أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
احتفالية الشعر والرسم في بلجيكا وهولندا
دع الشعر يقول ما عنده ودع المستمع يتفاعل بما يعرفه

ياسين النصير

بعد أن انتهت أيام الشعر والرسم في هولندا وبلجيكا والتي أقامتها مؤسستا (ثقافة 11) في بلجيكا يومي 24 و25 تشرين الأول (اكتوبر) ومؤسسة (أكد للثقافة والفنون والنشر) في هولندا يومي 27 و28 تشرين الأول (اكتوبر) جلسنا نحن أعضاء المؤسستين مع المشاركين في جلسات نقدية وحوارية لدراسة النتائج التي خلصت إليها هذه الفعاليات الشعرية والفنية، والتي اشترك فيها نخبة متميزة من الشعراء والفنانين العراقيين كي نبني في ضوئها برامجنا اللاحقة. وكنا نبغي من دراسة النتائج الوصول إلي صيغة نتوصل من خلالها إلي طريقة تجعل الثقافة العراقية ــ كل الثقافة العراقية ــ نصب أعيننا، فالنجاح الذي حققناه في التجربة هو ركيزة أولية لما سيأتي لاحقا لاسيما ونحن نعد أنفسنا لفعاليات ثقافية مهمة وكبيرة ومؤثرة مما يعني أن علي مؤسسة أكد للثقافة والفنون أن تأخذ الملاحظات كلها بعين من يرعي الثقافة العراقية وينشطها لاسيما وهي تبدأ عامها الثالث ــ تأسست في 5 حزيران (يونيو) 2000 ــ بعد أن مهدت لها أربع وأربعون ندوة ثقافية قبل تأسيسها ، وخمس وعشرون ندوة ثقافية منذ تأسيسها وبعد أن احتوت الندوات نشرا ومناقشة جريدة ثقافة 11 التي تصدرها مؤسسة أكد منذ عام 1998.
من النتائج التي حصلنا عليها في نشاطنا الثقافي هذا والذي استمر أسبوعا كاملا أن ما قدم هو في صلب مهمات الثقافة الوطنية، هذه الثقافة التي تشهد نهوضا متميزا بعد ركود طويل حتي بدا المنفي خاصة هولندا، البيت العراقي الذي يتجمع فيه المثقفون من كل بلدان العالم، فالشعراء الآتون من أمريكا والسويد وفرنسا وبولونيا ولندن كلهم حداثيون وممن عاشوا تجربة المنفي منذ سنوات طويلة بعضهم خرج قبل حلول الطوفان وبعضهم نجا بنفسه وأسرته. سفينة حطت رحالها أولا في عمان التي شهدت نهوضا ثقافيا لم تحلم الأردن به منذ تأسيسها بحلول المثقفين العراقيين فيها ثم توجهوا صوب مدن العالم. شعراء ممن ارتبطوا ثقافة ووجدانا في ذاكرة الناس، من خلال مواقفهم وقصائدهم ومعاناتهم.فمن خلال قراءاتهم الشعرية وأحاديثهم في الندوات والمناقشات، اتضح أن كتابة الشعر ليست لغة منمقة وقافية وإيقاع وموضوع، بل تجربة تمتد طولا وعرضا في ربوع العراق والروح معا، تجربة اقل ما يظهر منها كافياً لبكاء وعويل، وهذا ما شهدناه في أمسية أكد ليوم 28 تشرين الأول (اكتوبر) وكأن الشعر يستعير بحداثته كل مآسي الأزمنة وتواريخها المثبتة والمخفية. الشعر في تجاربه التي قرئت كان قفزة في وعي الجمهور الذي تقبل القصائد الحديثة بطريقة جديدة بعد أن اقتربت هي الأخري منهم فلم يجدوا فواصل ثقافية أو تقنية بين ما عرفوه وما سمعوه. وقد عبر أحد المناقشين عن ذلك بوضوح. هؤلاء قد وضعوا العراق نصب أعينهم فاستحضروه، تجربة ولفظاً وحدثا ونكتة ومفارقة وصوتا وإيقاعا من خلال ما مروا به، كصادق الصائغ الذي كانت جل قصائده مهداة لشعراء عراقيين