أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
عدنان الصائغ.. شاعر الوطن والغربة، يصرخ: أما آن لوطني أن يهدأ!؟

حوار جمال البستاني
- عمان -

من أين أبدأ الكلام عن الشاعر "عدنان الصائغ" الذي فضل الشعر على الذهب تاركاً مهنة أجداده "الصياغة" وراح يصوغ بمهارة قلائد من قصائد ويضعها فوق جسد الوطن المدمى بالحروب.
وماذا أقول عنه وقد ورث الحزن والمنفى عن شاعر المطر...
فكأن الحزن والوجع يتناسل فينا من شاعر لشاعر .. لذا تمكان "عدنان الصائغ" أن يعبر أصدق تعبير عن مقدار الوجع الجمعي من خلال أوجاعه هو ومن منفاه البعيد جداً "جنوب السويد" فلم تسرقه المنافي أو تسرق شاعريته وحسه المرهف وحنينه للوطن ولدروبه الموصلة.. وكأنه لم يفارق قط وطنه العراق لحظة... او ينقطع حبله السري عنه.
إنّهُ فنان تمكن ببراعة أن يرسم خارطة الوجع العراقي الممض.. من خلال مشهدية صاعقة تلامس الحقيقة وتقترب من الخيال.. إنَّ لعدنان الصائغ دستوره الشعري المتضمن هوسَهُ في رصد حركة اللحظة المنسية والعابرة.
إنه مدون بارع لتاريخ الوجع العراقي، فمن خلال مجهره العجيب يضع كل ما يغيب عنا تحت أعيننا وأحاسيسنا، لا ليدلنا على موضع الألم فقط، بل ليوصلنا إلى اكتشاف ذواتنا المغيبة في غبار الحروب الوهمية.
إن ملخص رسالته الشعرية
صرخة مدوية ومفزعة، لكنها أيضاً صرخة حالمة، نافرة، متأنية، ومشاكسة أيضاً.. ذلك هو عدنان الصائغ
وهذا حوارنا معه:

  • كيف وجدت وطنك بعد الغربة.. هل عرفك جيداً.. ام أن قدر الشعراء أن يظلوا يعيشون غربة زمانية ومكانية دائمة؟ حدثني عن لحظة اللقاء بوطنك العراق؟

  • - وقفتُ على نهر دجلة أناجي أمواجه التي حملت طمي التاريخ والطغاة والفقراء والشهداء وأقول: أما آن لوطني أن يهدأ؟ أما آن لجراحاته ان تلتئم؟ أما آن لطيوره المهاجرة في أصقاع المنافي أن تعود؟ أما آن لفجر الحرية أن يبزغ؟..
    فأسمع قهقهاته من بعيد، كأنها صدىً لأصوات شعراء مرّوا هنا قبلي وهم يتحسرون حنيناً وتفجعاً
    أسمع الجواهري ينشد:
    حييتُ سفحك عن بعدٍ فحيني
              يا دجلة الخير يا أم البساتين
    وأسمع أحمد الصافي النجفي يردد:
    ياعودة للدار ما أقساها    أسمع بغداد ولا أراها
    وأسمع مصطفى جمال الدين يغني:
    بغداد ما اشتبكت عليك الأعصرُ
               إلا ذوت ووريق عمرك أخضرُ
    لكنهم ماتوا بعيداً عن بغداد، ودفنوا هناك في منافيهم البعيدة!! فهل ستعود أجداثهم الطيبة إلى تلك الأرض الطيبة التي تغنوا بها كل عمرهم وشعرهم؟
    استذكرُ هنا والكثير من المواجع وأنا أجول في شوارع وطني بعد غيبة لأكثر من عشر سنوات متنقلاً في منافي الأرض شرقاً وغرباً، أعود إلى المقاهي والأصدقاء لأجدهم قد شاخوا كثيراً، لكن روحهم اللائبة ظلت خضراء..
    تحدثنا طويلاً كأنا نحاول أن نختصر كل ما مّر بنا في حكاياتٍ وأنينٍ ونصوصٍ، وقد تحول المشهد برمته إلى نصٍ طويل وموجع، عصي على الكتابة..
    أخذني الأصدقاء إلى الاتحاد العام للادباء العراقيين وأقاموا لي أمسية شعرية فيها.. كنتُ أتطلع إلى وجوههم وأقرأ..، كأنني أسترجع كل ما مرّ بنا..
    ثم تلتها أمسية في ملتقى الجماهير الإبداعي في باب المعظم، والمركز الثقافي العراقي السويسري، وفي أماكن أخرى، وعلى ضوء الشموع كنتُ أقرأ وأستمع لهم: مداخلاتٍ ونصوصاً واستذكارات..
    كانت حقاً أياماً لا تنسى رغم المكابدات اليومية وأصوات الانفجارات والظلام، لكن كان ثمة أكثر من أمل وبارقة حب تلوح في عيونهم، تلوح في الأفق القريب..

