أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
خارج المتن:

الكوفة وغيمة الصمغ

يكتبها: عبد المجيد الجمني
".. إلى عدنان الصائغ"

سعيدة هي المرأة التي ستلتحف هذه الكلمات.. ورقيق هو الجِيد الذي سيتخذ شكلها.. فهل ستتسع قلادتها لأحرف قدّت من الزمرّد بل قلْ زمرّدا تحوّل إلى شعر.. يعانق الشعر الضفتين.. ويقف توهّجه في الرافدين وتنتصب خيمته فوق سماء حدائق بابل المعلقة..
يتفتح الصدر على الأقحوان.. ويعسر توجيه القصيدة.. ويكبر فيك السؤال: أتكتبني أم أكتبها.. هل يجوز مثل هذا السؤال لمن كان القصيدة وشاعرها..
أعبر الديوان.. تسكنني التفاصيل.. ويلفحني عري الحالة والكلمة.. أية إشراقة تسكن حرفك وسط خراب المدن.. وأي ماء هذا الذي يروّي قحط الجسد وقحط الذاكرة..

"تنأى المنازل
تنأى الحقول اليبيسة
وتنأى المسافات بين النوافذ والقلب..."

لكننا نلتقي.. فالموت يا شاعري روّضناه وأرديناه أليفا.. يؤنسنا كسيجارة أو كأس خمر أو شفتي امرأة..
إن القنابل التي تتراكض حاسرة الرأس لم تعد تفزعنا.. فالحرب ظل لنا.. وهل يهرب الإنسان من ظله ومن حتفه ومن حلمة تفتحت أقحوانة على قبور الشهداء..
أية كاميرا تسكن شاعريتك.. كيف اغتلت "ميدوزا" ونطقت الحجر ومنحته حياة لن تسلب منه..
يا سليل جلجامش.. ويا مروّض الوحش والوحشة، هي التفاصيل لا تلتقطها إلاً عينا ساحر.. واللغة لا يملك ناصيتها إلا الأنبياء...
افتحْ سفرك
ورتّل ما طاب لك من الشعر.. إن الخمرة لم تعد تسكرنا.. والموت لم يعد يرعبنا.. والحياة.. نحن لها مهما علت أسوار طيبة وتهاطلت سهام جندها..
يأسر عبق التفاصيل وقتامة اللحظة قارءك، ولكنه مع الخاتمة سرعان ما يفكّ القيد ويصرخ في وجه أول امرأة تعتريه:
دثريني.. دثريني يجتاحني اللحظة برد الله وبحر الكلمة..
دثريني.. دثريني.. بل ظلليني غيمة تحجب عني الطائرات.. فكل ما نملك وطناً مثل أحلامنا.. جسداً ألهبته السياط..
مولاي.. هي الكوفة.. طفولة أمّة يانعة .. وقبّة ذاكرة يافعة.. ومرقد القادم من أحلامنا..
مولاي.. أحسد حبوك على العتبات.. وبحثك في المزار عن وجه امرأة تلتحف السواد..إني أرى الجمل الآن يحمل السيدة ويجثو على الأبواب.. وأرى طفولتك في محراب اللغة..
كيف حال الصرف والنحو والفقه والسيف والقرطاس..
إني أرى امرئ القيس وحده باكياً في الفلاة.. لا خمر.. ولا أمر.. سوى سمّ تورّد ورما على الجلد.. حصار على يمينه وآخر على اليسار..
فلا تبك يا صاحبي:

"سنضرب في التّيه
ضرب القمار
فأمّا نرى البحر يا صاحبي
أو نموت معا، غربة
في الرمال..."


(*) صحيفة "الرأي العام" – تونس - في 14/7/1993
 
البحث Google Custom Search