عدنان الصائغ في حوار مع "الزمن": قدر الشعراء العراقيين أن يموتوا في منافيهم الشعر عالمي المتخيّل الذي أستعيض به عن الواقع النقد الحقيقي غائب وسط غابة المجاملات
• حاورته: بدرية الوهيبي - مسقط
"الشعر ضرورة" كما قال الشاعر الفرنسي جان كوكتو، ونحن أمام شاعر يتأبط منفى، يضع القصيدة كسماء في خوذة جندي سقط في الحروب مراراً لأنه عصفور لا يحبُّ الرصاص، حتى خرج منها... سهواً.
(الزمن) تحاور الشاعر العراقي المقيم في لندن عدنان الصائغ، وتقترب من تجربته الشعرية التي قال عنها الدكتور عبدالعزيز المقالح: "إن شعر عدنان الصائغ خلاصة لجوهر الشعر في النصف الثاني من القرن العشرين"، يمارس كتابة الشعر كما يمارس التنفس تلقائياً لا افتعال ولا تعقيد. تواقاً للحرية، يقترب منها بحذر كأنه يقترب من لغم موقوت، لكنه يعشق انفجارها الجميل. أصدر عدنان الصائغ عدة دواوين شعرية منها: (انتظريني تحت نصب الحرية، أغنيات على جسر الكوفة، العصافير لاتحب الرصاص، سماء في خوذة، مرايا لشعرها الطويل، غيمة الصمغ، تحت سماء غريبة، خرجت من الحرب سهواً، تكوينات، نشيد أوروك، صراخ بحجم وطن، تأبط منفى، والكتابة بالاظافر).. أقام قبل أيام أمسية شعرية ضمن فعاليات مهرجان مسقط، فكانت فاتحة الأمسيات. نقترب في الحوار التالي من مساحات عالم الصائغ الشعري، لنسأله في البداية: * "من أين تأتي القصيدة"؟، وكيف يكون الصائغ "في انتظار القصيدة"؟ ـ من أعماق الروح، من الوجع، من الفرح، من انثيالات الذا كرة، من هسيس البوح، من جنون الصدفة، من التفاصيل الصغيرة، من هيولى الكون، من أنين النايات، من السرمدية، من النبض الإنساني، من اللحظة، من الومضة، من الألم، من الندم، من الجمرة، من الريح، من الثما لة، من الصحو، من الفكرة، من الصورة، من الرصيف، من المقهى، من الموسيقى، من الكأس، من البحر، من المرأة، من الذكريات، من القراءات، من الوعي، من النسيان، من الحزن، من التاريخ، من الفلسفة، من القاع، من المسكوت عنه، من، من، من ... هكذا تأتي القصيدة، وهكذا قد لا تأتي .. من يدري؟ ان للقصيدة سرّها الخفي في الولادة والموت معاً، في الانبثاق والخفوت.. وأنا أنتظرها دائماً.. تعودت انتظار أمطارها، وتعودت جفافها.. فارشاً حقول أوراقي وروحي.. قد تأتيني في الصباح الباكر، وقد تأتي في أخريات الليل، وقد تأتي بينهما.. منسابة هادئة، أو صاخبة هادرة. قد تأتي دفعة واحدة، وقد تأتي متقطعة، ليس لها حدود معينة ولا برنامج ولا تخطيط مسبق.. نعم. تعودتُ انتظارها.. ولا أملّ ولا أتعب.. لأنَّ هطولها عليّ ينسيني كلَّ مكابدات ترقبها.. تأتيني أحياناً وأنا جالسٌ الى طاولتي بين أوراقي وكتبي، وتأتيني أحيانا في صخب الشارع أو في الباص، أو بين الأصدقاء.. هكذا تتنوع زيارتها ومواسمها وهكذا تتنوع حالات انتظاري لها.. بداية الدمع * بدأت بكتابة أول نص حين كنت في العاشرة وأثناء معاناة والدك في المستشفى ، وبكت والدتك حين قرأت النص ، هل هذه الشعلة التي أوقدت القصيدة في عدنان الصائغ؟ ـ تلك الدموع البريئة المتدفقة أمام نصي المسجىّ بين يديها، وأمام أبي المسجىّ على سرير مرضه، منحتي الاحساس الاول بتأثير الكلمة السحري.. وكانت كأنها الشهادة الاولى التي تُمنح لي.. ارتبطت بالألم والمكابدات، مثلما ارتبطت بعفوية الكلمة والدمعة معاً.. ثم تواصلت مسيرة الشاعر الذي هو أنا، بين خيبات الحب، وسواتر الحرب.. بين الخوف من سيف الجلاد، وبين المراوغة من مقصات الرقباء.. ثم الهروب من الوطن إلى شتات المنافي وأصقاع الغربة.. من أجل أن لا تنطفيء تلك الشعلة، شعلة بروموثيوس التي حملها منذ الأزل كي يبدد شيئاً من حلكة هذا الوجود.. شعر القضية * يقول أحدهم "بأن الشعر ينبغي أن لا يكون معبراً عن القضايا الكبيرة وإلاّ تحول إلى الرداءة" في حين أن محمود درويش كتب أجمل نصوصه في القضية الفلسطينية؟ كيف ترد على قوله وانت أبن القضية العراقية؟ ـ قد أوافقك الرأي اذا ترهلت القصيدة بنثر السرد، وعجز الشاعر عن الصعود بلغته إلى الذروة، إلى صهر هذا السرد في بوتقة الشعر، ليخرج منها بشكل مغاير ومدهش ليس فيه زوائد أو شروحات أو وقائع مملة.. ذلك لأنَّ الشعر لا يحتمل هذا أبداً.. الشعر.. هو الومضة، هو الإيجاز حتى في سرده الطويل.. هو الدهشة واللاتوقع، حتى وهو يتحدث عن اليومي والعابر والعادي.. وهنا تتجلى مهارة الشاعر في النصوص الطويلة، مثلما تتجلى في النصوص القصيرة جداً.. وهذا ما حاولته في قصيدتي الطويلة "نشيد اوروك" وفي قصائدي القصيرة جداً في ديواني "تكونيات" مثلاً.. هل وفقت في ذلك، لا أدري؟ الأمر متروك للقراء وللنقاد وللزمن. الأمر لا يتعلق بتناول القضايا الكبيرة أو التفاصيل الصغيرة.. الأمر يتعلق اولاً وأخيراً بقدرة الشاعر على تناول الموضوعة ومهارته في التقاط التفاصيل المثيرة والحية والإنسانية والجمالية.. الفنية في الشعر أولاً.. مثلما الحرية أولاً.. وكل ما عدا ذلك يمكن أن يحول النص إلى منشور حزبي أو شعار مرحلي لا يعمر طويلاً.. لقد حفظ لنا الشعر القديم والحديث، شرقاً وغرباً الكثير من القضايا الإنسانية والوطنية حينما تصاعد بها إلى ذروة العمل الابداعي، مثلما تساقطت في النسيان الكثير من النصوص العاطلة عن الابداع رغم تناولها لموضوعات كبيرة ومهمة. إذن المعيارالأساسي هو الإبداع.. وأتذكر أنني قرأت رأياً لماركيز يقول أنه لكي يتناول موضوعة الدكتاتورية اختار أبلغ وأرقى الأساليب الفنية لفضحها ولم ينجرف للشعاراتية الجاهزة. وبذلك نجحت رائعته "خريف البطريك" التي أعدّها ويعدها الكثيرون قصيدة طويلة خالصة. عالمي المتخيّل * "إننا نعيش في عالم وفي ذهننا عالم". ما العالم الذي يعيشه الصائغ والعالم الذي في ذهنه؟ ـ العالم الإفتراضي أو اليوتوبيا أو المدن الفاضلة هو حلم البشرية منذ الأزل.. والشاعر هو الحالم الأول بين هذه الجموع وهي تنشد خلاصها بعد أن طُردت من الفردوس، لتواجه جحيماتها المتكررة والمتعاقبة، عبر القرون والطغاة والحروب والكوارث.. لقد عشتُ حياة صعبة للغاية.. تفتحت عيناي على واقع بائس وفقر، ومرض أبي وديونه وطيبته، وتكالب الدنيا على رأسه ومن ثم على رؤوسنا.. وحين كبرنا واجهتنا أنياب الحرب لتهرس لحمنا وذكرياتنا وأحلامنا.. ثم عصفت بنا