أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
أكون أو لا أكون

قضية العراق أم عدنان الصائغ؟

فضل خلف جبر

يجد المرء نفسه في حيرة مطبقة في متاهة: ما الذي يمكن فعله ونحن نرى بعض أدباء العراق ومثقفيه وهم يزجون بأنفسهم في جدل أقل ما يقال فيه انه عقيم، وان من شأن مثل هذا الجل، الذي لا يضيف أي مجد لأحد؛ انه قد يلحق ضررا بالغا بمصداقية المتجادلين، خصوصا اذا ما وصلت الأمور الى درجة حرجة مثل " أكون أو لا أكون" أو " عليّ وعلى أعدائي". . فسيقول عبد الزهرة الركابي أو علي رشيد أو ناصر الحجاج أو سواهم شيئا وسيرد عدنان الصائغ أو سواه، ويرد هذا فيجيب ذاك....وهكذا دواليك.. سيظل الجميع أسرى هذا الاحتقان القسري الذي لا يتناسب مع سعة الأفق الذي يتوفر عليه جميع الفرقاء.
شخصيا وجدت حرجا كبيرا في الكتابة حول هذا الموضوع بسبب الحساسية الناتجة عن انني كنت أحد أصدقاء عدنان الصائغ القريبين خلال تلك السنوات موضوع الجدل. لكنني، في الوقت نفسه، وان لم تجمعني مع الأخوة، في الجانب الثاني من النهر، سابق معرفة شخصية؛ فانني صديق متابع لأقلامهم الذكية، إذ طالما أسعدتني مطالعة نصوص ناصر الحجاج، رغم قلة المنشور له للأسف، وكم تلذذت بقراءة كتابات علي رشيد النثرية وهو ينافح عن العراق ضد كتابات البعض من الأخوة العراقيين الذين يحاولون لي عنق الحقائق والقفز على بدهيات المنطق. ان كتاب ا ناضجين بمستوى هذه الاسماء لا يمكنك الا ان تتعامل مع جدلهم بمنتهى الحرص والتعاطف.
أقول انني أجد نفسي في مأزق لا أحسد عليه نتيجة هذه الضغوط. ففي حمأة الجدل بين الطرفين المتخاصمين يكون من المتوقع ان أي داخل جديد في ساحة هذا الجدل سيتم تصنيفه، وبشكل تلقائي، أما مع أو ضد، خاصة من قبل عناصر الجدل. اذا، فالمأزق الذي أعاني منه هو انني لا أرغب، حقا، ان أكون مع هذا الطرف أو ذاك. وكل الذي أريد القيام به هو ان أكون شاهدا، وشاهدا فقط من أجل حقيقة تكاد أن تضيع في زحمة تدافع الفريقين.
ما أنوي الشهادة به ، اذن، هو جملة من التفاصيل التي تتعلق بعدنان الصائغ، كما عرفتها وعرفها آخرون غيري:
أولا: التحق عدنان الصائغ حوالي منتصف عقد الثمانينات بمجلة حراس الوطن/ القسم الثقافي، منقولا من الجبهة، فقد كان جنديا يؤدي الخدمة الالزامية، وكان برتبة عسكرية لا أتذكرها الآن ولكنها قطعا لا تتجاوز رتبة عريف أو نائب عريف في الجيش العراقي لا أكثر من هذا ولا أقل. وما زلت أذكر الدموع الساخنة التي بلل بها عدنان قميصي وهو يريح رأسه على كتفي لينفجر في بكاء مر حين كان عائدا في اجازة من وحدته العسكرية في الجبهة التي قضى فيها وقتا طويلا كغيره من العراقيين، كان ذلك خلال أحد المهرجانات الأدبية، وكنت حينها ط البا في الجامعة، وتم ذلك بحضور عدد من الأدباء بينهم عبد الرزاق الربيعي، الذي كان هو الآخر طالبا جامعيا. بعد نقله، أسوة بعدد لا يحصى من الأدباء العراقيين العاملين في مجلة حراس الوطن وجريدة القادسية، عمل الصائغ كمحرر في القسم الثقافي، ومن أهم النشاطات التي قدمها للثقافة العراقية حينها كان الملف المهم والخاص بالجيل الثمانيني، الذي