  • مررت في طريقك إلى المنفى البعيد. بعمان وبيروت، حدثني عن هذه المحطات التي هي جسور للمنافي البعيدة، وكيف وجدتها الآن وأنت تعود اليها قادماً من منفاك السويدي؟

  • - في ديواني الأخير "تأبط منفى" حاولت أن أختصر هذه المحطات التي مررت بها في قصيدة طويلة بـ 16 مقطعاً، تحت عنوان "أوراق من سيرة تأبط منفى"، كنتُ أمرّ فيها على المدن والعواصم كأني أورّقّ كتاباً، دونتُ فيه شيئاً من ذكرياتي وأحلامي وأيامي.. فكانت عمان محطتي الأولى التي وصلتها صيف عام 1993 وعشتُ فيها قرابة عامين ونصف.. كنتُ أعمل في صحيفة أردنية أسمها "آخر خبر" سرعان ما أفلست وأوصدت أبوابها وتركتني للريح.. بقيتُ أكتب هنا وهناك، عابراً كل يوم من بيتي إلى مكتبة شومان أواصل كتابة "نشيد أوروك".. كنتُ أمرّ على شارع يحمل أسم "شارع أحمد الصافي النجفي"، وتأخذني غصة وحسرة.. كيف تتغافل شوارع بغداد والنجف عن حمل أسم شاعرها الغذ..
    في هذا اليوم 4/2/2004 وأنا أجلس في أحد المطاعم الأردنية، تعرفت على دكتور عراقي قادم من امريكا يبحث عمن يدله على هذا الشارع الذي يحمل أسم عم أبيه "الشاعر أحمد الصافي النجف".. صرختُ لهذه المفاجأة أو المفارقة وأخذته مع كامرته إلى ذلك الشارع الذي مشيتُ فيه لأكثر من عامين ونصف.. ومعه استعدت أوجاع وطني وغربة أهله وشعرائه الذين يُحتفى بهم في كل عواصم العالم عدا وطنهم..

  • وأنت في المنفى... من أين تستمد لغتك الشعرية وهل تعتقد بأن الغربة تقتل روح الشاعر؟

  • - طالما أحسستُ أن في داخلي نسغاً يوصلني بسرة الأرض، ووجعها، ليسري في دمي ويغذيني دائماً، ففي أقصى الشمال الأوربي حيث أرست بي أقدار منفاي، كنتُ أفتح نافذتي على الغياب، فأجد أمامي جسر الكوفة يمتدُ بخطاي إلى أزقة مدينتي وطفولتي، ومنها انحدر صوب نصب الحرية لاجدها تنتظرني هناك بفستانها الأزرق وعينيها الحالمتين.. ومنها ستأخذني سواتر الحرب والشظايا إلى تلك السنوات المرّة.. وتعود بي إلى أولى محطات المنفى في عمان، فصنعاء، فعدن، فالخرطوم، فدمشق، فبيروت، فالسويد..
    هذا المنجم الكبير للعذابات الانسانية زودني ولايزال بالكثير من الموضوعات والصور الشعرية التي قد تراها تتراكض بين السطور شهادة مرّة وحية عن كل ما عشناه..
    الغربة إذن لا تقل روح الشاعر اذا امتلك نسغه وغذاه بالجديد والمثير... بل قد تنقله إلى محطات أخرى ملونّة وساحرة، أكثر حريةً وتفرداً..
    اما المواهب الضعيفة فقد تتجمد وتموت في الصقيع...

  • كيف تستشرف آفاق الحركة الشعرية بعد أن طويت صفحة سوداء من تاريخ العراق... وزالت الضغوط السياسية عن المثقفين... من أين ستنطلق برأيك رؤى وتصورات الشعراء مستقبلاً؟

  • - الحركة الشعرية العراقية على مدار أجيالها واختلاف مشاربها ظلت حييةً ومتوهجة ومتجددة رغم سحب الدخان وأسلاك الدكتاتورية ودوي مدافع الحروب الطويلة.. كان الشعر عصياً على الانكفاء.. وكان الشعراء بأرواحهم اللابئة الخضراء يراوغون مقصات الرقيب وحقول الألغام.. سقط القليلون منهم لكن المسيرة الشعرية ظلت سائرة في طريقها بصبرٍ وتحدٍ وجمال، تجترح مسالك ودروباً متفردة، راسمةً شكلاً جديداً ومتميزاً للقصيدة، هو الأجرأ والأحدث في الحركة الشعرية العربية والعالمية..
    قد يختلف معي الكثيرون على قولي هذا.. لكني أراهن عليه..

