أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
الصائغ بين غُبار الحروب والمنافي

حاوره: عبد الباسط بوبكر محمد
أحمد يوسف عقيلة
- ليبيا –

أسعدنا الحوار مع الشاعر العراقى المعروف عدنان الصائغ الذى أجريناه معه مؤخراً، ويسرنا أن نشارك قراء "العرب" تفاصيل هذا الحوار.

  • عدتَ إلى العراق بعد غياب عشر سنوات.. يُقال إنّ نابليون حمل صورة حبيبته.. وبعد طول حروب عاد ليجد حبيبته فى استقباله على أبواب باريس.. وقد ابيضّ شَعرُها.. وتجعَّد وجهُها.. فأَشاح عنها.. كان يعشق الصورة.. كيف وجدتَ العراق..؟ هل وجدتَ وطناً لا يُشبِه صورتَه..؟

  • - عاد الجنرال من حروبه ليجد شيخوخته فى انتظاره على أبواب مدينته مسربلة بالدم والرماد.
    وعاد الشاعر من منفاه إلى بيته وذكرياته ليجد ربيع حلمه أكثر خضرة وأملاً وشعراً..
    وتلك المفارقة تحمل الكثير من اختلافات الشاعر عن الآخر.
    فالشاعر يرى فى وطنه صورة أخرى ومعنيً آخر لا يستطيع أن يراها جنرالات الحروب وتجار السياسة.. إنه يراه فى لثغة الطفل، فى الفرح الخبيء خلف العيون المتفجرة بالدموع، فى تفتق الزهرة، فى رفوف الكتب، فى ضجيج الشارع، فى ميازيب المطر، فى عثوق النخيل، فى أغانى المقاهى العتيقة، فى قبر أمه التى ماتت فى غيابه ولم يرها، فى ذلك النهر الخالد الذى ينساب هادئاً حيناً وصاخباً فى مجراه حيناً آخر غير ملتفت لشيء، فى الأصدقاء الذين ابيضت رؤوسهم وما زالت أرواحهم خضراء خضراء، فى قصاصاته التى تناسلت هناك فى غيابه، فى الحبيبة تنتظر تحت نصب الحرية عودة حبيبها من غبار الحروب والمنافي، والخ والخ.

    ألف رقيب ورقيب

  • فى وطني..
    يجمعنى الخوفُ ويقسمُني:
    رجلاً يكتبُ
    والآخر ـ خلف ستائر نافذتيـ
    يرقبنى .
    هل تبعكَ ذلك القابعُ حلف الستائر حتى المنفي.. وهل بالإمكان أن يتخلَّصَ المبدعُ ــ خاصةً العربى ــ من الرقيب فى داخله..؟ علماً بأنّ الرقيب ليس بالضرورة أمنياً.. فقد يكون اجتماعياً.. فرقابة المناخ لا تقلُّ قسوة.

