في ديوان

أغنيات على جسر الكوفة

حاتم عباس بصيلة

يظل الشاعر عدنان الصائغ شاعراً للبساطة والجمال. هذه البساطة الواضحة حتى في السلوك الاجتماعي. فعدنان الصائغ بسيط في علاقاته، خجول في كثير من المواقف وللخجل أسباب عديدة قد تتعلق بالعوامل البدنية المباشرة والحساسية الزائدة وغيرها من الأسباب الأخرى "من الجلي أن صاحب الحساسية الزائدة يكون دوماً ذا ذهن متوقد نير, وفصاحة باكرة سابقة لأوانها" (1) أن هذا الخجل مرتبط ارتباطاً كبيراً بالخيبة التي أكدها الشاعر في ديوانه "أغنيات على جسر الكوفة" وهذا واضح في كثير من قصائده.. فهو منسي من قبل (المرأة) "أو قد تنسى أعرف عادتها، موعدنا وتمر على بيت صديقتها – لا شي سوى تمضية الوقت" (2) وهو أيضاً يؤكد هذه الخيبة بوصفه الطفولة البائسة التي مر بها حيث يقول "وتجمع في دخلك الخشبي النقود لكي تشتري (البؤساء) وشرح الحماسة و(المتنبي)، وغيرك يلهو بخرجية العيد منتفخ الجيب حلوى!!" (3)، ففي الوقت الذي يرى الشاعر غيره منتفخ الجيب حلوى نراه يخاطب النفس "وتدري بأنك كنت تجوع الليالي لكي تشتري في الصباح كتاباً" (4) وكأنه بذلك يجد البديل لانتفاخ جيب الغير (من المترفين) حلوى بأن يمتلئ عقله أفكاراً ومواضيع عن حزن العالم فمنذ الطفولة كان الشاعر يحمل هماً كونياً إنسانياً في كتابته الشعرية، ولقد رسم في مدخل ديوانه معنى جمالياً رائعاً عندما صور الربط الجدلي في المعادلة الشعرية التالية "مشكلتي إني لا اعرف حداً للعالم حين احب وحين أجوع" (5) فالحب والجوع سببان متكافئان في تفجير الإبداع {المطلق} الذي لا يحده شيء على الإطلاق.. إن علاقة الشاعر مع الورقة، علاقة ذات مغزى عاطفي، وكأن الشاعر يعوض دون أن يدري المرأة بالورقة وبشكل رمزي حين يكون {القلم} للذكورة و{الورقة} رمزاً آخر للأنوثة "فالقلم والورقة" هما الشاعر والمرأة "قلم مر على ورقة، مر وما سلم ما احن لمفاتنها عنقه، لم يعرف ما بين حناياها القلقة، من شوق أخاذ للحب، ولم تفهم نزقه" (6) وبسبب الدفق العاطفي الفطري تصبح قصائد الشاعر قصائد تنساب في تداعيات مستمرة منذ لحظة الكتابة الأولى، حيث الابتكار في الصورة الشعرية الجميلة "وأمرّ قبيل الفجر .. على أزهار حديقتها الثمها غصناً وأقول لعصفور مر يغني خذ قلبي تحت جناحيك" (7) و{العمر قصير اقصر من فستان مراهقة، عبرت واجهة المقهى، تتبعها النظرات الولهى} (8) وهنا في المقطع الأخير نجد ظاهرة واضحة تماماً هي ظاهرة التأسف على العمر القصير. ولكن الشاعر رغم ذلك لا يملك غير تراب البلاد {وما كنت املك غير تراب البلاد يسافر بين الضلوع} (9) وفي الوقت الذي نرى البراءة واضحة في الكثير من المواقف الإنسانية التي ارتأى الشاعر أن يصورها نجد تناقض العالم المحيط به "هل تعرف أن حضارة هذا العالم يحكمها السكين" (10) وطبيعي لا تعرف (المرأة) التي يقصدها الشاعر طبيعة هذا العالم!! ولأن الشاعر خابت آماله في كثير من الأحيان مع المرأة فقد لجأ إلى بث همومه إلى (الاصدقاء) رغبة منه في بث لواعجه ومحاولة من ناحية أخرى لتخليد بعضهم من المنسيين. ولقد كان من الأصدقاء من استشهد فكان للشهادة دور كبير في شعره، فلقد عاش الشاعر الحرب بشكل كاف فأعطى انطباعاً عن المأساة الممتزجة بلذة التضحية من اجل القيم الإنسانية النبيلة باسلوب شفاف. ففي الوقت الذي يحكم فيه العالم السكين، يصور الشاعر المأساة بأعذب اسلوب !! وكأنه بذلك يؤكد أن القيم الخالدة تذوب قسوة العالم الصخري القلب كما الماء!! {ومن قبل عشرين مرت، كومض السجائر لم تنطفئ حسرة خلفتها ضفيرتها العابثة، اما زلت زعلان من طلقة فلتت من يديك} (11) فهو بهذا الاسلوب يتحدث عن الشهيد (فاضل النجفي).