من الأحياء والأموات، بمن فيهم هو. والشاعر سركون بولص الذي كتب عن آشور المغتال الطفل والرمز وعن القاص يوسف الحيدري الذي أبكت قصيدته الحضور، وقرأ الشاعر كريم كاصد قصائد عن رحلة العذاب وعن الشهيد ابن أخيه وعن العراقيين في المنافي. في حين كانت قراءات الشعراء هاتف الجنابي عن المنفي والبعد والفقدان أيضا وقراءات عدنان محسن عن الشاعر المغترب الذي يبحث عن ذاته بين اللغات المتصارعة والوجود المفقود. وكانت قراءات عدنان الصائغ عن الحرب والوحدة والحب والذاكرة المتشظية بالطلقات وبذلات الحرس الخاص. هذه القراءات لا تجعل المستمع العراقي بعيدا عما مر به وعما عرفه،بل تقرب فيه نغمات حزن أليفة عاشها واشترك فيها وها هي القصيدة الحديثة تعيد لنفسها الموازنة التي افتقدتها علي يد الصغار من الشعراء عندما أبعدوها عن الهم العراقي وعن قضاياه، في حين أن التجربة الشعرية العريقة والوجدانية والملتصقة بأحداثها تقترب من الناس برغم تباينهم الثقافي لتعزف علي وتر الحياة المشتركة . وفي حديث جانبي مع الشاعر سركون بولص لأحد المستمعين بأن قصائده كلها نثر وليس فيها إيقاع أو وزن، رد الشاعر عليه هل فهمتها وهل اقتربت منك رد المستمع بالإيجاب قال له الشاعر لقد كانت ممتلئة بالإيقاع والشعر والوزن مادامت قد اقتربت منك واقتربت منها، دع الشعر يقول ما عنده ودع المستمع يتفاعل بما يعرفه ستكون القصيدة في الحالين نتاج تفاعل مخيلة وتجربة، قولاً وسماعاً، لغة وحكاية مستعادة.. فذاكرة الجمهور الحية ليست ملكا للشاعر وليست ملكا للمستمع بل هي ملك الجماعية في الشعر تلك المنطقة التي تقترب منها القصيدة الحديثة وهي محملة بالعراق بعدما بعدت كثيرا علي يد من لا يجيدون أبجدية الشعر والثقافة. تجارب الشعراء الراسخين ليست مهمة في نماذجها الفنية وبنائها ودقة المعرفة فيها ووضوحها ووصولها إلي أهدافها مباشرة فقط، بل تجعل الشعر العراقي قضية وطنية بحد ذاتها، حيث القصيدة لم تتخل عن مهماتها الوطنية برغم أن كثيراً من الشعراء غادروا تنظيماتهم السياسية وابتعدوا عن المنابر الداخلية للأخبار والمشاركة. وعكست الندوات الملحقة بالقراءات تصورات الشعراء عن قضايا مهمة مثل قضية الثقافي والسياسي، وهي قضية مهمة في بناء ذاكرة العراقيين في الخارج حيث ابتعد كثيرون عن السياسي بحجة أو بأخري في حين أن كثيراً ممن هاجر سابقا بدأ يتنكر للسياسي الذي أوفده للدراسة. وفي حوار الشعراء مع الجمهور الذي استمر ليلتين إضافة للجلسات المسائية المشحونة بالشعر والثقافة وتذكر الأصدقاء والعتب، تحدث أحد الحضور عن الشاعر الجواهري، وذكر الشعراء أن ما يكتبونه رغم جودته لا يرقي إلي شعر الجواهري. فبدت المداخلة عنيفة قد تقود إلي مشاحنات من نوع خاص فانبري الشاعر صادق الصائغ بما عرف عنه من فطنة نقدية تستحضر مفرداتها في اللحظة فكتشف عن عمق تصوره النقدي غير المكتوب، بقوله إن الجواهري لم يولد شاعرا وقصيدته تبقي جزءاً من ذاكرة الناس كلهم ولم يكن يوما أن أعاد شاعر مناخ الجواهري أو أفكاره أو طريقته في الشعر ثانية.
