أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
في حوار لمجلة "ضفاف":

جيلنا الثمانيني غيمة هائلة ضيعت نصف شآبيبها في الزمن اليباب

الكتابة بوهج الروح هي الأبقى والأصدق
كان الدم  يغطي حتى شراشف نومنا، والبعض يتحدث عن الهيولى والحوذي والياقوتة الثالثة

أجرى الحوار: وديع العبيدي
النمسا

  • المشهد الشعري العراقي .. دراسة لك، سبق للكثيرين  أن أدلوا دلاءهم فيها، ما هو جديدك في الموضوع ؟ ..

  • أن ما تولده الأجيال الجديدة من اتجاهات وعوالم ورؤى تسبق التنظيرات النقدية بخطوات وخطوات هو هذا الجديد والمثير الذي يتفجر به المشهد الشعري العراقي المعاصر والذي هو مخاض تجارب ومعارف وحروب وزنازين وحصارات ومنافٍ وغربة، تركت بصماتها واضحة على النصوص. لهذا أرى أنه لابد لمن يتصدى لدراسة الجيل أو المشهد برمته أن يستقريء نصوصه على ضوء الواقع ويستبطن تمويهات خطابه المستتر الذي يمور بين السطور وتحتها.

  • هل تؤمن بمسألة الأجيال والمذاهب والتصنيفات الأدبية، ما هي أسس تصنيف وتحليل المشهد الشعري الآن في العراق ؟ ..

  • الأجيال بدعة جميلة اخترعها الدارسون لتسهيل فرزنا وقت الحاجة. والمذاهب مدارس أنشأها أساتذة النقد لتطبيق مناهجهم وتحليلاتهم على نصوصنا، ولابأس في ذلك على مستوى التصنيف. لكن أحياناً يستكين الشاعر للجلوس طويلاَ على أريكته المريحة أو المكوث في تلك الخانة المخصصة لجيله عمراً كاملاً، ليجد نفسه – بعد فوات الأوان – خارج الزمن الشعري. لكن الشاعر المبدع المتفرد لا يرضى بهذا أبداً، لذا نراه يشاكس، يرفض، يثور، يقلب الكراسي، يحطم السبورة والزجاج ويقفز فوق سياج المدرسة راكضاً إلى براري الدهشة، ماداً لسان نصه لجميع المذاهب والمقاعد والأجيال. وإلا تعال قل لي في خانة أي جيل تضع المتنبي أو سان جون بيرس. وفي أية مدرسة تضع النفري أو دنيا ميخائيل.

  • أين هو الجيل الثمانيني من حركة الشعر العراقي ؟ .. وما الذي  يميزهم عن الجيل السابق (السبعيني) واللاحق (التسعيني) ؟ ..

  • جيلنا الذي ولد في الحرب وانتهى إلى المنفى والحصار والأقبية، تلاطمت أمواجه بشكل متسارع: تداخلت وتفرقت وتكسرت تبعاً للعواصف والبراكين التي كانت تمور في أحشائه. انني أراه الآن من نافذة منفاي: غيمة هائلة ضيعت نصف شآبيبها في الزمن اليباب.. مستذكراً مقولة برخت من جهة: "أنتم يا من ستظهرون بعد الطوفان الذي غرقنا فيه ..الخ " ومصطلح الناقد حاتم الصكر الذي أطلقه علينا في الثمانينات " شعراء الظل ". ثمة أشياء كثيرة تفرقنا عن ما سبقنا وما تلانا، بعدد الأشياء التي تجمعنا أيضاً، تبعاً لمستويات الحساسية الشعرية والتجربة والألم والكتب وشراسة الواقع وطريقة التعامل معه والتأمل فيه.

  • مواجهة الحرب ومعاينة الموت، تجربة فريدة ميزت الجيل الثمانيني العراقي، ما هي أصداء تفاعل وتعامل الأدباء مع إفرازات تلك المرحلة ؟ ..

  • البعض من أدباء جيلنا نزلوا من أبراج التنظير والكتب والتحموا بروح التجربة ونبضها الجارح، فحملت نصوصهم آلام الوطن وشهقاته المذبوحة على سواتر الحروب الخاسرة، وعبرت عن صبواتنا وتمرداتنا الخفية تحت ليل كابوس الرعب الطويل. وبعض الأدباء مروا بالحرب، بالحصار، بالوطن، ولم يلتفتوا إليه، لا في الداخل عندما كانوا هناك ولا في الخارج عندما امتلكوا حريتهم، بل وأنت تقرأ قصائدهم لا تعرف إن كان كاتبها فيليبينياً أم فرنسياً أم أرجنتينياً. وتعال لنر أية أكاذيب يفرضونها عليك بالتنظير والتزوير وعليك أن تصدقها، وأية ازدواجية تحملها بعض هذه التجارب. ففي الحرب، والدم يغطي حتى شراشف نومنا، كان بعضهم يتحدث عن الهيولى والحوذي وزهرة الغاردينيا والياقوتة الثالثة (أتمنى أن لا يحمّل كلامي على أنني ضد فنية النص وتنوعه واتجاهاته فلكل رؤيته في الكتابة وتجربته في الحياة.. لكنني أتحدث عن صدق التجربة أي صدق النفس والنص)، ولا بأس في ذلك، ربما تهرباً من موضوعة الحرب الكريهة ومن طبولها وإعلامها المفروض. وفي الانتفاضة مرت دبابات الحرس على مدننا وسحقتها سحقاً وقد رأوا بأم أعينهم أكوام الجثث المحترقة والاغتصابات والاعدامات الجماعية.. وخرجنا جميعاً من الوطن، فماذا كتبوا؟ لقد ظلوا مأخوذين بالحوذي والبجع، وأضافوا إليها فتاة الحانة الشقراء لكي يكتمل المشهد.. أنا لا أفهم حتى هذه اللحظة كيف يمكن لشاعر سحقت الدبابات وطنه أن يترك كل شيء ويتحدث عن الحوذي والبجع طيلة حياته. وتعجب لماذا لا يخرج إلى شوارع العالم لاطماً. وهذا يقترب من عجب أبي ذر الغفاري في صرخته الشهيرة: عجبت لمن لا يجد قوته كيف لا يخرج الى الناس شاهراً سيفه. باختلاف الزمان والمكان والحالة وأداة التعبير.

  • حاول بعض النقاد إسقاط أحكام مسبقة على الجيل الثمانيني متأثرة بنوعية الخطاب السياسي للنظام، ذلك جعل منهم ضحية مزدوجة للنظام وللظروف وللنقاد ؟ ..

  • الشعراء على مر التاريخ هم ضحايا ازدواجية الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي، الذي جرَّ العديد منهم إلى القتل والسجون والمنافي والعتمة من جهة. والى دائرة الضوء والمال والمناصب من جهة أخرى. وعلى هذا المنوال مات السياب غريباً منخوراً بالمرض والحرقة، ودفن الجواهري والبياتي وبلند الحيدري ومصطفى جمال الدين في مقابر المنفى، وظل صديقي الشاعر علي الرماحي مجهول  القبر بلا شاهدة حتى هذه اللحظة، والخ، والخ.. لكنهم كانوا أكثر حضوراً وضوءاً من تلك الأضواء المؤقتة التي سلطت على الكثير من الأبواق .. ولم يكن هذا المشهد الذي تراه إلا انعكاساً لواقع الدكتاتوريات التي فرشت أو فرضت خطابها السائد على عموم الساحة، – بالترغيب والترهيب– جالبة ومستوردة كتاباً ونقاداً ومنظرين يفصلون النصوص على مقاسات القائد الأوحد ورضاه، وماعدا ذلك فهو مكبوت ومقهور ومقموع.. وبين هذا الواقع والخطاب النقدي المسيس يعش المبدع تحدياته المستمرة الآن وفي كل حقب التأريخ.

  • ما يزل النقاد العراقيون يأنفون عن دراسة الشعر العراقي في العقود الثلاثة ما عدا بعض الأدباء والنقاد الشباب، كيف تعلل ذلك، وما هو أثره على سلامة الحركة الأدبية والثقافية ؟ ..

  • أنها محنة حقيقية أن ترى الحركة الشعرية تخترق وتستكشف آفاقاً جديدة في كل جيل وحركة ونص، وبعض النقاد مازالوا يراوحون في أماكنهم بين الجواهري من جهة، والسياب والبياتي ونازك من جهة أخرى رغم أهميتهم ومكانتهم الأدبية الباهرة، لكن الأهمية الأخرى تأتي من خلال امتداداتهم في الأنساغ الجديدة. وهذا يتطلب تقصياً ودراسة في النصوص اللاحقة التي ربما تحمل الكثير والفريد من الغصون والزهور والثمار. فالحياة تحفل دائماً بالجديد.

  • عدنان الصائغ .. أسم لا يخطئه القارئ العراقي والعربي، ما هي سمات تفردة وتميزه .. وكيف تعلل بروزه في المشهد الشعري العراقي، الى جانب أسماء متفردة من أجيال سابقة ؟ ..

  • أجد حرجاً أمام سؤالك، وأرى أن من الأجدى أن أترك الإجابة عليه للنقاد الذين تناولوا تجربتي فهم أكثر قدرة مني على الحديث أوالتشخيص. من جانب آخر يمكنني القول أن لكل شاعر أسلوبه وسماته التي تختلف أو تتمايز من شاعر الى شاعر باختلاف التجربة والقراءات والمعارف والألم والوعي والرؤية والصدق والابتكار والدهشة والنبض والخ.. والخ. كما أرى أن الكتابة بوهج الروح والدم هي الأبقى والأصدق في التعبير عن نبض العصر واحتدام الحياة، وهي بهذا تختلف عن اللعب بالمفرقعات اللغوية التي يلجأ إليها بعض الفارغين من أجل تزجية الوقت أو لفت الإنتباه .. ذلك أنني وجدت أن هذه الألاعيب النصية بدعوى الحداثة لا تختلف كثيرأ أو قليلاً عن القصائد المخمسة والمشجرة التي كان يتشدق بها شعراء الفترة المظلمة وهم يكتبون قصائدهم من اليسار الى اليمين ومن الأسفل الى الأعلى وهكذا .. فالتطرف المبالغ به سعياً الى أقصى الحداثة لابد أن يوصلك إلى أقصى الكلاسيكية. هكذا انتهت نصوص قحطان المدفعي إلى ما انتهت إليه قصائد عبد الغفار الأخرس. وقد قلتُ ذلك مرةً للشاعر خزعل الماجدي في إحدى حواراتنا بأنه إذ استمر في تطرفه الحداثوي فأنه لا بد أن يلتقي – عاجلاَ أو آجلاً - بالمنفلوطي.

  • في بداية وصولك الى أوربا واجهت حملة مضادة لدفعك الى الظل هل تعتبر ان وراءها أغراض سياسية أو أغراض أدبية غير مشروعة؟..