  • - ظل شبح الرقيب يلاحق المبدع العربى على امتداد تاريخه، يقفز إليه من بين السطور، من خلف زجاج مكتبه، من بين جبة الفقيه، وربطة عنق السياسي.. من بين صنابير المياه، ومن تحت طاولة المقهي..
    نعم، ليس بالضرورة أن يكون الرقيب شرطى الدولة. فهناك ألف رقيب ورقيب، يجسون نبض كلماتك، ويقيسون منسوب ثورتك، ويحاولون تقليم أظافر تمردك..
    لكن - فى بلدى - كان الرقيب الحكومى هو الأكثر شراسة وموتاً. فأى كلمة لا تعجبه يمكنه أن يقصها أو يقص عنقك بأسهل ما يقص به شعر لحيته..
    وهكذا خيم شبحه المخيف والمقيت على الكاتب العراقى بشكل لا يمكن تصوره.
    وكان كلما ازداد سعار الحرب والظروف الاستثنائية فى البلد ازداد هذا الرقيب ضغطاً على عنق الكلمة.. حتى لم تعد تجد مجالاً للصراخ أو للزفير..
    لقد مر العراق بفترة حالكة طيلة العقود الثلاثة الماضية - وهى الفترة التى بدأت بها الكتابة - يا للعنة ويا للهول - ... كنت أكتبُ أحياناً عشرات الصفحات وأمزقها أو أخفيها عن أقرب العيون، ومنها قصيدتى الطويلة "هذيانات داخل جمجمة زرقاء لا علاقة لعدنان الصائغ بها" والتى طبعتها فى بيروت. بعد خروجى من العراق، وسميتها بـ "نشيد أوروك" ..
    لقد بقيت تلك القصيدة فى درجى سنوات طويلة، أكتبها بسرية تامة، ولا أطلع عليها إلا عدداً محدوداً من الأصدقاء الذين وجدت منهم تشجيعاً ورغبة على المواصلة..
    وكانت رغبتى تزداد، فى المواصلة والكتابة، كلما ازدادت شدة الخناق أكثر وأكثر.. فقد كنت أجد فيها متنفساً حقيقياً للبوح أو الصراخ.. فى هذه القصيدة بالذات انتصرت على الرقباء جميعهم، ولم ألتفت لأحد منهم حتى الرقيب الداخلى باستثناء رقابة الضمير.. تركت روحى تنفلت من إسارها وتروى أوجاع الوطن وتاريخه المتاع والملتبس وتفاصيل تلك الأيام المرة التى عشتها جندياً فى الخدمة الإلزامية، لأكثر من 13 عاماً، من ضمنها عام ونصف عشتهما فى إسطبل مهجور للحيوانات، أثناء سنوات الحرب العراقية الإيرانية..
    فى المنفى السويدى الذى أعيش به منذ 8 أعوام، لم يستوقفنى أى رقيب أو شرطى فى جريدة أو باص أو مقهى أو ندوة.. كنتُ أكتب ما أحب وأريد دون أى قيد باستثناء رقابة الضمير الإبداعى والإنساني، وهذا - برأيى - هو المعيار الحقيقى والأمين لكل كاتب وقارئ ووطن..
    أصدرتُ فى منفاى عدداً من الدواوين، آخرها ديوانى "تأبط منفي". وأواصل الآن الاشتغال على نص طويل مفتوح أسميته "نرد النص". ذهبتُ فيه إلى أقصى مديات حرية الكاتب، تلك الحرية التى كنت أحلم فيها منذ أن أمسكت القلم لأول مرة فى حياتى قبل 25 عاماً، محاولاً أن أخط خربشاتى المجنونة الحرة والمشاكسة على أوراق الريح.

    الغربة فى الوطن

  • إنها محنة
    ـ بعد عشرين ـ
    أن تُبصر الجسرَ غيرَ الذى قد عبرتَ
    والسماواتِ غيرَ السماواتِ .
    هل تُشكِّل العودة إلى الوطن بعد المنفى نوعاً من الغربة أو منفيً آخر؟ وهل الغربة ـ حتى فى الوطن ـ قدر المبدع..؟

  • - تواجه الشاعر فى تنقلاته تناقضات المكان. قد يستثمرها شعرياً، وقد تضغط عليه وتنهكه.
    الأمر يتعلق بقدرة الشاعر على التفاعل والاختراق فيما حوله وصهر كل تلك الأيام والغربة والقراءات والألم فى بوتقته، ليخرج لنا بنصه المتفرد الجديد، هذا من جانب، ومن جانب آخر يقف الشاعر أمام قدره فى الوطن مهموماً ومتمرداً وهو يرى نفسه غريباً وسط أهله ووطنه وناسه، حين يجد تنافراً بينه وبين واقع لا يستطيع أن يتآلف معه..
    فى الوطن وفى سنوات الحرب والقمع الطويلة كنا نعيش غربتنا داخل الوطن ونعانى منها.. وهى غربة مؤلمة أشار إليها أبو حيان التوحيدى فى قوله: أغرب الغرباء من صار غريباً فى وطنه، وأبعد البعداء من كان بعيداً فى محل قربه .
    وفى المنفى عشتُ الغربة لسنوات طويلة، لكننى لم أتفاجأ فيها بعد أن ذقتها بصورها الأكثر إيلاماً داخل الوطن.. كان اختلاف المكان واللغة هما العاملان الوحيدان المختلفان فى تجربة الغربة الحالية.
    وهنا يمكننى القول إن زيارتى لبغداد بعد ذلك الغياب، كان لها طعمٌ مختلفٌ تماماً على مستويات عدة، فيها من الفرح الكثير الوجع الكثير وفيها من الشوق الكثير.. وفيها من الخيبات الكثير والكثير..