رياح المنافي إلى أقاصي الارض.. كنت استعيض بالنص بديلاً عن هذا الواقع المرّ والملتبس.. فأجد فيه - أي في نصيّ - عالمي المتخيل وفردوسي المفقود.. أسرح فيه مع أحلامي وذكرياتي.. وألتقي بأصدقائي البعيدين، وأتسكع في شوارع وطني، وأجلس في حاناته ومقاهيه، وأعانق حبيباتي الغائبات، وأتصفح كتبي الضائعة. القلق الأبدي * أنت شاعر قلِق في نصوصك، هل تعتقد أن القلق خاصية الكائن الانساني أم هي خاصية مرحلة من التاريخ؟ ـ قلق الشاعر أبديٌّ، سرمديٌّ، أنه جزء من تكوينه وصيرورته، وأتذكر بيت المتبني الشهير: على قلقٍ كأنَّ الريح تحتي أوجهها جنوباً او شمالا وأتذكر بيتاً شارداً لي من دواويني الأولى: "يقلقني.. إنَّ العالمَ منقسمٌ نصفين: نصفٌ أنتِ ونصفٌ قلقي.." وتجدين أيضاً قصائد كثيرة تكون مفردة "القلق" قاسمها المشترك. ذلك لأنه كان هاجسي الملاصق لي في الكتابة والحياة والسفر.. ولم يقتصر القلق على موضوعة واحدة بل توزع أو وزعني على محطات كثيرة: المرأة، الحب، الحرب، الرقابة، المنفى، الوجود... وغيرها وغيرها.. بين الحكمة والشعر * "إن الأهواء تحيي الإنسان أما الحكمة فهي تخلده فقط"، كيف يوفق عدنان بين الحياة والخلود في النص الشعري؟ ـ النص الشعري يعيش القطبين معاً أي الحكمة والاهواء. يوحدهما أو يفصلها، أو يفاصل بينهما.. غير معنيٍّ سوى أن يعيش اللحظة بصدقها وهولها وسكرها. أما الخلود فهو يأتي مرحلة لاحقة لصيرورة النص وتماهيه مع الحياة والنبض الإنساني، فإن كان كذلك فهو بلاشك سيبقى محفوظاً في الذاكرة البشرية إلى الأبد.. مثلما ظلت ملحمة كلكامش، والالياذة، والانياذة، ومسخ الكائنات وفن الهوى، والمعلقات السبع، وخمريات النواسيّ، وحكمة أبي العلاء المعري، وتمردات المتبني، وأنشودة مطر السياب.. والخ .. ومثلما ظلت سونيتات شكسبير ومسرحياته، وأزهار بودلير، ومراكب رامبو، وبحر سان جون بيرس، ونافذة لوركا، ويباب إليوت... والخ والخ .. قانون الأخلاق * كيف نرفض طاعة القانون السياسي احتراماً للقانون الأخلاق؟ ـ القانون الأخلاقي والجمالي هو الأصدق والأجمل والأنبل.. ذلك لأن قوانين السياسة، عرضة للطلب والعرض.. للوصول إلى الكرسي أحياناً، أكثر مما هي الوصول الى الإنسان، وخدمة مثله العليا، وتأمين مستلزماته الحياتية.. في تجربتنا العراقية بشكل خاص لمْ نجن ِ من قوانين السياسة سوى الذبح والدمار والسحل والحروب والخراب.. لذا تجدينني دائماً متشائماً من الأطاريح السياسية.. والأحزاب السياسية.. منتمياً إلى الإنسان نفسه، وإلى الوطن نفسه، وإلى الجمال نفسه، بعيداً عن لعبة الأحزاب وأهواء السياسة والطوائف والاأيان وغيرها... ذلك لأن الإنسان هو أعلى قيمة على الارض، وهو الذي كرمه الله قبل كل شيء وقبل كل الكائنات.. فحرامٌ أن يسحق باسم هذا الحزب، أو باسم هذا الدين. أو يذبح باسم هذه الطائفة أو تلك. شاعر لا يستقر * المكان له الحضور الكبير في نصوص عدنان الصائغ، كيف تصنع أمكنة النص الشعري، وكيف توثقه؟ ـ ربما لإحساسي منذ بدء تكويني الشعري أن لا استقرار لي على هذه الأرض المترجرجة المسماة بلاد الرافدين.. فأخذتُ أوثق نصوصي بتواريخها وأمكنتها خوفا من ضياع المكان ربما.. وهكذا وجدتني بعد عقد أغادر بلادي وأماكني الجميلة والمؤلمة، وذكرياتي وأهلي ومكتبتي واصدقائي وأرصفتي، منفيا من بلد الى بلد: عمّان، دمشق، بيروت، السويد، لندن.. مروراً بصنعاء وعدن والخرطوم والقاهرة.. رحلة الطواف هذه ارتسمت ملامحها في تجربتي وكذلك مواجعها وذكرياتها.. فكان لا بد لنصوصي أن توثق هذه الأماكن وتتحدث عنها، من ديواني الأول "انتظريني تحت نصب الحرية".. حتى ديواني الأخير "تأبط منفى". وهكذا تجدين المكان منشطراً بنوعيه: الوطن والمنفى، وبينهما كل ذلك العويل والذكريات .. أشكالي الشعرية * ما الذي يعنيه لك جيل الثمانينات العراقي، وفي وقت اتجه الكثير منهم نحو الحداثة، التي أصبحت ميزة لتلك المرحلة، إلاّ أنك لمْ تتخلَّ عن الموسيقى الشعرية وبحور الخليل!؟
ـ جيل الثمانيات عاش أفجع الأحداث والكوارث التي مرّ بها العراق في عقوده الأخيرة: من دكتاتورية، إلى حروب، إلى حصار، إلى شتات، إلى منفى.. وارتسمت تلك الملامح في أغلب نصوصه... ظهرت في بدايات الجيل عشرات الأسماء، لكن ما بقي منها اليوم بضعة أسماء لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.. وهذا أمر طبيعي في دورة حياة الابداع.. فكم عدد الشعراء الذين ظهروا في جيل السياب وكم ظل منهم مثلاً، وكذلك الأمر في جيل أمرؤ القيس أو المتنبي أو في جيل شكسبير أو إليوت أو في الجيل الستيني والسبعيني.. أما التجريب والحداثة والتجاوز والمغايرة، فقد كان للجيل تجاربه واجتراحاته المتميزة. بعضهم ظل يتواصل وينتج، وبعضهم اكتفى بالتنظير، وبعضهم انسحب إلى الأبد.. وهذا أيضا أمٌر طبيعي في دورة التجريب والصيرورة.. كما أم البعض أعلن مقاطعة نهائياً لبحور الخليل، والبعض عاد إليها، والبعض غاص في الغموض المفتعل، والبعض ذهب إلى المباشرة والوضوح الفج، وهكذا.. وهذا ما يحدث في كل جيل هنا أو هناك. بالنسبة لي تركت لتجربتي أن تنهل من فنون الشعر كله ومن تراثه كله، بلا عقدة من شكل ما أو من وزن وعروض ما.. فكتبت القصيدة العمودية أو كتبتني في بداياتي، ثم وجدتني أتجه إلى قصيدة التفعيلة أو قصيدة الشعر الحر، ثم وبشكل تلقائي وجدتني أتماهى مع قصيدة النثر وأكتب بها بعض نصوصي الأخيرة.. وقد أعود أحياناً او تعود بي تجربة النص نفسه إلى الإيقاع عمودياً او إلى قصيدة تفعيلة. الأمر يسير طبيعياً وعفوياً عندي في الكتابة. أي لا أقحم نفسي ونصي في شكل معين.. بل أن تجربة النص هي التي تأخذني إلى شكلها وإيقاعها. موت قسريّ * الكثير من شعراء العراق في المنفى رحلو كالبياتي ومؤخرا سركون بولص وبلند الحيدري وغيرهم، ألا يقلقك هاجس أن تكون النهاية بعيداً عن الوطن؟