فقصيدة الجواهري ليست أماً لتولد شعراً يكتبه آخرون بل مفردة تولد شعرا يقرأه الآخرون، في حين أن الشعراء الحديثين يولدون في كل يوم شعرا وشعراء ومن يراقب حركة الشعر الحديث يجدها متسعة وهواءها نقيا ومتغيرا ومدنها قديمة وحديثة وأفقها لغة وكلاما، ومادتها كل التواريخ والأزمنة وشخصياتها متداخلة وتجاربها يومية ومعاشة، كل ذلك بسبب المخيلة والمساحة التي اكتشفتها القصيدة الحديثة فبدت لنا واسعة وذات أفق ويمكنها أن تولد عشرات الشعراء ومئات القصائد. ورغم أن كل هذه المواليد غير منسجمة في ما بينها فمنها الغث والسمين لكنهم خرجوا جميعا من تحت خيمة القصيدة الحديثة. في حين لم نجد شاعرا عموديا بقامة الجواهري.ولا قصيدة عمودية مثل قصيدة الجواهري.

جمهور بلجيكي

في مساء 24 تشرين الأول (اكتوبر) وفي بلجيكا حضر جمهور الشعر ليستمع إلي الشاعرين كريم كاصد وسركون بولص، والجمهور الذي كونته مؤسسة (ثقافة 11) كله بلجيكي ومن المستشرقين وجلهم يتكلم العربية، وقد تعود أن يستمع لشعراء مختارين فقد سبق ان اسمتع لأدونيس وفؤاد رفقة وقاسم حداد، ونعده في برامجنا بالمزيد إضافة إلي خط المؤسسة الفلسفي والفكري والحداثة، فقد أقيمت هذه الأمسية المتميزة في أهم مرفق ثقافي في مدينة أنتورب هو Museum plantin moretus. قرأ الشعراء فيه قصائدهم باللغة العربية ــ أولا ثم تبعتها قراءات باللغة الهولندية قرأها الأديب كارلوس ثيو. وعلي مدي ساعتين حيث قسمت الأمسية علي قسمين تناوب في القراءة فيها الشاعران، قدم سركون بولص وكريم كاصد تصورا عن طبيعة القصيدة الحديثة وعلاقتها بالثقافة العالمية.
في الأمسية الثانية للشاعرين التي أقيمت في الصالون الثقافي العربي في أنتورب وهو صالون خاص بمؤسسة (ثقافة 11)، حديثا للجمهور عن العلاقة بين الثقافة الشعرية والترجمة للآداب الأجنبية فكان حديث الشاعرين، ذا قسمين قسم يتصل بتجربتهم الخاصة بالترجمة حيث ترجم كريم كاصد سان جون بيرس ووكتافيو باث وتيد هيوز وقصائد من الشعر الياباني والانكليزي وغيره، وترجم سركون بولص الكثير من الشعر الأمريكي والانكليزي للعربية أنصب حديثهم علي الأبعاد الفنية للقصيدة المترجمة وعلي دور الترجمة في التقارب بين الشعوب وعلي أهمية المترجمات من الثقافات المختلفة للكشف عن مستويات الثقافة العربية وعلي مدي ساعتين استمع الجمهور البلجيكي إلي تصورات وممارسات شعراء خبروا الثقافة العربية والأجنبية خاصة الإنكليزية فعالجوا الأهمية التي تتطلبها الترجمة المسئولة عندما تكون في مستوي التعبير عن الأبعاد الفنية للقصيدة.
ولم يخل الحديث من مداخلات الجمهور البلجيكي الذي عرج في مناقشاته القليلة علي أهمية الثقافة العربية في مثل هذه المرحلة من تطور العلاقة بين الثقافات العالمية. وعد هذه الندوة برغم قلة الجمهور فيها بادرة لفتح حوار منفتح علي الثقافات علي مؤسسة (ثقافة 11) النهوض بها. وقد أوضح كالوس ثيو أن المؤسسة بصدد نشر كتاب شعري مترجم إلي اللغة الهولندية يضم كل القصائد التي ألقيت في ندوات المؤسسة خلال السنتين الماضيتين من بينهم أدونيس وفؤاد رفقة وقاسم حداد وسركون بولص وكريم كاصد وغيرهم.

