أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
     
القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع

كركوك

كركوك..
شوارع تؤدي إلى القلعة
وقلعة تنفرطُ - كعنقودٍ مدهشٍ - إلى شوارع، وظلالِ بيوتٍ، ونساء، ومآذن، و"حَبِّ الشمسِ"، وجنودٍ مستجدين، ومقاهٍ مكتظةٍ، وشراويل براقةٍ، وفنادق باردةٍ..
أعود إلى كركوك بعد خمسة أعوام
ياه.. كمْ تتغير المدنُ..
أزقةٌ تتناسلُ كالقططِ،
وأخرى تنقرضُ كأحلامٍ قديمةٍ
ومحلاتٌ تغيّرُ عناوينها بتغيّرِ المواسم
ووجوهٌ تشيخُ
             وجوهٌ تحييكَ ولكنك لا تعرفها
             وجوهٌ تحدّقُ فيكَ ولا تعرفكَ..
كمْ شختَ إذن ولا تدري
أم أنّهُ قلبكَ المثقوب الذي تبرر به نسيانَكَ دائماً
أهي المدينة التي تغيّرتْ أم الذاكرة
ذهبتُ أفتشُ عن المكتبة التي تعوّدتُ في أيام النـزول (كلّ اثنين وخميس) أن أتزودَ منها بالكتبِ والمجلاتِ، وأحياناً الصحف التي لا تصل…
عندما وصلتُ، وجدتُ مكانها مطعماً..
تحسّرتُ من كلِّ قلبي.. وقلتُ: لأدخل أيضاً..أتعشى إكراماً لذكرياتي
تأملتُ الحيطانَ المزيّنةَ بالصورِ، والمرايا التي تعكسُ الأفواهَ الماضغةَ..
وتذكرتُ مكانها:
الجدران التي كانتْ تنوءُ برفوفِ الكتبِ
         هنا كان دانتي يحتسي قهوته مع أبي العلاء المعري
         هنا مر جبران خليل جبران، وسعدي يوسف
         هنا، على هذا الرفِّ المائل قليلاً
         كان مايكوفسكي يصغي باهتمامٍ لصديقه أراغون
         وهو يقرأ قصائده عن عيون إلزا
         في هذه الزاوية سقط الجاحظ على رأسي
         فتناثرتْ أوراقه وأفكاري
         في هذا الركن رأيت زوربا فهربتّهُ معي إلى المعسكر..
علّقتُ ساخراً وأنا أغادرُ صاحبَ المطعم ذا الكرش المربع:
- إنها فئرانُ المطاعمِ التي تقرضُ المكتباتِ، والمقاهي أحياناً....
أين أمضي؟
لا أتذكّر عناوينَ أصدقائي القدامى
ولا عناوينَ أفلام السينمات تغريني بالتدافعِ مع الآخرين..
والهاتفُ الوحيدُ في المدينةِ يكتظُ على اسلاكهِ حنينُ الجنودِ إلى أهاليهم،
أغلقَ إذنيه عن ندائي المبحوحِ...
مضتْ ساعتان
وأنا أجوبُ الطرقاتِ وحدي..
ما أوحشَ المدن بلا أصدقاء
قلتُ: لأتصل بجليل القيسي
كان مسافراً إلى أربيل
قلتُ: لأتصل بمحمود جنداري
كان مسافراً إلى الموصل
قلت لأتصل بمرشد الزبيدي
كان مسافراً إلى بغداد ..
يا لحماقة المصادفات المجنونة
ما هذا؟ كأنهم اتفقوا على أن يتركوني وحيداً مع خطاي وذكرياتي…
جرّبتُ الكتابةَ..
في السطرِ الثالثِ توقفتْ أفكاري تماماً
بدأ أخطبوطُ الكآبةِ يزحفُ على أوراقي
أوقفني جنديٌ على الرصيفِ:
- أين مقرُّ "السَرِيةِ الثانيةِ"؟
تأملتهُ صامتاً:
عينينِ وحيدتين مثلي،
و(يطغاً) صغيراً يختصرُ تأريخَ معاركٍ طويلةٍ ومدنٍ وشهداء وأفواجٍ، مثل (يطغي) الذي كنتُ أحملهُ في تنقلاتي، بين الأفواجِ والمعاركِ
وحقيبةً جلديةً سوداء ..، كتلك التي أضعتها في القطارِ
قلتُ له:
– هيا بنا…
أنا ماضٍ إلى هناك
لنقطع الطريقَ بالثرثرات

1988  معسكر كركوك


القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع
 

البحث Google Custom Search