المفردة الشعرية لدي الشاعر موسي حوامدة لها خصوصيتها ودلالاتها المشبعة بالجمالية الحسية وقدرتها علي النهوض في التقاط خبايا الأشياء والغور في عمق الحدث الذي تمليه اللحظة بوهجها.
الشاعر من مواليد فلسطين 1959 أنهي دراسته الجامعية في الأردن حصل علي جائزة رابطة الكتاب الأردنيين عن قصيدة (فراغات) صدرت له المجاميع الشعرية (شغب) و(تزدادين سماء وبساتين) و(شجري أعلي) ومجموعة (أسفار موسي)، التقته (الزمان) وأجرت معه هذا الحوار:
في أي فضاء تتحرك وأية عوالم تجذبك لكتابة القصيدة؟
ــ لا نستطيع ان نحدد الفضاء لأنه متغير كما قيل لا تستطيع ان تستحم في النهر مرتين لأنك متغير وماء النهر متغير، فالفضاء أيضاً متغير حسب الحالة النفسية للإنسان بشكل عام والمبدع بشكل خاص فمن الصعب تحديد الفضاء الذي أتحرك به، لأن فضائي متغير وحاله فضفاض بعيد المدي مرات قلق وطموح مستمر للتغير وفي مرات انكفاء للذت والعزلة فالفضاء دائما متحرك لأنه يمزج الأيديولوجي بالتنظير والحلم في الرومانسي وأحياناً الواقعي في السياسي لكن أستطيع أن أقول أهم عنصر في الفضاء والعوالم التي أتحرك فيها هي لا شك بالنسبة لي الأرض لأن الأرض التي ولدت عليها وهي فلسطين والفلسطيني سواء كان في الأرض المحتلة أعني تحت الاحتلال أو خارجها ربما يكون له تأثير كبير في حركة الفضاء والوطن الغائب والمغيب وبصراحة كنت أفكر عندما كنت في فلسطيني بأن العربي أحسن حالاً وحظا مني لأنني تحت الاحتلال ولكن بعدما خرجت اكتشفت ان معاناتي معاناة أي عراقي أو سوري أو مصري.. فزالت موضوعة الحسد للآخرين بكونهم مستمعين في أوطانهم، وأنا لم أملك شيئاً لا جيش ولا شرطة، وبالتالي لا املك وطناً وليست لي روح.. لو كان في بلدي شرطة ممكن أكون مدير مخفر ولو كان لي جيش ممكن ان أصير طياراً، حسدت العرب لأن عندهم جيوش ورايات ولكن في الآخر بطلت من هذه الحكاية وتحول الموضوع عندي إلي أزمة عربية وليست فلسطينية.
علي ذكر الأيديولوجي في فضائك الشعري هل تعتقد الأيديولوجيات في الوطن العربي الداخلة عليها والخارجة منهما ساعدت علي مرمطة المبدع في فضائه الإبداعي؟
ــ بلا شك لأنه أصعب شيء في الإبداع هو لي عنق اللوحة أو القصيدة وتأطيرها من أجل ان تتناغم مع ما يريده الرئيس أو الزعيم أو ما يريده الحزب وكثير من الشعراء الذين انتموا لأحزاب وعاشوا فيها وهذه الأحزاب ساعدتهم علي الوصول.. لكن كان لذلك ضريبة باهضة للشاعر انه يبدو دائماً بروليتارياً رثاً، ولكن عليه ان يبدو خشناً وصلباً وقاسياً ولحيته طويلة وممنوع عليه ان يكتب قصيدة في الحب أو في المجتمع أو حول الذات أو يتحدث في أشياء بسيطة وهامشية كأن يكون بحاجة إلي كأس شراب، لكن الحزب أطره بالكتابة عن النضال وعن السلاح والكفاح وبالرغم من أنني فلسطيني ولكنني أقول أكثر شيء خرب الأدب والشعر تحديداً هو المباشرة بدعوة الناس بحمل السلاح وأن يهبوا إلي قيام الثورة وهذا ما أرادته الأحزاب وهذا ليس شعراً ولا أدباً هذه خطابات تحريضية ليست لها علاقة بالأدب والثقافة وهذه الفترة من الفترات لا زلنا نعاني منها وخصوصاً أنها خلقت أسماء كبيرة أمامنا لم نستطع تجاوزها.