    تحقق النبوءة

  • بعد أن يسقطَ الجنرالُ من المشنقة
    بعد أن يرسم الطيرُ دورتَه
    فى الهواء الطليق
    بعد أن تتخضَّبَ راياتُنا بالدماءِ..
    ما الذى نفعل؟ .
    الآن ـ وبعد أن تحقَّقت هذه النبوءة ـ ألا يزال السؤالُ قائماً.. "ما الذى نفعلُ" ..؟

  • - أمام الخطابات والشعارات التى خبصنا بها قادة بعض أحزاب المعارضة فى المنفي، كنتُ بعد أن أخرج من قاعاتهم، أصفن طويلاً وأتساءل بمرارة: بعد أن يسقط الدكتاتور.. ما الذى سيفعلونه بالضبط؟..
    هل هم قادرون حقاً على إعطائنا الحرية التى حرمنا منها جميعاً، عندما يمتلكونها؟ وهل سيكونون جادين فعلاً فى ترميم الوطن بعد أن يمسكوا بزمامه؟ والخ..
    أسئلة مريرة وكبيرة كنت أراها ترتسم أمامى وهى لا تطلب ولا تريد خطباً رنانة أو كلاماً مغزولاً، بل فعلاً حقيقياً وجهداً مخلصاً وسلوكاً حضارياً، لبناء الوطن وإنقاذه من الخراب..
    فى قصيدة لى بعنوان: "سذاجة" كتبتها فى حدائق جمعية المؤرخين ببغداد فى 29-6-1993
    أى قبل سقوط تمثال الدكتاتور بحوالى 11 عاماً أقول فيها:
    كلما سقطَ دكتاتور/من عرشِ التاريخِ، المرصّعِ بدموعنا/التهبتْ كفاى بالتصفيق/لكننى حالما أعود الى البيتِ/وأضغطُ على زرِ التلفزيون/يندلقُ دكتاتورٌ آخر/من أفواهِ الجماهيرِ الملتهبةِ بالصفيرِ والهتافات/.. غارقاً فى الضحكِ/ من سذاجتي/التهبتْ عيناى بالدموع .
    لقد تحققت نبوءة التاريخ التى لا بد لها أن تتحقق؟ وظلت أسئلة الشاعر تدور فى شوارع الوطن وتصرخ لوحدها فى أروقة السياسة والريح..

    مقياس الطول

  • إذا طالت القصيدة قَلَّ الشِّعْر.. أو كما يقول الشاعر كولدرج: إنَّ قصيدة على درجةٍ مُعيَّنةٍ من الطُّول لا يُمكن أن تكونَ كلُّها شِعْراً .. القصيدة النثرية الموجَزة أكثر قُدرةً على الوصول إلى المتلقِّي.. ألا ترى أنَّ النصوصَ النثريةَ الطويلةَ نوعاً ما.. تكشف عن ترهُّلٍ واضحٍ فى النص النثري..؟

  • - قد أوافقكما على الصعيد النظرى فى عملية الكتابة الشعرية، لكن على صعيد الجانب العملى أجد الأمر مختلفاً! فطول العمل أو قصره لا يتحكم فى شعرية النص.. كثيرٌ من النصوص القصيرة لا تراها سوى لافتات فارغة. وكثيرٌ من النصوص الطويلة لا تجد فيها سوى اجترار جمل.. والعكس بالعكس، فقد تجد نصاً قصيراً يحمل من التوهج والشد والكثافة والدهشة، ما يجعلك مأسوراً به.. خذ بعض قصائد الهايكوا مثلاً. وقد تجد نصاً طويلاً يرتطم على نافذتك كأمواج البحر التى لا تنتهى روعتها وهى تحمل فى كل موجة دهشتها ولآلئها وألوانها. خذ مثلاً: "ضيقة هى المراكب" لسان جون بيرس، و"المومس العمياء" لبدر شاكر السيّاب، و"أفاعى الفردوس" لإلياس أبى شبكة، و"الكتاب" لأدونيس.. والخ..
    بالنسبة لى لقد جربت أنواع الشعر كله: عمودياً، وحراً، ونثراً. وجربت القصيدة الطويلة فى "نشيد أوروك" التى تمتد على مساحة لأكثر من 500 صفحة فى طبعتها الجديدة. كما جربت القصيدة القصيرة جداً فى ديواني: "تكوينات"، و"تأبط منفي"، التى لا يتجاوز بعضها أقل من سطر. ووجدت أن لا مقياس على كل الذى ذكرت سوى النص نفسه فى إبداعه أو فشله فى توهجه أو انطفائه.