  • خرجت من العراق صيف 1993 – كما تعرف – أثناء مهرجان جرش، وفي عام 1994 أصدرت ديواني "تحت سماء غريبة" بتقديم الشاعر الكبير سعدي يوسف. وفي بيروت عام 1996 أصدرت ديواني "تكوينات" ثم " نشيد اوروك " ، ونلت على اثره جائزة هيلمان هاميت في نيويورك، وفي عام 1997 نلت جائزة مهرجان الشعر العالمي في روتردام، وقد وجهت رسالة الى البروفسور أ . ج . فيرستاي رئيس منظمة الشعر العالمية تحدثتُ فيها عما يجري للمثقفين العراقيين داخل العراق وما يتعرضون له من قمع وإذلال وتصفيات ومصادرة حريات وكانت تضم أسماءً وتواريخَ، وتحدثت أيضاً عن وضع الأدباء والمثقفين في المنفى وما يتعرضون له من ملاحقات مستمرة بسبب كتاباتهم. هذه الأنشطة وغيرها أثارت هياج السلطة من جانب فجندت بعض مرتزقتها ، ومن جانب آخر أثارت حفيظة تنابلة الأدب وشعراء الخانات الحزبية والمكرشين وراء طاولاتهم الثقافية والسياسية منذ سنين طويلة، فتنادوا جميعاً للويل والثبور، فهبت علي فجأةً ( أثناء انعقاد المهرجان أي صيف عام 1997) عاصفة من البيانات والشتائم والتهديدات والإشاعات بما لايخطر على بال. وقد رددت عليها جميعاً، وتحديتهم في صحف المعارضة والصحف العربية أن يجدوا في كل ما كتبته داخل العراق، في الصحف والمجلات، أو في المسابقات التي فزت فيها أو في كل دواويني، بيتاً واحداً أو سطراً واحداً كتبته في مدح الدكتاتور والنظام. العجيب والمرير والمضحك في الأمر إنني تعرضت الى مثل هذه الحملات نفسها في الداخل من قبل أبواق السلطة والأدباء الفاشلين، بعد فوزي بجائزة الشعر الكبرى عام 1992"، والجائزة الأولى في شهادات الحرب عام  1991، والأولى في الكتابة الحرة عام 1989، والأولى في الحوار الصحفي عام 1988 عن حواري مع الشاعر رشدي العامل. والتهمة كانت إن كتاباتي تدين الحرب وفيها هجاء خفي للنظام وللرئيس، فتخيل المشهد إذن، هنا وهناك! يا لمحنة المثقف المستقل، الحر، واللامنتمي إلا للإبداع والوطن والإنسانية.
    الآن هدأت أو كادت تلك الضجة، بعد أن انكشفت خيوط اللعبة وأدرك الجميع أنهم وقعوا ضحية التشويش والغبار الذي أثاره البعض ممن حاول تطبيق مقولة الأديب المعروف سعيد تقي الدين: "إذا أردت قتل خصمك لا تطلق عليه رصاص، بل أرمهِ بشائعة".

  • في مداخلتك الأدبية عن "المشهد الشعري المعاصر، النجف نموذجاً" التي ألقيتها في لندن مؤخراً، ثمة لمحات وانتباهات طريفة عن طفولتك.. هل تفكر في تسجيل سيرتك؟ وهل لك أن تروي بعض فضول القارئ في التعرف على شخصك عن قرب من  خلال تلك المذكرات ؟..

  • الحياة المبعثرة التي عشتها تصلح مادة ثرة لعمل أدبي تتمازج فيه السيرة والشهادة الأدبية والرؤية الحية للواقع والجيل والحرب والمنفى، وهذا مازلت أعمل عليه. في القاهرة قبل سنوات ألقيت شهادة شعرية عن الحرب أهديتها الى صديقي البغل الذي سبقني راكضاً في الطريق الجبلي المعشب الى النبع فأنفجر به اللغم ، فأثارت اهتمام الحاضرين، لكنها ضاعت فيما بعد في تنقلاتي بين البلدان. هناك مذكرات وقصائد وشهادات كثيرة كتبتها وفقدتها، مثل "أوراق مفقودة من ملف ميثم التمار".. ومع ذلك مازال لدي الكثير، ومنها "يوميات تحت القصف" التي كتبتها في بغداد، وشهادتي " المنفى الآخر" التي كتبتها في بيروت وستنشر في مجلة عشتار في استراليا، لكن الشعر الآن يشغلني ويعطل علي كل مشاغلي الأخرى ومباهجي أيضاً.

  • ثمان مجموعات شعرية خلال عقدين .. هل تعاني من وفرة في الإنتاج .. وهل يؤثر ذلك على النوعية والتطور الشعري؟ .. ما هو سبب وفرة الإنتاج ؟

  • كانت الكتابة بالنسبة لي – في الداخل – ملاذاً أهرب إليه من قساوة الحياة، وحصناً ألوذ به من الشظايا، وكأنني أكتب وصيتي الأخيرة وقد حدث هذا الشيء مع أغلب قصائد دواويني السابقة، وتجلى أكثر في ديواني "نشيد أوروك" الذي ولد في إسطبل مهجور في قرية شيخ أوصال في السليمانية، بين صناديق العتاد ورائحة الروث، ودوي القذائف المتناثرة حولنا ( حيث عشت فيه لعامبن جندياً 1984- 1986 ). كنتُ أكتب مدفوعاً بقوة غامضة لتسجيل شهادة حية وصادقة ومرعبة عما عشناه في سنوات الحرب والذل والألم والموت المجاني. وحين وصلت الى المنفى وجدتُ لكتابتي ولنفسي فضاءات رحبة من الحرية، منحتني دفقاً آخر، مختلفاً، وصارخاً، كان علي أن أواصل الكتابة فيها مدفوعاً بشهوة صراخ سجين رآى الشمس لأول مرة بعد عتمة ثلث قرن..

  • ما مدى أثر البيئة، النجفية عليك ومدى تأثرك واستيحاءاتك منها؟..

  • النجف المدينة التي قال عنها مصطفى جواد "حتى بقاليها هم شيوخ في الأدب والنحو" وقال عنها نزار قباني " لماذا تمطر سماء النجف خمسمئة شاعر في الدقيقة ولا تمطر سماء جنيف سوى ساعات أوميغا وحليب نيدو سريع الذوبان" .. النجف هي مدرستي الشعرية الأولى، التهمت مكتباتها وتهت في مقابرها ولطمت في مواكبها وأختبأت في سراديبها وصليت في مساجدها وسكرتُ على ضفافها وقرأتُ في ندواتها. فعلمتني لذة المفارقات الشعرية وعمقها .. كانت  الحياة نفسها تسيل شعراً في شوارعها، فمن أراد بناء بيت أو محل أو مدرسة أو منارة جامع، لا بد أن يخط على طابوقها أبيات من الشعر ومن أراد الزواج أو رزق بمولود أو جاء من الحج أو أشترى داراً لابد أن يفتتحها أو يكللها بباقات الشعر بدلاً من باقات الورد، ولا بد أن يتبارى الشعراء في هذه المناسبات. وأذكر أنني تعرفت على صديقي الشاعر علي الرماحي في بعض من هذه الاحتفالات الشعرية، وفيما بعد تعرفت أيضاً على ندوة الأدب المعاصر ومنها على شعراء وأدباء كثيرين مثل الشاعر الشيخ عبد الصاحب البرقعاوي وعبد الأمير الحصيري وغياث البحراني وكاظم الخطيب ومحمد سعيد الطريحي وآخرين.

  • الصائغ .. تسمية مهنية، نابعة من حرفة الوالد أو صفة العائلة .. ماذا كان سيكون أسمك لو لم تجد أمامك هذا اللقب (الصائغ) ؟ ..

  • والدي مات فقيراً في مستشفى الكوفة، لم يتعامل بالذهب يوماً، كان فلاحاً ومن ثم بقالاً بسيطاً، وقد ورثت الكثير من ديونه للحياة ومن نفوره البهي للبريق الخادع. أما "الصائغ" فهو لقب أخذته من أسم خالي د. عبد الإله الصائغ الذي كنتُ معجباً في طفولتي بشعره وصحبته لشعراء كنت أرى صورهم تتلامع على صفحات الجرائد والمجلات. وكنت أحسب أن إضافة هذا اللقب الذهبي إلى أسمي سيكون مفتاحاً سحرياً لدى مسؤولي الصفحات الثقافية!

  • عدنان الصائغ، الشاعر ما يزال وفياً لايقاع القصيدة العربية الكلاسيكية، في جانبيها: الايقاع العالي، وملاحقة التفعيلة، هل هو أثر التراث.. أم بقايا البدايات..؟

  • كتبتُ الإيقاعات الثلاثة: أي العمودي والحر والنثر، وجاء تنقلي طبيعياً أملاه إيقاع الحياة نفسها. ذات يوم وقفتُ مذهولاً أمام اللوحات الأولى لبيكاسو أبي التكعيبية.. كانت احداهن تحمل رسماً لطبيب يجس نبض يد فتاة مريضه، ذهلت أمام دقة التقاطيع والتفاصيل الطبيعية الكلاسيكية حد أنك تتوهمها صورة حية نابضة. من تلك البداية الحقيقية بدأت تنقلات بيكاسو في مراحله الملونة: الزرقاء، الصفراء ومدارسه المتعددة .. هذا الانتقال أو التدرج الطبيعي يدل على دراية وخبرة ومهارة وتطور طبيعي حتمي وحقيقي وليس مجرد صرعات فارغة بدعوى التحديث، وقد تعلمت من هذا الكثير. فالحداثة لا تأتي من فراغ أو قفز في الهواء. عبثاً كان يتجه بعض الشعراء  الى قصيدة النثر وهو لا يعرف ما الفرق الايقاعي والنفسي والأسلوبي بينها وبين القصيدة الحرة والموزونة .. لقد بدأت من المدرسة النجفية المعروفة في صرامتها في النحو والعروض حد أنك إذا أخطأت تنحنح الحاضرون وتعالت أصواتهم.. كنت صبياً وكانت ترعبني تنحنحاتهم.. وحين انتقلت إلى بغداد وأخذتني شوارعها وحاناتها ونساؤها ومكتباتها وشعراؤها، وجدتني انفلتُ من عقال الايقاع الكلاسيكي الى انسراحات القصيدة الحرة. وفي الحرب وأمام دوي القذائف غير المنتظم راحتُ قصيدتي تتشابك بايقاعاتها وهمومها وتذمراتها.. وفي التسعينات وقبل أن أغادر الوطن رحتُ أضيق بالوزن والأسلاك أكثر وأكثر، فوجدتني أسيل على شكل نص مفتوح، مبنى ومعنى، لا يحده أي شيء، ومن ذلك المضمار، بدأ عملي الجديد الذي أسميته " نرد النص" عام 1996 في بيروت والذي مازلت أشتغل عليه حتى الآن..  

  • قصيدة النثر، القصيدة المدورة، أجيال شعرية حاولت أن ترسخها في الواقع العربي. ما رأيك فيها .. باعتبارك معاصراً لها ..

  • لكل شاعر أيقاعه وشكله الشعري الذي سيعرف به فأنت تشم قصيدة الماغوط النثرية عن بعد خطوات، وتدور بك مدورات حسب الشيخ جعفر في صقيع موسكو وحاناتها وأنت جالس في مقهى حسن عجمي، ويشدك الجواهري وأنت منغمس برولان بارت وفوكو ، وتأخذك انسيابية السياب والبياتي وبلند وأنت في أقصى القطب أو أقصى الحداثة. هذا الترسيخ الحي والمتجذر لا يأتي اعتباطاً وأنما بالدربة والموهبة والتأسيس الذي لن يغير اتجاه سفينة الشاعر المبدع نحو مراده حتى في أوج العواصف والأمواج. بالنسبة لي استفدت كثيراً مما أتاحته لي القصيدة المدورة من مديات وإيقاع وشكل وانسياب ورؤى في تجربتي لكتابة قصيدتي الطويلة "نشيد أوروك".

  • شعر المهجر، لويس عوض، تجربة السياب والبياتي، أدونيس، يوسف الخال، تجارب متشابهة في اتجاهاتها، متشابهة في تأثرها بالغرب، كيف تقيم هذه الأتجاهات، وهل تعتقد أن بالإمكان تطوير العمود الفراهيدي إلى قصيدة عربية حديثة بدون تأثيرات وبصمات غربية ؟ ..