جمهور هولندا

بعد ذلك شددنا الرحيل إلي هولندا حيث تبدأ أمسيات مؤسسة أكد التي أعلن عنها سابقا. ففي الأمسية الأولي التي أقيمت في قاعة Vlonder في دنهاخ يوم 27 تشرين الأول (اكتوبر) قرأ ثلاثة شعراء هم: هاتف الجنابي وعدنان محسن وعدنان الصائغ قصائدهم، وقدمهم القاص عدنان حسين أحمد بمقدمة ضافية عن خصائص وتجارب كل شاعر منهم.
ورسمت فيها ثلاث لوحات فنية بريشة الفنان ستار كاووش الذي تفاعل ولأول مرة مع القصائد بحيث جاءت لوحاته منسجمة وسياق الأمسية الشعري ــ أهدي الفنان لوحاته الثلاث للشعراء ــ لقد شدت الأمسية الجمهور إلي الشعر والمناقشات، الذي حضر برغم العواصف الشديدة وانقطاع سبل الوصول إلي القاعة. ففتح باب الحوار الجاد والمناقشات علي الثقافة العراقية في ضوء موضوع الحوار الملحق بالأمسية وهو عن العلاقة بين الثقافي والسياسي في الثقافة العراقية، الموضوع الذي يشغل تفكير كثير من العاملين والمثقفين في الوسط الثقافي. وقد خلصت المناقشات التي شارك فيها عدد كبير من الحضور بينهم سركون بولص وصادق الصائغ والشعراء الثلاثة إلي انه من الصعب فصل السياسي عن الثقافي في الكثير من مراحل تطور الثقافة خاصة الثقافة العراقية التي شهدت منعرجات في مراحل نموها لم تكن يوما علي سياق واحد فيه. فالثقافي في الخمسينيات كان ذا وجهة سياسية تقدمية كانت الثقافة صوت التحرر والتقدم والثورة. في حين أن الثقافي والسياسي لدي المثقفين في المنفي المبتعدين عن أرضهم العراقية يبقي في التصورات وفي النوايا، مما يعني ثانية أنه من المستحيل اعتماد الفصل بينهم في عمليتي الإبداع والممارسة وقد أوضح سركون وهاتف الجنابي من خلال نموذج الشاعر البولوني جيسواف ميووش الذي فاز بجائزة نوبل أن جهات ثقافية غربية ومحلية أسهمت في فوز هذا الشاعر عندما روجت له الأوساط الغربية أولا ثم ليصبح لدي الأوساط المعارضة الداخلية ثانيا الصوت المعبر عن انتفاضتها ضد النظام، رغم أدعاء الشاعر انه ليس سياسيا. فتشابك العلاقة بين السياسي والثقافي وتعقدها وتداخلها في سياق الإنتاج الثقافي خاصة في الثقافة العراقية، لا يجعل المثقف مهما ابتعد أو اغترب أو غيّر طريقته في التعبير بعيدا عن السياسة. ــ ستنشر جريدة (ثقافة 11) ــ نصوص المداخلات النقدية.
حصيلة القراءات والحوارت كبيرة هذا ما خرجنا به نحن أعضاء وأصدقاء المؤسستين في حوارات جانبية هادئة رسمت لوحة من فسيفساء الثقافة التي لم تقتصر علي القراءات أو المناقشات مع الجمهور، فكانت اللقاءات لوحدها مادة يستحضر من خلالها المعنيون الأبعاد الأخري للقاء مثل هذا.
ومن النتائج التي حصلنا عليها، أن الثقافة العراقية تبقي رديفا للسياسي مهما ادعي الشعراء والشعر الابتعاد عنها، ليس بحكم أن الشعر حديث وان الشعراء غير منتمين لتيار سياسي، بل لأن القصيدة الحديثة ما تزال تغتني بالتجربة السياسية برغم وجود الذات وانفعالاتها وأحداثها ورغم أنها قريبة من هموم فردية لكنها وهي تبرز هذا علي سطح لغتها المسموعة تبني في أعماقها بيتا للشعر لم يدخله إلا من فهم أن الشعر العراقي الذي كان سباقا في حداثته العربية ما يزال سباقا أيضا في فتح مجالات قول جديدة لم تألفها القصيدة العربية، ومن يتحدث مثلنا عن عمق الحداثة وتجددها في الشعر العراقي من خلال نماذجها التي قرئت في ندوات مؤسسة (أكد) و(ثقافة 11) في الأيام الأربعة يجد أننا لا نجرجر حبلا ما إليه بعير، كل ما نقوله سيبقي في ذاكرة النقد أن الشعر العراقي باتساعه يولد يوميا أفقا جديدا ومدي لا يغلق للحداثة.