ولأن الشاعر يملك روحاً قريبة من روح البشر العاديين المتذوقين بالفطرة للجمال، نراه يدخل العادات والتقاليد الفلكلورية كما هو الحال في قصيدة (أمي) (12) ولكنه يبقى في غربة روحية كبيرة (ففي الزمان الرديء لا مكان للورد) (من يشتري الورد يا صاحبي في الزمان الرديء) (13) ولا تنسى هذه الغربة (الجرح العربي) (هذا زمن صار به الجرح العربي منابر للشعر وسوق قراد) (14)، لقد امتازت قصائد الشاعر بتصويرها (اللقطات السينمائية) كما هو الحال في (قصيدة زهرة عباد الشمس وقصيدة رسام وكثير من القصائد الأخرى.. أن شاعراً من طراز عدنان الصائغ يعاني من (الضياع) والتشرد في المدينة الكبيرة. فهو شاعر المصطبات والفنادق والحدائق العامة التي تغلق أبوابها في آخر النهار، ولأن الشاعر ضائع هكذا حفل ديوانه بأسماء أماكن كثيرة، مثل (حي الأنصار) (جسر الكوفة) (السراي) (الحارة) (جسر الصرافية) الخ.. كما أن المرأة التي انتظرها طويلاً في كثير من مواعيده معها لن تجيء لذلك تبقى روحه معلقة بالحلم الأزلي المتحرك نحو لقاء ما.. أن قصائد التداعيات من اخطر القصائد لأنها في بعض الأحيان تأكل ذاتها بسبب التكرار.. وهذه إحدى سلبيات قصيدة التداعيات ولا بد للشاعر أن يكون حازماً في التعامل مع الأفكار والصور الجمالية خوفاً من التكرار الذي قد يؤدي بالقارئ إلى الملل، كما أن الاسلوب الواضح في الكتابة الشعرية قد يقع في كماشة الاسلوب المباشر فيكون ضحية له. ولقد عرف عدنان الصائغ كيف يدخل إلى القارئ بشكل بسيط وواضح في حالة من الإبداع المتكون من عصارة روح الشاعر.. ولقد أغراه ذلك في غمر الاسلوب الغامض لدى بعض الشعراء المحدثين كما هو الحال في قصيدة (سأم الكاتب) "خمس قصائد شعر لم يفهم حتى اللحظة ماذا تعني وحشود مقالات".
لقد كان الشاعر في هذا المقطع من قصيدة (فوضى) متأثراً بقول نزار قباني "قلبي كمنفضة الرماد أنا، أن تنبشي ما فيه تحترقي" حيث يقول الصائغ "قلب كالمنفضة المملوءة بالأعقاب يغطيه دخان الكلمات".. وفي هذا مدعاة للتأمل والتفكير حول توارد المعاني بين الشعراء، على أن الشاعر عدنان الصائغ يبقى شاعر اليوميات الجميلة وشاعر البساطة في الجمال..!!

• ديوان أغنيات على جسر الكوفة / منشورات آمال الزهاوي / 1986.



الإشارات:
1. دائرة المعارف السايكولوجية / المجلد الأول / تغلب على الخجل ص 13 / الحساسية الزائدة.
2. قصيدة (سماوات للحب) ص 17
3. قصيدة (تداعيات أمام باب القصيدة) ص 18
4. نفس القصيدة ص 19
5. قصيدة مدخل ص 5
6. قصيدة مصادفة ص 9
7. قصيدة سماوات للحب ص 15
8. قصيدة (اغنيات لها) ص 24
9. قصيدة تداعيات أمام باب القصيدة ص 21
10. قصيدة سماوات للحب
11. قصيدة مقطعان من حياة الشهيد فاضل النجفي ص 49
12. ص 26
13. مقطعان من حياة الشهيد فاضل النجفي ص 51
14. قصيدة خمسون قذيفة هل تكفي ص 74


(*) نشرت في صحيفة العراق – بغداد ع 5437 في 15/2/1984 ص4
 
البحث Google Custom Search