  • هذا الرأي ليس كله صحيحاً .. هناك من ذابوا في الغرب ذوباناً وتأثراً وانشداها دون أن يمنحونا شعراً كالذي منحته هذه الكواكب الشعرية اللامعة في سمائنا رغم غبرة عجاج حروب داحس والغبراء الشعرية لدينا. فالتأثر والتأثير يمنحانك قوة وتجديداً وترسيخاً في تراثك ويحفظ لك خصوصيتك التي هي أيضاً تشد الغرب وتأسره كما حدث من تأثر كبار كتابهم بألف ليلة وليلة والنفري وأبي نؤاس وأبي العلاء المعري والنفري وأبن رشد. عملية التأثر والتأثير ليست جديدة. آخر إحصاءات الكتب تقول ان كتب جلال الدين الرومي أصبحت تباع بالملايين في مكتبات أمريكا.. وخذ ما تحدث به بورخس عن تأثره بألف ليلة وليلة شاهداً على حوارات الثقافات في كل أرجاء العالم حديثاً وقديماً.. لكنك لا ترى في نصوصهم المتأثرة  استلابأ أو مسوخاً، لقد  ظل غوته شاعراً ألمانياً ودانتي شاعراً ايطالياً وظل السياب شاعراً عربياً..

  • ربطت بينك وبين الشاعر الكبير البياتي علاقة متفردة، ماذا كان يراودك وأنت تقف أمام جبل شعري، ما هو أثره فيك ؟ .. هل سرقت منه سر نار الشعر، أم سلمك مفتاح الحلاج كما في إحدى قصائده ؟ ..

  • تعرفت على البياتي في صدفة مدهشة، كنت عائداً من الجبهة بجراحات روحي وبسطالي المغمس بأوحال الحروب والروث، للمشاركة في مهرجان الأمة الشعرية عام 1985 وهو أول مهرجان كبير أشارك فيه .. وفيه تعرفت لأول مرة على صديقي عبد الرزاق الربيعي وفضل خلف وأمل ودنيا ميخائيل وجواد الحطاب وعشرات آخرين. في أيام مهرجان كنت غريباً ووحيداً أتلفت حائراً بين وجوه المدعوين اللامعة حينما اقترب منى أحد الشعراء وأخبرني أن البياتي يسأل عني، ذهلتُ، لم أصدق .. قلتُ له: ربما يقصد يوسف الصائغ أو صادق أو عبد الإله الصائغ .. لكنه أجاب: بل يسأل عنك أنت. أسّرتني وسرتني المفاجأة أكثر وحثثتُ الخطى باتجاهه حيث كان يجلس محاطاً بمجموعة من الشعراء العرب والعراقيين. قدمني له، فنهض البياتي مرحباً وهو يقول: "لقد شدتني وأنا في إسبانيا بعض قصائدك الجميلة التي قرأتها لك في الصحف العراقية التي تصلني الى هناك". وطلب ديواني الأول الذي كان قد صدر قريباً، فهرعتُ إلى حقيبتي وأهديته أياه وحين سأل عن جديدي قلت أنني في صدد إصدار ديوان جديد قال متحمساً سأقرأه وإذا أعجبني سأكتب لك كلمة على غلافه .. لم أصدق أذني وعيني وأسرعت ثانيةً لأحمل له مخطوطتي. بعد أيام نادتني أبنته ووجدتُ البياتي يقدم لي كلماته الشعرية الرائعة التي توّجت ديواني الثاني: "أغنيات على جسر الكوفة" الذي صدر عام 1986. بعدها استمرت الرسائل بيننا حتى عودته الى بغداد. وكنا نجلس في مقهى على ضفاف أبي نؤاس يشاركنا أحياناً المفكر والكاتب عزيز السيد جاسم .. هذه الرحلة قادتني الى أطول حوار شعري في حياة البياتي نشر في كتاب "ما تبقى بعد الطوفان" في لندن 1996. وبعد وفاة أبنته نادية واشتعال الحرب انتقل إلى عمان. من هناك كتب قصيدته الرائعة " اكتشاف" التي شرفني بإهدائها لي وقد ضمها في ديوانه " كتاب المراثي " الذي صدر في بيروت عام 1995واستمرت العلاقة بيننا حتى اتصالي الأخير به الى دمشق قبل وفاته بأيام، لأطمئن على أخباره وليحدثني عن رحلته العجيبة الى طهران.. كثيرة هي الأشياء التي تعلمتها من البياتي وأهمها حكمة ابداعية نقلها لي عن فنان روسي عاشره لفترة عن أهمية الاحتفاظ بديمومة الوهج الإبداعي في لحظات الخلق وعدم تبديدها بأي فعل وهما كان الثمن.

  • مع ذلك يصعب تلمس آثار بياتية في قصيدة الصائغ .. بمعنى آخر كان الشكل الشعري مستقرّاً لديك عندما تعرفت عليه، ربما أثر عليك فلسفياً أما شعرياً فبالكاد ؟ .. ما تقول ؟..

  • لم يبق شاعر مبدع ومثير في التأريخ لم أتأثر به وهذا الخليط الإبداعي هو الذي مسح كل أثر لأي شاعر معين على سطح قصائدي، فأنا نهم القراءة وسريع الانفعال والتأثر والهوس بشكل عجيب بأي شيء جميل حدَّ أنني أبقى أدور في الشوارع لأيام حين يعجبني نص ما.. حتى يأتي نص آخر فيثيرني وهكذا تبقى تجربتي طليقة من أسر التأثر بمعناه السلبي.. عندما تعرفت على البياتي الكبير كنتُ في بداياتي، لكنني رغم حبي لشعره كنتُ أقاوم أمواجه العاتية – بقراءاتي المتنوعة وبتجربتي المستمدة من حياتي. كي لا تجرفني الى سواحله، أو الى سواحل غيره من جيلي ومن الأجيال التي سبقتنا كسعدي يوسف، وحسب الشيخ جعفر والماغوط وسان جون بيرس ولوركا والمتنبي والنفري. كنتُ أبحث عن شواطئي وجزري الخاصة.

  • تأكيدك على المنفى في قصائد الخروج .. هل له علاقة بتردد هذه الكلمة لدى البياتي، أم أنها صدى لتجربتك الذاتية ؟ ..

  • كان إحساسي بالغربة يتصاعد وأنا في وطني، وقد كانت مفرداتها تتقافز  في دواويني وخاصة الأخيرة. فالمنفى الذي كنا نعيشه في وطننا ونصوصنا هو أكثر مرارة وتعقيداَ، فلسفياً وروحياً. ذلك أن الشاعر ربما يعيش في النص أكثر مما يعيش في الحياة، لذا كان إغترابنا في نصوصنا واضحاً وساطعاً في الوطن وفي المنفى على السواء.. الجيل السبعيني أعلن عن نفسه بالعدد الخاص لمجلة الكلمة التي أسسها حميد المطبعي وموسى كريدي في أواخر الستينات، كيف أعلن الجيل الثمانيني عن نفسه ؟

  • الجيل السبعيني أعلن عن نفسه بالعدد الخاص لمجلة الكلمة التي أسسها حميد المطبعي وموسى كريدي في أواخر الستينات، كيف أعلن الجيل الثمانيني عن نفسه؟

  • تمر الأجيال الشعرية والحركات الفنية على مر التاريخ بدورة حياة تبدأ من بذرة التكوين وتنتهي بالثمار أو اليباس. وكأي غابة نجد فيها العشب والعاقول كانت في غابة جيلنا أيضاً أشجار معمرة ومثمرة وأحشاش موسمية وطفيليات.. وهكذا احتشدت سنوات الثمانينات بقائمة طويلة من الشعراء أحصاهم نصيف الناصري نحو 104 شاعراً، لم يتبق منهم اليوم، من الفاعلين والمؤثرين أكثر من عدد أصابع اليدين، وهذا أمر طبيعي يحدث في كل جيل وزمن، فما الذي بقي ياترى من جيل الرواد والستينيين أو السبعينيين مثلاً؟ وبصورة أشمل ما الذي بقى من شعراء زمن المتنبي أو شكسبير؟
    جيلنا الذي ولد مع دوي المدافع وأصوات القذائف كان ظهوره أيضاً مدوياً وصاخباً ولا يزال من خلال نتاجاته وطروحاته الشعرية والفكرية والتنظيرية المتنوعة وصخب معاركه.
    وكانت قد بدأت بعض أصواته تنمو خارج المشهد الشعري المضاء هنا وهناك حيث أخذت تؤسس مشروعها وتلفت إليها الأنظار..
    سمي جيل الثمانينات وسمي أيضاً جيل الحرب وأطلق عليه الناقد حاتم الصكر جيل الظل، وسماه كمال سبتي أو حمزة مصطفى جيل المصححين نسبة الى عمل قسم كبير منهم في قسم التصحيح في المجلات والصحف اليومية، وسمي أيضاً جيل مقهى حسن عجمي، وسمي فيما بعد جيل قصيدة النثر، والخ من التسميات،
    وقد بدأ أسم الجيل يتردد هنا وهناك، منتصف الثمانينات في المقاهي وبعض المقالات الصحفية. وكان لي شرف تهيئة أول ملف أدبي عن الجيل الثمانيني وضعت أمامه عنواناً لافتاً: "أيها النقاد أنتبهوا رجاءً. الثمانيون قادمون" ضم شهادات ونصوص أغلب الأصوات المهمة في الجيل. وقد أشار الى ذلك الناقد محمد الجزائري في كتابه " احتلال العقل" والشاعر علي عبد الأمير في شهادته في مهرجان جرش وآخرون.
    كما كرست أول عدد من مجلة أسفار لجيل الثمانيني - حين أشرفت على تحريرها صدفة مع مجموعة طيبة من الأصدقاء نهاية الثمانينات - قدمت فيها أكثر من أربعين شاعراً أذكر منهم: عبد الرزاق الربيعي، دنيا ميخائيل، فضل خلف جبر، عقيل علي، خالد جابر يوسف، علي عبد الأمير، عبد الحميد الصائح، محمد تركي النصار، أمل الجبوري، نصيف الناصري، لهيب عبد الخالق، وسام هاشم، محمد مظلوم، صلاح حسن، سعد جاسم، ليث الصندوق، عمار عبد الخالق ، أحمد عبد الحسين، فاضل عزيز فرمان، أديب أبو نوار، ريم قيس كبة، سهيل نجم، حسن النواب، زعيم نصار، كريم شغيدل، سلام سرحان، إبراهيم رياض، باسم المرعبي، كاظم الفياض، وآخرين. كما ضم العدد دراسات لنقاد مهمين عن الجيل وحوارات . وقد كتبت عنه الصحافة العراقية والعربية كثيراً، ومنها مقالة الشاعر عباس بيضون ( ملحق النهار 25/4/1992) لكن العدد من جانب آخر أثار هياج كتاب التقارير والسلطة معاً .
    وقد أعقبت أو تخللت ذلك في تلك الفترة ملفات عديدة أعدها بعض شعراء السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات عن تجربة الجيل بالاضافة الى الدراسات والندوات والشهادات العديدة.

