د. احمد النعمان
كتب لي الصديق العزيز قاسم سرحان, رسالة جميلة, رسالة حب وعرفان بالجميل لإنسان ساعده في السجن في العراق اسمه سلام عادل. كتب قاسم نثرا ولكنه يشبه الشعر لما يضمه قلبه الرائع بما يمكن ان اسميه (دين الضمير). لسنوات مضت وقاسم سرحان لم يعدم كما كان مفروضا في السجون العراقية تحت سيف الطاغية.الا ان ضميره ظل يذكره ان يرد الجميل لذلك الانسان الطيب الذي ساعده وبشكل او آخر انقذه من الموت, مغامرا بحياته.
قصة قاسم سرحان هذه تذكرني بقصة انسانية اخرى شبيهة. يروي الأدب الروسي ان ضابطا روسيا اقترض مبلغا من المال من زميل له على طاولة القمار (البوكر).. ومضت الايام ولم يرد الضابط الدين. إذ كان المصير قد فرق بين الاثنين, حيث اصبح الضابط ضمن جيش (البيض) وكان ذاك الذي اعطاه النقود ضمن الجيش الأحمر – جيش الشيوعيين. ظل الضابط يبحث عن دائنه الأحمر من معركة الى اخرى ومن موقع لآخر حتى تتبعه في معركة خسر الحمر قواتهم فيها فيما ظل ذلك (الدائن) حيا ولكن جريحا. و بقي الضابط يتتبعه دون اطلاق النار عليه وهو خصمه في الميدان. واخيرا اصبحا وجها لوجه, بعد مطاردات في الادغال وعبر مناطق جبلية وعرة. فقال الجندي الأحمر الآن انتهى كل شيء وعليك ان تطلق الرصاص, فكما ترى لست مسلحا والنزيف انهكني عن الهروب. لا . . قال الضابط. كنت اتتبعك ليس لأقتلك رغم انك عدوي! بل لأعطيك الدين الذي قدمته الي قبل الحرب الاهلية. ولست بقاتلك رغم اني استطيع الآن ان افعل ذلك. هذه نقودك خذها ليستريح ضميري.
هذا هو دين الضمير, هذا هو الحب في زمن الكراهية, هلا تعلمنا شيئا من ذلك؟!!
-2-
انا مدين ايضا ولكن لعدنان الصائغ
قرأت للشاعر عدنان الصائغ قبل ان اراه. ومثل قاسم سرحان والضابط الأبيض كنت ابحث عن الشاعر لألتقيه. ثم وجدت عنوانه في منفاه. ورقم هاتفه. وقيل لي في البيت هناك, انه قد سافر الى لندن فسافرت الى هناك والتقينا. وحول فنجاني قهوة, و"فيهما", قرأ الواحد منا ولكن بصمت مصير الآخر. تحدثنا عن العراق, وعن المعارضة وطبعا عن الشعر. وفي نقاشنا حول الشعر الحر والعمود, قرأت له ابياتا من الغزل لشاعر من الموصل ظل مغبونا لحد الآن. ولكني نسيت اسمه في حينها رغم اني أحفظ شعره واسمه مذ كنت صبيا وحتى الآن. وفتشت في مكتبي ضمن اكثر من 200 ديوان شعر ومثلها عن الشعر, الا اني لم اجده. وها هي الذاكرة تعود الي. وها انذا أفي الدين للشاعر المرهف عدنان الصائغ: اسم ذلك الشاعر هو عبد الباقي العمري. واقدم للقراء الكرام بعضا من تلك القصيدة التي اسمعتها لعدنان دون ان اتذكر الشاعر, هي الاخرى عن الحب في زماننا - زمن الكراهية. (الهمزة في القافية مسكنة):
وانطقي ينثر إذا حدثتنا ناثر الدر علينا ما نشاء
وابسمي, من كان هذا ثغره يملا الدنيا ابتساما وازدهاء
واخطري بين الندامى يحلفوا ان روضا راح في النادي وجاء
لا تخافي شططا من انفس تعثر الصبوة فيها بالحياء
فلو امتدت امانينا إلى ملك ما كدرت ذاك الصفاء