يجد صوته مسموعا ومقروءا لأول مرة، وقد شارك في الملف أغلب الشعراء الذين يطلق عليهم النقد " شعراء الظل". ولا أريد ان أثير أي سؤال هنا حول طبيعة ونشاط دائرة التوجيه السياسي أو المعنوي ، لأن ذلك أمر بالغ التعقيد يتعلق بتركيبة النظام القائم أنذاك وطبيعة ظروف تلك المرحلة التي ألحقت بالبنية الاجتماعية والثقافية والنفسية للمجتمع العراقي أبلغ الأضرار. وهو أمر يجدر ان يناقشه أكاديميو ومثقفو العراق في الوقت المناسب وبشكل مسؤول وعلمي، وبعيدا عن أسلوب الانفعال واللاموضوعية وكيل التهم، وبما يذكرنا بمسلسل " محاكمات المهداوي" سيئة الصيت، أو أسلوب " التصفية" سواء المعنوية أو الجسدية التي مارسها النظام المنهار طيلة عقود. ونقول ان الأمر بالغ التعقيد لأنه ليس من المعقول أو المنطقي محاكمة جميع أدباء الع راق تقريبا، أو زجهم في السجون لأنهم ارتضوا معايشة النظام مثلا.
ثانيا: على حد علمنا، الذي يستند الى معايشة شبه يومية للصائغ، فان الشاعر لم يكتب أي نص مكرس لا لتمجيد الطاغية أو النظام أو الحرب، والأفق العام الذي كتب الصائغ نصوصه فيه هو أفق معاد للحرب بشكل قاطع. واننا نعزو سر الأقبال الكبير الذي حظي به شعر عدنان لدى شرائح مختلفة من العراقيين هو ذلك الحس الفجائعي الذي حفلت به نصوص عدنان، وهو ما كان يعبر عن الشعور الجمعي للقراء. كان الشعر الذي ينتج في تلك الفترة يمكن تصنيفه ضمن ثلاثة أساليب كتابية: أسلوب تمجيد الطاغية وماهو بمحاذاته من أدب كتب لأغراض تعبوية. ال أسلوب الكتابي الثاني كان ذا طبيعة تجريدية بعيدة كل البعد عن تفاصيل الواقع الجهنمي الذي كان يتقلب فيه العراقيون خلال الحرب مع ايران. ( وسنأتي على ذكر الأسباب وراء اختيار هذا الاسلوب الكتابي مستقبلا وفي بحث مكرس). اما الأسلوب الثالث فقد نأى بنفسه عن لزوجة المديح وهلامية التجريد، أسلوب كتابي يعبر عن الضمير الجمعي لشعب مقهور، وهو الأسلوب الذي شاع نفسه في كتابات عدد من الشعراء، وعدنان الصائغ واحد منهم، ليمثل خصوصية واضحة المعالم في المشهد الشعري العراقي.
ثالثا: لم يتقلد عدنان الصائغ أي منصب حكومي أو سياسي على الاطلاق، والمهام الادارية التي أنيطت به كانت ذات طابع أدبي صرف، كمحرر في القسم الثقافي في مجلة حراس الوطن، محرر في مجلة الطليعة الأدبية،( وكان عمله في المجلة كمورد رزق) رئيس منتدى الأدباء الشباب ورئيس تحرير مجلة أسفار، ونرى ان مناقشة موضوع المنتدى، كقضية، لا تملك ان تكون بمستوى أولوية يمكن معالجتها عاجلا من قبل العراقيين الذي لديهم من الأولويات الحقيقية ما يفوق الحصر. وعلى هذا الأساس فاننا لا نتفق مع شهادة أدلى بها أحد الأخوة الأدباء، مع ا نه، وللأسف، لم يفصح عن اسمه، وقال فيها ان عدنان الصائغ كان مديرا عاما في رئاسة الجمهورية، وهو أمر عار من الصحة، فرئاسة منتدى الأدباء لا تعطي صاحبها صفة مدير عام رئاسي بشكل تلقائي، وهذه الدرجة حصرية خص بها لؤي حقي وحده، وحين ترك لؤي المنتدى ذهبت صفة المدير العام كغيرها من الامتيازات التي كان يتمتع بها المنتدى، وبهذا فلم يكن الشاعران علي الشلاه أوعدنان الصائغ، مديرين عامين في رئاسة الجمهورية.