  • بدأ وكأن الثمانينيين خرجوا من معطف السبعينيين كما لو كانوا امتداداً لهم، ولكنهم ما فتئوا وأفرزوا تميزهم وتجاوزهم بينما بقي السبعينيون يراوحون مكانهم يبحثون عن أبوة جيل يفرضون عليه وصايتهم ؟

  • ليس هنالك جيل شعري في تاريخ الكتابة يخرج من فراغ . كل جيل أو شاعر خرج ويخرج من تمخضات تجربة من سبقوه أو جايلوه . يحاذيهم، أو يتخلف عنهم ربما، أو ويتجاوزهم. وبما أن الجيل السبعيني كان ملاصقاً لتجربة جيلنا في المقهى والشارع والصحف والندوات فكان طبيعياً - في البدء - أن يفرشوا ظلالهم على معظم تجارب جيلنا غير أن هذه الظلال سرعان ما تلاشت أو كادت، أمام تزاحم الحياة والتجارب الأخرى والاستكشافات الجديدة.
    بالنسبة لي – ولا أدري لماذا - لم يستوقفني أحد منهم حدَّ التأثر والاندهاش رغم صلتي الطبيعية والطيبة معهم واعتزازي بتجاربهم. كانت تجربتي الشعرية مختلفة تماماً عن الجيل السبعيني وحتى عن جيلي ربما لخصوصية التجربة الحياتية التي عشتها بألم وافراط أو ربما لقراءاتي الأولى والظروف والعذابات التي سكنتني منذ الطفولة. وربما أيضاً كان بسبب طبيعة التشدقات المبالغ بها بالحداثة لدى البعض وتطرفهم بالغموض المشوش ولهاثهم وراء الدراسات والنصوص المترجمة واستنساخها دون هضمها وهذا ما جعلهم يدورون في فراغ الشكل والغموض دون الوصول الى أي شيء. الكثير من جيلنا دار معهم ثم عاد لنا خاوياً، والبعض الآخر اتجه الى الدراسات النقدية حتى غطى قش التنظير على أزهار نصوصه، والآخر انشغل بالكتابات الصحفية حين وجدها أقرب إليه أو أكسب من الشعر، والبعض الآخر أختصر طريق الكسب فاتجه الى مائدة المديح ليجد شمس القائد أكثر سطوعاً من رمادنا، والبعض الآخر وهم القلة الباقية الآن ظلوا ملتصقين بتجاربهم الحقيقية وهموم الشارع وحركات التجديد وتجليات الروح يطورونها بهدوء بعيداً عن الضجيج والإدعاء.
    بالنسبة للوصاية فهي تغدو في الأدب أقرب الى العملية التربوية منها الى  الابداع. فقد تنتج شعراء طائعين أو متعلمين لكنها لا تنتج شاعراً مبدعاً مهووساً بالتجدد والحرية والجمال. ذلك ان الإبداع هو الانفلات من الوصايا والنظم والأنظمة والتقليد والتقديس. أما البحث عن ابوة جيل فهذا لا تليق إلا بالأدباء المتقاعدين.

  • مَنْ هي الأسماء المتميزة الأخرى في الجيل الثمانيني التي كان يمكن أن تبرز لو أتيحت لها الظروف الملائمة، ولم تقسرها الحروب والحصارات ؟

  • هناك أصوات كثيرة ورائعة في المشهد الشعري الثمانيني أثبتت حضورها الابداعي وظلت أكثر لمعاناً رغم حجب الدخان والضوضاء والادعياء والحصارات والتهميش. فالجيل الثمانيني ضاج وعاج بالأسماء المبدعة والتي تشكل لوحدها عوالم ورؤى تجديدية فذة. خذ " تاريخ الأسى" لطالب عبد العزيز وخذ "جنائز معلقة" لعبد الرزاق الربيعي وخذ "الأرض المرة " لباسم المرعبي وخذ "يوميات موجة خارجة عن البحر" لدنيا ميخائيل . وخذْ أسماء أخرى مثل حسن النواب، سعد جاسم، أبراهيم البهرزي، محمد مظلوم وفضل خلف جبر وعبد الزهرة زكي وعلي عبد الأمير وهي أيضاً لا تنسينا أسماء وأسماء أخرى مازالت تواصل نشيدها أو نشيجها. وخذْ المجاميع الصغيرة بحجم الكف التي يصدرها أصدقاؤنا المبدعون الآن هناك، وخذْ وخذْ، ويمكنني أن أعدد لك الكثير والكثير .. لتجد ابداعاً متميزاً على جميع الأصعدة.
    في كل جيل تظهر مئات بل الآلاف الأصوات الشعرية والزمن وحده الكفيل بغربلتها، فتعلو أصوات وتختفي أخرى تبعاً لظروف عديدة لكن الموهبة الحقيقية هي التي تقاوم وتزداد تماسكاً ولمعاناً كلما اشتد عليها الضغط والحصار تماماً كحبة الماس في باطن الأرض. أما الحجارة فانها سرعان ما تتفتت وتتحول الى رمل وذرات غبار.

  • بين الجيل الثمانيني والتسعيني أكثر من آصرة، تجربه صعبة، إبداع متفجر ولكن التسعينيين عرفوا طريقهم جيداً بينما فضل بعض الثمانيين الصمت أو البحث عن يوتوبيات خاصة ؟ .. كيف تقيم شعر التسعينات، وماذا تنتظر منه ؟

  • عشنا حربين وحصارات متعددة أثرت على تجربة جيلنا والأجيال الأخرى بشكل لافت للنظر، لكن البعض من جيلنا أتجه الى يوتوبيا الغموض والهيولى تعريضاً أو هروباً من مواجهة الواقع المستعر.. التسعينيون كانوا أجراً في النزول الى شارع الحياة الملتهب واستبطانه واستنباط مفرداتهم من تفاصيله اليومية .. ما يصلني من نصوص وأنا في منفاي يؤكد هذه الحقيقة وقد لمستُ ذلك لديهم. جيلنا كان أكثر اقتراباً من الجيل السبعيني الذي ظل مأخوذاً في الدوران حول الواقع دون ملامسته. التسعينيون كانوا أقرب وأقرب. لذلك كان انطفاء كواكب الشعر السبعيني أكثر من انطفاءاتنا .. ومن يدري ماذا سيحدث للجيل الثمانيني والتسعيني ومن سيأتي بعد ؟ هذا في العموم لكنه لا يلغي الإشراقات الشعرية المتفردة في أي جيل ..

  • الوصاية التي حاول السبعينيون فرضها على الثمانيين، هل حاولها الثمانينيون مع التسعينيين ؟

  • الثمانيون لم يتمكنوا من فرض وصايتهم على أحد، لأسباب عديدة منها لأنهم لم يمتلكوا الوقت ولا الأرضية. كان الوقت يجري سريعاً مشتعلاً بالشظايا قبل ان يشدوا حقائبهم وفوضاهم الى المنفى . لهذا لم يجد التسعينيون شيئاً ذا بال، فما أن فتحوا عيونهم حتى وجدوا، أولاً: أن أغلب الثمانين قد نزحوا خارج البلد. وثانياً: أن التجربة المريرة التي عاشها التسعينيون اعطتهم دروساً اضافية لم تخطر على بال فكانوا أكثر تجريباً وحكمة وعراكاً ممن سبقوهم. ثم ثالثاً: لماذا الوصاية؟ الوصاية لم تعد تليق بالأجيال الجديدة. والشعر بشكل خاص هو المتمرد الذي يضيق بالوصايا والأرشادات. ان لكل جيل بل لكل شاعر أرضه وزرعه ودموعه بل أن لكل مرحلة من حياة الشاعر نفسه تجربتها المختلفة.

  • وقف التسعينيون على تراكم معرفي وتجاربي معيشي كبير، أنعكس على تنوع طرائقهم الشعرية، والاعتداد والنضج التي تتمثله؟ .. كيف ينظر عدنان الصائغ الثمانيني الى التسعينيين ؟ .. كيف تتحدد آفاق تجاربهم ؟

  • التسعينيون هم خلاصة لأصعب فترة في تاريخ العراق. ولدوا بين حربين وحصارين وعصرتهم الحياة من كل جانب لهذا اقبلوا بشراسة على الكتابة والمغامرة فولدت أصواتهم في خضم ذلك الجحيم الملتهب. لكن هذا الاشتعال السريع أعقبه انطفاء سريع لبعض الأعواد الكبريتية، أما الأعواد الشعرية الأصيلة فقد ضلت متوهجة.
    الأسماء كثيرة: خذ نصوص سلمان داوود، محمد الحمراني، فليحة حسن، أحمد الشيخ علي، ماجد الشرع، وعبد الأمير جرص. شعلان شريف ، عبد الخالق كيطان، جمال علي الحلاق، حسين علي يونس، سليمان جوني، فرج الحطاب، عباس اليوسفي، عماد جبار، نجاة عبد الله، ريم قيس كبة، سلام دواي، غريب اسكندر، حسن النصار، رعد زامل، خالد عبد الزهرة، وآخرين وعذرأ لمن نسيت أسماءهم
    تجربة المنفى والقمع والحصار الدولي اللانساني فشلا في تدمير وتفتيت الثقافة والأدب العراقي لكنهما – ياللمفرقة-  نجحا في تفتيت الناس والوطن والأخلاق. فقد توزعت الآثار الأقتصادية والسياسية والإجتماعية بوضوح على عموم وضعنا هنا وهناك، غير أن تأثيرها في الداخل كان بشكل أكثر ضراوة ووحشية. كان يمكن للثقافة أن تنقذ ما تبقى، ولكن..
    وكان يمكن لأدبنا وفننا ملئ آذان العالم بمعاناتنا وصراخ شعبناً ضد الدكتاتورية والحصار معاً ؟ ولكن.... ( وههذه الـ لكن تفتح أسئلة وجروحاً لا تنتهي)
    أن تجربة الألم العراقي تجربة فريدة تستطيع أن تلفت اليها أنظار العالم لو استطاع الشاعر أن يتوحد مع نفسه ويكون صادقاً في نقل تجربته هو وليس صدى تجارب ما يقرأه من النصوص العالمية فما فينا يكفي.
    جيلنا عاش عدة تجارب مريرة أيضاً: الحرب، الأعتقال، الحصار، المنفى الشتات. لذلك نجد خليطاً عجيباً ومدهشاً من الرؤى والتناقضات والتجارب والكوابيس. وهذه التجارب كانت ضاغطاً قوياً على صدر الشاعر ونصه حد الأختناق. البعض اختنق فعلاً وانتهى، والبعض الآخر كانوا أقوى واستطاعوا أن يتصاعدوا بناياتهم الشفيفة من ركام الخراب الى فضاءات البوح الانساني وهذا هو الأبقى والأجدى...

  • ما هو اختلافك عن الجيل الثمانيني ؟

  • لا اختلاف ولا اتفاق إلا بمقدار ما تفرضه الحياة من اختلافات وافتراقات أو يجترحه الشاعر لنفسه من طرق في القراءة والتوجه والذائقة والوجع والفرح والأماني والمثابرة والجرأة و.. و.. الخ وهذه من البديهيات في كل جيل وحركة وتجمع.. ومن هذا الباب يمكنني أن أشير إلى أشياء كثيرة أتفق عليها مع جيلي مثلما هناك أشياء كثيرة لا نتفق عليها أيضاً، ومنها إغراق النص بالغموض والتجريد الكلامي المحض أو المباشرة الفجة.. وغير ذلك.

  • التجربة الخاصة التي يمر بها العراق حالياً، هل استطاع الأدب العراقي استيفاءها أدبياً، وهل تتأمل طفرات إبداعية عالمية تولدها الظروف الاستثنائية الراهنة ؟

  • نعم، هناك الكثير مما هو خبيء ومضيء سيدير أعناقنا جميعاً. المشكلة أن الأدب العراقي وقع ضحية الصراعات الأيديولوجية العابرة إذ ينحى التقييم في أحيان كثيرة إلى هذا المقياس. والمشكلة الثاني أن أدب الداخل (الأدب الأصيل المبدع الحر وليس أدب السلطة) يعاني من تهميش وحصار من الداخل من جهة، وتهميش وحصار من الخارج من جهة أخرى.. أقول بصراحة، انها محنة علينا أن نلتفت إليها سريعاً، بعيداً عن الخانات الضيقة وتصفية الحسابات والمصالح. فمسؤولية إيصال نتاجنا الإبداعي إلى الساحة العربية والعالمية ستبقى في أعناقنا إلى الأبد، أحزاباً وجمعيات ومثقفين وسياسيين وإعلاميين ودور نشر ..