ثمة نتائج أخري ربما تفوق أهميتها ما سبق منها أن حضور هذا العدد من الشعراء والنقاد هولنديين وبلجيكيين وعرب وعراقيين، هو بد ذاته اتفاق علي أهمية أن يحتفظ الجمهور في ذاكرته عما عرفه عن شعرية هؤلاء الشعراء، فالشعراء ليسوا من ذوي الأعمار الصغيرة، وتجاربهم السابقة ما تزال معروفة للجمهور العريض، مما يعني أن هذا الحضور الكبير هو بحد ذاته تأكيد لما عرفوه عنهم، لذا فالشعر إذ يشكل جزءاً من ذاكرة الناس القديمة، يبقي رديفا لتجديدها كلما حصل حضور للشعراء ثانية. وكلمات الشكر التي قيلت من قبل الشعراء للجمهور بمثل هذه الندوات واللقاءات تفصح عن حاجة الشعراء أنفسهم لتجديد العلاقة مع ذاكرة الجمهور الثقافي الذين هم بأمس الحاجة إليها كي يعرفوا أنفسهم وهل جري تبدل أو تغير علي بتجاربهم الشعرية الجديدة؟ أم أنهم والجمهور في مستوي معين من تبادل العلاقة الثقافية؟ هذه العلاقة التي تقاسمها قضية المنفي والعراق والحداثة واللغة الشعرية وحرارة المناقشات.
في الحوار الذي جري بعد أمسية يوم 28 في بيت عبد الهادي ، انصب الحديث علي الشعراء الشباب الذين حضر بعضهم الأمسية الشعرية وناقش مناقشات جيدة من بينهم الشاعران حميد حداد وشعلان شريف، ومن بينهم من حضر ولم يستمع للشعر ولا للمناقشات التي أعقبت فبادر قبل نهاية الأمسية بدقائق لدخول القاعة وطرح أسئلته.. كان الحديث ينصب العلاقة بين الأجيال، وهل فعلا أن الشعراء الشباب بحاجة إلي أن يستمعوا أم أنهم لم يسمعوا إلا صوتهم الخاص؟ استخلص الحاضرون من المناقشات التي أدارها الشاعر صادق الصائغ كما لو كنا في ندوة منظمة تنظيما جيدا إلي حاجة الجميع لسماع الجميع، فالشعر غابة متشابكة بأجياله وما تبايناتهم إلا ضرورة من ضرورات تجدد القصيدة، والحاجة التي شخص الجميع أهميتها تتطلب حوارا منظما بين الأجيال سعت ندوات أكد في هاتين الأمسيتين إلي تبني هذه الحاجة ونجحت في فتح حوار واسع ولكن الحاجة ماسة لتكرارها ثانية ومن ثم توسيعها بما يضمن للحوار الشعري طريقة نظامية خالية من الانفعالات. وفي الإطار نفسه تحدث الفنان ستار كاووش عن الفن التشكيلي العراقي بوصفه شعرا باللون، عن العلاقة بين الآباء والبناء في الفن التشكيلي العراقي فعرج علي التباعد بين الأجيال وعلي التجديد والاستفادة من التيارات الحديثة وعن البحث عن الشخصية الفنية الخاصة بالفنان ورفض مبدأ الأبوة التي يجب علي الأجيال الفنية الجديدة تبنيها أو الخضوع لها.
في الأمسية نفسها جرت أحاديث كثيرة عن العلاقة بين المنظمات الثقافية هنا في هولندا، فشخص الحاضرون أن هناك من يتسلق المنظمات الثقافية ليكسب هوية مفقودة لديه وهناك من يبتعد محتميا بذاته عن أي تشويه يلحقه، وهناك من يزج نفسه بمهمات غير قادر عليها. ولان هولندا من أكثر الدول احتداما بالمشروعات الثقافية نجد دائما ثمة أحاديث عن تجمعات غير ثقافية تُظهر نفسها أمام الآخرين بأنها وحدها المعنية بالثقافة.


جريدة (الزمان) العدد 1365 التاريخ 15/11/2002
 
البحث Google Custom Search