مهمة النقاد
هل تستطيع تشخيص هذه الأسماء؟
ــ لا هذه ليست مهمتي هذه مهمة المثقفين الحقيقيين وخصوصاً النقاد منهم وبرغم ان هذه الأسماء أصبحت كلاسيكيات وقواعد ثابتة، لكنك ملزم ان تكتب مثل ما يكتبون وإلا هذا ليس شعراً، أنا أعاني كثيراً لأنني لا أبحث عن الكتابة في التحريض وصلت إلي مرحلة انه من الغلط ممارسة هذا النوع من كتابة الشعر لان مهمة الشعر ليست التحريض.. مهمة الشعر ان يشعره للحظة التي هو فيها ويشعر الموقف الإنسان ان يشعرن حتي فلسطين عندما تأتي ضمن موقف أو حالة شعرية.
هل يفهم من هذا ان الأيديولوجيات خلقت أصنام وثوابت شاخصة من الشعراء مما أصبحوا بالتالي كأي عسكراتاري دكتاتور؟
ــ يا صديقي.. انهم في فترة من الفترات لم يخلق شعراء فقط بل خلقُ منابر تحت تسمية الثقافة وبروز نقاد فيها وخلق مدارس تعطي الامتيازات وشبه كتل تتحرك باتجاه هذه الأحزاب فمن الثقافة إلي الرياضة ضمن هذه اللعبة بدأ يتحرك المسموح وجعل هوامش للمسموح به، أنا استغرب كيف الشاعر يحمل سلطة ويتحرك ضمن هامشها.. الشاعر الآن من الممكن ان يجن بواقعه المرير، والشاعر يجب ان يكون لديه حدس ولديه نقد شديد للواقع الذي يعيشه.. والا كيف يكون شاعراً، إذا كان الشاعر يكتب بيانات حزبية وبيانات للحكومة فهو عاق وأصبحت وظيفته مثل حكاية ابن المقفع التي كان يحكي عنها في موضوعة الكتاتيب في بداية الخلافة الإسلامية التي كانت تسمي الديوان، هذا كاتب في الديوان يكتب رسائل فقط لما يريده الخليفة سابقاً والزعيم أو الرئيس الآن في الغرب هذه القضية محلولة لأن هناك محررا لخطابات الرئيس كما كان يفعل الرئيس الأمريكي كيندي عندما كان عنده محرر يتفق معه ان يستعير من كتابات براهم ليسكور لكن نحن وللأسف الشديد تدخل السياسة علينا مهيمنة وأقولها بصراحة وبدقة السياسات العربية أفسدت الأدب والثقافة وهيمنت عليها بالسوط.
الخضوع للهيمنة
في مشهدك الشعري والذي استطعت ان تنجز فيه أربعة مجاميع شعرية،هل خضعت تجربتك إلي تلك الهيمنة؟
ــ ضمن الوهم الكبير الذي خدع به أغلب الشعراء بدأت بداية تقليدية أي وطنية، قصائد ذات تفعيلة لن تمر منها المياه مفعلة تماماً ذات إيقاعية غنائية ومنبرية لكن بعد ذلك نتيجة تطور الوعي اكتشفت أنني أمارس خديعة لنفسي وان الشعر ليس قصيدة وطنية أو تحريضية ربما تأتي الوطنية أو فلسطين أو الخليل التي هي بلدتي ربما تأتي حاضرة دون قصيدة، وان لا تكون ضمن هذا الإطار، بعد هذا حاولت أن أبحث عن صوتي الداخلي، أنا ماذا أريد ان أكون ماذا أريد ان أقول لنفسي، حريتها كاملة لما تريد ان تقول وأجرب في كل الأشياء بدأت اكتشف كثيراً من الوهم الذي كان يضخ علينا ونحن صغار ليس علي صعيد الشعر فقط بل علي الأصعدة كافة، إذن هنا أصبحت تجربتي واضحة تماماً، وتغيرت فمن يقرأ مجموعتي الأولي ويقرأ الثانية يقول ان هذا شعراً مختلفاً ليست له علاقة بالمجموعة الأولي وحتي في المجموعة الثالثة، وفي مجموعتي الأخيرة ان ما أكتبه الآن وفي ما أكتبه فيما بعد يختلف عن ما أنجزه يعني هناك حركة وأنا دائم النقد لقصيدتي.
كيف تخضع قصائدك للنقد؟
ــ كثير من الأشياء التي أكتبها لا تروق لي قبل عملية النثر وهناك شقان في هذا الأمر الشق الأول عندما اكتب بعض القصائد هناك حالة نفسية تبشر بنتاج طازج وهناك حالة نفسية تبشر بشيء يكتب ويشطب بعد الكتابة انظر إلي ما اكتبه احسه لا يعجبني فأزيحه فوراً وهناك أشياء تعجبني في تلك اللحظة من الكتابة فأحتفظ بها واعيد قراءتها وقد انشرها وصدر بعضها في مجموعاتي، ذلك لا يعني أنني راضٍ علي كل ما صدر لي في مجاميعي الأربعة والآن لو أعيد طباعة تلك المجاميع ربما أعيد طباعتها في مجموعة واحدة.