  • هل هناك أزمة في الثقافة العراقية، وأين يكمن سببها في الثقافي أو السياسي .. وما هي وظيفة الأديب في هذه الرحلة ؟

  • الأزمة صنعناها بأنفسنا من خلال الأسوار التي صنعوها لنا ورضينا المكوث خلفها والنظر من خلالها للنصوص وللحياة والأشخاص. وهي للأسف موجودة بيننا وبين الأجيال السابقة من جهة، وبين الجيل نفسه من جهة أخرى، ثقافياً وسياسياً، فوق أرض غنية وملتهبة ظلت عرضه للتقلبات والانقلابات على مدى تأريخنا القديم والمعاصر. لكن البعض زادها بنفسه وعمّق الهوة أكثر وأكثر بطروحاته البائتة. وعلى هذا تعيش الثقافة وبعض المثقفين العراقيين في اصطراع سياسي أكثر مما هو ثقافي. فالدكتاتورية من جانبها كانت تريد تجيير الثقافة باسمها طولاً وعرضاً وبشتى أساليبها ( هناك فعلاً أسماء سقطت في الشرك أو باعت نفسها بنفسها، لكنها أسماء قليلة وهامشية)، وظل المبدعون في الداخل يأبون ذلك ويقاومونه بشتى الوسائل وعلى مدى سنوات طويلة، وهذا ما يدعونا حقاً للافتخار. لكن يبدو أن البعض من سماسرة  الأحزاب والآداب لا يريدون أن يسمعوا مثل هذه الحقائق، مستفيدين من الغموض والتشويش، فخلطوا الحابل بالنابل، والمثقف الجاد بالمطبل، والموظف برجل الأمن، والشعارات بالإشاعات، والتنظير بالتزوير. ترى لمصلحة من يتم هذا الخلط والتشويش والتشويه الذي أوقع المثقف والسياسي وقطاع الشعب في حيص بيص. يقول الشاعر معين بسيسو: "الضحية واضحة والجلاد واضح فلماذا الغموض".

  • أين هو الشعر العراقي من المشهد الشعري العربي، وأين هي الجذوة الشعرية الآن ؟ ..

  • مازال الشعر العراقي رغم كل الظروف القاهرة أكثر توهجاً في سماء الإبداع العربي والى ذلك يشير الكثير من النقاد والدارسين المعاصرين هنا وهناك. أن بلداً مثل العراق مرت به كل تلك الويلات والحروب والدكتاتوريات وظل قادراً على العطاء والتجديد والإبداع المتواصل، لهو أمر ملفت للنظر حقاً. ذلك أن الإبداع أقوى من سيف الجلاد.. ولقد حدث هذا الشيء نفسه إلى حدٍّ ما، في فترة العصور المظلمة حيث ولدت ثلاث عبقريات مازال اشعاعها يتواصل بما قدمته من منجزات خالدة: ابن منظور في "لسان العرب"، وأبن خلدون في مقدمته وتأريخه، وأبن بطوطة في رحلاته وأسفاره ..

  • أحتفظت بعلاقات طيبة شعرياً مع كل الأجيال الشعرية الموجودة على الأرض، بدءاً بالبياتي والحيدري والصائغ وسعدي ومروراً بالسبعينيين (خزعل الماجدي، سلام كاظم) إنتهاء بالتسعينيين، عرباً، أكراداً، عراقيين وغيرهم وأجانب ؟ .. كيف توائم بين هذا كله، وأين تجد نفسك داخلهم، هل ينبع ذلك من وحده أنتماء قرابي عائلي، أم وحده مصير وهم، أم يستند إلى روح متسامحة أدبياً وإنسانياً، أم دبلوماسية موجهه ؟

  • حين تحاصرني الوحشة والصقيع وأنا جالس الى طاولتي الصغيرة في جنوب القطب، تلمع وجوه أصدقائي كالنجوم اللامعة في تلك السماء البعيدة. وحينما أقلب مكتبتي وذكرياتي يمدون برؤسهم ويصطحبونني الى شوارع بغداد وأزقة النجف ومقاهي العواصم العربية وساحات أوربا وكندا وامريكا واستراليا. يحدثوني بما لم تذكره المجلدات من تواريخ سرية وأحلام مهربة. ويقرأون لي نصوصاً ويوميات لم تحوها دواوينهم وكتبهم. هذه العلاقات البهيجة تذكرني بقول الشاعر رسول حمزاتوف: " ثروتي في هذا العالم هم أصدقائي". صحيح أنها أخذت مني الكثير لكنها أعطتني الأكثر وعلمتني الأسمى والأجمل في رحلة الكتابة.
    البياتي علمني أسرار الحفاظ على الوهج الابداعي وضرورة ابقاء حرائقه في روح الشاعر مشتعلةً الى الأبد.
    وسعدي يوسف أغراني بأهمية الاتفات إلى الأشياء الأليفة والخفية والمهملة في هذا العالم.
    وبلند الحيدري دلني على البحث عن الينابيع الأولى والنقاء وشراسة الدمعة.
    ورشدي العامل فجر بي رغبة الضحك على البرابرة في عقر ديارهم من خلال قصائدنا المبطنة.
    الصائغ عبد الإله وهو خالي علمني الكثير الكثير في بداية حياتي الشعرية وفتح عيني على عالم الشعر الرحيب . أما يوسف الصائغ، فهو شاعر مهم متعدد المواهب والابداعات. وقد اكتشف من خلال تجربته ان شعرة معاوية لا يمكن ان تبقى أو تصلح في المعادلة الصعبة بين السلطة والمثقف، ولا أدري أين أوصلته تلك الشعرة اللعينة الآن. وكان الصديق الشاعر هادي ياسين علي يقول: على الشاعر في زمننا ان يتسلح بموهبة أخرى هي موهبة الحفاظ  على نصه ونفسه من السقوط.
    خزعل الماجدي وسلام كاظم  أكتشفتُ من خلال نصوصهما أن  طريق الشعر غير هذا الذي كثرت فيه الخطى والطلاسم والغموض رغم حرصهما الشديد عليه.
    عبد الرزاق الربيعي علمني أن الخيبة يمكن أن تفجر فينا شعراً مليئاً بالأمل والتحدي إذا صدق الشاعر مع نفسه ونصه.
    دنيا ميخائيل علمتني أن مرآة الشاعر الوحيدة هي طفولته.
    عبد الصاحب البرقعاوي علمني أنتقاء المفردة، وجمال العيش مفلساً. والخ.. والخ

  • هل أنت راضي عن نفسك شعرياً، سياسياً، في الداخل، في الخارج؟ .. والى أي حد ؟

  • الرضى ذلك الدبق المميت الذي لم يخطر على بالي أبداً وهو كالغرور انتفاخ كاذب.
    شعرياً: ما زلت أواصل البحث عن جمرة الشعر وسط رماد الأشياء التي تغطي حياتنا.
    سياسياً: أقول أن التجربة المريرة عبر تأريخ العراق السياسي الذي عشناه شعارات وسجوناً واعتقالات وحروباً ومنافٍ وشتات جعلتني أنظر بتشائم الى الواقع السياسي في العراق. ورغم أن أرسطو يقول أن الانسان كائن سياسي، ويرى جورج أورل ان الانسان يولد سياسياً إلا أنني كشاعر لم أرتبط منذ البدء بأي حزب أو اتجاه سياسي لأننا في غابة الشرق لم نتعاط مع السياسة إلا باعتبارها معركة عشائرية من أجل الوليمة أو الكراسي، ولتذهب الجماهير الى المحرقة. يقول أحد الشعراء الصينيين القدامى: " أن تنصيب جنرال واحد يعني عشرة آلاف جثة ". ويمكنني القول أيضاً بالاضافة الى أكوام الجثث أن ما أضاع وطني وأوصلنا إلى هذا الخراب هو الدكتاتورية واختفاء صناديق الاقتراع وغياب الديمقراطية من أجندة السياسة.
    السياسة في وطني أما ظلمتنا أو تاجرت بنا أو شردتنا أو لم تفهم واقعنا فظلمت نفسها وظلمتنا. هل ظلمت أحداً في قولي هذا؟ ربما لكنه وجع الواقع وأنينه المر الذي يتكلم داخلنا. أستثني هنا البعض من المناضلين الشرفاء وأتكلم بالعموم السائد فأقول ان مشكلة العراق الرئيسية مركبة ومعقدة أكثر مما يظن وهي تتلخص كالآتي: الجماهير في واد والسلطة في واد والمعارضة في واد.
    كيف سأشرح الأمر: السلطات المتعاقبة أورثتنا خراباً فوق خراب كان اخرها تلك الكارثة الكونية التي قادت البلد برعونة الى أظلم فترة في تاريخه القديم والحديث. أما الجماهير فهي تثور وتصرخ وتصفق وتلطم في كل مرحلة ثم تخبو ولا أحد من الحكام والسياسين يلتفت الى مطاليبها البسيطة وأولها الحرية.  وتبقى المعارضة منشغلة غالباً بصراع الديكة وهم يرفعون شعارات جميلة وبراقة لكن هم أنفسهم لا يطبقونها.

  • الخطاب السياسي العربي أو العراقي حاول دائماً فرض الوصاية على العملية الإجتماعية، الثقافية وغيرها ؟ .. إلى أي حد أستطاع النظام نسخ الثقافة العراقية، وإلى أي حد يستطيع الخطاب السياسي المعارض في الخارج اليوم فرض الوصاية والإفتئات ومسخ المثقفين العراقيين ؟ ما هو الفارق بين الحالين ؟ .. ما هي الإستراتيجية أو المبادئ التي تدعم إستقلالية الكلمة العراقية والإبداع العراقي، وتجمع الأدباء مع بعضهم ؟

  • الخطاب السياسي العربي في أحيان كثيرة يستغفل العقل العربي ويراوغه من أجل بلوغ غاياته بعيداً عن مطمح الجماهير. تأملْ كل خطاباتنا السياسية تجدها عاجة وضاجة بالحرية والسعادة والوحدة والعدل والأشتراكية والمساواة والبر والتقوى والخ والخ.. لكن ما أن تمسك السلطة وتتربع على الكرسي حتى تكشر عن أنيابها وتروح تبطش بهذا وتستبعد ذاك وتصفي حساباتها مع الآخر بكل الوسائل. وهذه القضية هي سر محنتنا وهي التي أوصلتنا الى ما نحن عليه من حروب وتشريد ونفي وحصار وتهميش. وتعال انظرْ إلى خارطة وضعنا: النظام هشم أو همش الثقافة وسيرها في ركابه لخدمة مصالحه. لكن بالمقابل تجد بعض خطابات المعارضة تمارس التهميش نفسه ولكن بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة أو أقل. وكل له حججه ومبرراته. ويبقى المتضرر أو الخاسر دائماً هنا وهناك هو المثقف المستقل والمواطن المستقل.
    علينا جميعاً - أقولها بصراحة - أن نعيد النظر في أبجدية الحوار الثقافي بيننا أولاً قبل أن نطلبها من الآخر الذي لا يعرف ولا  يفهم معنى الحوار. علينا أن لا نهمش بعضنا بعضاً قبل أن نطالب الآخر بعدم تهميش ثقافتنا. أننا مطالبون الآن بأن نسمو ونتسامى على المعارك الجانبية الضيقة من أجل وطن أرحب ملؤه الشمس والشعر والمحبة. وطن يتسع لجميع أبنائه الجميلين بعيدين عن سياسات الدم والسكين. أننا مطالبون أن نعيد لخطابنا السياسي أنسانيته وصدقه وثورته وأيمان الجماهير به كي يغدو فاعلاً وقادراً على التغيير وإلا فأنه سيبقى مجرد شعار فارغ وما أكثر الشعارات واليافطات المعلقة على جدران وطننا المسكين.

