أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
     
القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع

المدينة

وداعاً أيتها المدينةُ، هل ينبغي أن نضيفَ شارعاً آخرَ كي تطولَ أحلامنَا أو خطواتنا؟ هلْ ينبغي أن نبكي كثيراً كي تتفجرَ نوافيركِ في الساحاتِ؟ هلْ ينبغي أنْ نجوعَ كي نعشقَ الأشجارَ والفتياتِ والوظيفةَ وواجهاتِ المطاعمِ؟ هلْ ينبغي أنْ نقرأَ كثيراً وندخنَ كثيراً وتظهرَ صورنُا في الجرائدِ كثيراً كي نكونَ شعراءَ مشهورين؟ هل ينبغي أن نثرثرَ في المقاهي عن سان جون بيرس وأنسي الحاج كي يتهمنا النقادُ بالحداثةِ؟ هل ينبغي أن نبقى قرويين أمام الفتياتِ، نحدّق ببنطلوناتهن القصيرةِ الضيقةِ وننسى أمام فاتورةِ النادلِ كمْ ستزداد ديوننا آخرَ الشهرِ؟ هل ينبغي أن نراوغَ أحزاننا في الأرصفةِ المكتظةِ، مرتبكين أمامَ مرايا المحلاتِ والنساءِ كي لا تشنقنا ربطةُ العنقِ المستعارةُ؟ هل ينبغي أن نهذّبَ كثيراً من شراسةِ كتاباتنا كي تكون لائقةً للنشرِ أو نهذّبَ كثيراً من شراسةِ أحزاننا كي نكون لائقين أمامَ الآخرين؟

هل ينبغي هذا؟ أو هل أحتاجُ إلى أن أعلّقَ قلبي كالساعةِ على حائطِ الغرفةِ كي لا ترين شروخَ الذكرياتِ، بينما يتأرجحُ رقاصُ الألمِ ذارعاً فضاءَ حبكِ، جيئةً وذهاباً، مثلما أنا أتخطى سكونَ الغرفةِ محدّقاً بهذا الشحرورِ الأصفرِ وهو يتأرجُ على الغصنِ، بينما أنا أذرعُ أرضَ الغرفةِ الضيقةِ، جيئةً وذهاباً، تماماً مثلَ حركةِ الرقاصِ [ تسمينه القلقَ، وأسميهِ قلبي ].. لماذا لا أديرُ وجهي عن المدينةِ، عن الأزقةِ التي أورثتني السلَّ ورائحةَ الباقلاءِ، عن علبةِ الصفيحِ والدخانِ والإعلاناتِ.. لماذا لا أغادرُ صحفَ المدينةِ والعماراتِ التي لا تكفُّ عن التناسلِ.. إلى مروجِ القصيدةِ. هناك حيث أنتِ بثوبك الطفولي الأصفرِ تمشين حافيةً على عشبِ أحلامي بينما تحومُ الفراشاتُ حول شَعركِ الطويلِ وهو ينسكبُ إلى النهر. أنحني على الضفةِ لألملمهُ فلا أرى غيرَ تقافز الأسماك وهي تلبطُ بين الظلالِ والطمي، وحيثُ القروياتُ يحملن جرارَ الماءِ ويتكسّرن بغنجٍ مثيرٍ.. كيف لا تدركين من طول تحديقي في وجهكِ أنني رجلٌ أبحثُ عن القرى التي نسيتها في كراساتِ طفولتي. ها أنني أشمُّ عبقَ الحنطةِ في حقولِ يديكِ المرتبكتين. أتأملُ قوسَ حاجبكِ وهو ينحني على النهرِ كالجسرِ، حيثُ تعبر أحلامي إلى الضفةِ الأخرى من عينيكِ.. هل تراني سأكفُّ عن التحديق في عينيكِ كي لا يربككِ الرجل الذي في داخلي، وأقصدُ الشحرورَ أو الغيمةَ. الشحرور الذي تركَ الغاباتِ وانزوى في قفصكِ، معطلاً عن الغناءِ والأحلامِ والمطرِ. وهل ستكفّين عن التحديقِ في غيومي، وأقصدُ عيوني، كي لا تنكسرَ خيوطُ المطرِ على رصيفكِ.. أنا رجلٌ من دموعٍ وشوارع. هل أقولُ لكِ كوني أقلَّ روعةً، لأكون أقلَّ جنوناً. هل أقولُ لكِ أن كلَّ ما في حياتي من فوضى وأخطاء ونرجسٍ هي بسببكِ. بسببِ هذا الخيطِ الرفيعِ من الألمِ الذي يفصلُ شفتي عن شفتيكِ.. وأقصدُ خيطَ التأوهِ وهو ينفلتُ من أصابعنا المتشابكةِ، ماراً بكلِّ الينابيعِ والحقولِ والنعاسِ باتجاهِ القصيدةِ، وأقصدُ نعاسَكِ على حافةِ الكرسي وقد تعبتِ من التحديقِ في شوارعِ المدينة، وأقصدُ وجهي.. وداعاً أيتها المدينةُ، لنَ نضيفَ شارعاً آخرَ ولا حزناً جديداً، ولا حباً ولا مجداً، ولا عماراتٍ ولا باصاتٍ، ولا موظفين ولا أشجاراً ولا ذباباً، ولا أحلاماً ولا بنوكاً ولا.. ولا .. يكفي أننا زرعنا شوارعكِ بحماقاتنا، ورجعنا إلى قرى الطفولةِ منكسرين كأشجارِ الصفصافِ  التي سحقتها السرفاتُ الثقيلةُ وهي تعبرنا إلى الحرب..


القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع
 

البحث Google Custom Search