هناك اتجاهات وحركات شهدها الواقع الشعري العربي وكذلك المجايلة، أين تضع نفسك فيها وكيف تنظر لها؟
ــ أنا غير معني في بهذه التقسيمات علي الإطلاق علي صعيد الوقت الحاضر هنا قصيدة النثر والتفعيلة وهناك جماعة تحتفظ بكتابة القصيدة الكلاسيكية، أحياناً أتراوح بين قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة أما المجايلة فأنا غير معني بها أيضاً وليست لي رغبة في تلك التقسيمات ولا رغبة أن أدرج فيها أنا أقدم قصيدتي واتمني ان تكون قصيدة، أتمني ان يكون شعري مختلفاً وتكون فيه نكهة ما الفائدة ان أكون من جيل الثمانينات، والألفيات وأنا لا أكتب شعراً جيداً.
موقف النقد من قصائدك وهل أنصفك فيها؟
ــ لا انتقص من قيمة النقد أبداً، ولكن النقد أقل من الإبداع.. والنقد فيه مشاكل عدة ومن مشاكله المستعصية أنه يبحث عن الأسماء الكبيرة كي يكون له مبرر لنشر مادته ويأتي الآن الأستاذ الجامعي ويطلب من طلابه ان يكتب عن صلاح عبد الصبور لماذا لأن اسمه يتردد دائماً أو يكتب عن تجربة بدر شاكر السياب، ولكن قليلا ما يكتب عن بلند الحيدري وتجربة بلند الحيدري غنية وكبيرة ومهمة وتجربة ريادية ومتوازية مع تجربة البياتي ونازك الملائكة وأنا انظر إلي تجربة الحيدري الشعرية بأنها أهم من البياتي ونازك ولكن رسخت في أذهاننا مشكلة خطيرة وهي عندما يراد ان يكتب عن أحد فيصبح شبه تعميم علي النقاد، نقادنا غير فدائيين ولا يريدون الكشف والابتكار عن الإبداعات الجديدة من الكتاب الشباب والنتاج الجديد، فقط يركز علي الأسماء الثابتة المعروفة ويريح نفسه من عناء المساءلة من زملائه وأقرانه وأذكر هنا قضيتي التي حصلت ان كثيراً من الكتاب كتب عنها، كان البعض يستغرب من ان كتاباً كباراً كُتبا عنها وكذلك الاستغراب من ان كتابا مبدعين كتبوا عن تجربتي الشعرية، وهل من المعقول ان يكتب عني بلند الحيدري أو صلاح فضل أو محمد الجزائري وطراد الكبيسي وحاتم الصكر، وكأن الأمر بالنسبة لهم مفارقة هم يريدون ان تحصل قطيعة بين النقد والإبداع ويجب ان يأتي نقاد أصغر عمراً منك كي يكتب عنك وهنا عقدة مركب النقص، ما معناه ان ناقد يكتبوا عن أودنيس ان لا يلتفت إلي تجارب الآخرين المهمة جداً هناك تجارب في العراق ومصر تحديداً، وكذلك تجارب مهمة في العالم يجب تناولها لكنهم يقولون هناك أزمة شعر الآن، أنا أقول ليس هناك أزمة شعر هناك شعراء عراقيون في الخارج شعراء كبار وكذلك في العالم العربي أسماؤهم غير معروفة لكن ليسوا بشعراء جيدين، وكأن النقد لا يريد الا ان يؤسس بما هو مؤسس عليه أو يرمم البناء القديم نقادنا ليس لديهم جرأة الريادة والابتكار.. خذ مثلاً الناقد إحسان عباس عندما كتب عن السياب ما الذي ميزه عن الآخرين الذي ميزه ليس النقد بل الخوض في جرأة الطرح، وكان إحسان عباس حينها يتوقع لخطوته بتناول السياب أن تواجه بمعارضة من قبل النقاد وعندما استقبل إحسان عباس بالحفاوة لخوض التجربة بدأ الآخرون بالكتابة عن السياب إلي يومنا هذا. انهم عندما يكتبون عن الأسماء الكبيرة غير خاضعين للأسئلة لأن هذه الأسماء مرسخة ومنزلة لكن عندما يأتي ناقد ويكتب عن هاتف الجنابي أو عدنان الصائغ سيسألون من هذا.. اعتقد ان مهمة النقد ان يكشف ويوجه هذه التجارب الحديثة في الوطن العربي ليس في الشعر فقط بل والرواية والقصة التي استطاعت في السنوات الأخيرة ان تتطور وتتبلور.