  • أين يكمن الغرور في شخصية عدنان الصائغ وشاعريته ؟

  • لم يتلبسني الغرور لحظة واحدة في حياتي فأنا دائم الاحباط والحزن والقلق والزحمة المحمومة بالقراءة والكتابة والكآبة والبحث عن الجديد والمدهش. وهذا الهاجس لازمني منذ الطفولة ففي داخلي ثورات وأحلام ومشاريع وتمردات لا تتسع لها الورقة ولا الآخرون. وكثيراً ما أجد أن كل ما وصلته في الكتابة لا يرقي الى طموحي الشعري الذي أريد منه أن يبلغني ما ليس يبلغه من نفسه، توليفاً آخر على ما أراده المتنبي في بيته الشهير.
    كثيراً ما يزاحمني الأدعياء الى القصيدة بأوسمتهم وأحزابهم وخناجرهم وتشدقاتهم وتنظيراتهم فأضحك ذلك لأنني لا أملك الوقت والمزاج للالتفات أو الرد علهم أولاً وثانياً لأنني لا أملك سوى قلمي والشوارع الممطرة.
    الشعر – ياصديقي - لا يحتاج إلى كل هذا ولا تخدعه الاكسسوارات والبالونات المنفوخة. كل ما يحتاجه الشعر هو ورقة بيضاء وقلب ملتهب صدقاً وحباً ورأساً بنوافذ مفتوحة على رياح العالم الاربع.
    وقد عبرت عن ذلك في أكثر من قصيدة منها قصيدتي المعنونة: " عن المسدس الذي أصبح شاعراً " والتي نشرت بعنوان " بالون " في العراق عام 1988 وسببت لي أشكالات كثيرة بسبب أستفزازها لأصحاب الكروش الثقافية. وفي المنفى رأيت الكثير من المسدسات والبالونات الشعرية وقد كتبت قبل فترة نصاً مشابهاً. كأنهم – يالفجيعتنا - يتشابهون هنا أو هناك. انني كلما رأيت بالوناً منفوخاً تذكرت سخرية أبن المقفع منهم في كليلة ودمنة التي قرأتها في صباي.
    أعود الى الغرور فأقول انه  تكلس الكاتب ونهايته. وصدقني أنك لن تجد شاعراً ممتلئاً ومغروراً في آن. فكما أن السنابل المثقلة أكثر انخفاضاً وتواضعاً كذلك المبدع الممتلئ. ومثلما لا تجد الضجيج إلا في العربات الفارغة فأنك لا تجد الضجيج والإدعاء والغرور إلا عند الشعراء الفارغين والفاشلين الذين هم أكثر تشدقاً وتعالياً.

  • منذ البدء، كان صوتك أعلى من غيرك، هل يعود ذلك إلى رقتك وشخصيتك المحببة، علاقاتك الكبيرة والسريعة .. أو شاعريتك وحدها !؟

  • هي كل ذلك أو ربما ليست كذلك. سأروي لك شيئاً طريفاً : في يوم ما من شباط عام 1984 دخلت الى مقهى البرلمان لأول مرة، لم يكن يعرفني أحد ولم يلتفت لي وجه. كان ثمة حشد من الشعراء  والأدباء يتحلقون جماعات جماعات. كنت قد قرأت أسماء بعضهم ورأيت صورهم في الجرائد والمجلات. كان الكثيرون غارقين بنقاشاتهم متأبطين الكتب البراقة. جلست قرب مجموعة من الشعراء بعد أن قدمني لهم أحد الشعراء الذي التقيته صدفة وأرشدني الى مقر تواجد الشعراء والادباء. كان الأمر مرتبكاً بالنسبة لي أنا الشاعر القادم من الكوفة والجندي المثقل ببسطالي ودوي القذائف والقادم من سواتر الموت وأقبية الملاجئ المظلمة تفاجئني بغداد بأنوارها وشوارعها المضيئة ونسائها وكتبها وشعرائها. لم ينتبه أحد لأن يطلب لي قدح شاي فقد كانوا منشغلين ببعضهم وتمجيد بعضهم وشتم بعضهم. بعد شهور وبالتحديد في 7/11/1984 كنتُ في إحدى أماسي اتحاد الأدباء أقرأ قصيدة عن ذلك المقهى أمام حشد من الشعراء والأدباء ضم بعضاً ممن التقيتهم في المقهى وقد فاجأت القصيدة البعض وأثارت أهتماماً طيباً وتحدث عنها الكثيرون كما عرفت لاحقاً.
    لم يكن صوتي معروفاً لدى الكثيرين في الوسط الأدبي فقد واصلت النشر متأخراً كثيراً عن أبناء جيلي. بدأت الكتابة في منتصف السبعينات ولم أنشر شيئاً ( باستثناء بضع قصائد في صحيفة محلية أدبية شهرية محدودة هي صحيفة "العدل" النجفية لم ينتبه اليها أحد. لكني لم أتوقف عن الكتابة يوماً.
    عندما بدأت الحرب عام 1980 ساقوني جندياً أحمل صناديق العتاد والتموين في معسكر التاجي ثم إلى جبهة الحرب في إحدى الوحدات المتقدمة. أثناء ذلك وبتشجيع أحد الاصدقاء جربتُ النشر، وكان أول نص أنشره في صحيفة الجمهورية قد لفت انتباه الناقد يوسف نمر ذياب فكتب مقالا طويلا لكن الشاعر سامي مهدي رئيس تحرير الصحيفة اعترض على نشره بسبب كوني غير معرف في الوسط الأدبي وكون هذا النص هو أول عمل ينشر لي. فأصر يوسف وأصر سامي مما أدى الى أن يترك يوسف الكتابة في الصحيفة وكان له فيها عمود أدبي ثابت، لينتقل الى صحيفة الثورة وينشر مقاله هناك وقد أثار الحادث والموقف والمقال جدلاً كثيراً في  الاوساط الأدبية في بغداد. بعد سنوات كتب الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي كلمة على غلاف مجموعتي الثانية "اغنيات على جسر الكوفة" التي صدرت عام 1986 . واستمرت كتابات العديد من المبدعين والنقاد أذكر منهم : حاتم الصكر، رشدي العامل، د. علي عباس علوان، ياسين النصير، مدني صالح ، عبد الجبار داود البصري ، عبد الجبار عباس, فاضل ثامر، وغيرهم.
    هذه الدراسات والآراء ربما سلطت الكثير من الضوء على تجربتي، ولكن هل الضوء يكفي لخلق شاعر واستمراره ؟ لقد كتب السياب العظيم مقدمة لديوان أحد الشعراء إلا أن كلماته واطرائه لم يستطعا أن يرفعا شاعرنا سنتمتراً واحداً.
    الرهان الحقيقي هو الشعر.. ووأهمٌ من يتصور غير ذلك. فما يبقى في النهاية هو وهج الابداع. وإلاّ فتعال وقلب معي صحف ومجلات الستينات والخمسينات والتي كانت تضج بأسماء لم يعد لها الآن أي ذكر على الاطلاق. لقد سطع بريق أسماء لم يكن لها ذكر وصدحت نتاجات بدأت خافتة ثم انطلقت بقوة . وفي المقابل نرى العكس تماماً فقد كانت هناك أصوات قوية وصادحة ثم خفتت وتلاشت تماماً، وأخرى ظلت تراوح في مكانها. لذا لا أجد غير الإبداع مقياساً حقيقياً وهو الحكم الأول والأخير على النصوص والفنون والأحداث والأشخاص وكل ما عدا ذلك هو قبض ريح. المهم هو من يبقى الى النهاية حاملاً نار بروموثيوس مواصلاً مشوار المسافات الطويلة للصعود الى الجلجلة.

  • تجربته الشعرية تنبئ منذ البداية عن مشروع واع متكامل حتى استوت خلال عشرين عام على شكل زقورة شعرية. أنت اليوم تعمل على إعادة طبع بعض أعمالك ما هي آفاق مشروعك المتوقعة ؟ وما هو الشيء الذي لم يقل في نفس عدنان الصائغ؟

  • لا أعرف ما هي الآفاق بالضبط. كل ما أردت عمله هو فرش نصوصي التي كتبتها في الداخل أمام عيون القراء وأذواقهم. لأن كل نصوص الداخل تبقى، رغم ما حققه البعض منها، تعيش حصارات متعددة.
    أما ما لم أقله فكثير، وكثير جداً. وهناك نصوص ضاعت مني وأهمها نص طويل أسميته وقتها " أوراق مفقودة من ملف ميثم التمار" وجاء نصي هذا بعد حوار قصير مع الشاعر الإسباني الكبير انطونيو غالا الذي كان يزور بغداد عام 1984 . ففي الطريق إلى النجف في زيارة نظمها مهرجان الأمة الشعري للوفود المشاركة. قلت له عبر المترجمة أننا عرفنا وقرأنا لوركا الذي صلبه الفاشيون على أشجار الزيتون, فهل تعرف ميثم التمار؟.. التفت لي باستغراب: ومن هو؟. قلت: سنمر بعد قليل على قبر ميثم، الذي صلب على جذع نخلة، كان بعرف أنه سيصلب عليها. لذا كان يقف أمامها طويلاً ، يناجيها، ويسقيها ماءً. فظل غالا يتطلع لي مشدوها.

  • تردد المنفى في قصائد الداخل وفي قصائد الخارج. ما هو مفهومك للمنفى ؟ ما هو الفرق بين الاستعمالين ؟

  • يكاد لا يخلو نص لشاعر عراقي من مفهوم المنفى استلاباً روحياً وتمرداً وتوقاً سرمدياً للحرية تجسد في فكرة المنفى الذي فرش ظلاله على خريطة الإبداع العراقي منذ أول نص لشاعر بابلي مجهول كتبه قبل أربعة آلاف سنة يقول فيه:
    " لقد نفتنا الآلهة
    لقد نفتنا الآلهة
    غرباء حتى مع أنفسنا
    نجوس أزمنة التأريخ والمستقبل
    دون قيثارات
    هكذا كان حكمنا الأبدي
    رحلة بحارة يعشقون النبيذ.."
    حتى آخر قصيدة لشاعر تسعيني، أو ربما ألفيني سيتأبط كتبه وأوراقه وأحزانه باتجاه سوق السراي يبيع كتبه ويفكر قبل الخبز بالحرية والرحيل..
    ولا أعزو ذلك لسبب واحد بل لأسباب كثيرة وإن كانت فكرة الخلاص من القمع والبحث عن مكان آمن هي اليوتوبيا الأكثر إلحاحاً واقتراباً مما أعنيه، نتيجة ما شهده المبدع العراقي على مر السنوات الأخيرة من مرارات وتنكيل وبطش واستلاب ومصادرة.
    لهذا ففي داخل الوطن كنا نتحدث عن المنفى وكأننا فيه، نعيشه نصاً وحياةً، مسترعين إنتباهات البعض وتلميحاتهم خفافيش الليل أيضاً. ولو أجرى دارس أو ناقد جرداً بسيطاً لنصوصنا في الداخل لهاله ما يرى من تراكم مترادفات النفي..
    حتى إننا حين أنخنا ركابنا المذعورة في بهاء المنفى وصقيعه المر لم نستغرب تردد تلك الكلمة على ألسننا لأننا ألفناها منذ نعومة أحلامنا.
    الحرب منفى، والجوع منفى، والقهر منفى.
    وقديماً قال علي بن أبي طالب: "الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن"..
    ألا ترى معي يا صديقي كيف تجاوز - صاحب "نهج البلاغة"، ذلك المفكر الخلاق - حدود المصطلح متجاوزاً خطوطه إلى آفاق إنسانية أوسع، معتبراً كل قهر للإنسان هو اغتراب آخر ونفي آخر.. بل هو أشد مضاضة وشراسة.
    لهذا أرى أن نأخذ الاختلاف بين الاستعمالين من هذا دون ان نتغافل عن تباينات معروفة للجميع مثل القمع والحرية بين الداخل والخارج من جهة وحدود الكتابة في الداخل عنها في الخارج والخ.

