أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
خارج المسرح:

"يقظاً ظل غانم حميد في هذيانه"
رؤية كتابية لعرض مسرحي

علي الطرفي

عن هذيان الذاكرة المر القصيدة الطويلة لـ "عدنان الصائغ" تلك القصيدة التي تفجرت إلى مشاهد مسرحية لا زالت صورها عالقة في الذاكرة.. ولا زال في الأجفان بقايا دموع لم تجف بعد ذرفناها مدراراً على رحلة "عبد الله" الشاعر الذي اخترقت جمجمته رصاصة "القناص" وعن تلك اللحظة التي بدأ فيها "الهذيان من انطلاق الطلقة من فوهة بندقية القناص.. وحتى وصولها إلى الهدف الجمجمة، الشاعر، القصيدة.
ابتدأ العرض.. وبدأنا النحيب.. على أولئك الذين سقطوا في سوح الوغى وعيونهم ترنو إلينا وأيديهم تومئ إلى سعفات النخل, وتبرق من عيونهم صور زاهية لمدن ونساء وقصائد ولوحات ونصب ستظل شامخة تعبر عن ذلك الصبر الجميل الذي يكتنز في الصدور.
أن تكتب عن عرضٍ مسرحي لم تشاهده.. وليس هناك في ذاكرتك مشهد أو حوار أطلقه أحد مجسدي العرض وتكتب.. بل وتصرح علناً إنك لم تكن حاضراً وتمسك بالقلم وتكتب مسألة فيها نظر..
لكن يشفع لي في ذلك أني تابعت مراحل تطور النص منذ كان بذرة حلم في ذاكرة مؤسسيه.
كنتُ ضيف شرف في لقاءاتهم الحميمة.. وتارة أخرى ضيفاً ثقيلاً في صومعة "إحسان علي" أتابع غرس البذرة وسقيها ومراحل نموها.
"إحسان" يقرأ مقاطع متناثرة من قصيدة لـ "عدنان الصائغ" ومقاطع أخرى من قصائد لشعراء آخرين.
وغانم يسرح بعيداً.. يفتح جرحاً في ذاكرته.. ليرسم مشهداً صورياً لأبيات شعر من قصيدة ملتاعة..
تتحدث عن أولئك الذين غلفوا بأجسادهم نافذة الوطن خوفاً من شظايا الأعداء أن تمزق ثوب "العروس الوحيدة" كنا نذرف دموعاً.. من دم..
وكنت خائفاً على تلك البذرة أن لا تثمر.. وأشد ما كان يقلقني على ذلك الوليد القادم أن يخرج مشوهاً أو يعاني من عوق ما..
حينها خفت على نفسي أن تنتكس وينال منها الإحباط.. وأبتدأ العرض.. وأثمرت وخرج الوليد معافى وبقت عقدة الخوف من مشاهدة المسرحية على الخشبة بعد أن غادرت الأوراق، ملازمة لي..
وفي كل مرة أشد الرحال فيها إلى بغداد لمشاهدة العرض كان هناك شئ ما خفي.. أقوى من إرادتي وأكبر من لهفتي يشدني للبقاء.. وأبقى أعيش ذلك القلق المتوتر في متابعة أصداء العرض من الصحب القادمين من بغداد والذين حفظوا عن ظهر القلب كل حوارات المسرحية ورسخت في ذاكرتهم كل المشاهد.
أخيراً حزمت أمري ووصلت إلى باب مسرح الرشيد, لم أدخل إلى القاعة.. بقيت أنتظر لحظات انتهاء العرض ومغادرة الجمهور لأسترق السمع لهمهماتهم وتعليقاتهم..
لكن الجمهور لم يخرج تلك الليلة في الموعد المحدد, لم أطل انتظاري حتى خرج جمهور المسرحية يتقدمه موكب زفاف الممثلة "انتصار جمال" إحدى أبطال العرض..
عندها قرأت الفرحة المرتسمة على الوجوه والمختلطة مع بقايا الدموع التي ذرفها الجمهور داخل قاعة المسرح.
"أي عرض مسرحي هذا الذي يتواصل فيه الجمهور حتى بعد نهايته ليشارك ممثليه أحزانهم وأفراحهم"
مع تلك الفرحة ومع أهازيج العرس وموكبه المتجهة صوب فندق "المنصور ميليا"
صفقت بروحي..
وعدت أدراجي دون أن أشاهد العرض....
وكتبت..


(*) مجلة "أسفار" – بغداد - ع 16 أيلول 1993
 
البحث Google Custom Search