    تعدد حالات الذات

  • فى دواوين الصائغ نرى تعدُّدَ حالات الذات بتعدُّد المراحل التى يمر بها الشاعر.. هل تعتقد بوجود حالة شعرية لكلِّ مرحلة..؟ وهل ترى أنَّ هذا التعدُّد أفاد الشاعر..؟

  • - حياة الشاعر محطات تتعدد أو تقل، تطول أو تقصر.. قد لا تتقاطع على مستوى الكتابة والاتجاه، لكن لكل مرحلة تلاوينها وتجاربها وإنتاجها.. يمكن للناقد أو القارئ أن يلمسها ويحدد مسارات تلك التجربة والمحطات التى توقفت عندها من خلال نصوص الشاعر نفسه، وقد لا يستطيع الإمساك بشيء أيضاً..
    فى تجربتى محطات كثيرة ومتنوعة: الطفولة، الحب، الحرب، المنفي، ومنها تتفرع مسالك عديدة.
    والشعر الذى كتبته فى تلك المحطات هو انعكاس لحالتى ومزاجى وتجربتى وأحلامي.. لهذا أجده متنوعاً ضمن سياق تجربتى الحياتية والشعرية التى تنوعت بشكل غريب وعجيب لا أقدر على مسكها وهى تنفلت من بيتنا الصغير فى مدينة الكوفة بداية السبعينات لتستقر فى بغداد، ثم تروح تجوب المنافى وصولاً إلى جنوب القطب الشمالي، مروراً بالمقاهى وحقول الألغام والمكتبات والنساء والأصدقاء والمعارك الأدبية والصحف والفنادق والريح.
    لقد أعطتنى هذه التجربة الكثير الكثير لكنها بالمقابل أتعبتنى ومرمرتنى كثيراً وكثيراً..

    شعرية الوضوح

  • "الصائغ" فى أغلب دواوينه يُراهن على بساطة اللفظ ووضوح الفكرة.. ألا يأتى هذا على حساب الغموض كعنصر من عناصر إثراء القصيدة..؟ أم أنّ وضوح المُتَّهَم (المرحلة الراهنة ـ الدكتاتور ـ إلخ) أدَّى بالضرورة إلى هذا الوضوح..؟

  • - إننى أرى أن الغموض ليس دائماً عنصر إثراء للنص.. وليس الوضوح دائماً هو المباشرة والفجاجة..
    هذه الإشكالية أوقعت الكثير من الشعراء وبالأخص غير الموهوبين فى افتعال الغموض وتوهمه من أجل تضخيم نصوصهم المصابة بفقر الدم.. فتحولت إلى توابيت لا حياة فيها، وجلاميد لا نبض فيها ولا رعشة و لا شاعرية..
    النص المبدع هو الذى ينساب طبيعياً فى مجرى الحس الإنساني. يقترب من الروح، يشعلها، يستفزها، يرقرق أناشيدها، يمنحها الدفق والخضرة والرعشة، بلا افتعال ولا تصنع..
    لقد عرف العرب القدامى قصائد الصنعة، لكنها لم تعمر طويلاً فى الوجدان فذهبت إلى الأرشيف.. وظلت القصائد الخلاقة هى المتجددة دائماً والخالدة أبداً فى ضمير الناس وذاكرتهم. ولو تتبعت هذا فى ديوان الشعر الإنسانى لوجدت أن ليس للغموض والتعقيد من مساحة تذكر فى هذا الإرث الإنسانى قديماً وحديثاً، شرقاً وغرباً. بل حفظ لنا هذا التراث قصائد غاية فى العذوبة والوضوح الفنى المدهش.
    خذ للشريف الرضي، مثلاً:
    وتلفتت عينى فمذ خفيت
              عنى الطلول تلفت القلبُ !!
    وخذ للمعري:
    ليلتى هذه عروس من الزنج عليها قلائدٌ من جمان ..
    وخذْ للسياب "انشودة المطر"، وخذْ للوركا "عرس الدم"، وخذْ لكافافى "فى انتظار البرابرة"، وخذْ لوالت وايتمن "أوراق العشب"، وخذ لأنسى الحاج "الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع"، وخذْ للبياتى "البحر بعيد أسمعه يتنهد".. والخ
    لهذا لم يكن اشتغالى على الوضوح المضيء من أجل فضح الدكتاتورية أو القبح فقط، بل هو قناعة بشعرية الوضوح.

