أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
قراءة في ديوان عدنان الصائغ:

(2)
قصائد الحرب

عبد الجبار داود البصري

ليس لقصائد الحرب في ديوان عدنان الصائغ أفضلية نوعية على أبواب الديوان الأخرى ولكنها الأكثر عدداً والأقرب إلى طبيعة المرحلة والأصدق في التعبير عن التجربة الآنية في حياته..
يبلغ عدد هذه القصائد إحدى عشرة قصيدة من مجموع تسع وعشرين قصيدة يضمها الديوان تهيء شواهد جيدة لنظرية "تين" في نقد الشعر ودراسته التي تؤكد على ثلاثة قوانين أساسية:
(1) قانون الفطرة الموروثة أو الجنس.. وأهميته في دراسة الآثار الأدبية والفنية..
(2) قانون البيئة أو الوسط الجغرافي المكاني الذي تولد في رحمه روائع الأدب والفن..
(3) قانون العصر أو الظروف التي لا يستطيع أي فنان أن يتجاوزها وينحي تأثيرها
فمن منطلق استمرارية الصلة بين الماضي والحاضر وتبادل التأثير بينهما يبدو عدنان الصائغ عربي الرؤية، عربي الوجه، عربي الذوق.. فهو حريص على إبراز قيم الكرم والوفاء والتضحية والمروءة. وهو حريص على أن لا تفقد قصيدته إيقاع الشعر العربي.. فلا توجد قصيدة خارجة عن عروض الشعر العربي ولا توجد قصيدة متحللة تحلالاً كاملا من القافية ولا توجد قصيدة عارية من الأصباغ البلاغية والبديعية التي تستعيد عافيتها اليوم تحت سماء الصورة الفنية. وإضافة إلى كل هذا وذاك..
الإحساس الحاد بأهمية المرأة..
يقول في قصيدة صباح الخير أيها المعسكر:

"تستفيق البنادق قبل العصافير، نركض فوق الندى والبطاح
نفلُّ ضفائر حلوتنا – الشمس – ننثرها خصلة
خصلة للرياح
وحين يصبُّ العريف حليب الصباح
ونقتسم الخبز والضحكة الدافئة
نراها تمشط في صفحة الماء خصلتها الذهبية
هنا نجمة.. سقطت من غدائرها
هنا زهرة نبتت بين وقع الخطى والصباح.. الخ.."

ففي هذه القصيدة كما في غيرها بناء موسيقي يمثل أصالة الذوق العربي، ونسيج فني يمثل الصياغة العربية، وتركيز على جماليات المرأة العربية الكلاسيكية ولكن هذا الارتباط العميق بالتراث لم يحل بينه وبين الحداثة، فإلى جانب القافية الموحدة كظاهرة شكلية هنالك قافية من نوع آخر تلملم شتات الصور والأفكار في عملية نمو داخلية تنتهي بضربة إيقاعية تختم القصيدة أشبه بقطرات ماء الورد التي تنثر على الضيوف وهم يغادرون الدار..
ففي قصيدة أزهار على ضريح الجندي المجهول (ص29 – 30) نجد هاتين القافيتين في أوضح صورهما:

"هائماً في فضاء العراقْ
باسطاً ظل جنحيه حيث المدى جسر ضوء يمر عليه
البراقْ
كان يأتي لحارتنا
يطرق الباب
في كفه مطر الله
والعشب والزمن المشتهى والخيول العتاقْ
هو والفجر في موعد، وله قبل أن تضفر الشمس خصلاتها، موعد، للعناقْ
لوّن الأرض من دمه، والثرى مسه فاستفاقْ
زهرة زهرة.. فكان العراق"

هذا الانتقال من الفضاء إلى الأرض، ومن الطفولة إلى البطولة، ومن مواعيد العناق إلى التضحية، وهذا التكوين الذي يتألف من كل ذلك زهرة زهرة.. يمثل موسيقى داخلية يتردد العراق في بدئها وختامها..
كانت كلمة العراق في البدء كلمة مكانية ولكن ورودها في الخاتمة يمنح كل حرف من حروفها ثراء ما بعده من ثراء..
ويبدو أثر البيئة واضحاً في كل قصيدة من قصائد عدنان الصائغ وفي بعض هذه القصائد تتصارع الأمكنة دون أن يلغي أحدها الآخر.. ففي قصيدة أغنية على سفح خليفان أحد جبال الشمال يستحضر الشاعر العديد من الأمكنة جامعاً بين السهل والجبل ومتلذذاً بذكر هذا المكان أو ذاك فكان للأسم وحده قوة سحرية تشع وتضيء بكل إيجابياته وظواهره ورؤاه:

"أتخيلها تتكئ الآن على الشرفة
والضوء المتسرب من بين غصون النارنج
يتساقط كاللؤلؤ فوق ضفائرها.
كانت تقرأ في ديواني عن سفح خليفان
ونهر الزاب
وعينيها الماطرتين
وتركض فوق مصائف شقلاوة
تنسى وردتها وحقيبتها في بيخال وتهرع كي تلقاني
يا نهر الزاب تعجل
وأحمل للمحبوبة في الكوفة أشواقي وسلامي"

إن للمكان في هذه القصيدة وفي غيرها من القصائد أكثر من وظيفة.. وفي مقدمة هذه الوظائف أنه يؤرخ حياة الشاعر ويقسمها إلى مراحل.. مرحلة الكوفة، ومرحلة مصائف شقلاوة وبيخال، ومرحلة الزاب وخليفان.
والمكان في هذه القصيدة وربما في غيرها من القصائد بنية قابلة للتحليل إلى عناصر جزئية عديدة.. فالكوفة هي الحب، وهي الأمس وهي حقول النارنج والنخيل. ويمكن تحليل سفح حليفان وغيره إلى مثل هذه المكونات المتعددة..
وللمكان في هذه القصيدة وغيرها وجهان.. أو حقيقتان.. فهو حقيقة واقعية يمكن أن نشير إليه على الخارطة. وهو منزلة لها موقعها في معراج الروح..
وفي مقدمة الآثار التي أحدثتها ظروف الحرب في بنية قصيدة الحرب عند عدنان الصائغ اكتشاف جماليات الناس البسطاء وازدحامهم في الشاحنة (عباس ومحمود وحسين.. الخ).. وحول الموقد وفي ساحة العرضات وغيرها..
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار ما ذكره الصائغ في قصائد المعاناة الإبداعية من عدم إدراكه من أين تأتي القصيدة وكيف تجيء؟ وفي أي موعد؟ يبدو من المتعذر على ناقده البحث عن بنية داخلية أو حبكة عامة لقصائده فلكل قصيدة قوامها الخاص ..
ومن خلال الموضوعات التي يختارها الصائغ تبدو قصائد الحرب أو التي كتبت في ظروف الحرب وجهاً بارزاً من وجوه القصيدة اليومية التي تروج هذه الأيام علماً بان جذور هذه الظاهرة أو الدعوة يمكن إرجاعها إلى ثلاثينات هذا القرن.. حين أصدر العقاد ديوانه عابر سبيل وكتب مقدمة له يدعو فيها إلى كتابة القصيدة اليومية ثم أرسى قواعد هذه القصيدة الشاعر أحمد الصافي النجفي.. ولكن هنالك فرق بين قصيدة يومية يكتبها العقاد أو الصافي وقصيدة يومية يكتبها سامي مهدي أو خزعل الماجدي أو عدنان الصائغ..


(*) نشرت الحلقات الثلاث في صحيفة "الجمهورية" – بغداد/ 1985
 
البحث Google Custom Search