ـ موجع أن يموت الشاعر بعيداً عن وطنه الذي غنى له طويلاً وتحمل عذاباته وكابد غربته الطويلة.. لكن ماذا نفعل كأنَّ قدر الشعراء العراقيين أن يموتوا في منافيهم.. وقد ذكرت لنا الألواح البابلية نصوصاً لبعض الشعراء العراقيين ماتوا بعيدا عن أوطانهم وتركوا لنا لوعاتهم الحبيسة محفورة على الحجر. وهكذا لم يكن المنفى وليد مرحلة ما او تاريخ ما.. أنه مسيرة طويلة بدأت على هذه الأرض منذ تشكل القصيدة الأولى، ذلك لأن الشعر هو صنو الحرية.. وهو صنو الجمال والحق، لا يستطيع المكوث والاستكانة والاستجابة لمطالب الشر والقبح... لكن الهجرة الشعرية العراقية تكاثفت وتعاظمت بشكل لافت للنظر في العقود الثلاثة الأخيرة ولا تزال، لتشكل أكبر وأوسع خارطة للنفي من بين شعوب الأرض ومبدعيها قاطبة.. ولأن الغربة طالت كثيراً، وهرم مبدعونا في منافيهم، بدأوا يتساقطون واحداً بعد الآخر وكان آخرهم النجم الآشوري الباهر سركون بولص... نعم، بالتأكيد، يقلقني المكوث بعيداً عن وطني، كلما لمحت في المرآة غابات الشيب تزحف من رأسي باتجاه الروح... نعم، ويقلقني أن تغطي الثلوج قبري في منفاي البعيد.. دون أن أرى أو يرى قبري - في الأقل - شمس بلادي.. لم أكتب غير الشعر * كتبت الشعر واتجهت إلى المسرح.. وبعد هذه التجربة الجميلة، ألا يفكر الشاعر في كتابة رواية، أو سيرة ذاتية؟ ـ لم أكتب، أو بالتحديد لم أعرف سوى كتابة الشعر.. ومن هذا الشعر أخذ بعض المخرجين والمعدين نصوصاً لي وجدوا فيها شيئاً من الدراما ونقلوها وأعدّوها إلى خشبة المسرح مثل المخرج غانم حميد والمخرج حسن هادي والمخرج فلاح إبراهيم وقبلهما المخرج سعيد دعيبل والمخرج الشهيد عبدالله الخاقاني. أما الرواية فلا أظن انها ستكون مجال كتابتي، رغم عشقي وقراءتي المتواصلة لها وكذلك الأمر في السيرة الذاتية أو القصة القصيرة وغير ذلك.. ذلك لأنني أجد أن الشعر قادرٌ على أن يلمَّ بكل هذا.. الشاعر لا يموت * في دواوينك الأولى كان ثمة غضب واضح ورفض الأوضاع العامة والسياسية بالذات، في العراق، وخفتت حدته في دواوينك الأخيرة، ما الذي تغير في تجربة الشاعر؟ ـ لا أظنه خفت، بل تغير اتجاه هذا الغضب والرفض.. فسابقاً كان هناك دكتاتور أوحد، وسقط.. أما اليوم فقد توزع أرث هذا الدكتاتور في جسوم وأشكال عديدة، دينية وسياسية وطائفية واقتصادية وأجنبية.. وقد ألقيتُ قصيدتي "نصوص مشاكسة قليلاً" في مربد البصرة عام 2006م فغضب أحد رجال المليشيات الظلامية، وتقدم مني يهددني بقطع لساني لأنني أسأت - على حد قوله - لمقدساته. دون أن يدري - يا لغبائه - أن كلمات الشاعر هي لسانه. وهذه الكلمات لن تموت أبداً حين يقتلوا الشاعر أو يقطعوا لسانه.. وهكذا انتشرت هذه القصائد وفضحته أكثر مما كنتُ أو كان يتوقع.. الحركة النقدية تعاني * كيف ترى الحركة النقدية العربية وهل أعطت التجارب الشعرية حقها أم لا تزال قاصرة؟ ـ هناك بعض الأقلام النقدية الجادة واللامعة، لكنها قليلة - كدأب الأبداع دائماً - وسط غابة الإدّعاء والمجاملات والاسترزاق حتى... بشكل عام لا أظن أن الحركة النقدية العربية استطاعت أن تلمَّ بالمشهد الشعري العربي وتستقصي تجاربه الجديدة واتجاهاته المغايرة.. ثمة قصور يعاني منه الجميع.. وهذا الحال ينطبق أيضاً على حركة الترجمة وحركة النشر وحركة الإعلام وغيرها.. وهي عوائق أثّرت كثيراً في تطور التجربة الشعرية العربية وانتشارها عالمياً.. ــــــــــــــــــــــــــــ صحيفة "الزمن" العُمانية 29/2/2008
|