  • كُتب عن تجربتكم الشعرية العديد من النقاد، فمن منهم شخص نقدياً تلك التجربة بدقة وصدق وموصقوعية؟

  • - أنا سعيدٌ أن يتناول تجربتي الشعرية عددٌ جميل وواسع من النقاد والشعراء المبدعين وقد وضعني هذا الأمر أمام مسؤولية الكلمة والسعي إلى تطوير التجربة واثرائها وإلى الكدح والقراءة والاستشراف..
    أذكر منهم باعتزاز، الشعراء: عبد الوهاب البياتي، سعدي يوسف، حسب الشيخ جعفر، شيركو بيكه س، رشدي العامل، د. صلاح نيازي، د. عبد العزيز المقالح. والروائي والناقد جبرا ابراهيم جبرا. والنقاد: فاضل ثامر، د. حاتم الصكر، ياسين النصير، د. علي عباس علوان، د. عبد الرحمن الكيالي، عبد الجبار داود البصري، مدني صالح، يوسف نمر ذياب، سعيد الغانمي، د. حسن ناظل، د. خليل الشيخ، وغيرهم الكثير..
    وهم أضاءوا تجربتي وسلطوا الضوء على أشياء كثيرة لم أكن منتبهاً لها.. وكلٌ أخذ زاويةً للقراءة والنظر تختلف عن الآخر، لكن مجمل ما كتبوه كان أشبه بتنويعات على وتر التجربة.. نعم، كان كلٌّ له مذاقهُ واستشرافه وتحليقاته الباهرة التي حملت نصوصي إلى نوافذ القراء وطرقتها بقوة..

  • يلحظ في نتاجك الشعري جنوحك لتدوين اللحظة.. بمشهدية سافرة. ماسر ذلك الإهتمام....؟

  • - وجدتُ في الحياة وفي مفارقاتها الساخرة والمرّة، مادةً كثيرة وخصبة للتناول الشعري.. وما حياتنا إلا سلسلة مغارقات تبدأ من لحظة بكائنا أمام وجه القابلة المأذونة التي ستجرنا جرّاً إلى الحياة وسط زغاريد الأهل، لتبدأ بذلك أولى مشاهد اللحظة الفاصلة ومنها ستدور بنا الدنيا في تلاوين صورها وغرائبها شرقاً وغرباً، غنىً وتشرداً، فرحاً واحباطاً.. وبين هذا وذاك تمدّ القصيدة برأسها المشاكس لترقب كل هذا وتدوّنه بلغتها الساحرة، راسمةً صورةً أخرى للعالم الذي نعيشه أقرب إلى اليوتوبيا حيناً، والى المفارقة الساخرة حيناً آخر...
    وما الشاعر إلا مدوّن السخرية والألم معاً...

  • بماذا ترد على أفلاطون اذي أبعد الشعراء عن جمهو ريته؟

  • - حسناً فعل، لأنهم سيخربوها بالتأكيد ويطردوا الفلاسفة والسياسين منها.. ليشيدوا مملكتهم السرمدية الأكثر طهارةً وبهاءً وجمالاً وشعراً...
    ربما أحسس افلاطون بهذا الخطر القادم منهم، فطردهم من مملكته وجاء بعده السياسيون والطغاة ليطردوهم من أوطانهم.. فعاش الشعراء الباهرون - على مدى العصور والأمكنة - منفيين، يحملون شعلتهم الأبدية ليضيئوا دهاليز التاريخ وأقانيم الوجود، منشدين للحب وللحرية ولربيع الانسان..
    لابأس، إذن أن يطردونا من جمهورياتهم التي عاشت بها فئران الحرب وحراس الطغيان.. وعذراً لافلاطون الذي لم ينتبه لهذا..
    فأقول: إن مملكة الشعر قادمة...

  • تنطلق التجربة الشعرية من فلسفة وروح متسامية.. ما هي المنطلقات الفلسفية التي حملتها قصيدة عدنان الصائغ؟

  • - أكمل ماقلته سابقاً، بأن الفلسفات والسياسات والايديولوجيات لم تمنح الانسان سعادته المنشودة، عدا الشعر الذي كان هو الألصق لنبض الانسان ومكابداته وأحلامه.. وهو الأكثر براءةً ونقاءً وجمالاً ودهشة.. لهذا كان الشعر على مدار تاريخه سجلاً حقيقياً وملاذاً سرمدياً له في غربته وكدحه ومعاناته..
    من هذه المنطلقات الشعرية بدأت بحثي عن فلسفة الوجود الخفية فوجدتُ أن ملحمة كلكامش – القصيدة الأولى في التاريخ – قد سبقت جمهورية افلاطون وما قبلها في تفسير الوجود وما وراءياته، تفسيراً أعمق وأغني، وقد تركت سؤاله الأزلي مفتوحاً على لسان صاحبة الحانة:
    "إلى أين تسعى يا كلكامش
    أن الحياة التي تبتغي لن تجد أبداً"

     
    البحث Google Custom Search