أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 

عدنان الصائغ.. عاشقاً للحرية، باتجاه المنفى

 سعدية مفرح
الكويت


"لا تقطف الوردة
انظر...
كم هي مزهوة بحياتها القصيرة"..

 

ولكن من يهتم أصلاً بهذا الزهو المهيمن على أطراف الوردة يا عدنان الصائغ؟ من يهتم بحال الوردة وتضاريس حياتها القصيرة؟ من قال لك إن قاطفها لا يريد قتل هذا الزهو أصلاً.. لا يريد إنهاء هذه الحياة أصلاً؟
منذ "انتظريني عند باب الحرية" ديوانه الشعري الأول الذي صدر في بغداد قبل ما يقرب من عشرين عاماً، وحتى كتابه الأخير "تأبط منفى" والصادر في السويد قبل شهور قليلة يبدو الشاعر عدنان الصائغ عاشقاً للحرية حتى وإن كان ذلك باتجاه المنفى، باحثاً عن منفى مادامت بين تضاريسه وحدها تنمو نبتة الحرية، وما بين الحالين يبقى الصائغ شاعراً رائقاً وقادراً على نحت مدارجه الشعرية الخاصة في جبال الكلام الكثير الذي صارا يتلبس لبوس الشعر - حتى لا نقول إنه صار يحل محله - مترفعاً عن الكثير من الأمور الصغيرة التي يمكن أن ينشغل بها الباحثون عن شهرة مدوية أو مجد بارق أو فوائد مادية تتراكم في البنوك أرصدة، وفي الحياة مواقف رخيصة تحت لافتة الشعر، فالصائغ الشاعر الذي دفع الكثير من استقراره واستقراره أسرته منذ أن أصر على خصوصية شعره واختلافه عن أي جوقة تعزف وتغني من نوتة لم تكتبها ويمَّم وجهه الإنساني شطر المنفى البعيد، تعرض لأكثر من حملة تشكيك بشعة من قبل أولئك الذين لا يعملون ويسوؤهم ان يعمل الآخرون، والذين يتساقطون كأوراق الخريف اليابسة عند أول ريح تنذرهم بالعاصفة ويسوؤهم أن يبقى الآخرون صامدين كالجبال حتى وهم يواجهون أعتى العواصف.. واقفين كالشجر حتى وهم يموتون فعلاً... لكن هذا الشاعر الحالم العنيد لم يسقط ولم يتزحزح عن مواقفه والأهم من كل هذا أنه لم يتخل عن إنسانيته الرهيفة ولا عن شعريته الذاهبة إلى المدى الأقصى من الإبداع شرطاً لتحققها وضرورة لاكتمالها بالنشر.
لقد ترك الشاعر العراقي عدنان الصائغ وطنه الذي صار جحيماً لروحه النبيلة وقيداً على قصيدته الجانحة لقيم الحق والخير والعدالة منذ بداية التسعينيات باتجاه منفى تعددت عناوينه فأقام قليلاً في عمّان ثم توجه إلى بيروت قبل أن يصبح القطب الشمالي عنوانه السويدي الجديد والذي حاول أن يتأقلم مع ظروفه المتجمدة، هو القادم من شمس العراق المشرقة دوماً، فدفع وهو يمارس ذلك التأقلم الضروري الكثير من صحته المرهقة أصلاً... لكن ما وجده هناك من حريات تليق بالشعر والشعراء وما لقيه من مساندة أسرية رائعة جسدتها زوجة مثقفة محبة وطفلان - كبرا على رصيف المنافي - أدركا مبكراً قدر والدهما شاعراً يتوق للحرية شرطاً لبقائه الإنساني خفف من عذاباته في الغربة وأضاف لقصيدته الجديدة ألقاً إضافياً وخلّصها من كثير من الشوائب والحيل التي يلجأ إليها بعض الشعراء احتيالاً على مقص الرقيب وتقية مما وراء الرقيب.
قصيدة عدنان الصائغ الجديدة والتي تحققت في دواوينه الأخيرة قصيدة رائقة صادقة تتوغل في تضاريس الغربة وتحتفي بالإنسان كأرقى وجود يمكن أن يتحقق في الوجود... يقول الصائغ:

"سأحزم حقائبي
ودموعي
وقصائدي
وأرحل عن هذه البلاد
ولو زحفت بأسناني
لا تطلقوا الدموع ورائي ولا الزغاريد
أريد أن أذهب
دون أن أرى من نوافذ السفن والقطارات
مناديلكم الملوِّحة
استروح الهواء
منكسراً أمام مرايا المحلات
كبطاقات البريد التي لا تذهب لأحد
لنحمل قبورنا وأطفالنا
لنحمل تأوهاتنا وأحلامنا ونمضي
قبل أن يسرقوها
ويبيعوها لنا في الوطن: حقولاً من لافتات
وفي المنافي: وطناً بالتقسيط"


-------------------------------------------

(*) نشرت في صحيفة "الرياض الألكتروني"- منتدى الكتاب 23/5/2002

 

 
البحث Google Custom Search