  • تجربتك الأدبية نمت تحت رعاية خالك الأديب والشاعر د. عبد الإله الصائغ. ما هي حدود اهتمام خالك في حدود تجربتك الشعرية. وهل حصل إن حذف منك بعض القصائد أو المقاطع ؟

  • فتحت عيني على مرض والدي، وبيع بيتنا، ومدينة عريقة وزاخرة بكل شيء، ونهر خلاب، ومكتبة غنية لخالي د. عبد الإله الصائغ، وبينهما كانت تتأرجح حياتي كرقاص ساعة مضطرب ذات الغنى وذات الفقر..
    أهرب من ذلك الأنين المتصاعد في عمق الليل والأنفاس المتهدجة لأمي وهي ترتل القرآن أو تنحني على ماكنة خياطتها "سنجر". عبثاً تحاول أن تخيط ما شققه الدهر من قميص أيامنا. أحياناً أهرب من بيتنا إلى بيت خالي. أدس بأنفي الحشري بين المعلقات السبع للزوزني ولا أفهم شيئاً فأهرب الى دواوين أقل لعلعة أو قصص طرزان أو السندباد البحري ومن ثم " قالت لي السمراء" لنزار قباني. وفي الغرفة كان خالي يجلس بين أصدقائه من أدباء النجف - معممين وأفندية ودشاديش أنيقة - خليط مذهل وأنا منحشر قرب الباب أستمع لمناكداتهم الشعرية وارتجالاتهم وقهقهاتهم. سيلتصق في الذاكرة صدى مساجلة شعرية بين خالي وبين صديقه الشاعر صادق. تراهنا على نسبة بيت من الشعر فكسب خالي الرهان وأخذه. فما كان من الشاعر الخاسر إلا أن ينشد مرتجلاً وسط الجمع الصاخب:
    رحماك ديناري، اعطني ديناري                   فالجيب خالٍ والديار دياري
    فيجيبه خالي على الفور مرتجلاً:
    ألف من الفلسات ويحك صادق                    فهي الجروخ لكي يسير قطاري
    وغيره الكثير مما طمس في ذاكرتي من كثرة ما مر بي من أحداث وكتب وشظايا.
    بعد سنوات قليلة، سيطلع خالي على دفتر أخضر صغير أسميته ديواناً، تقليداً لعالم الكبار. سيبدي دهشته ببعض القصائد ويكتب لي أبيات شعر حلوة، أتذكر منها صدر بيتها الأول:
    " قرأت ديوانك يا عدنان
    وربما شطره أيضا:
    حديقةً زاهية الألوان".
    وأطير من الفرح..
    وما زلتُ طائراً بفرحي حتى هذه اللحظة، رغم قسوة النبال التي ظلت تلاحقني وتجرحني، وتتكاثر كلما تمادت بي التجربة.
    ضاع الدفتر فيما بعد نتيجة انتقالنا من بيت إلى بيت وضاع ذلك الحلم الأول.
    أما الحذف، فلا أذكر شيئاً. ذلك أن شفافية خالي في التعامل مع الكلمة ترتقي إلى مثل عالية. غير أنه إذا كان ثمة خطأ نحوي أو عروضي فلا شك أنه كان لا يتوانى عن تنبيهاته سواء لي أو لغيري، فهو أبن المدرسة النجفية الصارمة في تضبيط قواعد اللغة وعمود الشعر.
    وقد أخبرني مرة بنفسه وكان يضحك بغبطة أن الناقد مدني صالح سأله - وهما يتمشيان في أروقة الجامعة - عن نصائحه الشعرية لأبن أخته. فقال له أنني أوصيته بكذا وكذا. فما كان من مدني صالح إلا أن صَفَقَ بيديه بقوة – كما يروي خالي – قائلاً له: لا تفعل ذلك اتركه على حاله يخطئ ويصيب، ولا تخف عليه، أنه كالحصان الأصيل يركض ويركض وقد يكبو، لكنه سيبقى راكضاً أسرع وأسرع بقوة وتحدٍ.
    فسكت خالي وصفنت للتشبيه.
    غير أن قلق خالي وخوفه علي من الديناصورات أو خفافيش الليل كان يتصاعد كلما قرأ لي نصاً ساخطاً أو مشاكساً فلت صدفة من مقص الرقيب. فقد جاء مرة من الموصل إلى الكوفة متحدثاً مع والدتي عن مخاوفه علي من نص قرأه لي في صحيفة الجمهورية، مؤكداً علي بضرورة أن يأخذ الكاتب حذره في هذا الزمن الملتبس الذي لا يرحم.

  • وأنت تقف اليوم أمام خالك تستحضر نقطتين: الماضي والراهن، معلمك الأول الذي أسمح لي أن أقول إنك تخطيت تجربته. هل يراودك أحياناً ما يشبه الشعور بالألم. والى ماذا تعزو ذلك ؟

  • خالي، الماضي والحاضر والمستقبل، لا زال كما عهدته وأعهده، ذائقة شعرية مرهفة ونادرة إلى حدٍ بعيد. وإذا كنت - وأنا الآن في السابعة والأربعين - قد كبرت وشببت عن الطوق كما يقال. فأنني لم أشب عن طوق ذائقته الجميل ولا أرضى أن أتجاوز ذلك الطوق الساحر الذي يختلف عن الأطواق المرعبة التي أذاقتني طعونات لا تحصى.
    لا زلت تلميذاً أرتبك كلما قرأت أمامه نصاً أو أرسلت له ديواناً جديداً وكنت أحياناً أتأخر في إيصاله إليه تهيباً ليس إلا. فكيف لي بربك أن أفكر بتجاوزه.
    ها أنا أرتجف لهذه الكلمة حقاً.
    إذا قال لي أحدهم أنني تجاوزت بعض أبناء جيلي، من ناحية المجاملة أو التقييم النقدي فأنني أرتبك. فكيف سيكون الأمر معي حين أكون أمام قامة شعرية تمتد على هذه المساحة، من الستينات حتى يومنا هذا، عطاءً وحباً وشفافية.
    لكنني يمكن أن أشير ربما وأوكد على كلمة ربما إلى انحسار بعض الضوء عن تجربته الشعرية نتيجة إنزياح ذلك الضوء إلى تجربته النقدية ودراساته الأكاديمية. غير أنني لا أرى مثل هذا سبباً مقنعاً أو كافياً أو متكاملاً إذ المسألة أكبر وأشمل، تبدأ من كسل النقاد عن المتابعة وأهواء الصحف وأمور أخرى من جهة تعليق الأمر على شماعة الآخر، وإلى إنشغالات الشاعر أكاديمية أو ظرفية من جهة مناقشة الذات. وإلى أمور أخرى لست ضليعاً ببواطنها ولا أستثني من ذلك شعراء من جيله مثل د. مالك المطلبي، يوسف عز الدين والكثيرين و د. حاتم الصكر وربما د. علي جعفر العلاق والخ.
    لكن يبقى الزمن والتجربة وحدهما الكفيلان بارجاع الأمور والأشخاص والمواهب إلى نصابها. بعد أن ينجلي غبار الضوء الإعلامي عن هذا الأديب أو ذاك ليبقى الصحيح. فكم من شعراء منسيين تألقت بهم المنابر والساحات لأن شاعريتهم ظلت متألقة ومتدفقة رغم اليباب والظروف. وكم من الشعراء امتلأت الصحف بهم ثم اختفوا وتلاشوا بعد نضوب تجاربهم..
    أسألك بربك واسأل كل الشعراء والقراء العرب: مَنْ يعرف عزيز ضومط الذي كان أول المرشحين من العرب إلى جائزة نوبل عام 1936 كما كشف ذلك كتاب مثير صدر حديثاً في ستوكهولم عن أسرار جائزة نوبل، من خلال وثائق الأكاديمية السويدية ولوائح ترشيحاتها ويأتي نشر هذه الأسماء بعد القرار الذي اتخذته الأكايمية أخيراً في الكشف عن الوثائق السرية في أرشيفا والتي مر عليها نصف قرن لتنشر على الملأ كما صرح بذلك هوراس انغدال سكرتير الأكاديمية السويدية الحالي. ويأتي ترشيح ضومط في السنة نفسها التي كان طه حسين مرشحاً فيها. بل تضع اللائحة الأكاديمية أسمه قبل أسم طه حسين!! والآن تعال وقارن من بقي في ذاكرة الإبداع العربي طه حسين أم عزيز ضومط؟

  • القراءة من جهة والإنشعال بالشعر دون غيره ساهما - برأيي - في تطور وتبلور تجربتك الشعرية على العكس من بعضهم. فقد أقصرت نفسك وكرستها لأن تكون وتبقى شاعراً. وأشحت بصرك واهتمامك عن شؤون الحياة الأخرى مثلك مثل البياتي الذي لم يتوزع أو يوزع نفسه ؟

  • منذ زمن بعيد وأنا متأثر بمقولة بورخس : " كلهم قرأوا أكثر مني ولكنني عرفت ماذا أقرأ.."، هذه المعرفة الكشفية أو فن القراءة، اختصرا لي الكثير. ولا أعني بالقراءة قراءة الكتب لوحدها فقط بل قراءة الناس والمدن والأشجار والنساء والتأريخ والمسارح والمتاحف والموسيقى  والأرصفة. أي التجربة الإنسانية بأفقها الأوسع التي فتحت أمامي عوالم ما زالت تمدني بالكثير والمثير، عوالم من الأفكار والأغاني والوجع واليوتوبيا والجنون والمجون والكتابات السرية.
    كان أرسطو يمر على شوارع أثينا وهو يهتف أمام البضائع والناس المتهالكين عليها وهو يهتف: "شكراً أيها الرب، فما أكثر الأشياء التي لا يحتاجها سقراط". ومنه تعلمت كيف أفتش في الذات الإنسانية عن كنوز أغلى من البضائع. لا يراها البعض نتيجة لهاثهم المحموم وعراكهم في الأسواق والتكتلات الحزبية والنقاشات الفارغة. فلم أنتم لأي حزب أو متجر أو خانة، ولم أكرس جهدي ووقتي إلى لتأسيس تجربتي التي كثيراً ما هاجمتها الرياح والمتغيرات والظروف المريرة التي عشتها. وكادت أن تقتلعها إلا أن تشبث جذوري عميقاً في الأرض جعلني أتمكن من الثبات. ومن تلك العواصف، الصحافة التي غرقت فيها زمناً نتيجة الظروف ووجدت نفسي منغمراً فيها. حتى رن في داخلي ذلك الجرس السحري الذي ينبهني كلما اقتربت من المخاطر. انتفضت ذات يوم وركلت كل شيء من أجل عيون الشعر، وعشتُ جوعاً حقيقياً. وأتذكر أن مدني صالح كتب مرة في إحدى الصحف يوم 17/1/1988 أثناء انغماري في الكتابة الصحفية، مقالاً عاصفاً وقاسياً ومحرضاً قال فيه: ".. ولم أصرف قط شيئاً من أشياء البياتي هذه إلا على علو همة إدارة الموهبة وتحصين الابداع بالكبرياء التي ما كانت لتسمح لعبد الوهاب البياتي بالمحاورة الثقافية والحوار الأدبي إلا مع الطليعة الطالعة من حملة جائزة نوبل في الآداب وفي العلوم وفي الفنون وفي الدعوة إلى السلم وإلى الحرية وإلى تحرير الشعوب. لا يماشي إلا تولستوي ولا يجالس إلا شكسبير ولا يلعب الدومينو إلا مع صديقه ناظم حكمت في مفاهي اسطنبول. ولئن رأى بعض منكم إسرافاً في خوف البياتي على الابداع من محاورة الذين هم أقل درجة في الثقافة من حملة جائزة نوبل والامكانات الكبرى, فأني لم أرَ الاسراف في هذا الباب من أبواب حسن ادارة الموهبة وحسن حماية الابداع إلا في قلة خوف عدنان الصائغ على مواقعه الشعرية من الجلوس صحفياً في المحاورة ليحاور خلقاً من شعراء هو أشعر منهم ألف ألف مرة. ما كان البياتي ليجلس صحفياً بين أيديهم في المحاورة مهما كانت الدوافع ومهما كانت الغايات. هذا وأني لست براجع عن شيء هنا من تبشيري بعدنان الصائغ تمهيداً لتجديد في الشعر أو بداية لمرحلة شعرية جديدة ليس بينها وبين عبد الوهاب البياتي إلا محاولات لم يكن لأي منهما بلوغ مرتبة الانجاز التي رأيت أن عدنان الصائغ قد بلغها وأفاتها بالتضييع. أضاع تسعة أعشارها بالجلوس صحفياً بين يدي أناس هو أشعر منهم بكثير وبكثير وبكثير.. ولا تجالس إلا ناظم حكمت في مقهى بلدية اسطنبول ياعدنان الصائغ. ولا تجلس صحفياً إلا بين يدي شعراء الدرجة الأولى والطراز الأول في ديوان أشعار العرب... الخ"
    ( رغم إنني لم أجرِ حواراتي إلا مع أسماء لها وزنها مثل عبد الرحمن طهمازي، محمد خضير، د. علي عباس علوان، فؤاد التكرلي، عيسى الياسري، مدني صالح، د.علي جواد الطاهر، د. صلاح القصب، عبد الرحمن مجيد الربيعي، عريان السيد خلف،  فاضل ثامر، ياسين النصير، لطفية الدليمي، رشدي العامل الذي فاز موضوع حواري معه بالجائزة الأولى في مسابقة نقابة الصحفيين، والخ.. ثم ها أنا أعمل في الصحافة منذ سنتين بعد أن عشتُ 6 سنوات مرة من عمر الحرب في معسكرات وجبهات عديدة).
    أثارني هذا العامود لكنني كنت مكبلاً بظروف ليس من السهل علي الانفكاك منها خاصة وأن سواتر الحرب الطاحنة والمجانية كانت هي الخيار الآخر لجندي مثلي سيق إلى خدمة الإحتياط عنوة كالآف العراقيين.
    كنت أتحرق وأحلم بالتفرغ لأجمل مهنة في العالم، مهنة كتابة الشعر إذا جاز لي أن أقول ذلك. وعندما أذكر الآن كل هذه الأشياء فليس معناه التقاطع مع الصحافة أو الحياة، الصحافة التي أحبها جداً لكنني أشير فقط إلى ضرورة أن يبقى الهم الشعري هو الأول وهو الثاني وهو الثالث ثم تأتي الأشياء الأخرى فإذا سمحت لي صاحبة الجلالة الصحافة بذلك فسأعود اليها.
    وقد تركت من أجل الشعر أشياء كثيرة وكثيرة في الحياة لأنني على يقين إن من يبقى في النهاية هو الذي سيبقى إلى آخر الشوط، حاملاً شعلة بروموثيوس في منعطفات ذلك الطريق الطويل.