الدستور النقدي
تتفق علي أنه ليس هناك منهج نقدي واضح المعالم وجريء؟
ــ ليس هناك منهج نقدي، وليس المطلوب ان يكون مثل دستور الدولة أو دستور ميثاق الجامعة العربية يعني يجب أن يأتي الناقد العربي بنظرية جديدة وبحث مستفيض ليس من المفروض ان نعقد اجتماعا للنقاد أو تؤسس جمعية نقدية وأنا أستغرب ان في الأردن توجد جمعية النقاد وليس هناك مثل هذا الشيء.. هناك نقاد يجب ان يتميزوا فمثلاً كيف تميز إدوارد سعيد وكيف تميز النقاد العرب القدماء مثل الجاحظ لأنهم كتبوا نقداً سبق عصرهم وكتبوا عن أشياء أُرخوا لها وأرجع إلي تجربة إحسان عباس في تلك التي كانت فيها معارضة شديدة لقصيدة التفعيلة، لأنه كان طاغية الشعر التقليدي أو الكلاسيكي تخيل كم كانت معاناة إحسان عباس عندما نشرت كتبه النقدية، أنا متأكد من عارضوه علي ذلك كثيرون، لكن إصراره وجرأته في الإبداع أدي إلي ان يسبق عصره هذا هو النقد.
هل هناك قراءة للقصيدة؟
ــ نعم هناك قراءة للقصيدة، وأخالف صديقي القاص عبد الستار ناصر عندما قال هناك شعر يجب ان يقرأ من علي الورق وليس علي الجمهور أصلاً ما هي مهمة الشعراء ولماذا نكتب الشعر لأننا نسعي ان نغير في الذائقة العربية لأنها صارت مترهلة تقريباً لا تريد إلا ان تطرب علي الخليل وعنترة والمتنبي هذه الإيقاعات يستطيع أي أحد عندما يعرفها ان يصف الكلام عليها والذائقة العربية تعودت علي ذلك. ومن مهمتنا ان نغير في الذائقة وعندما يأتي متلقي الشعر إلي القاعة ان لينصت ويسمع ويتأمل ويفكر وينثر فيه السؤال ليس مهمة الشعر التطريب والاستئناس والتصفيق هذا من ضمن الوهم الكبير الذي حملناه الآن يجب ان ندرب هذه الذائقة ولدي مشروع في هذا الشأن.. ولو الذائقة العربية تحررت من ذلك الانحلال المربوط بها لتغير تفكيرها في الحياة، الشعر من شأنه ان يسحب الجمهور من أعناقه ويأتي به كي يسمع شعراً بنمط جديد هكذا هي قراءتي للقصيدة.
هل اللغة أصبحت عائقاً في توصيل القصيدة الحديثة؟
ــ لا اللغة لا تخفق ولم تكن عائقاً، اللغة هي أداء وهي مطواعة للشاعر والشعر، ثم الشعر ليس لغة وكلامات هناك ما هو وراء الكلمات وما بين الأسطر، وما بين الجمل هناك الروح الشعرية التي اختارت هذه الكلمة عن سواها لا نريد ان نذكر نماذج من الشعر العالمي دعنا في واقعنا القصيدة ليست فقط هو ما مكتوب علي الورق هناك قصائد قد تكون جميلة علي الورق ولكن عندما تسمعها في إيقاع ثان قد لا تبدو جميلة ولكن اللغة حسب قدرة الشاعر في تطويعها والمفردات لا تخيب الشاعر إذا كان الشاعر يمتلك موهبة حقيقية، وإذا كانت اللحظة الشعرية التي ولدت القصيدة هناك عوالم مذهلة وأسرار أنا لا أعرف ما هي، خلف هذه النصوص إذن اللغة غير عاجزة، اللغة العربية تستطيع ان تكتب فيها خطابا خلاقيا وملكيا ورئاسيا وتستطيع ان تكتب فيها خطابا دينيا وفي الوقت نفسه تستطيع ان تكتب فيها أغنية حديثة وقصائد علي طريقة سعدي يوسف (أو ريدسوس) وتستطيع ان تكتب قصائد عن مسجد الحسين ووسط البلد وعنك وعن مقهي السنترال واللغة العربية بالذات، وأنا ليس خبير فيها ولكن هذه لغتي وهي لغة تراثية وصحيح ان التراث يشكل أحياناً عبئاً لكن مهمتي ان أنجو من هذه القيود وابتكر مفردات جديدة.