رابعا: لم يعمل عدنان الصائغ تحت أمرة عدي على الأطلاق، ولم يعمل في أي من المطبوعات التي كان يشرف عليها عدي اشرافا مباشرا.
خامسا: ان مسألة " طبع على نفقة عدي" هي قضية لاأخلاقية، كغيرها من الممارسات، التي ارتكبها عدي بحق العراقيين. وحجتنا في ذلك انه استهدف مجموعة من أنظف الشعراء والكتاب العراقيين والذين لم يتسخوا على الاطلاق بوحل رذيلة تمجيد النظام. اذن فقد كانت قضية كيدية أريد من ورائها تحقيق كسب دعائي لتحسين صورة ابن الطاغية. أقول ذلك لأنني استلمت رسالة في حينها من الشاعر عبد الرزاق الربيعي، وكنت حينا في اليمن، يخبرني فيها انه تقدم بديوانه، مع عدنان الصائغ وآخرين، الى دائرة الشؤون الثقافية لغرض النشر. ثم بعد طبع ا لديوان كتب لي والمرارة تقطر من حروف رسالته بسبب المقلب الذي وقعوا فيه، وكانت تلك هي البقعة الداكنة الوحيدة في تاريخ هؤلاء الأدباء.
سادسا: لم يتم تكريم عدنان الصائغ، وفي أية مناسبة، ولم يلتق بصدام على الاطلاق.
سابعا: لا أريد الخوض في مسألة فوزه بجوائز عالمية، لأنني أعتقد ان تلك قضية خلافية اذ ان من حق كل انسان ان ينظر الى نفسه بالطريقة التي يقتنع انها تناسبه. ويقينا ان للآخرين وجهات نظر مخالفة ولا بد من اللجوء الى وسائل أكثر حكمة وموضوعية لمعالجة مثل هذه القضايا الشائكة. وبهذه المناسبة نريد ان نسأل: كم من أدباء العالم يحلمون سنويا بالفوز بجائزة نوبل؟ وهل ان من فازوا ويفوزون بها يتمتعون حقا بالمزايا المطلقة التي تؤهلهم للفوز؟
قبل ان أختم شهادتي أريد التأكيد على مسألتين: أولا انني لم أتبرع بشكل مجاني للادلاء بشهادة يمكن الاستغناء عنها أودحضها، فشهادتي تكتسب شرعيتها من انني أقوم بواجبي الأخلاقي والأدبي للتاريخ والثقافة العراقية، فقد كنت واحدا من بين قلة قليلة من أصدقاء الشاعر. ثانيا: انني لم أقدم ما سبق بدافع عاطفي "اخواني" أو بدافع التقرب أو التزلف من عدنان الصائغ، اذ انني أؤمن ان الصداقة لا تلغي التاريخ ولا تكون بديلا عنه. وانني لست من الحماقة بحيث أنحاز لعدنان الصائغ ضد التاريخ، وهو الأمر الذي لم يستطع صدام حسين بك ل جبروته من ان يجعلني أفعل ذلك.
وفي الختام: أتوجه بتحية ود خالص لكل من الأخوة عبد الزهرة الركابي وعلي رشيد وناصر الحجاج، راجيا منهم وضع نهاية لهذا الجدل، الذي أعتقد، ويعتقد الكثيرون من المثقفين العراقيين انه طال. دعونا نفتح صفحة جديدة من حياة الثقافة العراقية. هل أذكركم بأن العيون والآذان مفتوحة ومتيقظة بانتظار ما يمكن ان يكتبه أو يقوله أو يفعله كل عراقي؟ أم أذكركم بأن جسد العراق مثخن بالجراح وينز دما وألما من أقصى جنوبه الى أقصى شماله ومن أقصى شرقه الى أقصى غربه؟
لا نطلب منكم الغاء هذا الجدل، شرط ان يكون شموليا وموضوعيا، فهو ضروري من أجل تطهير الثقافة العراقية التي لحقتها الكثير من الشوائب، لكننا نرجو تأجيل طرحه، فهناك استحقاقات كثيرة يجب التعامل معها حاليا: انه الوطن، الوطن بكل مفاصله وتفاصيله يمر بمحنة: أن يكون أو لا يكون.


نشرت في موقع "كتابات" 5-7-2003
 
البحث Google Custom Search