  • الإعلام العراقي محكوم ببيروقراطية. وقد ولدت كجيلك وكبرت في ظل هذه البيروقراطية ما هي حدود تقاطعك وتصالحك معها ؟

  • ولد جيلنا كما تعرف وقرأ وعشق ومارس الكتابة في زمن الحروب المتكررة والحزب الواحد والسلطة الواحدة والرأي الواحد. لا صحف معارضة، أو حتى مستقلة، ولا صناديق اقتراع، ولا.. ولا.. لذلك هيمنة بيروقراطية الخطاب الرسمي إلى حد لا يوصف.
    وما فلت من استثناءات قليلة، على الآخرين أحزاباً ومثقفين ومؤسسات، أن يتوقفوا أمامها لتقييمها وربما الإنحناء لعذاباتها. لكن وياللمفارقة المرة والكارثية أن ما يحصل لها في الأغلب هو العكس تماماً. إذ تبدأ قوانة التشكيك والمحاربة.
    والمحاربة – وعلينا أن نتوقف هنا - تأتي من طرفين عجيبين هما: أولاً ممن تلوث في الداخل لذا تراه ينزعج من خروج هذا الإسم أو ذاك نضيفاً لأنه سيكشف عجزه. فرأى بدلاً من محاسبة النفس أن يوجه سهامه بكل قسوة وحقد وأن يطلق الإشاعات هنا وهناك. الطرف الثاني هم بعض - وأقول بعض وأعني ذلك - من مثقفي الأحزاب العاطلين أو الفاشلين الذين نفخوا أنفسهم أو نفختهم أحزابهم لذا فما أن خرج بعض من أدباء الداخل المتميزين بإبداعهم  الأصيل حتى انهالوا عليه بكل وسائلهم، لأنهم وطوال سنوات أقنعوا أحزابهم وقراءهم بأن لا إبداع في الداخل، وليس هناك مثقف نضيف. جميع أدباء الداخل تلوثوا ووحدهم الأنقياء والعظماء والفطاحل.
    أعود وأقول أمام ذلك المشهد المتخم بالمآسي والأكاذيب والعيون التي التي لا نرى ضوءً في آخر النفق. ان الإبداع العراقي بخير ومتجدد ومتدفق رغم ما مر به من فواجع . خاصة أن الأجيال الجديدة كالثمانينين والتسعينين تعد بالكثير والكثير والزمن وحده هو الذي سيبرهن على قولي هذا.
    كنا في الداخل أمام خيارين مريرين: أما الإنخراط في الجوقة، أو الإنزواء والصمت والموت. لكننا أو قل أن لواعجنا أهدتنا الى الخيار والطريق الثالث إلا وهو الخطاب المستتر. فسرنا على هذا الطريق المحفوف بالمخاطر والأفاعي والألغام وقد تحدثت عنه مرة في إحدى الحوارات ووصفته أنه كالمشي بين حقول الألغام.

  • علاقتك مع تلك الأفاعي والحرب والموت المستمر؟ حيث عشت تحت هذا الكابوس ، كيف استطعت أن تحافظ على ؟

  • عليك أن تكون حذراً وأنت تمر أو تمرر نصك من بين مقصات الرقيب وعيون خفافيش الليل وتقارير بعض "الأدباء" المخبرين السريين. وهكذا خرجتْ بعض دووايني بصعوبات بالغة وفازت قصيدتي "خرجت من الحرب سهواً" بالجائزة الأولى بإعجوبة. وعيك أن تتصور ذلك لو قرأتها حتى أن الناقد د. حاتم الصكر طلب حذف بعض المقاطع منها خوفاً علي من التأويلات كما أخبرني حين أراد نشرها في مجلة "الأقلام" بتوصية من لجنة الجائزة بنشر النصوص الفائزة. قلت له يا أستاذي لقد فازت القصيدة بالجائزة كما تعرف فهل من المعقول ان يكون فيها شيء. فربت علي بحنان وبإشارة ذكية وغرقنا في الضحك وقد أوقفني مرة أحد الأدباء في اتحاد الأدباء وهو يسألني باستفزاز كيف تقول "على شفتي شجرٌ ذابلٌ، والفراتُ الذي مرَّ لمْ يروني. ورائي نباحُ الحروبِ العقيمةِ يطلقها الجنرالُ على لحمنا..". ماذا تقصد ؟ ومن هو الجنرال ؟" فقلت له مخفياً ارتباكي بابتسامة مريرة ميتة: " أنه شوارسكوف". نظر لي طويلاً ثم هز رأسه بما يشبه الوعيد ومضى يترنح إلى عمق الحانة مواصلاً هزات رأسه.

  • وما هي علاقتك مع الخوف أو مكانة الخوف في نفس الصائغ ؟

  • يا لهذا السؤال المباغت الذي أعاد لي كل تلك الكوابيس التي ظلت ترتقي السلالم، لتصعد إلى شقتي في هذا الصقيع النائي في جنوب القطب. أحس إيقاع خطوات سؤالك  فيذكرني بخطواتهم الحديدية الصارمة هناك وهي تنبثق من أعماق السكون المطبق لتجعل قلبي يدق كخمسين طبل. لأتذكر أنهم هناك وراء كل نافذة وستارة وفاصلة وحرف يرقبون خطانا على شارع القصيدة أو رصيف الحياة.
    أتذكر هذا المقطع الذي كتبنه في بغداد 10/1/1987 ولم أستطع نشره هناك، لكني نشرته فيما بعد، بعد خروجي من الوطن :
    "في وطني
    يجمعني الخوفُ ويقسمني:
    رجلاً يكتبُ
    والآخرَ خلفَ ستائرِ نافذتي،
    يرقبني"
    هذا الخوف وإن أصبح بعيداً لكنه ضلاله التي امتدت على مساحة 3 أرباع عمري فتقها فجأة سؤالك لأجدني أمامه وجهاً لوجه، وهو يفتح شدقيه ويبلع بالونات الفرح التي انتشرت في سماء منفاي في أعياد رأس السنة وكأنه يزدرك سنواتي واحدة واحدة.
    هل انتهيت من هذا الفصل. خذ إذاً هذه القصيدة "أشباح" على سبيل الإجابة. القصيدة التي كتبتها في الخرطوم 26/12/1995 حين وجدت نفسي نائماً في الفندق نفسه الذي تم فيه إغتيال مهدي الحكيم :
    "دائماً كنتُ أسمعُ أصواتهم الغريبة
    وهي ترطنُ باسمي
    ثم أقدامهم الحديدية وهي تصعدُ السلالمَ
    ثم قبضاتهم على الباب
    ثم فوهاتهم في صدغي
    ثم جثتي وهي تتدحرجُ
    خلف هدير محركات سياراتهم
    ثم صخب المتحلقين حولي وهم يتساءلون:
    - من أين أتوا ؟
    لكنهم لم يأتوا
    تركوا لي المشهدَ مفتوحاً
    على اتساعِ الطلقةِ المؤجلة.."

  • لماذا اصبحت شاعراً؟ لماذا لم تكن قاصاً أو روائياً ؟

  • ربما لنشأتي الشعرية الأولى ثم لإيماني  في ما بعد والذي ترسخ أكثر فأكثر بأن الكتابة الجديدة للنص الشعري المفتوح يتسع لكل الأنواع الأدبية والفتية الابداعية بما فيها المسرح والموسيقى والرقص، ناهيك عن القصة والرواية.

  • معظم نصوصكم تتراوح بين توقيعتين: الذات والدراما؟

  • ربما يستطيع القاريء أن يتلمس في بعض النصوص وخاصة في "نشيد أوروك" خيوطا متشابكة من الدراما وتهويمات للذات. لأنني أؤمن أن ذات الشاعر هي ذات العالم فعندما يتحدث عن ذاته فهو انما هو يعني الذات الأخرى أيضاً.

  • تشكل ذات المبدع أول وأكبر رقيب على نفسه سواء لتجويد النص أو استنفاد شروط التقية؟

  • دائماً كنت أضع نصي ونفسي تخت مجهر الذات أراقب ثوراتهما أو خمولهما، تجددهما أو جمودهما وغير ذلك.. وهذا الأمر ليس بالسهل إذا عرفنا كمية الرقابات الحكومية والسياسية والثقافية والإجتماعية والأخلاقية والدينية التي تحوطنا من كل صوب.. لكنني تعودت أن لا أعيرها إهتماماً إلا بمقدار اقترابهما  أو ابتعادهما من ميزاني ومجهري اللذين صنعتهما من تجارب الناس والكتب والقيم الابداعية الصافية.

  • ما هي مشاريعك القادمة ؟

  • كثيرة، كثيرة منها السفر الذي حرمنا منه طويلاً، ومنها إصدار ديواني الجديد "تأبط منفى"، وإكمال نصي الطويل "نرد النص" الذي مازلتُ أشتغل فيه، كما أعمل أيضاً على إكمال ثلاث دراسات ستصدر في كتب هي: "المثقف والإغتيال" ،"القراءة والتوماهوك"، "إشتراطات النص الجديد".

  • هل يعيش عدنان الصائغ حالة رضا أم حالة قلق أم انتظار أم ماذا؟

  • الرضا، لم يخطر لي يوماً على بال.. ثمة قلق أخّاذ وجميل يفترسني دائماً، وكأني صدى لما ذهب إليه المتنبي:
    على قلق كأن الريح تحتي                    توجهني جنوباً أو شمالاً
    لكن مشكلتي، أنني عبثاً أحاول أن أوجه الريح حسب اتجاهي ..

  • كلمة أخيرة ..؟

  • قبل خمسة عشر عاماً قلت في كلمة أخيرة لحوار أجري لي في إحدى الصحف العراقية: "أن لا إبداع بلا حرية" وأضيف اليوم، هنا في المنفى: "إن لا حرية بلا وعي".


    مجلة ضفاف – النمسا / العدد 9 / فبراير 2002 – عدد خاص

     
    البحث Google Custom Search