قارئ النص
في كتابك للقصيدة تعتمد علي جزيئات التكثيف واقتناص اللحظات الساخرة، هل هذا نهج تؤرخ فيه لنفسك؟
ــ هذا ما قلته سابقاً انه مهمة النقد، حقيقة مهما كان الشاعر بعدما يفرغ من كتابة القصيدة يصبح قارئا للنص ولكن مهمة النقد الأساسية هي توجيه الشاعر إلي ملكاته، وأنا مدين بهذا إلي الناقد طراد الكبيسي، هو الذي نبهني منذ مجموعتي الثانية إلي قدرتي علي تكثيف اللحظة الشعرية وهذا هو المطلوب في الشعر وليس الترهل والحمولة الزائدة في اللغة والشاعر الحقيقي هو صياد ماهر، ولكن في قصيدتي مسألة أخري هو ان أعود إلي تأمل التراث والعقيدة السابقة أحس أنني ضحية لهذه العقائد ولذلك أعود إلي تفكيك الكثير من الموروث وأحاذر ان لا اقترب منها ولكن أصيب كبدها.
في ديوانك الأخير (أسفار موسي) استحضار إلي مدينة البصرة والمرأة العراقية، ما هو المحفز لهذا الاستحضار؟
ــ منذ كنت طفلاً في مدينة الخليل أحس باتجاه العراق بمشاعر غريبة أتخيل ملامح أهل بلدتي وكأنهم عراقيون كأنهم جاءوا من العراق أحياناً (الحطة الرقطاء والكوفية) التي تشتهر الآن بأنها كوفية فلسطينية هي ليست فلسطينية عراقية أتخيل عمي كأنه قادم من البصرة، أو الناصرية، أو من العمارة، ولأني أحب مطلع الشمس أشعر ان الشمس تطلع من العراق والعراق قطعة مني فعندما أعود إلي العراق وأسمع اللهجة العراقية أحسها لهجتي القديمة أشعر ان العراق في دمي عندما كتبت عن البصرة لأني أشعر بروحي التائه فيها وأن الفراهيدي والسياب وأمي فيها أنا لم اكتب عن العراق أنا اكتب عن جرحي لا أريد ان أقول لك اني احب فلسطين واحب العراق لا أنا احب العراق وكفي.
نعود إلي مجموعتك (شجري أعلي) التي اجتاحتها عاصفة كبيرة وكنت فيها (قاب قوسين أو أدني) كيف ينظر لها موسي حوامدة الآن؟
ــ أكذب عندما أقول لك ان الذي حصل لم يؤثر فيّ علي صعيد الاجتماعي والحياتي وعلي نمط تفكيري وكتاباتي، لكن لست نادماً علي ما حدث علي الإطلاق وأنا أحب كما قلت لك ان أفكك الأشياء فكان متوقعاان تأتي هذه أو غيرها من المشاكل وهذه ربما من النواحي الإيجابية لأنه دائماً أحب الكأس الملآن، جعلتني أكون اكثر حذراً وأفكر ملياً بعملية النشر وحتي مجموعتي الأخيرة (أسفار موسي) تم حذف الكثير منها من قبل الرقيب.ولكن بشكل آخر وهذه مهمة الشعر في المراوغة والانزياح لا أستطيع ان أتحدث في هذه المقابلة عما حصل من مشاكل من وراء ديواني (شجري أعلي) لكنه كشف لي الكثير من المآسي في الواقع الثقافي برغم حجم التعاطف معي كانت طعنات تأتيك من حيث لا تحتسب ومن بعض الذين كنت تتوهم بأنهم مشفقون ولذلك كانت هذه القضية مفصل بحياتي جعلتني أعيد صياغتي لبعض الأشياء وأنا كثير الأخطاء ولا أتعلم من أخطائي وأصدق الكثير وأتناسي الكثير والواقع الثقافي عندنا سيئ لأنه يشخص الأشياء بشكل ضيق ليس لديه معالجات كالبحث عن الدوافع وما خلفها أو في جوهرها أو جذورها سوء الثقافة العربية أنها تأخذ الشكل العام فقط، أنا بلغت السكين وسكت وعندما أعود إلي القضية وأتذكر الجوامع تتحدث عني والصحف تكتب ضدي ورابطة الكتاب تتردد بإصدار بيانها عني والمثقفين يحاولون ان يجس نبضك بمعرفة ماذا أفعل كنت حينها في حالة نزقة وهرمت خلال تلك السنتين ولكن هذا قدري وهذه أمتي جعلتني ان أكون عبرة لمن اعتبر.