    القصيدة وشاعرها

  • القصيدة وجه آخر للشاعر.. إلى أى حدٍّ ترى أنّ القصيدة تحتوى وقائع حياة الشاعر..؟

  • - نعم تحمل القصيدة الكثير من ملامح الشاعر وحركة أصابعه وتاريخه وسيرته وذاته.. لكن ليس بالضرورة أن تكون متطابقة حرفياً معه بل يمكن أن تحمل الكثير من حيوات الآخرين.. فذات الشاعر فى اتساعها الإنسانى وتلونها ليست بالضرورة هى شخصه، بل يمكن أن تكون هى جميع الذوات الإنسانية التى تحيطه أو التى قرأها أو سمع بها أو عايشها أو حلم بها.. وهنا يقع الكثيرون من النقاد والقراء فى الخطأ المتكرر، حين يبتغون دراسة حياة الشاعر أو محاكمته من خلال نصه فقط.

  • يقول ماركيز: الرواية لا تبدأ كما يريد الكاتب.. بل كما تريد الرواية نفسها أن تكون .. هل القصيدة كذلك..؟

  • - قد ينطبق هذا القول على القصيدة أكثر مما ينطبق على أى نص آخر: رواية أو قصة أو مسرحية والخ.. لكن من قال إن ماركيز روائيٌ فقط!؟ لقد كنت أقرأ له خريف البطريرك وكأننى أقرأ فى قصيدة. نعم، فى قصيدة باذخة الصور والغرائبية والدهشة.
    وأعود إلى تمرد القصيدة على أصابع الشاعر، وتحكمها فى توقيت مواعيدها، فى حضورها وغيابها، فى بوحها وصراخها، فى جنونها وشطحاتها، فأقول إن القصيدة قد تأخذك إلى مديات لم تكن تتوقعها أو تحلم بها وتسافر بك إلى بحار وأرخبيلات. وتجوب بك شوارع ومطارات لم ترها من قبل.. كل ذلك وأنت مستسلم لأمطارها على أوراقك العطشي..
    قد تساعدها قليلاً أو تتحكم بها قليلاً من خلال تجاربك وقراءاتك، لكنها - وهنا الغرابة - يمكنها أن ترفض كل هذا الذى تمنحه إياها وتتوغل فى التمرد والتفرد أو الصدود..

    شعر المنفي

  • هل لدينا شِعْرُ مَنْفَى كما كان لدينا شِعْرُ مَهْجَر..؟ وإذا كان الأمر كذلك.. فبماذا يختلف أحدهما عن الآخر..؟

  • - شعر المنفى الذى اتسع فى السنوات الأخيرة وتكاثرت اتجاهاته وهمومه لا يمكن أن نعده تقاطعاً مع حركة القصيدة العربية بل تنويعاً على إيقاعها.. لكنه أكثر حرية وتمرداً وانفلاتاً من الكثير من القيود التى تكبل حركة الشعر فى أوطاننا.
    وتأثيراته الفنية والموضوعية تقترب - كثيراً أو قليلاً - من تأثير حركة شعراء المهجر فى بنية الشعر العربي، فى بدايات القرن الماضي، وأن اختلفت المفاهيم وتنوعت هنا وهناك..
    من هنا يمكننا القول إن شعر المنفى اليوم هو الأكثر جرأة، والشكل الأكثر تطويعاً لحركة الواقع المتسارعة باستمرار.

    عدنان الصائغ فى سطور

    ـ الشاعر عدنان الصائغ ولد فى مدينة الكوفة فى العراق عام 1955.
    ـ عضو اتحاد الأدباء العراقيين والعرب واتحاد الأدباء السويديين.
    ـ أصدر 10 مجموعات شعرية.
    ـ تُرجمت بعض قصائده إلى لغات عديدة
    ـ حصل على جائزة هيلمان هاميت العالمية للإبداع وحرية التعبير/ عام 1996 فى نيويورك.
    ـ وحصل على جائزة الشعر العالمية عام 1997 فى روتردام.
    ـ يقيم فى السويد منذ نهاية 1996.


    * صحيفة العرب اللندنية 26/04/2004

     
    البحث Google Custom Search